[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب التيمُّم]الأصل في جواز التيمّم: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6].
والتيمّم في اللغة: هو القصد، تقول العرب: تيممت فلانًا، أي: قصدته. قال امرؤ القيس:
فلما رأت أنّ الشّريعة همها ** وأنّ البياض من فرائضها دامي.
تيممت العين التي عند ضارج ** يفيء عليها الظل عرمضها طامي.
وكذلك التيمّم في الشرع، هو القصد إلى الصعيد.
وقد اختلف في قدر الممسوح، وعدد المسح:
فذهب
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى: أنّ التيمّم هو مسح الوجه واليدين
إلى المرفقين، بضربتين أو أكثر. وروي ذلك عن ابن عمر، وجابر وإحدى
الروايتين عن عليّ، وهو قول الشعبي، والحسن، ومالكٍ، والثوري، وأبي حنيفة.
وذهب الزهري إلى: أنه يمسح وجهه بضربةٍ، ويمسح يديه بضربةٍ إلى المنكبين.
وقال ابن المسيب، وابن سيرين: ضربةٌ للوجه، وضربةٌ للكفين، وضربة للذراعين.
وقال
عطاءٌ، ومكحولٌ، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وداود، وابن جريرٍ: (ضربةٌ
واحدةٌ للوجه، واليدين إلى الكفين) وهو اختيار ابن المنذر.
وروي عن علي: أنه قال: (ضربةٌ للوجه، وضربة لليدين إلى الكفّين).
وحكى بعض أصحابنا: أن هذا قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم.
قال
الشيخ أبو حامدٍ: وليس بصحيح؛ وإنما قال في القديم: (والتيمّم: أن تضرب
ضربة فتمسح بها وجهك، ثمّ تضرب أخرى فتمسح بها يديك إلى المرفقين، وقد روي
فيه شيء لم يثبت، ولم ثبت لم أعده). فخرجوا ذلك قولاً، وليس بشيء.
ودليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تيمّم فمسح وجهه وذراعيه». وروى ابن عباس، وجابر، وابن عمر، وأبو أمامة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «التيمّم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين». ولأنه بدل يؤتى به في محلّ مبدله، فكان حده فيهما واحدًا، كالوجه.
إذا
ثبت هذا: فيجوز التيمّم عن الحدث الأصغر، وهو: حدث الغائط، والبول،
والريح، ولمس النساء، ومسّ الفرج. وعن الحدث الأكبر وهو: الجنابة، والحيض،
والنّفاس. وبه قال علي، وابن عباس، وعمار بن ياسر، وأبو موسى الأشعري. وروي
عن عمر، وابن مسعود: أنهما قالا: (لا يجوز للجنب أن يتيمّم). وبه قال
النخعي. وقيل: إنهما رجعا عن ذلك.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا
فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
قال زيد بن أسلم: وترتيبها:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6]ـ يعني: من النوم ـ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6] إلى آخر الكلام، ثمّ بيّن حكم الجنب، فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] يعني: فاغتسلوا، ثمّ بيّن حكم المحدث والجنب معًا، فقال: {وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]، فاشتملت الآية عليهما.
«وروى
عمّارٌ قال: أجنبت فتمعّكت بالتراب، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: إنما كان يكفيك هكذا: وضرب بيديه على الأرض، ومسح بها وجهه
وكفيه».
«وروى عمران بن الحصين قال: صلى
بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما انفتل من
الصلاة رأى رجلا لم يصل.. فقال له: لم لم تصل؟ فقال: كنت جنبا، ولم أجد
الماء، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:الصعيد يكفيك».
«وروى
أبو ذرّ قال: اجتويت المدينة ـ يعني: كرهت المقام فيها ـ فأمر لي رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذود وبغنم، وقال لي: ابد ابد
يعني: اخرج إلى البادية ـ فخرجت بأهلي إلى الربذة، فكنت أعدم الماء الخمسة
الأيام والستة وأنا جنب، فأصلي بغير طهور، ثم قدمت المدينة، فأتيت النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: أبو ذر؟ قلت: نعم، هلكت يا
رسول الله، قال: وما أهلكك؟، فقصصت عليه القصّة، وقلت: إني كنت أصلي بغير
طهورٍ، فأمر لي بماء، فاستترت براحلته واغتسلت، ثمّ أتيت النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا أبا ذرّ، الصعيد الطيب وضوء المسلم
ولو لم يجد الماء عشر حجج، فإذا وجد الماء.. فليمسسه بشرته».
فإن
وجد الجنب الماء بعد التيمّم.. لزمه استعمال الماء، وهو قول كافة العلماء،
إلا ما حكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: لا يلزمه استعمال الماء؛
بل له أن يصلي بتيمّمه.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا وجد الماء.. فليمسسه بشرته».
ولا يصح التيمّم عن إزالة النجاسة.
وقال أحمد: (يصح).
دليلنا:
أن التيمّم مسح الوجه واليدين، وقد تكون النجاسة في غير الوجه واليدين،
فكيف يؤمر بمسح الوجه واليدين عن نجاسة في غيرهما؟! كما لا يجوز أن يغسل
وجهه ويديه لنجاسة في غيرهما، ولأن المقصود إزالة عين النجاسة، وذلك لا
يزول بالتيمّم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: فيما يتيمّم به]ولا يجوز التيمّم إلا بالتراب الذي له غبارٌ يعلق في العضو، وبه قال أحمد، وداود.
وقال
أبو حنيفة: (يجوز التيمّم بالتراب، وبكل ما كان من جنس الأرض، كالكحل،
والنّورة، والزرنيخ، والجصّ). والغبار عنده ليس بشرط، بل لو ضرب يده على
صخرة ملساء، أو حائطٍ أملس.. أجزأه. وأما الشجر والذهب، والفضة والحديد،
والرصاص..فلا يجوز التيمّم به.
وقال مالكٌ: (يجوز التيمّم بالأرض، وبما كان متصلاً بالأرض، كالأشجار) ويجوز التيمّم عنده بالملح.
وقال الثوري، والأوزاعي: (يجوز التيمّم بالأرض، وبكل ما كان عليها، سواءٌ كان متصلاً بها، أو غير متَّصلٍ). وهذا أعمُّ المذاهب.
دليلنا: ما روى حذيفة بن اليمان: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فضلنا على النّاس بثلاث خصال: جعلت الأرض لنا مسجدًا، وترابها لنا طهورًا، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة».
فخصَّ ترابها بجواز التيمّم، فدلّ على: أنه لا يجوز بغيره؛ ولأنه طهارةٌ
عن حدثٍ فاختصّت بجنسٍ طاهرٍ، كالوضوء، وفيه احترازٌ من الاستنجاء
والدّباغ.
إذا ثبت هذا: فقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (يجوز التيمّم بالتراب من كلّ أرضٍ: سبخها، ومدرها، وبطحائها).
فأما (السّبخ): فهي الأرض المالحة.
وحكي عن بعضهم: أنه قال: لا يصح التيمّم به. وهذا ليس بصحيح؛ لـ: «أنّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتيمّم بتراب المدينة»، وهي أرضٌ مالحةٌ.
وأما (المدر): فهو التراب الذي أصابه الماء، فاستحجر وخفّ، فإذا سحق.. صار ترابًا.
وأمّا (البطحاء): ففيه تأويلان:
أحدهما: أنه القضّ من الأرض.
والثاني: أنه التراب المستحجر.
وهل يجوز التيمّم بالطين الأرمنيّ، والتراب المأكول؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو المشهور ـ: أنه يجوز التيمّم؛ لأنه ترابٌ.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه مأكولٌ.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: التيمّم بالرمل]قال
في "الأم" [1/43] (ولا يجوز التيمّم بالكثيب الغليظ)، وقال في " الإملاء
": (يجوز التيمم بالتراب، والرّمل). وقال في القديم: (يجوز التيمّم
بالرّمل).
واختلف أصحابنا في التيمّم بالرمل: فقال أبو إسحاق: ليست على قولين، وإنما هي على الحالين:
والذي قاله في "الأم" في الكثيب الغليظ، أراد به: الرّمل الذي لا يخالطه التراب.
والذي قاله في " الإملاء " والقديم أراد به: الرّمل الذي يخالطه التراب.
وقال ابن القاصّ: بل في الرّمل قولان:
أحدهما: يجوز التيمّم به؛ لما روى أبو هريرة: «أن
رجلاً أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: إنا نكون
بأرض الرّمل، وتصيبنا الجنابة، والحيض، والنفاس، ولا نجد الماء أربعة أشهر،
أو خمسة أشهر؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عليكم بالأرض».
والثاني:
لا يجوز؛ لأنه لا يقع عليه اسم التراب، فأشبه الحجارة المدقوقة، وأما حديث
أبي هريرة: فمحمول على رمل يخالطه تراب؛ لأن العرب لا تغرب إلا إلى أرض
بها نبات، والرّمل لا ينبت إذا كان لا تراب فيه.
وإن أحرق الطين وتيمّم بمدقوقه.. فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه يقع عليه اسم التراب.
والثاني: لا يصح، كما لا يصح بالخزف المدقوق.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: التيمّم بالطين والتراب النجس]قال
في "الأم" [1/43] (ولو لطخ على وجهه الطين.. لم يجزه)؛ لأنه لا يقع عليه
اسم التراب، ولما روى عكرمة: أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سئل
عن رجل في طين، لا يستطيع أن يخرج منه؟ فقال: (يأخذ من الطين، فيطلي به
بعض جسده، فإذا جفّ.. تيمّم به). ولا يعرف له مخالف. فإن خاف فوت الوقت قبل
أن يجفّ.. كان بمنزلة من لم يجد ماءً ولا ترابًا، ويأتي حكمه.
ولا يجوز التيمّم بتراب نجس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6].
و (الطيب): يقع على ما تستطيبه النفس؛ كقولهم: هذا طعام طيب.
ويقع على الحلال، كقوله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المؤمنون: 51] يعني: الحلال. ويقع على الطاهر.
ولا
يجوز أن يكون المراد بالآية ها هنا: ما تستطيبه النفس، ولا الحلال؛ لأن
التراب لا يوصف بذلك، فثبت أنه أراد به الطاهر. ولأنه طهارةٌ، فلا تصح
بنجس، كالوضوء.
ولا فرق بين أن يكون التراب الذي خالطته النجاسة قليلاً أو كثيرًا، بخلاف الماء؛ لأن للماء قوة تدفع النجاسة عن نفسه.
وإن
خالط التراب ذريرةٌ أو نورةٌ أو دقيقٌ، فإن استهلك التراب في هذه الأشياء،
وغلبت عليه.. لم يجز التيمّم به بلا خلاف على المذهب. وإن استهلكت هذه
الأشياء في التراب، وغلب عليها.. ففيه وجهان:
أحدهما قال أبو إسحاق: يجوز التيمّم به، كما تجوز الطهارة بالماء الذي خالطه مائعٌ واستهلك المائع فيه.
والثاني:
لا يجوز، وهو المذهب؛ لأن المخالط للتراب يمنع من وصول التراب إلى العضو،
والمخالط للماء لا يمنع من وصول الماء إلى العضو؛ لأن الماء يجري بطبعه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تيمّم الجماعة في مكان وصورٌ أخرى]ويجوز أن يتيمّم الجماعة من موضعٍ واحد، كما يجوز أن يتوضأ الجماعة من ماء في إناءٍ واحدٍ.
وإن ضرب يديه على بدنه، أو ثيابه، أو آذانه، أو رأسه، أو ظهره، فعلق بهما غبارٌ، فتيمّم به.. صحّ.
وقال أبو يوسف: لا يصحّ.
دليلنا: أنه يقع عليه اسم التراب، وهو طاهرٌ غير مستعمل، فصحٌ تيمّمه به، كما لو أخذه من الأرض.
وإن
تيمّم، فبقي على أعضاء التيمّم غبارٌ من التيمّم، فتيمّم هو به، أو غيره..
لم يصح تيمّمه؛ لأنه مستعمل في التيمّم، فلم يصح التيمّم به، كما لو أخذ
الماء من وجهه أو يديه، ومسح به رأسه.
ولو علق على وجهه ترابٌ من غير التيمّم، فمسح به وجهه من غير أن ينقله عنه.. قال المسعودي [في "الإبانة" ق\35] لم يصح تيمّمه.
وإن أخذه من وجهه، ثمّ أعاده إليه.. فهل يصح تيمّمه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح، كما لو مسحه عليه من غير أن ينقله.
والثاني: أنه يصح، كما لو وقع على غير الوجه، فنقله منه إلى وجهه.
وإذا قلنا بالأول، وعلق على يديه ترابٌ من غير التيمّم، فأخذه ومسح به وجهه.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يصح؛ لأنه نقله من موضع الفرض، فهو كما لو نقل منه ما بقي عليه من التيمّم.
والثاني: يصح، وهو الأصح؛ لأنه غبار ترابٍ طاهرٍ غير مستعملٍ، فهو كما لو أخذه من بطنه أو ظهره.
وإن تيمّم بما يتناثر من أعضاء المتيمّم من الغبار من التيمّم، أو تيمّم به غيره.. فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأن المستعمل من التراب ما بقي على أعضاء التيمّم، دون ما تناثر.
والثاني:
لا يصح، كما لا يصح الوضوء بما تساقط من الماء عن أعضاء الطهارة؛ ولأنه لو
مسح يديه بالضربة التي مسح بها وجهه..لم يصح وإن كان قد بقي فيهما غبارٌ،
فلأن لا يصح فيما تناثر من الوجه أولى.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: هل يرفع التيمّم الحدث]التيمّم لا يرفع الحدث.
وقال
داود وشيعته، وبعض أصحاب مالك: (التيمّم يرفع الحدث). وبه قال بعض أصحابنا
الخراسانيين؛ لأنها طهارةٌ عن حدث تستباح بها الصلاة، فوجب أن يرفع الحدث،
كالطهارة بالماء.
ودليلنا: ما «روى عمرو بن
العاص قال: كنت في غزوة ذات السّلاسل، فأجنبت في ليلةٍ باردةٍ، فأشفقت على
نفسي، إن اغتسلت بالماء.. هلكت، فتيمّمت وصليت بأصحابي صلاة الصبح، فذكر
ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا عمرو: صلّيت
بأصحابك وأنت جنبٌ؟ فقلت: سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]. فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يقل شيئًا».
ففي هذا الخبر فوائد.
منها: أنّ التيمّم يجوز لخوف التّلف من البرد.
ومنها: أنّ الجنب يجوز له التيمّم.
ومنها: أنّ الجنب إذا صلى بالتيمّم في السفر.. لا إعادة عليه.
ومنها: أنّ من تيمّم لأجل البرد في السفر.. لا إعادة عليه.
ومنها: أنّ التيمّم لا يرفع الحدث؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سماه جنبًا مع علمه أنه قد تيمّم.
ومنها: أنه يجوز للمتيمّم أن يؤم المتوضئين؛ لأن أصحابه كانوا متوضئين.
ومنها: أنّ هذا المتلو كلام الله؛ لأن عمرًا قال: سمعت الله تعالى يقول، ولم يسمع إلا المتلوّ.
ومنها: أنّ الجنب إذا تيمّم.. يجوز له أن يقرأ في غير الصلاة؛ لأن عمرًا قال: سمعت الله تعالى يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]. ولم ينكر عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ومن الدليل على أن التيمّم لا يرفع الحدث: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي ذرّ: «الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج، وإذا وجد الماء.. فليمسسه بشرته». فلو ارتفع حدثه..لم يجب عليه استعمال الماء.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: نية التيمّم]ولا يصح التيمّم إلا بالنية.
وقال الأوزاعي، والحسن بن صالح: يصح من غير نية.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. والتيمّم في اللغة: القصد. والنية: هي القصد أيضًا.
إذا ثبت هذا: فإن نوى بتيمّمه: رفع الحدث، وقلنا: إن التيمّم لا يرفع الحدث.. ففيه وجهان:
أحدهما: ـ وهو المشهور ـ: أنه لا يصح تيمّمه؛ لأن التيمّم لا يرفع الحدث، فقد نوى ما لا يفيده.
والثاني ـ حكاه في "المهذب" ـ: أنه يصح؛ لأنه يتضمن استباحة الصلاة.
وإن نوى بتيمّمه استباحة الصلاة المفروضة، أو نوت الحائض إذا انقطع دمها: استباحة الوطء.. صح التيمّم؛ لأن التيمّم يراد لذلك.
وإن
نوى بتيمّمه استباحة صلاةٍ نافلة.. صح تيمّمه على المذهب؛ لأن كلّ طهارة
صحت بنية استباحة الفرض.. صحت بنية استباحة النفل، كالطهارة بالماء.
وحكى الطبري: أن ابن القاص قال: لا يصح تيمّمه؛ لأن التيمّم طهارة ضرورة، ولا ضرورة به إلى النفل.
فإذا
قلنا بالأول، ونوى بتيمّمه استباحة الصلاة، ولم ينو الفريضة، أو نوى صلاة
نفلٍ..استباح به النّفل. وهل يستبيح بذلك التيمّم صلاة الفرض؟ فيه طريقان:
الأول: قال عامة أصحابنا: لا يستبيح به الفريضة قولاً واحدًا.
والثاني: قال المسعودي [في "الإبانة" ق\15]، وأبو حاتم القزويني: هي على قولين:
أحدهما: يستبيح به الفرض، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن كل طهارة استباح بها النّفل.. استباح بها الفرض، كالطهارة بالماء.
والثاني:
لا يستبيح به الفرض، وبه قال مالك؛ لأن التيمّم لا يرفع الحدث، وإن استباح
به الصلاة.. فلم يستبح به ما لم ينوه، بخلاف الطهارة بالماء.
فإذا قلنا بهذا: أنه لا يصح تيمّمه للفرض حتى ينويه.. فهل يفتقر إلى تعيين الفريضة بنية التيمّم؟ فيه وجهان:
أحدهما: يفتقر إلى ذلك، لأن كل موضع افتقر إلى نية الفرض.. افتقر إلى تعيين الفرض، كالإحرام في الصلاة، ونّية الصّوم.
والثاني:
لا يفتقر إلى ذلك، وهو ظاهر النّصّ؛ لأن الشافعي قال: (وينوي بتيممه
الفريضة). وأطلق، ولم يشترط التعيين. وقال في " البويطي ": (فلو تيمّم ونوى
المكتوبتين.. لم تجزه إلا لصلاةٍ واحدةٍ). ولو كان التعيين شرطًا.. لم
تجزئه لواحدةٍ منهما، ولأن الأحداث الموجبة للطهارة لا يحتاج إلى تعيينها،
فلم يفتقر إلى تعيين المستباح.
وإذا نوى بتيمّمه استباحة فريضةٍ
ونافلةٍ.. جاز له أن يصلي به الفريضة التي نواها، ويصلي به ما شاء من
النوافل قبل الفريضة وبعدها، في وقتها وفي غير وقتها؛ لأنه قد نوى استباحة
النّفل بتيمّمه، والنفل لا ينحصر.
وإن نوى بتيمّمه استباحة فريضةٍ، ولم ينو النفل..فهل يستبيح به النفل؟
قال المسعودي [في "الإبانة" ق\15] فيه قولان.
وقال البغداديون من أصحابنا: يستبيح به النفل قولاً واحدًا؛ لأن الفرض أعلى من النفل، فإذا استباح الفرض بتيمّمه.. استباح به النفل.
فعلى
هذا: له أن يصلي به النفل بعد الفريضة، ما دام وقتها فيها باقيًا على سبيل
التبع لها. وإن خرج وقت الفريضة..فهل له أن يصلي النّفل بذلك التيمّم؟
فيه وجهان؛ حكاهما المحاملي:
أحدهما: لا يجوز؛ لأن النافلة من أتباع الفريضة، فلم تصح له النافلة بذلك التيمّم بعد ذهاب وقت المتبوع.
والثاني: يجوز؛ لأنها طهارة استباح بها النفل في وقت الفريضة، فاستباح بها النفل بعد خروج وقت الفرض، كالوضوء.
وهل له أن يتنفل بذلك التيمّم قبل صلاة الفريضة؟ فيه قولان:
أحدهما: يجوز؛ لأن كل طهارة جاز له أن يتنفل بها بعد الفريضة.. جاز له قبلها، كالوضوء.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه إنما استباح النافلة بهذا التيمّم تبعًا للفرض، فلا يجوز أن يتقدم التابع على المتبوع.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: ما يفعل بنّية النفل]وإن
نوى بتيمّمه استباحة صلاة النفل.. جاز له أن يصلي به على الجنازة إذا لم
تتعيّن عليه؛ لأنها كالنافلة. ويستبيح به مسّ المصحف وحمله.
وإن كان
جنبًا، أو حائضًا، ونوى التيمّم للنافلة.. استباح به قراءة القرآن، واللبث
في المسجد، والوطء؛ لأن النافلة أكد من هذه الأشياء، لأن الطهارة شرط فيها
بالإجماع، والطهارة مختلف فيها لهذه الأشياء، فإذا استباح النافلة.. استباح
ما دونها.
وإن نوى بتيمّمه استباحة هذه الأشياء.. فهل له أن يصلي به النفل؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: يستبيح به النفل؛ لأن هذه الأشياء نوافل، فاستباح صلاة النفل بالتيمّم لهذه الأشياء.
والثاني: لا يستبيح به صلاة النفل؛ لأنها آكد في باب الطهارة، على ما تقدم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: كمال كيفية التيمم]وإذا أراد التيمّم.. فإنه يسمي الله تعالى، كما قلنا في الوضوء، وينوي على ما مضى، ثمّ يتيمّم.
والكلام فيه في فصلين: في الاستحباب، وفي المجزئ منه.
فأما
الاستحباب: فإن المزني روى: أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المختصر
" (1/28) قال: (يضرب على التراب ضربةً، ويفرق بين أصابعه). وقال في موضعٍ
آخر: (يضع يديه على التراب).
قال أصحابنا البغداديون: ليست على قولين، وإنما أراد بقوله (يضع يديه): إذا كان التراب ناعمًا دقيقًا؛ لأنه يعلق غباره من غير ضربٍ.
وأما إذا كان التراب غير ناعمٍ.. فإنه يضرب ويفرق بين أصابعه؛ لأنه لا يعلق الغبار بكفيه إلا بالضرب.
وقال
المسعودي [في "الإبانة" ق\35] لا يفرق بين أصابعه في الضربة الأولى؛ لئلا
يحصل التراب بين أصابعه في الأولى، فيكون ماسحًا لجزء من يديه قبل وجهه.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فإن حصل على كفّيه تراب كثير.. نفخ التراب؛ ليخففه من على يديه، ويبقي عليهما أثره)؛ لما «روى
أسلع، قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا
جنب، فنزلت آية التيمّم، فقال: يكفيك هكذا:فضرب بكفيه الأرض، ثمّ نفضهما،
ثمّ مسح بهما وجهه، ثمّ أمرهما على اللحية، ثمّ أعادهما إلى الأرض، فمسح
بهما الأرض، ثمّ دلك إحداهما بالأخرى، ثمّ مسح ذراعيه: ظاهرهما وباطنهما».
وإنما
نفضهما؛ لأنه علق بهما غبار أكثر مما يحتاج إليه فخففهما، ثمّ يمسح بيديه
على وجهه الذي وصفناه في الوضوء، ويمرهما، على ظاهر شعر الوجه.
وهل يجب عليه إيصال التراب إلى باطن الشعر في الوجه الذي يجب إيصال الماء إليه في الوضوء؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجب عليه ذلك، كما قلنا في الوضوء.
والثاني:
لا يجب عليه، وهو المذهب؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وصف التيمّم، ومسح وجهه بضربة، وبذلك لا يصل التراب إلى باطن شعر الشارب،
والعذار، والعنفقة وإن كان خفيفا. ويخالف الوضوء؛ لأنه لا مشقة عليه في
إيصال الماء إلى باطن هذه الشعور، فوجب، وعليه مشقة في إيصال التراب إلى
باطنها، فلم يجب.
ثم يضرب ضربة ثانية، ويفرق بين أصابعه. وإن كان عليه
خاتم.. نزعه قبل الضربة الثانية؛ لئلا يمنع من وصول التراب إلى ما تحتها،
فإذا فعل ذلك.. فقد سقط الفرض عن الراحتين، وعما بين الأصابع بما وصل إليها
من التراب.
فإن قيل: إذا سقط الفرض به.. فقد صار مستعملا، فكيف يجوز مسح الذراعين به، وعندكم: لا يجوز نقل الماء من إحدى اليدين إلى الأخرى؟
فالجواب: أنه لو انفصل الماء من إحدى اليدين إلى الأخرى، لكان في صحة ذلك وجهان:
أحدهما: يجزئه؛ لأنهما كالعضو الواحد، ولهذا يجوز البداية بما شاء منهما.
والثاني: لا يجوز، وهو الأصح، كما لو انفصل الماء من وجهه إلى يديه.
فعلى
هذا: الفرق بين الماء والتراب: أن الماء ينفصل من إحدى اليدين إلى الأخرى،
والتراب لا ينفصل من إحداهما إلى الأخرى، ولأن هاهنا به حاجة إلى ذلك؛
لأنه لا يمكنه أن ييمم ذراعا من يد بكفها، بل لا بد من كف أخرى، فصار ذلك
بمنزلة نقل الماء في العضو الواحد من بعضه إلى بعض.
وأما مسح إحدى
اليدين بالأخرى.. فذكر المزني [في " المختصر " 1/28-29] فيها ترتيبا،
فقال: يضع كفه اليسرى على ظهر كفه اليمنى وأصابعهما، ثم يمرها على ظهر
الذراع إلى مرفقه، ثم يدير بطن كفه إلى بطن كف الذراع، ثم يقبل بها إلى
كوعه فيمرها على ظهر إبهامه، ويكون باطن كفه اليمنى لم يمسها شيء من يده،
فيمسح بها اليسرى كما وصفت في اليمنى، ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى، وخلل
بين أصابعهما.
وإنما قال: يضع ذراعه اليمنى في بطن كفه اليسرى؛ لأنها هي الماسحة، فاستحب له أن يضع الماسح على الممسوح.
وذكر
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأم" [1/42] ترتيبا آخر، فقال: يضع
ذراعه اليمنى في باطن كفه اليسرى على ظاهر أصابعه اليمنى، ويضم إبهامه إلى
أصابعه، ثم يمر بطن يده، فإذا بلغ الكوع أدار إبهامه على ذراعه، وقبض
بإبهامه وأصابعه على باطن ذراعه، ثم يمر ذلك إلى المرفق، فإن بقي شيء من
ذراعه لم يمر التراب عليه.. أدار يده عليه حتى يصل التراب إلى جميعه.
قال أصحابنا: وما ذكره المزني أحسن.
و (الكوع): هو العظم الناتئ الذي في معصم اليد تحت الإبهام.
و (الكرسوع): هو العظم المقابل له تحت الخنصر.
قال الجويني: ويستحب أن لا يفصل يديه، بل تكونان متصلتين حين يمسحهما إلى أن يفرغ. والأصل في ذلك: ما ذكرناه من حديث الأسلع.
وأما
المجزئ من ذلك: فأن ينوي، ويوصل التراب إلى وجهه ويديه إلى المرفقين
بضربتين أو أكثر - وسواء أوصل ذلك بيديه أو بخشبة أو بغير ذلك ـ وتقديم
الوجه على اليدين. وما زاد على ذلك سنة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: فيمن ييممه آخر]وإن أمر غيره فيممه، ونوى هو.. فالمنصوص: (أنه يجزئه، كما يجزئه في الوضوء).
وقال ابن القاص: لا يجزئه، قلته: تخريجا.
هذا نقل البغداديين من أصحابنا.
وقال المسعودي [في "الإبانة" ق\35] إذا يممه غيره، فإن كان لعجز.. صح، وإن كان لغير عجز.. فهل يصح؟ فيه وجهان.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الوقوف في مهب الريح]قال
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "الأم" [1/42] (وإن سفت الريح عليه
ترابا ناعما، فأمر يده على وجهه.. لم يجزئه؛ لأنه لم يأخذه لوجهه، ولو أخذ
ما على رأسه لوجهه، فأمره عليه..أجزأه). واختلف أصحابنا في ذلك:
فقال
القاضي أبو حامد: هذا إذا لم يعمد الريح وينو التيمّم، فأما إذا عمد الريح،
ونوى التيمم..أجزأه، كما يجزئ في الوضوء إذا جلس تحت ميزاب ماء، فنوى
الوضوء، وجرى الماء على أعضاء الطهارة.
وقال القاضي أبو الطيب: يجب أن
يحمل هذا على: أنه لم يتيقن وصول التراب إلى جميع أعضاء التيمم، فأما إذا
تيقن ذلك.. أجزأه، ولم يحتج إلى إمرار اليد.
وقال أكثر أصحابنا: لا يجوز؛ لأن الشافعي لم يفصل.
قال
ابن الصباغ: ولأنه يتعذر وصول التراب إلى الوجه من غير مسح، ولأن الله
تعالى أمر بالمسح، وهذا لم يمسح، ولا يدخل عليه: إذا غسل رأسه مكان المسح..
فإنه يجزئه وإن لم يمر يده عليه لقيام الدليل على ذلك؛ لأنه إذا أجزأه ذلك
عن الجنابة.. فلأن يجزئ ذلك عن الوضوء أولى، بخلاف التيمم.
قال
المسعودي [في "الإبانة": ق\35] وإن أدنى وجهه من الأرض، أو تمعك في
التراب، فحصل الغبار على أعضاء التيمم، فإن كان لعجز.. صح. وإن كان لا
لعجز.. فهل يصح؟ فيه وجهان.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: استيعاب المسح لأعضاء التيمم]
إذا بقي لمعة من الوجه لم يمر عليها التراب..لم يجزئه.
وحكى الحسن بن زياد الوضاحي عن أبي حنيفة: (أنه إذا مسح أكثر وجهه..أجزأه).
دليلنا: أن أكثر العضو لا يقوم مقام جميعه في الوضوء في الماء القليل، فكذلك في التيمم.
فعلى
هذا: إن كان قد مسح يديه..لم يجزئه مسحهما، فيعيد اللمعة وحدها، ثم اليدين
إن لم يتطاول الفصل. وإن تطاول الفصل.. فهل الفصل يبطل ما مسحه من وجهه؟
فيه طريقان، مضى ذكرهما في الوضوء.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: للمسافر والراعي أن يتيمما]
قال في "الأم" [1/39] (وللمسافر الذي لا ماء معه، وللمعزب في إبله أن يجامع أهله، وإن لم يكن معه ماء). وروي ذلك عن ابن عباس.
وروي عن علي، وابن عمر، وابن مسعود: أنهم قالوا: (ليس له أن يصيب أهله).
وقال مالك: (أحب أن لا يصيب أهله إلا ومعه الماء).
وقال الزهري: المسافر لا يصيب أهله، والمعزب يصيب أهله.
دليلنا: أنا قد دللنا على: أنه يجوز للجنب التيمم، فلم يمنع من أهله، كما لو وجد الماء.
قال
الشافعي: (ويجزئه التيمم إذا غسل ما أصاب ذكره، وغسلت المرأة ما أصاب
فرجها). وهذا نص الشافعي [في "الأم" 1/39] على أن رطوبة فرج المرأة نجسة.
ومن أصحابنا من قال: إنها طاهرة، ويأتي ذكر ذلك.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تيمم عن حدث فبان جنبا]
فإن تيمم للفريضة، معتقدا: أنه محدث، ثم ذكر: أنه كان جنبا.. أجزأه.
وقال مالك وأحمد: (لا يجزئه).
دليلنا:
أنه لو ذكر الجنابة.. لم يكن عليه أكثر مما فعل، وهو: نية استباحة الصلاة،
فأجزأه، كما لو اغتسلت المرأة عن الحيض، ثم بان: أنها كانت جنبا، أو توضأ
عن حدث البول، فبان: أنه كان ريحا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: التيمم في السفر والحضر]
يجوز التيمم في السفر الطويل، بلا خلاف على المذهب.
وأما في الحضر والسفر القصير: فأكثر أصحابنا قالوا: يجوز قولا واحدا.
وحكى ابن الصباغ، والشيخ أبو نصر: أن فيه قولين:
أحدهما: لا يجوز؛ لأن استباحة الصلاة بالتيمم رخصة، فاختص بالسفر الطويل، كالقصر، والفطر.
والثاني: يجوز، وهو الصحيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43].
ولم يفرق بين الحضر والسفر، ولا بين السفر القصير والسفر الطويل، وإنما يختلف الحكم في الإعادة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: يتيمم بعد دخول الوقت]:
ولا يصح التيمم للصلاة إلا بعد دخول الوقت. وبه قال مالك، وأحمد، وداود.
وقال أبو حنيفة: (يصح التيمم لها قبل دخول وقتها).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6] إلى قوله: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6].
فأجاز التيمم للقائم إلى الصلاة، وإنما يصح القيام إليها بعد دخول وقتها.
وأما
الطهارة بالماء: فظاهر الآية يدل على: أنه لا يجوز قبل دخول الوقت، إلا
أنا تركناه بالسنة والإجماع، وبقي التيمم على ظاهر الآية. ولأن التيمم
طهارة ضرورة، فلم يصح للصلاة قبل دخول وقتها، كطهارة المستحاضة.
إذا ثبت
هذا: فقال المسعودي [في "الإبانة": ق\29] وقت التيمم لصلاة الخسوف: عند
الخسوف. ولصلاة الاستسقاء: عند خروج الناس إلى الصحراء. وللصلاة على الميت:
إذا غسل. ولتحية المسجد: بعد الدخول. وللفوائت: عند تذكرها.
وإن تيمم
لنافلة لا سبب لها في الوقت المنهي عن الصلاة فيه.. لم يصح تيممه، ولم
يستبح به النافلة بعد دخول وقتها، كما لو تيمم لفريضة قبل دخول وقتها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تيمم لفائتة وصلى حاضرة]
وإن تيمم لفائتة عليه قبل دخول وقت الفريضة، فلم يصل الفائتة حتى وقت الفريضة.. فهل له أن يصلي بذلك التيمم فريضة الوقت؟ ينظر فيه:
فإن
كانت الصلاتان مختلفتين، بأن كانت الفائتة عليه الصبح، والتي دخل وقتها
الظهر، أو العصر، فإن قلنا: إن تعيين الصلاة التي تيمم لها شرط في صحة
التيمم لها.. لم يصح له أن يصلي بتيممه الصلاة التي دخل وقتها؛ لأنه لم
يعينها في التيمم.
وإن قلنا: إن تعيين الصلاة لا يشترط في نية التيمم
لها، أو كانت الفائتة عليه موافقة للداخل وقتها، بأن كانت الفائتة ظهر
أمسه، والتي دخل وقتها ظهر يومه.. فهل له أن يصلي بتيممه الصلاة التي دخل
وقتها؟ فيه وجهان:
أحدهما قال ابن الحداد: يجوز. وهو اختيار القاضي أبي
الطيب، وابن الصباغ؛ لأنه يجوز له أن يصلي به الفائتة بعد دخول وقت
الحاضرة، فجاز له أن يصلي به الحاضرة بعد دخول وقتها، كما لو تيمم للحاضرة
بعد دخول وقتها، فأراد أن يصلي به مكانها فائتة عليه، ولأنه تيمم وهو غير
مستغن عن التيمم، فأشبه إذا تيمم للحاضرة بعد دخول وقتها.
والثاني: من أصحابنا من قال: لا يجوز؛ لأنها فريضة تقدم التيمم على وقتها، فهو كما لو تيمم للحاضرة قبل دخول وقتها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: من يحق له التيمم]
ولا يصح التيمم للصلاة بعد دخول وقتها إلا لعادم للماء، أو لخائف من استعماله.
فأما الواجد للماء، القادر على استعماله.. فلا يصح تيممه، سواء خاف فوت وقت الصلاة، أو لم يخف.
وقال أبو حنيفة: (إذا خاف فوت وقت صلاة العيد أو الجنازة.. جاز له أن يتيمم لهما، وإن كان واجدا للماء).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6].
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، ما لم يجد الماء». وهذا واجد للماء.
وإن
وجد ماء يحتاج إليه للشرب، ويخاف إن استعمله في الطهارة التلف من العطش؛
لأنه يقطع مفازة لا يكون فيها ماء.. جاز له أن يتيمم؛ لأن المريض الذي يخاف
من استعمال الماء يجوز له تركه وإن كان لا يتلف في الحال، فكذلك هذا مثله.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: حكم طلب الماء]ولا يصح التيمم للعادم للماء إلا بعد الطلب وإعواز الماء.
وقال أبو حنيفة: (لا يحتاج إلى الطلب، بل إذا كان مسافرا لا يعلم وجود الماء.. جاز له أن يتيمم).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. ولا يثبت له أنه غير واجد إلا بعد الطلب.
ولا يجزئه الطلب إلا بعد دخول الوقت؛ لأنه وقت جواز التيمم. فإن طلب قبل دخول الوقت..أعاد الطلب بعد دخول الوقت.
قال ابن الصباغ: فإن قيل: فإذا كان قد طلب قبل دخول الوقت، ثم دخل الوقت ولم يتجدد حدوث ماء.. كان طلبه عبثا؟
فالجواب:
أنه إنما يتحقق أنه لم يحدث ماء إذا كان ناظرا إلى مواضع الطلب ولم يتجدد
فيها شيء.. فهذا يجزئه بعد دخول الوقت؛ لأن هذا هو الطلب. وأما إذا غابت
عنه.. جاز له أن يتجدد فيها حدوث ماء، فيحتاج إلى الطلب.
فأما إذا طلب
بعد دخول الوقت، ولم يتيمم عقبه..جاز له أن يتيمم بعد ذلك، ولا يلزمه إعادة
الطلب، إلا أن يتجدد أمر؛ لأنه لما طلبه في وقته.. لم يكلف تجديد الطلب؛
لما فيه من المشقة. وإذا طلب قبل الوقت.. كلف إعادته؛ لتفريطه.
وإن كان في مفازة لا يوجد في مثلها الماء غالبا.. فهل يلزمه الطلب؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\30]:
أحدهما: لا يلزمه؛ لأنه غير مفيد.
والثاني: يلزمه تعبدا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]]فرع: من تيمم وأخر الصلاة]قال في" البويطي ": (فإن تيمم بعد الطلب في أول الوقت، وأخر الصلاة إلى آخر الوقت..أجزأه؛ لأنه تيمم في وقت يمكنه فعل الصلاة فيه).
قال ابن الصباغ: فإن سار بعد تيممه إلى موضع آخر، وطلع عليه ركب يجوز أن يكون معهم ماء بتفتيش ما.. احتاج إلى تجديد الطلب.
وأما
كيفية الطلب: فهو أن يبدأ بتفتيش رحله؛ لأنه أقرب الأشياء إليه، ثم ينظر
في الناحية التي هو فيها يمينا وشمالا، وأماما وخلفا، وهذا إذا كان في سهل
من الأرض لا يحول دون نظره شيء. فإن كان دونه حائل صعد إليه ونظر حواليه.
قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في " البويطي ": (وليس عليه أن
يدور في طلب الماء؛ لأن ذلك أكثر ضررا عليه من إتيان الماء في الموضع
البعيد).
فإذا نظر ولم ير الماء..قال ابن الصباغ: سأل واستخبر من يظن أن عنده علما من الماء، فإن دل على ماء.. لزمه أن يأتيه بثلاث شرائط:
إحداهن: أن لا ينقطع عن رفقته.
الثانية: أن لا يخاف على نفسه، أو ثيابه، أو رحله.
الثالثة: أن لا يخاف فوت وقت الصلاة.
وإن
وجد بئرا ولا حبل معه، فإن كان يقدر أن يوصل إليها ثيابا حتى يصل إلى أن
يأخذ الماء بإناء أو دلو به، أو قدر على ثوب يبله بالماء ثم يعصره ويتوضأ
به..لم يكن له أن يتيمم، وسواء قدر على ذلك بنفسه أو بغيره.
وإن قدر على نزول البئر بأمر ليس عليه خوف.. نزلها، وإن كان عليه ضرر.. تيمم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لا يتيمم لخوف فوات الوقت وبقربه ماء]قال
في "الإبانة" [ق\30] وإن كان بقربه ماء، وهو يخاف فوت وقت الصلاة لو
اشتغل به.. فنص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أنه لا يجوز له التيمم)،
وقال في العراة ـ إذا كان بينهم ثوب يتداولونه، فخاف بعضهم فوت وقت لو صبر
حتى تنتهي النوبة إليه ـ: (إنه يصبر حتى تنتهي النوبة إليه).
وقال ـ في جماعة معهم دلو ينزحون به الماء، وخاف فوت وقت لو صبر حتى تنتهي النوبة إليه ـ: (يصبر ولا يتيمم). وهذه نصوص متفقة.
وقال
ـ في جماعة في سفينة، فيها موضع واحد يمكن أن يصلي فيه واحد قائما، وخاف
أن يفوته الوقت لو صبر حتى تنتهي النوبة إليه-: (إنه يصلي قاعدا، ولا يلزمه
الصبر).
وهذا نص مخالف للنصوص الأولى.
فمن أصحابنا من عسر عليه الفرق، وجعل الجميع على قولين.
ومنهم
من حمل الجميع على ما نص عليه، وفرق بينهما: بأن القيام أخف؛ لأنه يسقط في
النافلة مع القدرة، بخلاف الطهارة بالماء، والسترة، فإنه لا يجوز تركها
بحال.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم قبول الماء أو ثمنه]وإن بذل له غيره الماء، فإن كان بغير عوض.. فهل يلزمه قبوله؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ حكاه في "الفروع" ـ: أنه لا يلزمه قبوله، كما لا يلزمه قبول الرقبة في الكفارة.
والثاني: يلزمه قبوله، وهو المشهور؛ لأنه لا منة عليه في قبوله؛ لأن العادة جرت أن الفقير يبذله للغني، بخلاف الرقبة.
وإن بذل له ثمن الماء.. لم يلزمه قبوله؛ لأن عليه منة في قبول الماء.
وإن
بذل له الماء بثمن مثله، وهو واجد للثمن غير محتاج إليه في سفره.. لزمه
شراؤه، ولا يجوز له التيمم. وإن كان غير واجد لثمن مثله، أو كان واجدا له
إلا أنه محتاج إليه لسفره..جاز له أن يتيمم؛ لأن المال الذي معه هو محتاج
إليه لإحياء نفسه، فهو كما لو كان معه ماء يحتاج إليه للعطش.
فإن بيع
الماء منه بثمن المثل، وأنظره البائع إلى بلده، وكان له في بلده مال.. وجب
عليه شراؤه ولم يجز له التيمم؛ لأنه لا ضرر عليه في ذلك.
وإن كان مع غيره ماء، وهو غير محتاج إليه، ولم يبذله له..لم يجز له أن يكابده على أخذه منه؛ لأن له بدلا، وهو التيمم.
وفى كيفية اعتبار ثمن مثل الماء، ثلاثة أوجه، حكاها في "الإبانة" [ق\32]:
أحدها ـ ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره ـ: أنه يعتبر ثمنه في موضعه الذي هو فيه، مع وجود العذر.
والثاني: يعتبر ثمنه عند السلامة، ووجود الماء غالبا.
والثالث: لا ثمن له، ولكن يراعي أجرة مثل من يأتي به إلى ذلك الموضع.
وإن
وهب له الماء هبة فاسدة، فقبضه.. لم يملكه بذلك. فإن توضأ به.. صح وضوؤه،
ولا يجب عليه ضمانه؛ لأن الهبة الفاسدة تجري مجرى الصحيحة في باب الضمان،
كما في البيع.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: إعادة طلب الماء]فإن
طلب الماء للصلاة الحاضرة، فلم يجده، فتيمم وصلى، ثم دخل عليه وقت صلاة
أخرى.. قال الشيخ أبو حامد: فعليه أن يعيد الطلب، ولا يلزمه الطلب في رحله؛
لأنه قد علم بالطلب الأول أنه لا ماء فيه، ولا يجوز حدوثه بعد ذلك فيه،
ويفارق خارج الرحل؛ لأنه قد يجوز حدوث الماء فيه بعد الطلب.
وعلى قياس ما حكيناه عن ابن الصباغ -قبل هذا-: لا يلزمه الطلب فيما لم يغب عن عينه من الموضع الذي طلب فيه للصلاة الأولى.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: هبة فضل الماء]قال الصيدلاني: ولا يلزمه أن يهب فضل مائه لمن لا يجده ـ خلافا لأبي عبيد بن حربويه ـ لأنه ماء يحتاج إليه لإحياء نفسه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تعجيل الصلاة بتيمم]وإذا طلب الماء بعد دخول الوقت فلم يجده.. جاز له أن يتيمم ويصلي، سواء علم أنه يجد الماء من آخر الوقت، أو لا يجده.
وقال الزهري: لا يجوز له التيمم، إلا إذا خاف فوت الوقت قبل وجود الماء.
دليلنا: أن الله تعالى أجاز التيمم لمن قام إلى الصلاة عند عدم الماء، وهذا موجود فيمن قام إليها في أول وقتها.
وهل الأفضل أن يقدم الصلاة بالتيمم، أو يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت؟
فيه ثلاث مسائل:
إحداهن:
أن يتيقن أنه يجد الماء في آخر الوقت.. فالأفضل أن يؤخر الصلاة ليصليها
بالوضوء في آخر الوقت؛ لأن الصلاة في أول الوقت فضيلة، والطهارة بالماء
فريضة، فكان مراعاة الفريضة أولى.
الثانية: إذا كان على إياس من وجود الماء.. فتقديم الصلاة في أول وقتها بالتيمم أفضل؛ لأن الظاهر أنه لا يجد الماء.
الثالثة: إذا كان يرجو وجود الماء.. ففيه قولان:
أحدهما: التأخير أفضل؛ لأن مراعاة الفريضة ـ وهي الطهارة بالماء ـ أولى من مراعاة الفضيلة، وهي الصلاة في أول الوقت.
والثاني: أن تقديم الصلاة في أول الوقت بالتيمم أفضل، وهو الأصح؛ لأنه فضيلة متيقنة، فلا يجوز تركها لأمر مشكوك فيه.
قال
أصحابنا: وهكذا المريض العاجز عن القيام، إذا رجا القيام في آخر الوقت. أو
رجا العريان وجود السترة في آخر الوقت. أو رجا المنفرد وجود الجماعة في
آخر الوقت.. هل الأفضل لهم تقديم الصلاة في أول وقتها، على حالتهم التي هم
عليها، أو تأخيرها لما يرجونه؟ فيه وجهان مبنيان على هذين القولين.
ولا يترك الترخص بالقصر في السفر وإن علم إقامته في آخر الوقت، وجها واحدا؛ لأن ترك الرخصة غير مستحب.
قال صاحب "الفروع": فإن خاف فوات الجماعة لو أسبغ الوضوء.. فإدراك الجماعة أولى من الاحتباس على إسباغ الوضوء وإكماله.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: التيمم حالة نسيان الماء]إذا نسي الماء في رحله، فتيمم وصلى، ثم علم به فيه.. فالمنصوص ـ في عامة كتبه ـ: (أن عليه الإعادة).
وقال أبو ثور: سألت أبا عبد الله عمن نسي الماء في رحله، فتيمم، وصلى؟ فقال: (لا يعيد).
واختلف أصحابنا في ذلك:
فقال أبو إسحاق: هي على قولين، كما قال فيمن ترك فاتحة الكتاب ناسيا.
ومنهم: من لم يثبت رواية أبي ثور عن الشافعي في هذا، وقال: يحتمل أنه أراد بذلك مالكا أو أحمد.
ومنهم: من تأول رواية أبي ثور على: أنه قد فتش رحله فلم يجد، وكان قد خبأه غيره.
والطريقة الأولى أصح؛ فإن أبا ثور لم يلق مالكا، وهو يروي عن أحمد، فيكون على قولين:
أحدهما: لا يجب عليه الإعادة. وبه قال أبو حنيفة، ومحمد؛ لأن النسيان عذر حال بينه وبين الماء، فصار كما لو حال بينه وبين الماء سبع.
والثاني: يجب عليه الإعادة. وبه قال أحمد، وأبو يوسف، وهو الأصح؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
[المائدة: 6]. وهذا لا يقال له: غير واجد، وإنما يقال له: غير ذاكر.
ولأنها طهارة تجب مع الذكر، فلم تسقط مع النسيان، كما لو نسي بعض أعضائه
فلم يغسلها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: إذا كان حائل عن الماء أو أخطأ رحله]قال
في "الأم" [1/40] (فإن كان في رحله ماء، فحال العدو بينه وبين رحله، أو
حال بينهما سبع، أو حريق؛ حتى لا يصل إليه.. تيمم وصلى، وهذا غير واجد
للماء).
قال أصحابنا: معناه: أنه لا قضاء عليه؛ لأنه فيه في حكم العادم.
وإن
كان في رحله ماء، فأخطأ رحله وضل عنه، فحضرت الصلاة، فطلبه فلم يجده.. قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (تيمم وصلى). ولم يذكر الإعادة.
فاختلف أصحابنا فيها:
فمنهم من قال: تجب عليه الإعادة؛ لأنه غير عادم، وإنما هو ناس.
ومنهم من قال: لا تجب عليه الإعادة؛ لأنه غير منسوب إلى التفريط في طلب الماء، بخلاف الناسي، فإنه مفرط.
فأما إن ضل هو عن القافلة، أو عن الماء.. تيمم وصلى، ولا إعادة عليه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: علم بوجود الماء بعد الصلاة]قال
في " البويطي ": (وكذلك يكون إلى جنب المسافر بئر أو بركة في الموضع الذي
عليه أن يطلب الماء فيه، فتيمم، ثم علم.. فعليه الإعادة).
وقال في "الأم" [1/40] (لا إعادة عليه؛ لأنه كلف ـ فيما ليس معه ـ الطلب المؤدي على الظاهر، وغلبة الظن دون الإحاطة به).
قال ابن الصباغ: وظاهر هذا: قولان.
قال: ومن أصحابنا من قال: ليست على قولين؛ وإنما هي على اختلاف حالين:
فالموضع الذي قال: (لا إعادة عليه)؛ إذا كانت البئر خفية، مثل أن كانت في بسيط من الأرض لا علامة عليها.
والموضع الذي قال: (عليه الإعادة)؛ إذا كانت علامتها ظاهرة، فيكون قد فرط في طلبها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: وجد ماء لا يكفيه]إذا
وجد من الماء ما لا يكفيه: بأن كان محدثا، فوجد ماء لا يكفيه لأعضاء
الوضوء، أو كان جنبا، فوجد ماء لا يكفيه لغسل جميع بدنه.. جاز له استعمال
ما وجد من الماء، بلا خلاف.
وهل يلزمه استعماله، أو يجوز له الاقتصار على التيمم؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يلزمه استعماله، ولكن يستحب له. وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وداود، والمزني؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
[النساء: 43]. وأراد به: الماء الذي تغسل به الأعضاء، وهذا غير واجد له.
ولأن هذا ماء لا يطهره، فلم يلزمه استعماله، كالماء المستعمل. ولأنه لو وجد
بعض الرقبة في الكفارة.. جعل كالعاجز في جواز الاقتصار على البدل، فكذلك
هذا مثله.
والثاني: يلزمه استعماله. وبه قال معمر بن راشد، وعطاء، والحسن بن صالح، وهو الصحيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. فمنها دليلان:
أحدهما: أنه أمر بغسل هذه الأعضاء، فإذا قدر على غسل بعضها..لزمه ذلك بظاهر الآية.
والثاني: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}
[النساء: 43]. فذكر الماء منكرا، فاقتضى: أنه إذا وجد ماء ما..لم يجز له
التيمم؛ لأنه لو أراد ما يغسل به جميع الأعضاء.. لقال: (فلم تجدوا الماء).
فاختلف أصحابنا في مأخذ هذين القولين.
فمنهم من قال: هما مأخوذان من القولين في جواز تفريق الوضوء:
فإن قلنا: لا يجوز التفريق.. لم يلزمه استعمال ما معه من الماء.
وإن قلنا: يجوز التفريق.. لزمه استعماله.
يتبــــــــــ