المقدمة الأولى :
المبادئ العشرة لعلم النحو
معلوم
أن العناية بأصول العلم – أي علم - وتأصيله هي الأساس والأصل ، ومن ضبط
الأصول ضمن الوصول بإذن الله تعالى ، وقد وضع عدد من المؤلفين بعضًا من
الضوابط ونظموها ليسهل حفظها ؛ لأن النظم أثبت في الذهن .
ومن ذلك قول الناظم الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى ، أبو العباس ، المقّرِي ،التِّلمساني :
مَــن رامَ فــنـًّا فــلْيــُقـــــدّمَ أولا ** علماً بحده وموضوعٍ تلا
وواضـــعٍ ونِسْـبة وما اســتمدّْ ** منه وفضلِه وحكمٍ يُعتمـدْ
واســـمٍ ومــا أفـــادَ والـمــسائل ** فتلك عشرٌ للـمُـنى وسائلْ
وبعضُهم منها على البعض اقتصر** ومَن يكنِ يدري جميعَها انتصرْ
ومن
ذلك أيضًا قول محمد بن علي الصبان ، أبو العرفان ، المصري ، المتوفى في
القاهرة سنة ( 1206 هـ). وهو صاحب الحاشية المشهورة على شرح الأشموني في
النحو ، وغيرها :
إن مبــادي كـــلِّ فـــنٍّ عشرة *** الحــــدُّ والمـوضـوعُ ثــم الثمـرةْ
وفضلُــه ونسبـةٌ والـواضـــــعْ ** والاسمُ والاستمدادُ وحكمُ الشارعْ
مسائلٌ والبعضُ بالبعض اكتفى *** ومَن درى الجميعَ حازالشــرفا
والأخير هو ما سنعتمد عليه بترتيبه في بيان مبادئ علم النحو .
وهذه المبادئ العشرة هي :
أولا : حد علم النحو : وهو ما يسمى التعريف ، فأمّا حد النحو لغة :
فيطلق ويراد به عدة معان ، منها :
الجهة- الظرف - اتجهت نحوالبيت.
القصد : نحو : نحوت معروفه . ونحوت نحوك .
المثل:زيد نحوعمرو.
القدر:عندي نحو ألف ريال .
النوع:هذا الشيء على خمسة أنحاء .
الأصل: محمد نحوه من مكة .
القسم : نحوت مالي بين أولادي ، و هو على أربعة أنحاء .
بعض : أكلت نحو الطعام .
ويأتي
أيضًا بمعنى : النوع ، وعند ، والقرب ، واسم قبيلة تسمى : بنو نحو، وهم
قوم من الأزد ، والإمالة : نحوت جسمي . لكن المشهور الستة الأُوَل .
وأكثرهن الثلاثة الأُوَل .
وقيل : النحو في اللغة يأتي على أربعة عشر معنًى أشهرها ستةُ معانٍ مجموعة في قول الناظم :
قصدٌ ومثلٌ جهةٌ مقدارُ *** قِسمٌ وبعضٌ قالَه الأخيارُ .
وقال الداودي :
للنحو سبع معانٍٍ قد أتت لغة *** جـمعتها ضمن بيــت مـفردٍ كـمُلا
قصد ومثل ومقدار وناحية *** نوع وبعض وحرف فاحفظ المثلا
ويحتمل أن يكون مصدرًا : نحوت نحوًا قصدته . قال أبو الفتح : وأصله المصدر .
واصطلاحًا : له عدة تعاريف فمن ذلك :
* العلم الذي يدرس الجملة .
* علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم إعرابًا وبناءً . ( وهو أحسنها )
* علم بالأحوال والأشكال التي بها تدل ألفاظ العرب على المعاني، والأحوال : وضع الألفاظ في تركيبها للدلالة على المعاني المركبة .
*العلم بالقواعد التي يعرف بها أحكام أواخر الكلمات العربية في حال تركيبها من الإعراب والبناء وما يتبع ذلك .
ويقصد بمعرفة الأصول في النحو أي معرفة القوانين الكلية التي تطبق على الجزئيات.
ثانياً : موضوع علم النحو :
الكلمات العربية من حيث عروض الأحوال لها حال تركيبها كالإعراب والبناء .
أي أن النحو يبحث في أحوال أواخر الكلمات العربية في الجملة ، وليس في حال
الإفراد الذي يختص به علم الصرف .
ثالثاً : ثمرته :
أهمُّها : فهم الكتاب والسنة ، وأنعِم بهما ثمرة ،!! وقد قيل : إن من ثمار
تعلم النحو : صون اللسان عن خطإ النطق ، والبنان عن خطإ الخطِّ ، والجنان
عن خطإ الفهم ، والأركان عن خطإ العمل .
رابعًا : فضل علم النحو : هو دعامة العربية وقانونها الأعلى ، روي عن عمر بن الخطاب : " تعلموا اللحن والفرائض فإنه من دينكم " .
ومن كلام مالك بن أنس " 179 هـ " : الإعراب حَلي اللسان فلا تمنعوا ألسنتكم حُلِيَّها . وقال الشعبي : النحو كالملح للطعام .
وذكر
السيوطي أن النحو يُفتضح فاقده بكثرة الزلل ، ولا يصلح الحديث للحّان .
وقال الجاحظ : كان أيوب السختياني يقول : تعلموا النحو فإنه جمال للوضيع
وتركه هجنة للشريف .
وقال بعضهم :
النحو زَيْــنٌ للفــتى يُكْـِرمُهُ حيــثُ أَتَــى
مـن لم يَعْرِف النحــو فَـحَقُّـهُ أن يَسْكُتـَـــا
وقالوا أيضًا :
النــحــــــو قنطرة إلى العلوم فهــل ** يُجاز بحرعلى غير القناطــــير
إن النحــــاة أناس بان مـجـــدُهــــمُ ** فـوق العباد جميعا بالمقــاديـر
أصل الفصاحة لا يخشون من أحــد ** عند القراءة في أعلى المنابيـر
لو يعلم الطير ما في النحو من شرف** غــنـت ورنت إليه بالمــناقــير
خامساً : نسبته : نسبته لبقية الفنون التباين والتخالف أي ليس متداخلا مع بقية الفنون .
سادساً : الواضع :
أبو الأسود الدُّؤلي ظالم بن عمرو الكوفي الدار البصري المنشأ بأمر أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، على أرجح ما قيل في هذا . وهو مسلك
كثر الكلام فيه وهذا مختصره .
سابعًا : الاسم :
اسمه علم النحو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول يعني المنحوَّ أي
المقصود ، ثم بغلبة الاستعمال أطلق على النحو الخاص ، و إلا فكل علم منحوٌّ
يعني مقصود كما سُمِّي الفقه فقهًا .
وقيل:إن
سبب تسميته بذلك أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أمر أبا الأسود
الدؤلي أن يضعه وعلَّمه الاسم والفعل والحرف وشيئا من الإعراب قال له :"
انح هذا النحو " .
ثامنًا : الاستمداد : مستمد من الكتاب والسنة وكلام فصيح العرب ،، أما الكتاب : فمتفق عليه أنه يحتج به في إثبات القواعد النحويّة .
وأما
السنة: فقد تنازع النحاة في مسألة الاحتجاج بالحديث ما بين مانع ومبيح ،،
والأصحُّ الاحتجاج ، إذ إنه لو جازت الرواية بالمعنى من الصحابة والتابعين
جاز الاحتجاج ، ولذلك ينصر كثير من النحويين كابن مالك وابن هشام رحمهما
الله هذا القول ويكثرون من الاستشهاد بالقرآن والسنة في كتبهما .
تاسعًا : حكم الشارع :
هو من فروض الكفايات ، وهناك من يرى أنه واجب ؛ إذ ما لا يتم الواجب إلا
به فهو واجب ، والوسائل لها أحكام المقاصد. كما أنّه يجب إذا لم تتحقق
الكفاية إلا بواحد معين .
عاشرًا : مسائله :
أي قواعده التي يبحث فيها نحو : كالفاعل مرفوع ، والمضاف : بحسب ما قبله ،
والمضاف إليه دائما يكون مجرورًا ، الحال دائما منصوبة ، التمييز تارة
يكون منصوبًا وتارة يكون مجرورًا ..إلخ . وهذه القواعد وصل إليها النحاة
بتتبع الجزئيات .