منتدى مجمع لسان العرب
مرحبا بك عزيزنا الزائر فى مجمع لسان العرب
نتمنى لك الاستفادة من وجودك فى المجمع
منتدى مجمع لسان العرب
مرحبا بك عزيزنا الزائر فى مجمع لسان العرب
نتمنى لك الاستفادة من وجودك فى المجمع
منتدى مجمع لسان العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى عربي متكامل يحتوي على الكثير من الفائدة الإسلامية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
. . { الأذكار } . .
اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه -- اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين -- أصبحنا وأصبح المُلك لله


 

 كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 6:32 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Besma10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



ملخص عن الكتاب:

اسم المؤلف: العمراني

اسم المؤلف: المناوي
محمد عبد الرءوف بن تاج العارفين ابن علي بن زين العابدين الحدادي ثم
المناوي القاهري، زين الدين. ولد سنة (952 هـ) من كبار العلماء بالدين
والفنون. انزوى للبحث والتصنيف، وكان قليل الطعام كثير السهر، فمرض وضعفت
أطرافه، فجعل ولده تاج الدين محمد يستملي منه تآليفه. له نحو ثمانين
مصنفًا، منها الكبير والصغير والتام والناقص. عاش في القاهرة، وتوفي بها
سنة (1031 هـ).


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مقدمة المؤلف]:الحمد
لله الذي أوجدنا بقدرته، وأرشدنا بخلقه إلى معرفته، وتعبدنا بما شاء من
عبادته، وصلواته على محمد المصطفى نبيه خير بريته، وعلى أهله وذريته
وصحابته.
أما بعد: فلما كان مذهب الشافعي رحمة الله عليه اعتقادي، وفي
"المهذب" درسي، وعليه اعتمادي، ثم طالعت في غيره من مصنفات أئمتنا - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ - مسائل غير مذكورة فيه، يصعب علي استخراجها وانتزاعها
من معانيه، فأشار علي بعض شيوخي رحمة الله عليهم بمطالعة الشروح وجمعها،
والتقاط هذه المسائل ونزعها، لأستعين بمطالعته مع "المهذب"، على المسائل
المنصوص عليها في المذهب.. فجمعت كتابا قبل هذا، سلكت فيه هذا السبيل، لكني
أغفلت البروز فيه وأقوال المخالفين، خشية التطويل، ثم نظرت، فإذا لي حاجة
إلى ذكر ما أغفلته، واستيفاء ما تركته وأهملته، فجمعت هذا الكتاب مشتملًا
من ذلك على ما قصدته، وعلى ترتيب "المهذب" رتبته، والله أسأل العون على ما
أردته، والتوفيق في ما نويته، وهو حسبي ونعم الوكيل، ونعم المولى ونعم
النصير.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ذكر نسب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
لا ينبغي لمن انتحل مذهب إمام أن يجهل نسبه.
وهو
محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن الشافع بن السائب بن عبيد بن عبد
يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف جد النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وكان لعبد مناف خمسة
أولاد: هاشم بن عبد مناف جد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
والمطلب بن عبد مناف جد الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعبد شمس بن عبد
مناف جد بني أمية، وعثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - منهم، ونوفل
بن عبد مناف جد بني نوفل، وجبير بن مطعم منهم، وأبو عمرو بن عبد مناف ولا
عقب له.
وكان المطلب جد الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كفل عبد المطلب بن
هاشم جد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه ولد بالمدينة،
ومات أبوه، فمضى له المطلب، وقدم به مكة وهو رديفه، وعليه ثياب رثة، فإذا
سئل عنه.. استحيا أن يقول: إنه ابن أخي، فكان يقول: عبد لي، فلما وصل
منزله.. ألبسه ثم أخرجه، وقال: هذا ابن أخي، فسمي بذلك: عبد المطلب، وكان
اسمه المطلب، وكان يسمى شيبة الحمد؛ لأنه ولد وفي رأسه شعرة بيضاء، وقيل:
إن شافعا لقي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو مراهق
للبلوغ.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وأما مولد الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
فإنه
ولد بـ (غزة) - قرية من قرى الشام - سنه خمسين ومائة، فمكث بها سنتين، ثم
حمل إلى مكة، فنشأ بها، وتعلم بها القرآن، على سفيان بن عيينة، وغيره، ثم
خرج إلى المدينة، فقرأ على مالك بن أنس "الموطأ" وحفظه، ثم دخل بغداد،
وأقام به سنين، وصنف بها كتبه القديمة، ثم عاد إلى مكة، وأقام بها سنة تسع
وسبعين، ثم عاد إلى بغداد، وأقام بها أشهرًا، ولم يصنف بها شيئًا، ثم خرج
إلى مصر، فصنف بها كتبه الجديدة، وأقام بها إلى أن مات بها ودفن هنالك،
وكان موته ليلة الجمعة، وقد صلى العشاء الآخرة آخر ليلة من شهر رجب، ودفن
في يوم الجمعة. رحمة الله عليه.
قال الربيع: انصرفنا من دفن الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فرأينا هلال شعبان، وكان ذلك في سنة أربعة ومائتين،
وكان عمره أربعًا وخمسين سنة.
وأصحابه البغداديون: الحسن بن محمد بن
الصباح الزعفراني، والحسين الكرابيسي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي،
وأحمد بن حنبل، وهم الذين يروون عنه الكتب القديمة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وأما أصحابه المصريون الذين يروون عنه الكتب الجديدة:
فإسماعيل
بن يحيى المزني، والربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي،
ويوسف بن يحيى البويطي، وحرملة بن يحيى التجيبي، ويونس بن عبد الأعلى.
وإنما
اخترنا مذهبه؛ لموافقته الكتاب والسنة والقياس. وأمرنا المتعلم أن يتعلم
مذهبه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأئمة من قريش»، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تعلموا من قريش ولا تعلموها»، وروي: «ولا تعالموها، فإن عالمها يملأ الأرض علمًا»، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الناس في هذا الشأن تبع لقريش، فمسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم».
وليس في الأئمة المشهورين قرشي غير الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فكان اتباعه أولى من اتباع غيره.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وأما تخريج الأئمة المسألة على قولين وأكثر، فعلى معنى:
أن
كل قول سوى ذلك باطل، وليس على سبيل الجمع، ولا على سبيل التخيير، وقد
يقوم للمجتهد الدليل على إبطال كل قول سوى قولين، فلم يظهر له الدليل في
تقديم أحدهما على الآخر، فيخرجهما على قولين، وهذا كما فعل عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - حيث قال: (الخلافة بعدى في هؤلاء الستة)؛ ليدل على أن
الخلافة ليست في غيرهم.
وقد قيل: إن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يمت حتى بين الصحيح من أقواله إلا في ست عشرة مسألة، أو سبع عشرة مسألة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][كتاب الطهارة]
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]باب ما يجوز به الطهارة من المياه، وما لا يجوز به
قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48].
إذا الطهور عندنا: هو الطاهر في نفسه، المطهر لغيره، وهو اسم متعد، وتعديته: تطهيره لغيره من الحدث والنجس.
وقال أبو حنيفة، والأصم: (هو اسم لازم غير متعد يعم جميع الطاهرات).
وأجاز أبو حنيفة إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات، كالخل. وأجاز الأصم رفع الحدث بالمائعات الطاهرة غير الماء: كاللبن، والخل.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خلق الله الماء طهورًا».
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته». فخص الماء باسم الطهور، فدل ذلك على أنه لا يسمى غيره بهذا الاسم.
إذا
ثبت هذا: فيجوز رفع الحدث، وإزالة النجس بالماء المطلق، كماء المطر، وذوب
الثلج والبرد، وماء الآبار والأنهار؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11].
وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ من بئر بضاعة».
وأما الثلج والبرد قبل أن يذوبا: فيجوز مسح الرأس والخف بهما لا غير.
وقال الأوزاعي (إذا أمره على العضو المغسول.. أجزأه).
والدليل على أنه لا يجوز: أن أقل الطهارة جري الماء بطبعه على العضو المغسول، وهذا لا يوجد فيهما قبل أن يذوبا.
وتجوز
الطهارة بماء البحر مع وجود غيره من الماء، ومع عدمه، وهو قول كافة
العلماء، إلا ما حكي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو: أنهما قالا:
(التيمم أعجب إلينا منه).
وقال ابن المسيب: إن كان واجدًا لغيره من الماء.. لم يجز الوضوء به، وإن لم يجد غيره.. جاز الوضوء به.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
[النساء: 43]. وماء البحر يسمى ماءً. وروى أبو هريرة: أن رجلًا قال: يا
رسول الله إنا نركب في البحر أرماثًا، ومعنا القليل من الماء فإن توضأنا به
عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«هو الطهور ماؤه الحل ميتته»، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يطهره البحر، فلا طهره الله».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الماء المشمس]
وأما
الماء المشمس: فإن لم يقصد إلى تشميسه.. لم تكره الطهارة به؛ لأنه لا يمكن
صون الماء عن الشمس، وإن قصد إلى تشميسه.. فهل تكره الطهارة به؟ فيه خمسة
أوجه:
أحدهما: وهو المنصوص - (أنه يكره)؛ لما روي: أن عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - سخنت ماء بالشمس، فقال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا حميراء، لا تفعلي هذا، فإنه يورث البرص»،
تقول العرب: امرأة حميراء أي: بيضاء. وروي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - كان ينهى عن الماء المشمس، وقال: (إنه يورث البرص)، فذكر أن رجلًا
عانده في ذلك، وكان يتطهر به، فما مات حتى أصابه البرص.
وسواء شمس بالحجارة أو النحاس أو الزجاج، وفي الإناء المغطى والمكشوف.. فإنه يكره.
والوجه الثاني: لا يكره بحال، وهو قول أبو حنيفة، كما لا يكره ما تشمس بنفسه في البرك والأنهار.
والثالث: إن شمس في البلاد الحارة في آنية الصفر.. كره؛ لأنه يورث البرص، وإن شمس بغير ذلك.. لم يكره؛ لأنه لا يورث البرص.
والرابع - حكاه الشاشي - يكره في البدن، دون الثوب.
والخامس
- حكاه أيضًا - إن قال عدلان من أهل الطب: إنه لا يورث البرص.. فلا يكره،
وإن قال يورث.. كره، وهذا ضعيف؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قد أخبر أنه يورث البرص، فلا معنى للرجوع إلى قول أهل الطب.
فإن قلنا: يكره، فبرد الماء المشمس.. فهل تزول كراهة الطهارة به؟
سمعت بعض شيوخي يحكي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تزول الكراهة، لزوال التشميس.
والثاني: لا تزول الكراهة؛ لأنه لا يزول عنه اسم التشميس.
والثالث:
يرجع إلى عدلين من أطباء المسلمين، فإن قالا: لا يورث البرص.. زالت
الكراهة، وإن قال: يورث.. كره؛ لأن العلة في كراهته خوف البرص، فرجع إليهم
في ذلك بعد التبريد.
فإن توضأ بالماء المشمس.. ارتفع حدثه؛ لأن المنع منه لخوف البرص، فلم يمنع صحة الطهارة، كما لو توضأ بماء حار أو بارد يخاف منه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الماء المسخن]
وإن
سخن الماء بالنار.. لم تكره الطهارة به، سواء سخن بالوقود الطاهر أو
النجس. وقال مجاهد: تكره الطهارة به بكل حال. وقال أحمد: (إن سخن بالوقود
النجس.. كرهت الطهارة به، وإن سخن بالوقود الطاهر.. لم تكره).
دليلنا: (أنه كان يسخن لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ماء في قمقم، فكان يتوضأ به).
وروى «الأسلع
بن شريك قال:أجنبت وأنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
في سفر، فجمعت أحجارًا، وسخنت ماء، فاغتسلت به، فأخبرت النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، فلم ينكر علي».
وروى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل حمامًا بالجحفة، فاغتسل منه».
ولا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم.
وقال
أحمد في إحدى الروايتين عنه: (يكره)؛ لما روي عن العباس بن عبد المطلب:
أنه قال في ماء زمزم: (لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. وهذا ماء؛ ولأن الناس يفعلون ذلك من لدن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى وقتنا هذا من غير إنكار.
وأما ما روي عن العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فيتحمل أنه نهى عن ذلك في وقت قل الماء فيها، وكثر من يطلب الشرب منها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الماء غير المطلق]
قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وما عدا ذلك من ماء ورد، أو شجر،
أو عصفر، أو ماء زعفران، أو عرق.. فلا يجوز التطهر به).
وهذا كما قال:
لا يجوز رفع الحدث بغير الماء المطلق من المائعات الطاهرة، كـ (ماء الورد):
وهو الماء الذي يعتصر من الورد. و (ماء الشجر): وهو أن يقطع الشجر رطبًا،
فيجري منه الماء، و (ماء العصفر والزعفران): وهو ما اعتصر منهما.
وبه قال عامة أهل العلم، إلا الأصم، فإنه قال: يجوز رفع الحدث بكل مائع طاهر.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]، فنقلهم من الماء عند عدمه إلى التيمم، فدل على أنه لا يجوز الطهارة بغيره.
وأيضًا:
فإن الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - قد كانوا يسافرون، فيعدمون
الماء، فيتيممون، وما روي أن أحدًا منهم توضأ بمائع غير الماء.
وأما (العرق): ففيه ثلاث روايات:
(الأولى): قيل: عرق - بفتح العين والراء - وهو عرق الآدميين وغيرهم.
و (الثانية): قيل: عرق - بكسر العين وسكون الراء - وهو ماء عروق الشجر.
و (الثالثة): قيل: عرق - بفتح العين وسكون الراء - وهو الماء الذي يعتصر من أكراش الإبل، كانت العرب تفعله في المفاوز.
والجميع لا تجوز الطهارة به.
أما الأولان: فلما قدمناه. وأما الثالث: فلأنه نجس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الطهارة بشيء من الأنبذة]
ولا تجوز الطهارة بشيء من الأنبذة.
وقال أبو حنيفة: (يجوز الوضوء بنبيذ التمر المطبوخ في السفر عند عدم الماء).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
[المائدة: 6]. فنقلهم عند عدم الماء إلى التيمم، فدل على أنه لا يجوز
الوضوء بغيره من المائعات. إذ لو جاز الوضوء بغيره من المائعات.. لكان
النقل إليه أقرب من التراب؛ لأنه أقرب إلى صفة الماء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: إزالة النجاسة بالمائعات]
ولا تجوز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات.
وقال أبو حنيفة: (تجوز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر مزيل للعين، كالخل).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11]. فخص الماء بالتطهير.
وروي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأسماء بنت أبي بكر في دم الحيض يصيب الثوب: حتيه واقرصيه، ثم اغسليه بالماء». فخص الماء بالغسل به، فدل على أنه لا يجوز بغيره.
و (الحت): هو أن تحكه بضلع أو جريدة. و (القرص): أن يفرك باليد، يراد بذلك المعونة للماء.
وقد روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأم قيس بنت محصن: حكيه بضلع، ثم اغسليه بماء وسدر». وبالله التوفيق.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب ما يفسد الماء من الطاهرات وما لا يفسده]
إذا
اختلط بالماء شيء طاهر، ولم يتغير به الماء لقلة المخالط.. لم تمنع
الطهارة بالماء؛ لأن الماء باق على إطلاقه. وإن لم يتغير الماء بما خالطه
من الطاهرات التي تسلب تطهير الماء إذا غيرته لا لقلة المخالط، ولكن
لموافقته الماء في صفاته، كالعرق، وماء الورد إذا انقطعت رائحته.. قال ابن
الصباغ: وهذا يبعد؛ لأنه لا بد أن ينفرد عنه بطعم، فإن اتفق ذلك.. ففيه
وجهان:
أحدهما: يعتبر هذا المخالط بغيره من الطاهرات التي تغير صفته صفة
الماء، فيقال: لو كان هذا المخالط من الطاهرات التي تخالف صفتها صفة
الماء.. هل كانت تتغير صفة هذا الماء به؟
فإن قيل: نعم.. قيل: فهذا أيضًا يمنع الطهارة به وإن لم يتغير الماء.
وإن
قيل: لا يتغير صفة هذا الماء.. قيل: فكذا هذا أيضًا لا تمنع الطهارة به؛
لأنه لما لم يمكن اعتبار هذا المخالط بنفسه، لموافقته الماء في الصفة..
اعتبر بغيره مما يخالف الماء، كما نقول - في الجناية على الحر التي ليس لها
أرش مقدر -: لما لم يتمكن اعتبارها بنفسها.. اعتبرت بالجناية على العبيد.
قال
ابن الصباغ: وهذا يبعد؛ لأن الأشياء تختلف في ذلك، فبأيها تعتبر؟ فإن قال:
بأدناها صفة إلى الماء.. قيل: فاعتبر هذا المخالط بنفسه، فإن له صفة ينفرد
بها عن الماء.
والوجه الثاني - وهو الصحيح -: إن كان الماء أكثر من
المخالط له.. جازت الطهارة به؛ لبقاء إطلاق اسم الماء عليه. وإن كان
المخالط له أكثر من الماء.. لم تجز الطهارة به؛ لأن إطلاق اسم الماء يزول
بذلك.
وإن كان المخالط للماء المطلق ماء مستعملًا في الحدث، وقلنا: إنه
ليس بمطهر.. فإن الشيخ أبا حامد وابن الصباغ قالا: يكون الاعتبار هاهنا
بالكثرة وجهًا واحدًا. وقال القاضي أبو الطيب: هي على وجهين، كما لو خالطه
ماء ورد انقطعت رائحته، أو عرق.
إذا ثبت هذا: فذكر الشيخ أبو إسحاق في
"المهذب": إذا احتاج في طهارته إلى خمسة أرطال ماء، ومعه أربعة أرطال ماء،
فكمله برطل من مائع لم يتغير به، كماء ورد انقطعت رائحته.. فهل تجوز
الطهارة به؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي علي الطبري، وأبي حنيفة -:
(أنه لا تصح الطهارة به)؛ لأنه كمل الوضوء بالماء والمائع، فأشبه إذا غسل
بعض أعضائه بالماء، وبعضها بالمائع.
والثاني: تصح الطهارة به. قال أصحابنا: وهو الصحيح؛ لأن المائع استهلك في الماء، فصار كما لو طرح ذلك في ماء يكفيه.
والذي تبين لي في هذه المسألة: أنها مبنية على الوجهين في المائع إذا وقع في الماء ولم يغيره، لموافقته الماء في الصفة:
فإن
قلنا: إن المائع الذي توافق صفته صفة الماء يعتبر بغيره من الطاهرات التي
تخالف صفته صفة الماء.. لم تجز الطهارة به هاهنا بشيء من هذه الخمسة
الأرطال وجهًا واحدًا؛ لأنا لو قدرنا في عقولنا أن رطلًا من قطران، أو
زعفران، وقع في أربعة أرطال من الماء.. لغيره.
وإن قلنا: إن الاعتبار بكثرة الماء، أو بكثرة المخالط.. فهاهنا وجهان:
أحدهما: قال أبو علي الطبري: لا تجوز الطهارة به.
والثاني: قال سائر أصحابنا: تجوز.
فكان
أبو علي الطبري يقول: إن المائع الطاهر إذا خلط بماء يكفي للطهارة، ولم
يغير صفة الماء، وكان الماء أكثر.. تصح الطهارة به، وإن كان الماء لا يكفي
للطهارة إلا بالذي خالطه من المائعات الطاهرات.. لم تصح الطهارة به.
ويأتي
على قول أبي علي: لو احتاج في الغسل عن الجنابة إلى عشرة أرطال ماء وليس
معه إلا تسع أرطال ماء، فطرح فيه رطلًا من ماء ورد انقطعت رائحته، ولم
يتغير به الماء، فإن اغتسل بجميعه عن الجنابة.. لم تصح. وإن توضأ بجميعه عن
الحدث.. صح. وهذا ظاهر الفساد.
وغيره من أصحابنا قالوا: لا فرق بينهما؛
ولهذا قاسوا ما يكفي للطهارة إلا بالمائع على ما يكفي بنفسه للطهارة، فهي
وإن كانت مقدمة في "المهذب" في الباب الأول، إلا أنها مبنية على الوجه
الأول في الباب الثاني. ولعله فرعها على الصحيح.
وإن تغيرت إحدى صفات الماء من طعم، أو لون، أو رائحة بشيء مما خالطه من الطاهرات.. نظرت:
فإن
كان مما لا يمكن حفظ الماء منه، كالطحلب - وهو نبت ينبت في الماء - وما
يجري عليه الماء من الملح، والكحل، والزرنيخ، والنورة، وما أشبه ذلك.. جازت
الطهارة به؛ لأنه لا يمكن صون الماء عن ذلك.
وإن جرى الماء على التراب، فتغير الماء به.. لم يمنع الطهارة به، واختلف أصحابنا الخراسانيون في علته:
فمنهم من قال: لأنه لا يمكن صون الماء عنه، فهو كالطحلب إذا تغير به الماء.
ومنهم من قال: لأن التراب يوافق الماء في التطهير.
وإن تناثرت أوراق الشجر في الماء، فتغيرت بعض صفاته.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها
- وهو المشهور -: أنه تصح الطهارة به. قال الطبري: وهذا قول من يقول: إن
العلة في الماء إذا جرى عليه التراب، فغيره.. أنه لا يمكن صون الماء عنه؛
لأن هذا لا يمكن أيضًا صون الماء عنه.
والوجه الثاني: لا تصح الطهارة
به. قال الطبري: وهذا قول من يقول: إن العلة في التراب: أنه يوافق الماء في
التطهير؛ لأن هذا لا يوافق الماء في التطهير.
والثالث: إن كان الورق خريفيا.. لم يمنع الطهارة بالماء. وإن كان ربيعيا.. منع، والفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: أن الربيعي يخرج منه رطوبة تختلط بالماء. والخريفي يابس لا يخرج منه شيء.
والثاني: أن الربيعي قلما يتناثر، فيمكن صون الماء عنه، والخريفي يتناثر غالبًا، فلا يمكن صون الماء عنه.
والأول أصح، ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره.
وإن طرح في الماء ملح، فغير إحدى صفات الماء.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها
- وهو قول الشيخ أبي حامد، والبغداديين من أصحابنا -: إن كان الملح انعقد
من الماء.. لم يمنع الطهارة به؛ لأنه كان ماء في الأصل، فهو كالثلج إذا ذاب
في الماء. وإن كان الملح جبليا.. منع الطهارة بالماء، كما لو طرح فيه
دقيقًا، فغيره.
والثاني - وهو قول القفال، واختيار المسعودي [في
"الإبانة": ق \ 2]-: أنه لا تمنع الطهارة بالماء، سواء كان الملح انعقد من
الماء، أو كان جبليا؛ لأن كل ملح أصله الماء.
والثالث - يحكى عن ابن القاص -: أن كل واحد من المحلين يمنع؛ لأنه قد خرج عن صفة الماء، فهو كالطحلب. والأول هو المشهور.
وإن
طرح التراب في الماء، فغير صفته.. فالبغداديون من أصحابنا قالوا: تجوز
الطهارة به؛ لأنه يوافق الماء في التطهير، فهو كما لو صب ماء ملح على ماء
عذب، فتغير به.
وأما الخراسانيون فقالوا: إن قلنا: إن الماء إذا جرى
عليه فتغير به، أن العلة فيه: أنه يوافق الماء في التطهير.. لم تمنع
الطهارة بالماء هاهنا.
وإن قلنا: إن العلة هناك: أنه لا يمكن صون الماء عنه.. منع الطهارة به.
وإن
أخذ الطحلب، أو ورق الشجر، ودق وطرح في الماء، فغيره.. فهل تصح الطهارة
به؟ فيه وجهان، حكاهما أبو علي في "الإفصاح"، والشيخ أبو حامد:
أحدهما: تصح الطهارة به، كما لو تغير بالطحلب الذي نبت فيه.
والثاني: لا تصح الطهارة به، وهو المشهور؛ لأنه زال عن أصله بصنعة آدمي، بخلاف النابتة فيه، فإنه لا يمكن صون الماء عنه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم ما غير الماء كزعفران]
وإن
وقع في الماء زعفران، أو كافور، أو دقيق، أو ثمر، أو ما أشبه ذلك، فغير
إحدى صفاته.. لم تسلب طهارته، فيجوز شربه، ولكن يسلب تطهيره، فلا تصح
الطهارة به.
وقال أبو حنيفة: (إن كان الماء يجري بطبعه، صحت الطهارة به،
إلا ماء اللحم وماء الباقلاء، فلا تصح الطهارة به، وإن كان الماء لا يجري
بطبعه.. لم تصح الطهارة به).
دليلنا: أنه زال عنه إطلاق اسم الماء
بمخالطة ما ليس بمطهر، والماء مستغن عنه، فلم تصح الطهارة به، كماء اللحم،
وماء الباقلاء. وإذا شدد (الباقلا).. قصر، وإذا خفف.. مُدَّ.
فقولنا: (زال عنه إطلاق اسم الماء) احتراز من هذه الأشياء الطاهرة إذا وقعت في الماء، ولم تغير صفاته.
وقولنا: (بمخالطة) احترازٌ من الماء إذا تروح بجيفة بقربه.
وقولنا: (ما ليس بمطهر) احتراز من التراب، على المشهور من المذهب.
وقولنا: (والماء مستغن عنه) احتراز من الماء إذا جرى على الكُحل، أو نبت فيه الطحلب، فتغير به.
وإن حلف: لا يشرب الماء، فشرب من هذا الماء، قال القاضي في "التحقيق": لا يحنث.
وإن وكل من يشتري له الماء، فاشترى له الوكيل هذا الماء، لم يصح الشراء في حق هذا الموكل؛ لأنه لا يدخل في إطلاق اسم الماء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][كتاب الطهارة]

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]باب ما يجوز به الطهارة من المياه، وما لا يجوز به
قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48].
إذا الطهور عندنا: هو الطاهر في نفسه، المطهر لغيره، وهو اسم متعد، وتعديته: تطهيره لغيره من الحدث والنجس.
وقال أبو حنيفة، والأصم: (هو اسم لازم غير متعد يعم جميع الطاهرات).
وأجاز أبو حنيفة إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات، كالخل. وأجاز الأصم رفع الحدث بالمائعات الطاهرة غير الماء: كاللبن، والخل.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خلق الله الماء طهورًا».
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته». فخص الماء باسم الطهور، فدل ذلك على أنه لا يسمى غيره بهذا الاسم.
إذا
ثبت هذا: فيجوز رفع الحدث، وإزالة النجس بالماء المطلق، كماء المطر، وذوب
الثلج والبرد، وماء الآبار والأنهار؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11].
وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ من بئر بضاعة».
وأما الثلج والبرد قبل أن يذوبا: فيجوز مسح الرأس والخف بهما لا غير.
وقال الأوزاعي (إذا أمره على العضو المغسول.. أجزأه).
والدليل على أنه لا يجوز: أن أقل الطهارة جري الماء بطبعه على العضو المغسول، وهذا لا يوجد فيهما قبل أن يذوبا.
وتجوز
الطهارة بماء البحر مع وجود غيره من الماء، ومع عدمه، وهو قول كافة
العلماء، إلا ما حكي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو: أنهما قالا:
(التيمم أعجب إلينا منه).
وقال ابن المسيب: إن كان واجدًا لغيره من الماء.. لم يجز الوضوء به، وإن لم يجد غيره.. جاز الوضوء به.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
[النساء: 43]. وماء البحر يسمى ماءً. وروى أبو هريرة: أن رجلًا قال: يا
رسول الله إنا نركب في البحر أرماثًا، ومعنا القليل من الماء فإن توضأنا به
عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«هو الطهور ماؤه الحل ميتته»، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يطهره البحر، فلا طهره الله».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الماء المشمس]
وأما
الماء المشمس: فإن لم يقصد إلى تشميسه.. لم تكره الطهارة به؛ لأنه لا يمكن
صون الماء عن الشمس، وإن قصد إلى تشميسه.. فهل تكره الطهارة به؟ فيه خمسة
أوجه:
أحدهما: وهو المنصوص - (أنه يكره)؛ لما روي: أن عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - سخنت ماء بالشمس، فقال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا حميراء، لا تفعلي هذا، فإنه يورث البرص»،
تقول العرب: امرأة حميراء أي: بيضاء. وروي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - كان ينهى عن الماء المشمس، وقال: (إنه يورث البرص)، فذكر أن رجلًا
عانده في ذلك، وكان يتطهر به، فما مات حتى أصابه البرص.
وسواء شمس بالحجارة أو النحاس أو الزجاج، وفي الإناء المغطى والمكشوف.. فإنه يكره.
والوجه الثاني: لا يكره بحال، وهو قول أبو حنيفة، كما لا يكره ما تشمس بنفسه في البرك والأنهار.
والثالث: إن شمس في البلاد الحارة في آنية الصفر.. كره؛ لأنه يورث البرص، وإن شمس بغير ذلك.. لم يكره؛ لأنه لا يورث البرص.
والرابع - حكاه الشاشي - يكره في البدن، دون الثوب.
والخامس
- حكاه أيضًا - إن قال عدلان من أهل الطب: إنه لا يورث البرص.. فلا يكره،
وإن قال يورث.. كره، وهذا ضعيف؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قد أخبر أنه يورث البرص، فلا معنى للرجوع إلى قول أهل الطب.
فإن قلنا: يكره، فبرد الماء المشمس.. فهل تزول كراهة الطهارة به؟
سمعت بعض شيوخي يحكي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تزول الكراهة، لزوال التشميس.
والثاني: لا تزول الكراهة؛ لأنه لا يزول عنه اسم التشميس.
والثالث:
يرجع إلى عدلين من أطباء المسلمين، فإن قالا: لا يورث البرص.. زالت
الكراهة، وإن قال: يورث.. كره؛ لأن العلة في كراهته خوف البرص، فرجع إليهم
في ذلك بعد التبريد.
فإن توضأ بالماء المشمس.. ارتفع حدثه؛ لأن المنع منه لخوف البرص، فلم يمنع صحة الطهارة، كما لو توضأ بماء حار أو بارد يخاف منه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]]فرع: الماء المسخن]
وإن
سخن الماء بالنار.. لم تكره الطهارة به، سواء سخن بالوقود الطاهر أو
النجس. وقال مجاهد: تكره الطهارة به بكل حال. وقال أحمد: (إن سخن بالوقود
النجس.. كرهت الطهارة به، وإن سخن بالوقود الطاهر.. لم تكره).
دليلنا: (أنه كان يسخن لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ماء في قمقم، فكان يتوضأ به).
وروى «الأسلع
بن شريك قال:أجنبت وأنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
في سفر، فجمعت أحجارًا، وسخنت ماء، فاغتسلت به، فأخبرت النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، فلم ينكر علي».
وروى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل حمامًا بالجحفة، فاغتسل منه».
ولا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم.
وقال
أحمد في إحدى الروايتين عنه: (يكره)؛ لما روي عن العباس بن عبد المطلب:
أنه قال في ماء زمزم: (لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. وهذا ماء؛ ولأن الناس يفعلون ذلك من لدن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى وقتنا هذا من غير إنكار.
وأما ما روي عن العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فيتحمل أنه نهى عن ذلك في وقت قل الماء فيها، وكثر من يطلب الشرب منها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الماء غير المطلق]
قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وما عدا ذلك من ماء ورد، أو شجر،
أو عصفر، أو ماء زعفران، أو عرق.. فلا يجوز التطهر به).
وهذا كما قال:
لا يجوز رفع الحدث بغير الماء المطلق من المائعات الطاهرة، كـ (ماء الورد):
وهو الماء الذي يعتصر من الورد. و (ماء الشجر): وهو أن يقطع الشجر رطبًا،
فيجري منه الماء، و (ماء العصفر والزعفران): وهو ما اعتصر منهما.
وبه قال عامة أهل العلم، إلا الأصم، فإنه قال: يجوز رفع الحدث بكل مائع طاهر.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]، فنقلهم من الماء عند عدمه إلى التيمم، فدل على أنه لا يجوز الطهارة بغيره.
وأيضًا:
فإن الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - قد كانوا يسافرون، فيعدمون
الماء، فيتيممون، وما روي أن أحدًا منهم توضأ بمائع غير الماء.
وأما (العرق): ففيه ثلاث روايات:
(الأولى): قيل: عرق - بفتح العين والراء - وهو عرق الآدميين وغيرهم.
و (الثانية): قيل: عرق - بكسر العين وسكون الراء - وهو ماء عروق الشجر.
و (الثالثة): قيل: عرق - بفتح العين وسكون الراء - وهو الماء الذي يعتصر من أكراش الإبل، كانت العرب تفعله في المفاوز.
والجميع لا تجوز الطهارة به.
أما الأولان: فلما قدمناه. وأما الثالث: فلأنه نجس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الطهارة بشيء من الأنبذة]
ولا تجوز الطهارة بشيء من الأنبذة.
وقال أبو حنيفة: (يجوز الوضوء بنبيذ التمر المطبوخ في السفر عند عدم الماء).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
[المائدة: 6]. فنقلهم عند عدم الماء إلى التيمم، فدل على أنه لا يجوز
الوضوء بغيره من المائعات. إذ لو جاز الوضوء بغيره من المائعات.. لكان
النقل إليه أقرب من التراب؛ لأنه أقرب إلى صفة الماء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: إزالة النجاسة بالمائعات]
ولا تجوز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات.
وقال أبو حنيفة: (تجوز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر مزيل للعين، كالخل).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11]. فخص الماء بالتطهير.
وروي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأسماء بنت أبي بكر في دم الحيض يصيب الثوب: حتيه واقرصيه، ثم اغسليه بالماء». فخص الماء بالغسل به، فدل على أنه لا يجوز بغيره.
و (الحت): هو أن تحكه بضلع أو جريدة. و (القرص): أن يفرك باليد، يراد بذلك المعونة للماء.
وقد روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأم قيس بنت محصن: حكيه بضلع، ثم اغسليه بماء وسدر». وبالله التوفيق.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب ما يفسد الماء من الطاهرات وما لا يفسده]
إذا
اختلط بالماء شيء طاهر، ولم يتغير به الماء لقلة المخالط.. لم تمنع
الطهارة بالماء؛ لأن الماء باق على إطلاقه. وإن لم يتغير الماء بما خالطه
من الطاهرات التي تسلب تطهير الماء إذا غيرته لا لقلة المخالط، ولكن
لموافقته الماء في صفاته، كالعرق، وماء الورد إذا انقطعت رائحته.. قال ابن
الصباغ: وهذا يبعد؛ لأنه لا بد أن ينفرد عنه بطعم، فإن اتفق ذلك.. ففيه
وجهان:
أحدهما: يعتبر هذا المخالط بغيره من الطاهرات التي تغير صفته صفة
الماء، فيقال: لو كان هذا المخالط من الطاهرات التي تخالف صفتها صفة
الماء.. هل كانت تتغير صفة هذا الماء به؟
فإن قيل: نعم.. قيل: فهذا أيضًا يمنع الطهارة به وإن لم يتغير الماء.
وإن
قيل: لا يتغير صفة هذا الماء.. قيل: فكذا هذا أيضًا لا تمنع الطهارة به؛
لأنه لما لم يمكن اعتبار هذا المخالط بنفسه، لموافقته الماء في الصفة..
اعتبر بغيره مما يخالف الماء، كما نقول - في الجناية على الحر التي ليس لها
أرش مقدر -: لما لم يتمكن اعتبارها بنفسها.. اعتبرت بالجناية على العبيد.
قال
ابن الصباغ: وهذا يبعد؛ لأن الأشياء تختلف في ذلك، فبأيها تعتبر؟ فإن قال:
بأدناها صفة إلى الماء.. قيل: فاعتبر هذا المخالط بنفسه، فإن له صفة ينفرد
بها عن الماء.
والوجه الثاني - وهو الصحيح -: إن كان الماء أكثر من
المخالط له.. جازت الطهارة به؛ لبقاء إطلاق اسم الماء عليه. وإن كان
المخالط له أكثر من الماء.. لم تجز الطهارة به؛ لأن إطلاق اسم الماء يزول
بذلك.
وإن كان المخالط للماء المطلق ماء مستعملًا في الحدث، وقلنا: إنه
ليس بمطهر.. فإن الشيخ أبا حامد وابن الصباغ قالا: يكون الاعتبار هاهنا
بالكثرة وجهًا واحدًا. وقال القاضي أبو الطيب: هي على وجهين، كما لو خالطه
ماء ورد انقطعت رائحته، أو عرق.
إذا ثبت هذا: فذكر الشيخ أبو إسحاق في
"المهذب": إذا احتاج في طهارته إلى خمسة أرطال ماء، ومعه أربعة أرطال ماء،
فكمله برطل من مائع لم يتغير به، كماء ورد انقطعت رائحته.. فهل تجوز
الطهارة به؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي علي الطبري، وأبي حنيفة -:
(أنه لا تصح الطهارة به)؛ لأنه كمل الوضوء بالماء والمائع، فأشبه إذا غسل
بعض أعضائه بالماء، وبعضها بالمائع.
والثاني: تصح الطهارة به. قال أصحابنا: وهو الصحيح؛ لأن المائع استهلك في الماء، فصار كما لو طرح ذلك في ماء يكفيه.
والذي تبين لي في هذه المسألة: أنها مبنية على الوجهين في المائع إذا وقع في الماء ولم يغيره، لموافقته الماء في الصفة:
فإن
قلنا: إن المائع الذي توافق صفته صفة الماء يعتبر بغيره من الطاهرات التي
تخالف صفته صفة الماء.. لم تجز الطهارة به هاهنا بشيء من هذه الخمسة
الأرطال وجهًا واحدًا؛ لأنا لو قدرنا في عقولنا أن رطلًا من قطران، أو
زعفران، وقع في أربعة أرطال من الماء.. لغيره.
وإن قلنا: إن الاعتبار بكثرة الماء، أو بكثرة المخالط.. فهاهنا وجهان:
أحدهما: قال أبو علي الطبري: لا تجوز الطهارة به.
والثاني: قال سائر أصحابنا: تجوز.
فكان
أبو علي الطبري يقول: إن المائع الطاهر إذا خلط بماء يكفي للطهارة، ولم
يغير صفة الماء، وكان الماء أكثر.. تصح الطهارة به، وإن كان الماء لا يكفي
للطهارة إلا بالذي خالطه من المائعات الطاهرات.. لم تصح الطهارة به.
ويأتي
على قول أبي علي: لو احتاج في الغسل عن الجنابة إلى عشرة أرطال ماء وليس
معه إلا تسع أرطال ماء، فطرح فيه رطلًا من ماء ورد انقطعت رائحته، ولم
يتغير به الماء، فإن اغتسل بجميعه عن الجنابة.. لم تصح. وإن توضأ بجميعه عن
الحدث.. صح. وهذا ظاهر الفساد.
وغيره من أصحابنا قالوا: لا فرق بينهما؛
ولهذا قاسوا ما يكفي للطهارة إلا بالمائع على ما يكفي بنفسه للطهارة، فهي
وإن كانت مقدمة في "المهذب" في الباب الأول، إلا أنها مبنية على الوجه
الأول في الباب الثاني. ولعله فرعها على الصحيح.
وإن تغيرت إحدى صفات الماء من طعم، أو لون، أو رائحة بشيء مما خالطه من الطاهرات.. نظرت:
فإن
كان مما لا يمكن حفظ الماء منه، كالطحلب - وهو نبت ينبت في الماء - وما
يجري عليه الماء من الملح، والكحل، والزرنيخ، والنورة، وما أشبه ذلك.. جازت
الطهارة به؛ لأنه لا يمكن صون الماء عن ذلك.
وإن جرى الماء على التراب، فتغير الماء به.. لم يمنع الطهارة به، واختلف أصحابنا الخراسانيون في علته:
فمنهم من قال: لأنه لا يمكن صون الماء عنه، فهو كالطحلب إذا تغير به الماء.
ومنهم من قال: لأن التراب يوافق الماء في التطهير.
وإن تناثرت أوراق الشجر في الماء، فتغيرت بعض صفاته.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها
- وهو المشهور -: أنه تصح الطهارة به. قال الطبري: وهذا قول من يقول: إن
العلة في الماء إذا جرى عليه التراب، فغيره.. أنه لا يمكن صون الماء عنه؛
لأن هذا لا يمكن أيضًا صون الماء عنه.
والوجه الثاني: لا تصح الطهارة
به. قال الطبري: وهذا قول من يقول: إن العلة في التراب: أنه يوافق الماء في
التطهير؛ لأن هذا لا يوافق الماء في التطهير.
والثالث: إن كان الورق خريفيا.. لم يمنع الطهارة بالماء. وإن كان ربيعيا.. منع، والفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: أن الربيعي يخرج منه رطوبة تختلط بالماء. والخريفي يابس لا يخرج منه شيء.
والثاني: أن الربيعي قلما يتناثر، فيمكن صون الماء عنه، والخريفي يتناثر غالبًا، فلا يمكن صون الماء عنه.
والأول أصح، ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره.
وإن طرح في الماء ملح، فغير إحدى صفات الماء.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها
- وهو قول الشيخ أبي حامد، والبغداديين من أصحابنا -: إن كان الملح انعقد
من الماء.. لم يمنع الطهارة به؛ لأنه كان ماء في الأصل، فهو كالثلج إذا ذاب
في الماء. وإن كان الملح جبليا.. منع الطهارة بالماء، كما لو طرح فيه
دقيقًا، فغيره.
والثاني - وهو قول القفال، واختيار المسعودي [في
"الإبانة": ق \ 2]-: أنه لا تمنع الطهارة بالماء، سواء كان الملح انعقد من
الماء، أو كان جبليا؛ لأن كل ملح أصله الماء.
والثالث - يحكى عن ابن القاص -: أن كل واحد من المحلين يمنع؛ لأنه قد خرج عن صفة الماء، فهو كالطحلب. والأول هو المشهور.
وإن
طرح التراب في الماء، فغير صفته.. فالبغداديون من أصحابنا قالوا: تجوز
الطهارة به؛ لأنه يوافق الماء في التطهير، فهو كما لو صب ماء ملح على ماء
عذب، فتغير به.
وأما الخراسانيون فقالوا: إن قلنا: إن الماء إذا جرى
عليه فتغير به، أن العلة فيه: أنه يوافق الماء في التطهير.. لم تمنع
الطهارة بالماء هاهنا.
وإن قلنا: إن العلة هناك: أنه لا يمكن صون الماء عنه.. منع الطهارة به.
وإن
أخذ الطحلب، أو ورق الشجر، ودق وطرح في الماء، فغيره.. فهل تصح الطهارة
به؟ فيه وجهان، حكاهما أبو علي في "الإفصاح"، والشيخ أبو حامد:
أحدهما: تصح الطهارة به، كما لو تغير بالطحلب الذي نبت فيه.
والثاني: لا تصح الطهارة به، وهو المشهور؛ لأنه زال عن أصله بصنعة آدمي، بخلاف النابتة فيه، فإنه لا يمكن صون الماء عنه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم ما غير الماء كزعفران]
وإن
وقع في الماء زعفران، أو كافور، أو دقيق، أو ثمر، أو ما أشبه ذلك، فغير
إحدى صفاته.. لم تسلب طهارته، فيجوز شربه، ولكن يسلب تطهيره، فلا تصح
الطهارة به.
وقال أبو حنيفة: (إن كان الماء يجري بطبعه، صحت الطهارة به،
إلا ماء اللحم وماء الباقلاء، فلا تصح الطهارة به، وإن كان الماء لا يجري
بطبعه.. لم تصح الطهارة به).
دليلنا: أنه زال عنه إطلاق اسم الماء
بمخالطة ما ليس بمطهر، والماء مستغن عنه، فلم تصح الطهارة به، كماء اللحم،
وماء الباقلاء. وإذا شدد (الباقلا).. قصر، وإذا خفف.. مُدَّ.
فقولنا: (زال عنه إطلاق اسم الماء) احتراز من هذه الأشياء الطاهرة إذا وقعت في الماء، ولم تغير صفاته.
وقولنا: (بمخالطة) احترازٌ من الماء إذا تروح بجيفة بقربه.
وقولنا: (ما ليس بمطهر) احتراز من التراب، على المشهور من المذهب.
وقولنا: (والماء مستغن عنه) احتراز من الماء إذا جرى على الكُحل، أو نبت فيه الطحلب، فتغير به.
وإن حلف: لا يشرب الماء، فشرب من هذا الماء، قال القاضي في "التحقيق": لا يحنث.
وإن وكل من يشتري له الماء، فاشترى له الوكيل هذا الماء، لم يصح الشراء في حق هذا الموكل؛ لأنه لا يدخل في إطلاق اسم الماء.


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تغير رائحة الماء بمجاور]
وإن وقع في الماء دُهن طيب، أو عود، فتغير به ريح الماء، ففيه قولان:
أحدهما: وهو الأصح -: أنه لا يمنع الطهارة بالماء؛ لأن تغيره عن مجاورة، فهو كما لو تغير ريحه بجيفة بقربه.
والثاني: يمنع الطهارة به، كما لو طرح فيه زعفران فتغير به.
وإن
وقع في الماء قطران فغير ريح الماء.. فقد قال الشافعي في "الأم" [1/6]
(لا يجوز الوضوء به)، وقال بعده بأسطر: (إن وقع به قطران، أو بان، فتغير به
ريح الماء، لم يمنع الوضوء به).
فقال الشيخ أبو حامد، والمحاملي: ليست
على قولين، وإنما هي على اختلاف حالين، فحيث قال: (لا يجوز الوضوء به)،
أراد: إذا اختلط بأجزاء الماء، وحيث قال: (يجوز)، أراد: إذا لم يختلط
بالماء، وإنما تغير به عن مجاورة.
قال أبو علي الطبري: وقيل: إن القطران على ضربين: ضرب يختلط بالماء، وضرب لا يختلط به.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم ما لا يختلط بالماء كالكافور]

وإن وقع في الماء قليل كافور، وهو مما لا يختلط بجميع أجزاء الماء، وإنما يختلط باليسير منه، فتغير به ريح الماء.. ففيه وجهان:
أحدهما: تجوز الطهارة به؛ لأن تغيره عن مجاورة.
والثاني: لا تجوز، كما لو وقع فيه زعفران، فتغير به. وبالله التوفيق

يتبــــــــــــــــــــع
.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Uo_ouo10



عدل سابقا من قبل mr.alaa في الأحد 25 سبتمبر 2011, 6:48 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 6:47 pm

[center]كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب ما يُفسِدُ الماء من النجاسة، وما لا يُفسِدُهُ]

إذا وقعت في الماء نجاسة، فتغير لونه أو ريحه أو طعمه، نجس الماء، سواء كان الماء قليلًا، أو كثيرًا.
والدليل
عليه: ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ
من بئر بُضاعة - وهي بئر في المدينة - فقيل: يا رسول الله، إنك تتوضأ من
بئر بضاعة، وإنه يطرح فيها المحائض ولحوم الكلاب وما ينجي الناس! فقال -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُلق الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه، أو ريحه». فنص على (الطعم، والريح)، وقسنا اللون عليهما؛ لأنه أدل على غلبة الماء منهما، وقد روي: «إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه».
(والمحائض): خرق الحيض، و (ما ينجي الناس): الغائط، يقال: أنجى الرجل إذا تغوط.
فإن قيل: كيف يطرح ذلك في بئر يتوضأ منها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
قلنا:
يحتمل أن البئر في متسفل من الأرض، فتكون هذه الأشياء بقربها، ثم يحملها
السيل إليها، ويحتمل أن يكون طرحوا ذلك إليها قبل أن يتوضأ منها النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويحتمل أن يكون طرحها المنافقون.
وإن تغير بعض الماء دون بعض.. فقد ذكر في "المهذب"، و"المقنع": أنه ينجس الجميع؛ لأنه ماء واحد، فلا يجوز أن ينجس بعضه دون بعض.
وقال
بعض أصحابنا المتأخرين: أراد إذا كان الماء الذي لم يتغير أقل من قلتين.
فأما إذا كان الذي لم يتغير قلتين أو أكثر.. لم ينجس ما لم يتغير منه؛ لأنه
قد يتغير موضع من البحر بالنجاسة، فكيف يحكم بنجاسة جميعه؟!
وظاهر كلام
الشيخ أبي إسحاق: أنه لا فرق بين أن يكون ما لم يتغير أقل من قلتين، أو
قلتين، أو أكثر، فإنه ينجس الجميع؛ لأنه قال: لأنه ماء واحد، وهذه العلة
موجودة. وإن كان الذي لم يتغير قلتين أو أكثر.. فقد ذكر ابن الصباغ ما يدل
على صحة ذلك، فقال: إذا كان هناك ماء راكد متغير بالنجاسة، وبجنبه قلتان
تمران براكد غير متغير.. فقياس المذهب: أن كل جرية تنجس به؛ لأنه كالماء
الواحد، فكان الكل نجسًا وإن كثر، ولأنه ماء واحد فلا يتبعض حكمه، فإذا
انفصلتا عنه.. زال حكم النجاسة؛ لأنه قلتان غير متغير بالنجاسة، فجعل ابن
الصباغ القلتين نجستين وإن كانتا غير متغيرتين، لاتصالهما بالماء المتغير
بالنجاسة.
ومن قال بهذا: يمكنه أن ينفصل عما ذكروه في البحر بأن يقول:
المتغير لا يستقيم فيه، فلا ينجس بدليل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «من لم يطهره البحر.. فلا طهره الله». ولم يفرق بين أن يتغير بالنجاسة، أو لا يتغير؛ لأن التغير في جميعه لا يتصور، وفي بعضه لا يستقيم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: النجاسة المعفو عنها]

وإن وقعت في الماء نجاسة يدركها الطرف، من بول، أو خمر، أو ميتة لها نفس سائلة ولم تغيره، فإن كان راكدًا.. نظرت:
فإن كان الماء أقل من قلتين.. نجس، وإن كان قلتين، أو أكثر.. لم ينجس، وروي ذلك عن ابن عمر، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وأحمد، وإسحاق.
وذهبت
طائفة: إلى أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، سواء كان قليلًا، أو كثيرًا.
ذهب إليه من الصحابة: ابن عباس، وحذيفة، وأبو هريرة. وبه قال الحسن البصري،
وسعيد بن المسيب، وعكرمة، وابن أبي ليلى، وجابر بن زيد، ومالك، والأوزاعي،
وداود، والثوري، والنخعي، واختاره ابن المنذر، واحتجوا بقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الماء طهور، لا ينجسه شيء، إلا ما غير طعمه، أو ريحه»، ولم يفرق بين القليل والكثير.
وقال
أبو حنيفة: (كل ما وصلت إليه النجاسة، أو غلب على الظن وصول النجاسة
إليه.. حكم بنجاسته وإن لم يتغير، سواء كان قليلًا أو كثيرًا، والطريق إلى
معرفة وصولها إليه: إن كان الماء إذا حرك أحد جانبيه، تحرك الجانب الآخر،
فإن النجاسة إذا حصلت بأحد جانبيه.. غلب على الظن أنها وصلت إلى الجانب
الآخر، وإن كان لا يتحرك الجانب الآخر.. لم يغلب على الظن وصول النجاسة من
أحد جانبيه إلى الآخر).
واحتج بما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن البول في الماء الراكد»، فلم يفرق بين القليل والكثير، ولا بين المتغير وغير المتغير.
ودليلنا: ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كان الماء قلتين بقلال هجر.. لم يحمل الخبث»
أي: لا يقبل حكمه ولا يلتزمه. فدل على أنه إذا كان أقل من قلتين.. حمل
الخبث. فإن قيل: فلعله أراد بقوله: "لم يحمل الخبث"، أي: أنه يضعف عن حمله،
كما يقال: فلان لا يحمل هذه الخشبة، أي: أنه يضعف عن حملها.. قلنا: الشيء
إذا كان عينًا، فقيل: فلان لا يحمله.. فمعناه: أي أنه ضعيف عن حمله،
والخشبة عين. وإذا كان الشيء حكمًا، فقيل: فلان لا يحمله.. فمعناه: أي أنه
لا يقبل حكمه، ولا يلتزمه، كما قال الله تعالى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[الجمعة: 5]. فأراد: أنهم حملوا أحكامها، فلم يقبلوها، ولم يلتزموها، لا
أنهم يضعفون عن حملها؛ لأن المراد به الحكم، وكذلك النجاسة هي حكم لا عين.
وأما الخبر الذي احتج به مالك: فيحمله على الماء الكثير، بدليل ما ذكرناه.
وأما
الخبر الذي احتج به أبو حنيفة: فيحمله على الماء القليل، بدليل خبرنا،
فاستعمل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأخبار الثلاثة، وأخذ مالك بواحد من
الأخبار الثلاثة، وأسقط اثنين، وكذلك أبو حنيفة أخذ بواحد منها، وأسقط
اثنين.
إذا ثبت هذا: فإن هجر - التي تنسب القلال إليها - موضع بقرب المدينة، كان ابتداء عمل القلال بها، فنسبت إليها، ثم عملت بعد بالمدينة.
و (القلة): حب يسع جرارا من الماء، وجمعها: قلال. قال الشاعر:
يمشون حول مكدم قد كدحت ** متنيه حمل حناتم وقلال.

و (الحناتم) - جمع حنتم - وهي: الجرة الكبيرة، ذات عروتين، وهو يصف الحمار.
واختلف أصحابنا في حد القلتين.
فمنهم من قال: هما خمسمائة منًا، وهو ألف رطل بالبغدادي.
وقال أبو عبد الله الزبيري: هما ثلاثمائة منًا، وهو ستمائة رطل بالبغدادي.
وهو قول القفال، واختيار المسعودي [في الإبانة: ق \ 7].
وقال
الشيخ أبو حامد، وعامة أصحابنا: هما خمسمائة رطل بالبغدادي، وهو المنصوص؛
لأن ابن جريج قال: رأيت قلال هجر، فرأيت القلة منها تسع قربتين، أو قربتين
وشيئًا.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (والاحتياط أن تجعل قربتين ونصفًا).
قال الشافعي: (والقربة بالحجاز، تسعمائة رطل)، فصار ذلك خمسمائة رطل، وهل ذلك تحديد أو تقريب؟ فيه وجهان:
أحدهما:
من أصحابنا من قال: هو تقريب، فإن نقص منه رطلان أو ثلاثة أو ما أشبه ذلك،
لم يؤثر نقصانه؛ لأن الشيء قد يستعمل فيما دون النصف في العادة، ولهذا
يقال في الشيئين وأكثر من نصف الثالث: ثلاثة إلا شيئًا.
والثاني: قال
أبو إسحاق: هو تحديد، فإن نقص منه نصف رطل، وما أشبهه.. فينجس بوقوع
النجاسة فيه؛ لأن الحكم قد يجب للاحتياط، واستيفاء الواجب، كما يجب أن يصوم
جزءًا من الليل لاستيفاء النهار، وكما يجب غسل شيء من الرأس لاستيفاء غسل
الوجه.
إذا ثبت هذا: فنقول: إن داود قال: (إذا بال الإنسان في الماء
الراكد، ولم يجز له أن يتوضأ منه وإن كان كثيرًا لم يتغير، ولا يحكم
بنجاسته، فيجوز لغيره أن يتوضأ منه، وكذلك إذا تغوط الإنسان في الماء.. جاز
له ولغيره الوضوء به إذا لم يتغير به). وهذا خطأ بين لا يحتاج إلى
الاستدلال عليه، وإنما قال هذا لتركه القياس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الشك في قدر القلتين]

قال الصيمري: وإن وقعت في الماء نجاسة ولم تغيره، وشك في الماء، هل هو قلتان، أو أقل.. حكم بنجاسته؛ لأن الأصل فيه القلة.
وإن
وقعت في الماء الكثير نجاسة ولم تغيره، لكون صفة النجاسة موافقة لصفة
الماء، قال القاضي حسين: يعتبر بالنجاسة التي تخالف صفتها صفة الماء، وقد
استعبد ابن الصباغ ذلك في الطاهر المخالط للماء، وهو في النجاسة أبعد.
وإن
كان الماء قلتين إلا كوزًا، فصب فيه كوزًا من ماء ورد، ثم وقعت فيه
نجاسة.. نجس الماء وإن لم يتغير، وإن كمل القلتين بكوز من ماء تغير
بالزعفران، ثم وقعت فيه نجاسة، لم ينجس الماء من غير تغيير.
والفرق بينهما: أن ماء الورد عرق، وماء الزعفران كان مطهرًا.
فإن صب على القلتين الناقصتين كوزًا من خمر، أو بولٍ.. حكم بنجاسة الماء.
وهكذا
إن صب عليه ماء نجسًا ولم يبلغا قلتين.. حكم بنجاسة الماء. وإن صب القلتين
الناقصتين، على البول، أو الخمر، أو على الماء النجس، فاستهلك ذلك في
الماء.. حكم بطهارته؛ لأن النجاسة إذا وردت على الماء القليل، نجسته، وإذا
ورد الماء على النجاسة فاستهلكها، طهرها، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا».
فنهى عن إيراد اليد النجسة على الماء، وأمر بإيراد الماء عليها.
وإن
كان الماء قلتين، فوقعت فيه نجاسة لم تغيره، والذي فيه النجاسة متميز عن
الذي لا نجاسة فيه، مثل أن يكون أحدهما كدرًا، والآخر صافيًا، حكم بطهارة
الجميع؛ لأن الاعتبار بالكثرة لا بالمخالطة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: نجاسة ما لا يدركه الطرف]

وإن وقع في الماء القليل نجاسة لا يدركها الطرف، أو كان ذلك في الثوب، ففيه خمس طرق مشهورة:
أحدها: يعفى عنها فيهما قولًا واحدًا؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منها.
والثانية: لا يعفى عنها فيهما قولًا واحدًا؛ لأنها نجاسة متيقنة، فهي كالنجاسة التي يدركها الطرف.
والثالثة: أن فيها قولين: أحدهما: يعفى عنها فيهما.
والثاني: لا يعفى عنها فيهما، ووجههما ما ذكرناه.
والرابعة: ينجس الماء ولا ينجس الثوب؛ لأن الثوب أخف حكمًا في النجاسة، بدليل أنه يعفى عن قليل الدم والقيح فيه، بخلاف الماء.
والخامسة: ينجس الثوب ولا ينجس الماء؛ لأن الماء يزيل النجاسة عن غيره، فدفع النجاسة عن نفسه، بخلاف الثوب.
وحكى الشاشي طريقة سادسة: عن أبي علي بن أبي هريرة -: أنه ينجس الثوب قولًا واحدًا، وفي الماء قولان.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: ما لا نفس له سائلة إذا وقع في المائعات]

الحيوان الذي له نفس سائلة: هو الذي إذا ذبح سال دمه عن موضعه، كالدجاج، والحمام، وما أشبههما؛ لأن النفس هي الدم.
والحيوان الذي لا نفس له سائلة: هو الذي إذا ذبح لم يسل دمه عن موضعه، كالذباب والزنبور. وفي الحية والوزغ وجهان، حكاهما الشاشي:
أحدهما: قال الشيخ أبو حامد: لهما نفس سائلة.
والثاني: قال أبو العباس بن القاص والصيمري: ليس لهما نفس سائلة.
وإذا
مات ما لا نفس له سائلة، ووقع في ماء ولم يغيره، أو في طعام أو شراب.. فقد
قال الشيخ أبو حامد، والبغداديون من أصحابنا: ينجس الحيوان نفسه قولًا
واحدًا.
وهل ينجس ما وقع فيه من الماء القليل والطعام والشراب؟
فيه قولان: وقال القفال: القولان في الحيوان نفسه، هل ينجس بالموت؟
فإذا قلنا: لا ينجس ما وقع فيه؛ وهو قول عامة الفقهاء، قال أصحابنا: وهو الأصلح للناس.
فوجهه: ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا وقع الذباب في الطعام، فامقلوه، ثم انقلوه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء، وإنما يقدم السم، ويؤخر الشفاء».
و(المقل): الغمس، وقد يكون الطعام حارا، فيموت بالمقل فيه، فلو كان ينجسه.. لما أمر بمقله.
وروى سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما طعام أو شراب وقعت فيه ذبابة ليس لها دم، فماتت فيه، فهو حلال أكله، وشربه، ووضوؤه» ولأنه لا يمكن الاحتراز منه، فلو لم يعف عنه، لم يؤكل الباقلاء المطبوخ، والجبن؛ لأنه لا ينفك من وقوع الذباب فيه.
وإذا قلنا: ينجس ما وقع فيه، وحكي ذلك عن ابن المنذر، ويحيى بن أبي كثير.. قال في "الإفصاح" و"التنبيه" وهو الأقيس.
فوجهه: أنه حيوان لا يؤكل بعد موته لا لحرمته، فأشبه ما له نفس سائلة.
فقولنا: (حيوان لا يؤكل بعد موته) احتراز من الحوت، والجراد.
وقولنا: (لا لحرمته) احتراز من الآدمي إذا مات، وقلنا: إنه طاهر.
وأما ابن المنذر فقال: لا أعلم أحدا قال: إنه ينجس ما وقع فيه غير الشافعي.
إذا
ثبت هذا: فنقول: فإن كثر من ذلك ما غير الماء، فإن قلنا: إن الماء ينجس
بوقوع ذلك فيه وإن لم يغير صفته.. فهاهنا أولى. وإن قلنا هناك: لا ينجس..
فهاهنا وجهان:
أحدهما: ينجسه؛ لأنه ماء تغير بالنجاسة.
والثاني: لا ينجسه؛ لأن ما لا ينجس الماء القليل، إذا وقع فيه ولم يغيره.. لم ينجسه وإن غيره، كالسمك والجراد.
فإذا قلنا بهذا: فإنه يكون طاهرًا غير مطهر، وكذلك إذا تغير الماء بالسمك والجراد.. كان طاهرًا غير مطهر. ذكره الصيدلاني.
هذا
إذا كان الحيوان غير متولد في نفس الشيء. فأما إذا كان متولدا في نفس
الشيء، كدود الخل، والجبن، ودواب الباقلاء، فإن مات فيما تولد فيه.. لم
ينجسه قولا واحدا؛ لأنه لا ينفك منه، وإن نقل منه إلى غيره ومات فيه.. فهل
ينجسه؟ على القولين في الذباب إذا وقع في ماء قليل، وما له نفس سائلة مما
لا يعيش إلا في الماء كالسلحفاة إذا قلنا: لا يحل أكله، والضفدع إذا مات في
ماء قليل.. فإنه ينجسه قولًا واحدًا.
وقال أبو حنيفة: (لا ينجسه، كالسمك).
دليلنا: أنه حيوان له نفس سائلة لا يحل أكله، فينجس الماء القليل بوقوع ميتته فيه، كحيوان البر.
قال
الصيدلاني: ودود الميتة نجس العين؛ كولد الكلب، وأراد بذلك: الدود المتولد
في نفس الميتة، أنه نجس العين لا يطهر بالغسل، كولد الكلب، وكذلك عند
البقلة النابتة في العذرة وسائر النجاسات.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: تطهير الماء النجس]

إذا وقعت في الماء نجاسة، وحكم بنجاسته.. نظرت:
فإن
كان الماء أكثر من قلتين وتغير بالنجاسة، وأراد تطهيره، طهر بأن يزول
التغير بنفسه، بهبوب الريح، أو بطلوع الشمس، أو بأن يضاف إليه ماء آخر أو
ينبع فيه، فيزول التغير. أو بأن يؤخذ بعض الماء، فيزول التغير قبل أن ينقص
عن قلتين؛ لأن النجاسة بالتغيير، وقد زال.
فإن طرح فيه شيئًا غير الماء، فزال التغير.. نظرت:
فإن تغير طعم الماء بالنجاسة، فطرح فيه ما له طعم، فغلب طعمه طعم النجاسة.
أو
تغير لون الماء بالنجاسة، فطرح فيه ما له لون، فغلب لونه لون الماء. أو
تغير ريح الماء، فطرح فيه ما له ريح، فغلب ريحه ريح الماء، لم يحكم بطهارة
الماء؛ لأنه يجوز أن تكون صفة الماء المتغير بالنجاسة باقية، وإنما لم
يطهر؛ لغلبة ما طرح فيه.
وإن طرح فيه تراب، فأزال تغير الماء، ففيه قولان:
أحدهما:
لا يطهر - وهو اختيار المحاملي، وصاحب "المذهب" - لأنه زال تغيره بوارد
عليه لا يزيل النجاسة، فأشبه ما إذا طرح فيه كافورًا أو مسكًا، فزالت رائحة
النجاسة.
والثاني: يطهر - وهو اختيار القاضي أبي حامد، والشيخ أبي
إسحاق - لأنه قد زال التغيير، فأشبه إذا زال بنفسه، أو بماء، ويخالف إذا
طرح فيه الكافور والمسك؛ لأن لهما رائحة زكية، فربما غلبت رائحتها رائحة
النجاسة.
وإن طرح فيه غير التراب من الجامدات التي ليس لها ريح، ولا
طعم، ولا لون، ينحل في الماء، كالجص، والحجارة، فزال التغيير، فحكى ابن
الصباغ: أن الشيخ أبا حامد قال: لا يطهر بذلك قولًا واحدًا، بخلاف التراب؛
لأن التراب يوافق الماء في التطهير، بخلاف غيره من الجامدات. وقال سائر
أصحابنا: فيه قولان، كالتراب.
وإن كان الماء قلتين فقط، وتغير بالنجاسة.. طهر بجميع ما ذكرناه، إلا بأخذ بعضه، فإنه لا يطهر؛ لأنه ينقص عن قلتين، وفيه نجاسة.
وإن
كان الماء أقل من قلتين، وقعت فيه نجاسة، فحكم بنجاسة، وأراد تطهيره، فإن
صب عليه ماء آخر، فبلغ قلتين، وهو غير متغير.. حكم بطهارته؛ لأنه لو وقعت
فيه نجاسة، وهو قلتان، ولم تغيره.. لم يؤثر وقوعها فيه، فكذلك إذا بلغ هذا
الحد، وهو غير متغير بالنجاسة.
وهكذا: لو كان هناك قلتان منفردتان في كل
واحدة منهما نجاسة، فخلطتا، وهما غير متغيرتين، أو كانتا متغيرتين وهما
منفردتان، فخلطتا وزال التغير.. حكم بطهارتهما.
وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يحكم بطهاتهما؛ لأن كل واحدة منهما نجسة فلا تطهران بالاجتماع، كالمتولد بين الكلب والخنزير.
ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا بلغ الماء قلتين.. لم يحمل خبثًا». وهذا قد بلغ قلتين.
فإذا
فصلت إحدى القلتين عن الأخرى، فإذا كانت النجاسة مائعة.. كانتا طاهرتين.
وإن كانت جامدة.. حكم بنجاسة ما حصلت فيه منهما بعد ذلك.
وإن كاثره بالماء، ولم يبلغ الجميع قلتين.. ففيه وجهان:
أحدهما: أنه لا يطهر؛ لأنه دون القلتين، وفيه نجاسة.
والثاني: يطهر - وهو الأصح - كالأرض النجسة إذا كوثرت بالماء.
فإذا قلنا بهذا: فإنه يكون طاهرًا غير مطهر؛ لأن الغلبة للماء الذي أزيلت به النجاسة، وهو غير مطهر على الأصح.
وإن
أراد الطهارة بالماء الذي هو أكثر من قلتين، وفيه نجاسة زال حكمها، فإن
كانت النجاسة جامدة مثل: جلد الميتة ولحمها، وكان الماء راكدًا، فإن استعمل
من موضع بينه وبين النجاسة قلتان، أو أكثر.. جاز بلا خلاف على المذهب. وإن
استعمل من موضع بينه وبين النجاسة أقل من قلتين.. ففيه وجهان:
أحدهما: قال أبو إسحاق، وابن القاص: لا يجوز؛ لأنه لا حاجة به إلى استعمال ما فيه نجاسة قائمة.
والثاني: قال عامة أصحابنا: يجوز، وهو المذهب؛ لأن هذا الماء محكوم بطهارة جميعه، والمعنى الذي ذكراه موجود فيه.
وإن كان بينه وبين النجاسة قلتان، فإن كان الماء قلتين لا غير، وفيه نجاسة جامدة ولم تغيره.. ففيه وجهان:
الوجه
الأول: قال أبو إسحاق: لا يجوز أن يستعمل شيئًا منه؛ لأن النجاسة إن كانت
في وسط الماء؛ فلأنه يستعمل من موضع بينه وبين النجاسة أقل من قلتين، وهذا
لا يجوز على أصله في الأولى. وإن كانت النجاسة في طرف الماء؛ فلأنه ماء
واحد، فإذا كان ما يبقى بعد ما غرف منه نجسًا.. وجب أن يكون الذي غرفة
نجسًا.
والوجه الثاني: أنه يجوز أن يستعمل من أي موضع شاء منه، حتى لو
أصاب بيده عين النجاسة، كما لو لم يقع فيه نجاسة.. صح، وهو الأصح؛ لأنا قد
حكمنا بطهارة هذا الماء، والماء الطاهر يجوز استعماله.
فعلى هذا: إذا
أخذ منه بدلو أو إناء.. نظرت: فإن بقيت النجاسة في البئر.. فإن الماء الذي
في الدلو طاهر؛ لأنه ينفصل عنه قبل أن يحكم بنجاسته، ويكون باطن الدلو
طاهرًا، وظاهره نجسًا.
وإن خرجت النجاسة في الماء الذي في الدلو.. كان
الماء الذي في الدلو نجسًا، وما بقي في البئر طاهرًا، ويكون باطن الدلو
نجسًا، وظاهره طاهرًا.
فإن قطر مما في الدلو قطرة إلى الماء الباقي في
البئر.. نجس أيضًا. فإن أراد تطهيره.. رد الماء الذي في الدلو إلى البئر،
والأولى أن يخرج النجاسة من الدلو، ثم يرد الماء الذي في الدلو إلى الماء
الذي في البئر، ثم يغترف، ليخرج من خلاف أبي إسحاق، وابن القاص.
وإن كان الماء قلتين، أو أكثر، وفيه نجاسة ذائبة لم تغيره.. جاز الاستعمال منه، وهل يجوز استعمال جميعه؟ فيه وجهان:
أحدهما:
من أصحابنا من قال: لا يجوز استعمال جميعه، بل يبقى منه قدر النجاسة؛ لأنه
إذا لم يترك قدر النجاسة كان مستعملا للنجاسة بيقين.. فوجب ترك قدرها، كما
لو حلف لا يأكل تمرة، فاختلطت بتمر كثير ولم تتميز، فأكل الجميع إلا
تمرة.. فإنه لا يحنث.
والثاني: من أصحابنا من قال: يجوز استعمال الجميع،
وهو الصحيح؛ لأن كل ما جاز استعمال بعضه.. جاز استعمال جميعه، كما لو لم
تقع فيه نجاسة؛ ولأنه إذا ترك قدر النجاسة، فإنه لا يجوز أن يكون المتروك
هو عين النجاسة؛ لأن النجاسة قد اختلطت بالماء، ولم تتميز عنه، بخلاف
التمرة، فإنه يجوز أن تكون هي المحلوف عليها.. فلا تلزمه الكفارة، ويجوز أن
تكون المحلوف عليها قد أكلها، وهذه غيرها، فتجب عليه الكفارة، وإذا احتمل
الأمرين احتمالًا واحدًا.. لم نوجب عليه الكفارة؛ لأن الأصل براءة ذمته
منها. والله أعلم.


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: أحكام الماء الجاري]

وأما الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة: ففيه ثلاث مسائل:
الأولى:
إذا كانت النجاسة تجري مع الماء بجرية لا تنفك عنه، فإن الماء الذي قبل
النجاسة طاهر؛ لأنه لم يصل إلى النجاسة، والماء الذي بعد النجاسة طاهر
أيضًا؛ لأن النجاسة لم تصل إليه.
وأما الجرية التي فيها النجاسة - وهي
ما بين حافتي النهر في العرض عن يمينها وشمالها مما يحيط بها -: فإن كان
متغيرًا بالنجاسة.. فهو نجس، قليلًا كان أو كثيرًا لتغيره بالنجاسة.
وإن
كان غير متغير بها، فإن كان الماء قلتين، أو أكثر.. فهو طاهر كالراكد،
هكذا نقل أصحابنا البغداديون، وقال الخراسانيون: هي على قولين:
أحدهما: أنه طاهر.
والثاني: أنه نجس.
والفرق
بين الراكد والجاري في أحد القولين: أن الراكد يتراد بعضه على بعض، فيدفع
النجاسة عن نفسه عند الكثرة، والجاري لا يتراد بعضه على بعض، فلم يكن
للكثرة حكم، والأول هو المشهور، وعليه التفريع.
وإن كانت الجرية أقل من قلتين.. ففيه قولان، حكاهما ابن القاص، والقاضي أبو الطيب:
أحدهما: قال في القديم: (هو طاهر؛ لأنه ماء وارد على النجاسة، فلم ينجس من غير تغيير، كالماء المزال به النجاسة).
والثاني:
قال في الجديد: (هو نجس، وهو الأصح؛ لأنه ماء قليل لاقى نجاسة لا حاجة إلى
ملاقاته لها، فحكم بنجاسته كالراكد). وفيه احتراز من الماء المزال به
النجاسة.
المسألة الثانية: إذا كانت النجاسة واقفة، والماء يجري عليها..
فالماء الذي قبل النجاسة طاهر، والماء الذي بعد النجاسة مما لم يمر على
النجاسة طاهر أيضًا؛ لما ذكرناه في التي قبلها.
وأما الجرية التي فوق النجاسة: فإن كانت متغيرة بالنجاسة.. فهي نجسة.
وإن كانت غير متغيرة، فإن كان الماء قلتين فأكثر.. فهو طاهر قولًا واحدًا، على طريقة البغداديين، وعلى طريقة الخراسانيين على قولين.
وإن كان الماء أقل من قلتين.. فعلى القولين اللذين حكاهما ابن القاص والقاضي أبو الطيب.
فإن كانت الجرية أقل من قلتين وقلنا: إنها نجسة، لم تطهر حتى تركد في موضع وتبلغ قلتين.
قال
ابن سريج: فإن مرت هذه الجرية على ماء راكد، وكانت الجرية كدرة، والراكد
صافيًا، فبلغا قلتين، كان الجميع طاهرًا؛ لأن الاعتبار باجتماع الماء
الكثير في موضع واحد، ولا اعتبار باختلاطه بحيث لا يتميز.
فإن تباعد رجل
عن موضع النجاسة الراكدة، واستعمل من هذه الجرية من ماء قد مر على النجاسة
الراكدة قبل أن يبلغ القلتين في عرض النهر؛ إلا أنه يبلغ قلتين بطول النهر
من حيث استعمل إلى موضع النجاسة، ففيه وجهان:
أحدهما: قال أبو إسحاق، وابن القاص، والقاضي أبو حامد: يجوز؛ لأن بينه وبين النجاسة قلتين.
والثاني: قال عامة أصحابنا: لا يجوز، وهو الأصح؛ لأنه استعمل من ماء قد مر على النجاسة قبل أن يبلغ قلتين، وكل جرية لها حكم نفسها.
المسألة
الثالثة: إذا كان في الماء الجاري موضع منخفض زائل عن سمت الجري، فركد فيه
الماء، فوقع في الراكد نجاسة قائمة.. فإن الماء الذي قبل الموضع المنخفض
طاهر، وكذلك الماء الجاري بعد الموضع المنخفض قبل وصول ماء النجاسة إليه،
طاهر.
وأما الماء الذي في الموضع المنخفض، والجرية التي تجري بجنبه: فإن
كانا متغيرين بالنجاسة.. فهما نجسان، وإن كانا غير متغيرين فإن بلغا
جميعًا قلتين.. فهما طاهران، وإن كانا دون القلتين.. فهما نجسان، هكذا ذكره
جماعة من أصحابنا.
وذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق": إذا كان الماء الراكد أقل من قلتين، وفيه نجاسة ولم يتغير.. نظرت في الماء الجاري:
فإن دخل على الراكد وخرج منه من الجانب الآخر، فإن بلغا قلتين.. فهما طاهران وإن كانا دون القلتين.. فهما نجسان.
وإن
كان الجاري لا يدخل إلى الراكد، ولكن يجري على سمته، فإن كان الجاري أقل
من قلتين.. نجس؛ لأنه ملاصق ماء نجسًا، وإن كان قلتين.. لم ينجس؛ لأنه ماء
كثير.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا يطهر به ذلك الراكد؛ لأنه يفارقه، وما فارق الشيء.. فليس معه).
وإن
كان الراكد متغيرًا بالنجاسة، والجاري بجنبه قلتان غير متغير.. فقد تقدم
ذكره عن ابن الصباغ: أن الجرية تنجس ما دامت محاذية للراكد، فإذا انفصلتا
عنه.. حكم بطهارتهما.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الجرية إذا كانت قلتين]

إذا
كانت الجرية تبلغ قلتين وفيها نجاسة جارية معها، أو كانت النجاسة واقفة
والجرية عليها تبلغ قلتين، أو كان في الموضع المنخفض من النهر نجاسة واقفة
والراكد فيها مع الجرية بجنبه يبلغ قلتين، وهو غير متغير في ذلك كله.. فقد
ذكرنا: أن الماء طاهر في هذه المسائل الثلاثة قولًا واحدًا، على طريقة
البغداديين.
فإن أراد أن يستعمل من هذه الجرية، فإن قلنا بقول أبي
إسحاق، وابن القاص في الماء الراكد: إنه لا يجوز له أن يستعمل إلا من موضع
بينه وبين النجاسة قلتان.. فهاهنا أولى.
وإن قلنا هناك: يجوز له أن يستعمل من أي موضع شاء، فهاهنا وجهان، حكاهما الشيخ أبو حامد عن أبي العباس:
أحدهما: يجوز أن يستعمل من أي موضع شاء، حتى لو أصاب بيده عين النجاسة، كما قلنا في الماء الراكد.
والثاني:
لا يجوز أن يستعمل إلا من موضع بينه وبين النجاسة قلتان في عرض النهر، قال
صاحب "الفروع" وهو الأقيس؛ لأن الماء الراكد ماء واحد، فحكم ما بعد من
النجاسة حكم ما قرب منها، فلا يمكنه أن يستعمل من شيء لم تحله النجاسة،
فلذلك جاز أن يستعمل من أي موضع شاء منه، والماء الجاري ذو أجزاء، فلا يكون
حكم ما قرب منها حكم ما بعد.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تغير وصف الماء بالمكث]

إذا تغيرت صفة الماء بالمكث.. لم يكره استعماله.
وقال ابن سيرين: يكره.
دليلنا: أنه تغير من غير شيء خالطه، فلم يكره استعماله، كالبحر.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حلول النجاسة في المائع]

وإن
وقعت نجاسة في مائع غير الماء، كاللبن والخل والدهن.. حكم بنجاسته سواء
كان قليلًا أو كثيرًا وسواء تغير أو لم يتغير؛ لأنه لا قوة له في دفع
النجاسة عن غيره، فلا يدفعها عن نفسه بخلاف الماء. وبالله التوفيق.

يتبــــــــــــــع

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 6:57 pm


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب ما يفسد الماء من الاستعمال وما لا يفسده]

الماء المستعمل ضربان: مستعمل في طهارة الحدث، ومستعمل في طهارة النجس.
فالماء المستعمل في طهارة الحدث طاهر عندنا، يجوز شربه واستعماله في غير الطهارة.
وعن أبي حنيفة روايتان: إحداهما: كقولنا، والثانية: (أنه نجس).
دليلنا: أنه ماء طاهر لاقى محلًا طاهرًا، فكان طاهرًا كما لو غسل به ثوب طاهر، وهل هو مطهر؟ المنصوص للشافعي: (أنه غير مطهر).
وقال أبو ثور: (توقف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الماء المستعمل).
وحكى عيسى بن أبان: أن الشافعي قال: (هو طاهر مطهر).
فقال القاضي أبو حامد: المسألة على قولين:
أحدهما:
أنه مطهر، وبه قال الحسن البصري، والزهري، والنخعي، وداود؛ لما روي: أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مسح رأسه بفضل ماء كان في
يده»؛ ولأنه ماء يؤدي الغرض، فلا يخرج عن حكمه بتأدية الغرض فيه، كالثوب
يصلى به مرارًا.
الثاني:
أنه غير مطهر، وهو الصحيح، وبه قال الليث، وأحمد، ومالك، والأوزاعي، وهو
المشهور عن أبي حنيفة؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «لا يتوضأ أحدكم بفضل وضوء المرأة».
وإذا
ثبت أنه لم يرد ما بقى في الإناء.. ثبت أنه أراد ما استعملت. ولأن الصحابة
والتابعين - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - ومن بعدهم كانوا يسافرون
ويعدمون الماء فيتيممون وما روي عن أحد منهم: أنه توضأ بالماء المستعمل،
وقد اختلفوا فيمن وجد من الماء ما لا يكفيه لأعضاء الطهارة:
فمنهم من قال: لا يجب عليه أن يتوضأ بما معه من الماء، بل يتيمم.
ومنهم من قال: يجب عليه أن يتوضأ بما معه من الماء ثم يتيمم.
ولم
يقل أحد منهم: يغسل بما معه من الماء ما قدر عليه من أعضائه إلى إناء، ثم
يتم به وضوءه، ولو كان الماء المستعمل في رفع الحدث مطهرًا لقالوا ذلك.
ومن
أصحابنا من قال: المسألة على قول واحد، وأنه غير مطهر؛ لأن رواية أبي ثور -
أن الشافعي توقف فيه - لا تدل على أنه مطهر عنده، ورواية عيسى بن أبان: لا
يعتد بها؛ لأنه رجل مخالف.
قال المحاملي: والأول أصح؛ لأنه ثقة، فقبلت روايته وإن كان مخالفًا.
فإذا قلنا: إنه مطهر.. جاز رفع الحدث به ثانيًا، وجاز إزالة النجس به.
وإذا قلنا: إنه ليس بمطهر.. لم يجز رفع الحدث به ثانيًا، وهل يجوز إزالة النجس به؟ فيه وجهان:
أحدهما: من أصحابنا من قال: يجوز؛ لأن للماء حكمين: رفع حدث، وإزالة نجس، فإذا رفع الحدث.. بقي عليه إزالة النجس.
والثاني: منهم من قال: لا يجوز، وهو الصحيح؛ لأن كل ما لا يجوز رفع الحدث به.. لم يجز إزالة النجس به كالماء النجس.
وقول
من قال: له حكمان، غير صحيح؛ لأنه لو كان كما ذكر، لجاز رفع الحدث الأكبر
بالماء الذي رفع به الحدث الأصغر؛ لأن له حكمين: رفع حدث أصغر، ورفع حدث
أكبر، وقد رفع أحدهما، فبقي عليه الآخر، فلما لم يقل ذلك فيهما، فكذلك هذا
مثله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الماء المستعمل إذا كثر]

وإن جمع الماء المستعمل في الحدث فبلغ قلتين، وقلنا بالأصح: إنه غير مطهر وعليه التفريع.. فهل يصير هنا مطهرًا؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو قول ابن سريج -: إنه يصير مطهرًا كالماء النجس، إذا جمع فبلغ قلتين.
والثاني: أنه لا يصير مطهرًا؛ لأنه لا يقع عليه اسم الماء المطلق، وإنما يسمى ماء مستعملًا، وإن كان كثيرًا بخلاف الماء النجس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الانغماس في قلتين]

وإن انغمس الجنب في قلتين من الماء بنية الغسل من الجنابة، أو أدخل يده فيه بنية غسلها من الجنابة، ففيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: يصير مستعملًا، ويخرج من جنابته؛ لأن الاستعمال حصل بجميعه، والاستعمال مانع من طريق الحكم، فلا تؤثر فيه الكثرة.
والثاني
- وهو الأصح -: أنه يخرج من جنابته ولا يصير الماء مستعملًا؛ لأن حكم
النجاسة أقوى من حكم الاستعمال. ولو وقعت فيه نجاسة لم تزل حكمه من غير
تغيير، فالاستعمال بذلك أولى.
قلت: ولو أن جنبًا انغمس في البحر بنية
الغسل من الجنابة، لم يكن لأحد أن يقول: إنه صار مستعملًا، فكذلك ما دونه
مما دخل في حد الكثرة، إذ لا فرق بينهما في الحكم.
وإن أدخل الجنب يده
في ماء قليل بنية الاغتراف، لم يصر الماء مستعملًا؛ لأن النية شرط في صحة
الغسل عندنا، ولم توجد. وإن أدخلها فيه بنية رفع الجنابة، صار الماء
مستعملًا، وخرج من جنابته في اليد، كما لو أفاض الماء عليها بنية غسل
الجنابة.
وإن انغمس الجنب في ماء قليل بنية غسل الجنابة.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي عبد الله الخضري من أصحابنا -: أن الماء يصير مستعملًا، ولا يخرج من جنابته.
ووجهه:
أنه لما لاقى أول جزء من بدنه أول جزء من الماء.. صار الماء مستعملًا بأول
الملاقاة، فإذا انغمس فيه.. صار منغمسًا في ماء مستعمل.
والوجه الثاني:
أنه يخرج من جنابته، ولا يصير الماء مستعملًا إلا بالانفصال عنه، فلو توضأ
منه رجل، أو اغتسل قبل أن ينفصل الأول عنه.. صح، وهو المنصوص.
ووجهه:
أنا لو قلنا: إنه يصير مستعملًا بأول ملاقاته لجزء من بدنه.. لوجب أن يصير
الماء الذي يفيضه على عضو من أعضاء الطهارة مستعملًا بأول ملاقاته لأول
العضو، وهذا لا يقوله أحد.
فعلى هذا: إذا صب الجنب على رأسه ماء، فإن
نزل الماء عن رأسه متصلًا على ظهره، أو على عنقه.. أجزأه النازل من رأسه
عما مر عليه بعد رأسه.
وإن كان له شعر كثير، فوقع الماء على الشعر، ثم
تقاطر من أعلى طبقات الشعر ماء، ومر في الهواء إلى ظهره، أو بطنه.. لم
يجزئه عما وقع عليه بعد انفصاله من الرأس في الهواء؛ لأن بنفس الانفصال عنه
في الهواء قد صار مستعملًا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: وضوء الحنفي بماء قليل]

وإن توضأ الحنفي بماء قليل.. فهل يصير مستعملًا؟ فيه ثلاثة أوجه، بناء على جواز الائتمام به:
أحدها:
إن نوى الطهارة به.. صار مستعملًا؛ لأنه ارتفع به حدثه، وإن لم ينو به
الطهارة.. لم يصر مستعملًا؛ كما لو توضأ به الشافعي من غير نية.
والثاني: أنه لا يصير مستعملًا بحال؛ لأنه يتوضأ من غير نية، وإن أتى بالنية.. اعتقدها غير واجبة، فلم يزل الماء عن حكمه.
والثالث:
أنه يصير مستعملًا وإن لم ينو الطهارة؛ لأنه يحكم بصحة صلاته، بدليل أنه
لا يباح قتله، ولو كانت صلاته غير صحيحة.. لكان بمنزلة من لم يصل، أو
بمنزلة من صلى بغير طهارة في إباحة قتله، وهذا لا يقوله أحد.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: ماء وضوء الكافر والمرتد]

وإن
توضأ الكافر الأصلي، أو المرتد، أو اغتسلا من الجنابة، أو اغتسلت الذمية
من غير حيض، ولا نفاس.. فإن الشيخ أبا حامد، والمسعودي [في "الإبانة": ق \
3] قالا: لا يصير الماء المنفصل عنهم مستعملًا وجهًا واحدًا؛ لأنه لا يجوز
لهم تأدية الصلاة بتلك الطهارة.
وإن اغتسلت الذمية من الحيض، أو
النفاس.. فهل يصير الماء المنفصل عن أعضائها الطاهرة مستعملًا؟ فيه وجهان،
بناء على الوجهين في وجوب إعادة غسلها بعد إسلامها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: ماء تجديد الطهارة]

وإذا
صلى الرجل بطهارة صلاة فرض.. استحب له أن يجدد الطهارة؛ لما روى أنس: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ لكل صلاة، طاهرًا
كان أو غير طاهر»، وروى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «من توضأ على طهر.. كتب الله له به عشر حسنات».
فإذا كان على طهارة، ثم جدد الطهارة ثانيًا.. فهل يصير الماء المجدد به مستعملًا؟ اختلف أصحابنا فيه:
فقال
القاضي أبو الطيب، وأبو علي السنجي: إن أدى بالطهارة الأولى صلاة فرض..
استحب له أن يجدد الطهارة ثانيا، وهل يصير الماء المجدد به مستعملًا؟
وجهان:
وإن لم يصل بالأول.. لم يستحب له تجديد الطهارة، وإن جدد.. لم يصر الماء المجدد به مستعملًا وجهًا واحدًا.
فعلى هذا: إن صلى بالأولى صلاة نفل.. فهل يستحب له تجديد الطهارة، ويصير الماء المجدد به مستعملًا؟ فيه وجهان، حكاهما الشاشي.
وقال
أكثر أصحابنا: إذا جدد الطهارة.. فهل يصير الماء المجدد به مستعملًا؟ فيه
وجهان من غير تفصيل، وكذلك الوجهان في الماء المستعمل، في الدفعة الثانية
والثالثة في الطهارة:
أحدهما: يصير مستعملا؛ لأنه ماء استعمله في طهارة، فهو كالدفعة الأولى في الطهارة الأولى.
والثاني: لا يصير ماء مستعملًا؛ لأنه لم يرفع به حدث ولا نجس، فهو كالدفعة الرابعة في الطهارة.
وهكذا الوجهان في الماء المستعمل في كل غسل مستحب، كغسل العيدين، وما أشبههما.
وإن قام من النوم، فغسل كفيه في ماء قليل للطهارة قبل إفاضة الماء عليه.. فهل يصير الماء مستعملًا؟
قال أبو علي في "الإفصاح" فيه وجهان، كالماء المستعمل في نفل الطهارة.
ومنهم من قال: لا يصير مستعملا وجهًا واحدًا؛ لأن غسلهما لخوف النجاسة فيهما.
وإن غسل رأسه مكان مسحه.. فهل يصير مستعملا؟ فيه وجهان، ذكرهما في "الإفصاح".
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الماء المستعمل في إزالة النجاسة]

وأما
الماء المستعمل في إزالة النجاسة: فإن انفصل متغيرًا بالنجاسة، فهو نجس،
وإن انفصل غير متغير فإن كان لم يحكم بطهارة المحل، كالغسلات الست الأولى
من ولوغ الكلب ففيه وجهان:
أحدهما: أنه طاهر؛ لأنه ماء لا يمكن حفظه من النجاسة، فلم ينجس من غير تغيير، كالماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة.
والثاني
- وهو الصحيح -: أنه نجس؛ لأنه لما لم يزل النجاسة عن محلها.. كانت
النجاسة غالبة له، ولأن البلل الباقي في المحل نجس، وهو جزء منه، ولهذا لو
زيد في العصر، نزل منه من بقيته.
وإن انفصل الماء، وقد طهر المحل، كالغسلة السابعة من ولوغ الكلب.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول الأنماطي وأبي حنيفة -: (إنه نجس)؛ لأن النجاسة انتقلت إليه، فوجب أن نحكم بنجاسته.
والثاني
- وهو المذهب -: أنه طاهر؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال في بول الأعرابي: «صبوا عليه ذنوبًا من ماء».
ولو كان ما صب عليه ينجس.. لكان قد أمر بزيادة النجاسة في المسجد، ولأنه
من جملة البلل الباقي، وهو طاهر، فكذلك ما انفصل عنه، هذا نقل البغداديين
من أصحابنا.
وقال المسعودي في ["الإبانة": ق \ 8] الماء المزال به النجاسة إذا لم يتغير.. على قولين:
الأول: قال في الجديد: (حكمه حكم المحل بعد الغسل).
والثاني: قال في القديم: (هو طاهر بكل حال ما لم يتغير).
وخرج
الأنماطي قولًا ثالثًا، وهو: أن حكمه حكم المحل قبل ورود الماء عليه. فكل
موضع قلنا: إنه نجس فلا كلام. وكل موضع قلنا: إنه طاهر هو غير مطهر للنجس
ثانيًا، على أصح الطريقين، وهل يكون مطهرًا للحدث؟ على الوجهين في الماء
المزال به الحدث، هل يرفع به النجس؟
وإن أصاب الإناء نجاسة من غير
الكلب، فغسله أربع مرات، فإن انفصلت الأولى غير متغيرة وقد حكم بطهارة
المحل.. فإنها مستعملة وجهًا واحدًا، وهل هي طاهرة، أو نجسة؟ على وجهين،
الصحيح: أنها طاهرة.
أما الثانية والثالثة: فهما طاهرتان وجهًا واحدًا، وهل هما مستعملتان؟ فيه وجهان، كالوجهين في الدفعة الثانية والثالثة في رفع الحدث:
أحدهما: أنهما غير مستعملتين، فيجوز إزالة النجاسة بهما ثانيًا؛ لأنه ماء لم يرفع به حدث ولا نجس.
فعلى هذا: يجوز رفع الحدث به أيضًا.
والثاني: أنهما مستعملتان، فلا تجوز إزالة النجاسة بهما؛ لأنه ماء مستعمل في نفل الطهارة في النجس فهو كالمستعمل في فرضها.
فعلى هذا: يجوز رفع الحدث بهما، على الوجهين في الماء المزال به الحدث هل يزال به النجس؟
وأما الدفعة الرابعة: فهي طاهرة مطهرة وجهًا واحدًا؛ لأنها غير واجبة، ولا مستحبة في الغسل. وبالله التوفيق.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب الشك في نجاسة الماء والتحري]

فيه
إذا تيقن طهارة الماء أو نجاسته، وشك فيما يضاد ما تيقنه.. فالأصل بقاؤه
على ما تيقنه. وإن لم يتيقن طهارته ولا نجاسته.. فهو طاهر؛ لأن الله تعالى
خلق الماء طهورًا، والأصل بقاؤه على خلقته.
وإن وجد الماء متغيرًا، ولم يعلم بأي شيء تغير.. توضأ به؛ لجواز أن يكون تغير بطول المكث.
وإن
رأى حيوانًا يبول في ماء كثير، ووجده متغيرًا، فإن جوز أن تغيره بالبول..
لم يتوضأ به؛ لأن الظاهر أن التغير من البول. وإن كان الماء كثيرًا، وبول
الحيوان قليلًا مما لا يجوز أن يتغير به.. توضأ به؛ لأن ذلك مما لا يتغير
به في العادة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: في ولوغ الهرة بالماء القليل]

وإن ولغت هرة في ماء قليل، فإن لم يرها قبل ذلك أكلت نجاسة.. جاز الوضوء بسؤرها، ولا يكره. وقال أبو حنيفة: (يكره).
دليلنا:
ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصغي لها
الإناء لتشرب منه، وقال: «إنها من الطوافين عليكم والطوافات». و
(الطوافون): الخدم.
وإن رآها أكلت نجاسة، ثم ولغت في ماء قليل.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تنجسه؛ لأنا تيقنا نجاسة فيها.
والثاني: لا تنجسه؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منها.
والثالث: إن غابت، ثم رجعت.. لم تنجسه؛ لجواز طريان الطهارة على فيها. وإن لم تغب.. نجسته؛ لأن الأصل بقاء نجاسة فيها.


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: سؤر غير مأكول اللحم]

سؤر الحمار طاهر يجوز أن يتوضأ منه، وعرقه طاهر.
وقال أبو حنيفة: (سؤر الحمار مشكوك فيه، لا يجوز أن يتوضأ به عند وجود غيره، وعرقه نجس).
دليلنا على سؤره: أنه ماء يتوضأ به عند عدم غيره، فيتوضأ به عند وجود غيره، كسائر المياه.
وعلى عرقه: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركب حمار معروريًا وصلى».
والظاهر: أنه أصابه من عرقه، ولأنه لا يجب غسل الإناء من ولوغه سبعًا، فكان عرقه طاهرًا، كالشاة.
ولا يكره سؤر الفرس.
وقال أبو حنيفة: (يكره).
دليلنا: أنه ذو سهم في الغنيمة، فلم يكره سؤره، كالآدمي.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الإخبار عن نجاسة الماء]

إذا
ورد على ماء قليل، فأخبره رجل بنجاسته.. فذكر الشيخ أبو إسحاق وابن
الصباغ: أنه لا يلزمه قبول خبره حتى يبين بأي شيء نجس، لجواز أن يكون رأى
سبعًا ولغ فيه، فاعتقد أنه نجس بذلك.
وذكر الشيخ أبو حامد: أن الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (إذا علم بأن المخبر ممن يرى أن الماء بلغ قلتين
لم يحمل نجسًا.. لزمه قبول خبره مطلقًا)؛ لأن من يقول هذا.. لا يرى أن سؤر
السباع نجس.
فإن بين النجاسة.. قبل منه ولم يجتهد، كما يقبل ممن يخبره
بالقبلة عن علم، ويقبل فيه قول الرجل والمرأة والحر والعبد، كما تقبل منهم
أخبار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويقبل فيه قول
الأعمى؛ لأن له طريقًا إلى العلم به بالمحس والخبرة، ولا يقبل فيه قول كافر
ولا فاسق؛ لأن أخبارهما غير مقبولة.
وهل يقبل فيه قول الصبي المراهق؟ فيه وجهان:
أحدهما: يقبل قوله؛ لأنه من أهل الإخبار.
والثاني: لا يقبل قوله؛ لأنه ليس من أهل الشهادة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الإخبار بولوغ الكلب]

وإن كان معه إناءان، فأخبره رجل أن الكلب ولغ في أحدهما بعينه.. قبل قوله ولم يجتهد، كما نقول في القبلة.
وإن
أخبره رجل: أن الكلب ولغ في هذا دون ذاك، وقال آخر: بل ولغ في ذاك دون
هذا، فإن لم يعينا الوقت.. حكم بنجاستهما؛ لجواز أن يكون قد ولغ فيهما في
وقتين، وإن عينا وقتًا واحدًا.. فهما كالبينتين إذا تعارضتا، وفيهما قولان:
أحدهما: يسقطان، والثاني يستعملان.
فإن قلنا: إنهما يسقطان.. توضأ بما شاء منهما؛ لأنه لم تثبت نجاسة واحد منهما. وقال الصيدلاني: يجتهد فيهما، وليس بشيء.
وإن قلنا: إنهما يستعملان.. ففي استعمال البينتين ثلاثة أقوال:
أحدهما: القسمة. والثاني: الوقف. والثالث: القرعة.
والإناءان لا يمكن القسمة فيهما؛ لأنه يؤدي إلى استعمال النجس منهما، فسقط هذا القول فيهما.
وأما القولان الآخران: فاختلف أصحابنا فيهما:
فقال الشيخ أبو إسحاق: يريقهما، أو يصب أحدهما في الآخر، ثم يتيمم.
وقال ابن الصباغ: يوقفان، فيدعهما، ويتيمم، ويصلي ويعيد.
وقال
صاحب " المذهب ": هل يقرع بينهما، على قول القرعة؟ فيه وجهان. ولا فرق بين
أن يستوي المخبرون في الإناءين، أو يكون في أحد الإناءين واحد، وفي الآخر
أكثر، فالكل واحد.
وإن قال رجل: إن هذا الكلب ولغ في هذا الإناء في وقت
بعينه، وقال آخر: هذا الكلب كان في ذلك الوقت في مكان آخر.. ففيه وجهان،
حكاهما الشاشي:
أحدهما: أنه طاهر؛ لتعارض الخبرين.
والثاني: أنه نجس؛ لأن الكلاب تشتبه.
وإن قال: أدخل الكلب رأسه في الإناء، ولم أعلم بولوغه.. لم يحكم بنجاسته؛ لأن الأصل عدم الولوغ.
وإن قال: أدخل رأسه، وأخرجه وعلى فيه رطوبة، ولم أعلم بولوغه.. فهل يحكم بنجاسته؟.. فيه وجهان:
أحدهما: لا يحكم بنجاسته؛ لأن الأصل عدم الولوغ.
والثاني: يحكم بنجاسته؛ لأن الظاهر: أنه ولغ فيه لخروج الرطوبة التي على فيه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: اشتباه الطاهر بالنجس]
وإن اشتبه عليه الماء الطاهر بالماء النجس، أو اشتبه الثوب الطاهر بالثوب
النجس.. جاز له التحري في ذلك، ولا فرق بين أن يكون عدد الطاهر أكثر، أو
النجس أكثر، أو كانوا سواء.
وقال المزني، وأبو ثور: (لا يتحرى في الماء ولا في الثياب).
وقال ابن الماجشون، وابن أبي سلمة: يتوضأ بأحدهما ويصلي، ثم يتوضأ بالثاني ويصلي، وكذلك في الثياب يصلي بكل واحد منهما.
وقال أبو حنيفة: (يتحرى في الثياب) كما قلنا.
وأما المياه: فإن كان عدد الطاهر أكثر، تحرى فيهما، وإن كانا سواء، أو عدد النجس أكثر.. لم يتحر.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}
[الحشر: 2]، وهذا من الاعتبار، ولأنه سبب من أسباب الصلاة يمكنه التوصل
إليه بالاستدلال، فجاز له التحري فيه عند الاشتباه، كالقبلة.
فقولنا: (سبب من أسباب الصلاة) بمعنى: شرط من شروط الصلاة، وفيه احتراز ممن شك في صلاته، هل صلى ثلاثًا أم أربعا؟ فإنه لا يتحرى.
وقولنا: (يمكنه التوصل إليه بالاستدلال) احتراز من الأعمى في الاجتهاد في القبلة، أو في الإناءين، في أحد القولين.
ولأن كل ماء دخله التحري إذا كان عدد المباح أكثر.. دخله التحري وإن كان عدد المحرم أكثر، كالثياب.
إذا
ثبت هذا: فيكفيه التحري عند البغداديين من أصحابنا: هو أن ينظر إلى
الإناءين، ويميز الطاهر منهما من النجس بتغير اللون، أو الرائحة، أو
الاضطراب، أو الترشش حوله، أو بأن يرى أثر الكلب إلى أحدهما أقرب، فإذا عرف
ذلك.. غلب على ظنه نجاسة الإناء بهذه الأمارات، وطهارة الآخر لعدمها.
فأما ذوق الماء: فلا يجوز؛ لأنه ربما كان نجسًا، فلا يحل له ذوقه قبل أن يغلب على ظنه طهارته.
وأما الخراسانيون: فقالوا: هل يحتاج المجتهد إلى نوع دليل؟ فيه وجهان:
أحدهما: يحتاج، كما يحتاج المجتهد في الأحكام.
والثاني: لا يحتاج، بل يكفيه أن يبني أمره على الطهارة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ظن المؤمن لا يخطئ» وهذا ليس بشيء؛ لأن الظن لا يكون إلا عن أمارة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: اشتباه نجاسة أحد الإناءين]
وإن وقعت نجاسة في أحد الإناءين واشتبها عليه، فانقلب أحدهما قبل الاجتهاد.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يتحرى في الباقي منهما؛ لأن جواز الاجتهاد قد ثبت فيه، فلم يسقط بالانقلاب.
والثاني: لا يتحرى فيه، ولكن يتيمم ويصلي؛ لأن الاجتهاد يكون بين أمرين.
والثالث: أنه يتوضأ بالثاني من غير اجتهاد؛ لأن الأصل بقاؤه على الطهارة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الاجتهاد في الإناءين المتضادين]
وإن
اجتهد في الإناءين، فلم يغلب على ظنه طهارة أحدهما، فإن أراقهما، أو صب
أحدهما في الآخر، ثم تيمم، وصلى.. صح، ولا إعادة عليه، بخلاف ما لو صب
الماء من غير عذر، وتيمم.. فإن عليه الإعادة في أحد الوجهين؛ لأن هناك لا
عذر له، وهاهنا له عذر.
وإن صب أحدهما، وترك الثاني.. فهل له أن يتوضأ
بالثاني؟ فيه وجهان – حكاهما في "الفروع" - قال: وهكذا الوجهان لو أصابت
النجاسة موضعًا من ثوبه وخفي عليه موضعها، فغسل موضعًا منه:
أحدهما:
وهو قول أبي العباس -: يجوز أن يتوضأ بالثاني، ويصلي بالثوب؛ لأنه إذا أراق
أحد الإناءين، وغسل موضعًا من الثوب.. جاز أن يكون الذي أراقه هو النجس،
والذي غسله هو الذي أصابته النجاسة، فكان الباقي كالماء والثوب المشكوك في
نجاستهما.
والثاني - وهو المذهب -: أنه لا يجوز له أن يتوضأ بالثاني،
ولا يصلي بالثوب؛ لأنه كان ممنوعًا من استعمالهما للنجاسة، وصار يشك في
زوالها، والأصل بقاؤها.
وإن لم يرقهما ولا أحدهما، قال ابن الصباغ: فإن
لم يغلب على ظنه طهارة أحدهما.. فإن الشافعي قال: (لا يتيمم بل يخمن،
ويتوضأ على أكثر ما يقدر عليه من ذلك ويصلي)، ولم يذكر الإعادة.
وقال القاضي أبو الطيب: يعيد؛ لأن الماء الذي توضأ به، لم تثبت طهارته عنده بأمارة.
وقال
الشيخ أبو حامد: يتيمم، ويصلي، ويعيد. قال في "الإفصاح": إن خاف خروج
الوقت قبل فراغه من التحري.. تأخى وصلى على غالب ظنه، وأعاد؛ لأنه توضأ به
على تخمين.
وإن تيمم وصلى قبل إراقة الإناءين، أو صب أحدهما في الآخر.. فهل عليه إعادة ما صلى بالتيمم؟.. فيه وجهان، حكاهما في "الفروع":
أحدهما: وهو الأصح -: أنه يعيد؛ لأنه صلى بالتيمم ومعه ماء طاهر بيقين.
والثاني: لا يلزمه أن يعيد؛ لأن ما معه من الماء ممنوع من استعماله في الشرع، فهو كما لو لم يكن معه ماء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: استحباب إراقة أحد الإناءين]
وإذا أداه اجتهاده إلى طهارة أحد الإناءين.. فالمستحب له: أن يريق الآخر؛ حتى لا يتغير اجتهاده فيما بعد.
فإن
لم يرقه وبقيت من الأول بقية، ثم حضرت صلاة أخرى وهو محدث.. قال ابن
الصباغ، والمحاملي: فعليه أن يعيد الاجتهاد ثانيًا، كما لو صلى إلى جهة
بالاجتهاد، ثم حضرت صلاة أخرى، ولعلهما أرادا على أحد الوجهين.
فإن أداه اجتهاده إلى طهارة الأول.. فلا كلام، فيستحب له أن يريق الماء النجس لكي لا يشتبه عليه ثانيًا.
وإن تيقن أن الذي توضأ به هو الطاهر.. لم يستحب له أن يريق النجس؛ لأنه ربما احتاج إليه لعطشه.
وإن
تيقن أن الذي استعمله هو النجس.. غسل ما أصابه من الماء الأول في ثيابه
وبدنه، وأعاد ما صلى بالطهارة الأولى؛ لأنه تعين له يقين الخطأ، فهو
كالحاكم إذا أخطأ النص.
وإن أداه اجتهاده إلى طهارة الثاني، ونجاسة الذي
توضأ به.. فقد روى المزني عن الشافعي: (أنه لا يتوضأ بالثاني، ولكن يتيمم،
ويصلي، ويعيد كل صلاة صلاها بالتيمم) واختلف أصحابنا فيها:
فقال أبو
العباس: هذا الذي نقله المزني لا يعرف للشافعي، والذي يجيء على قياس قول
الشافعي: أنه يتوضأ بالثاني، كما لو صلى إلى جهة بالاجتهاد ثم حضرت صلاة
أخرى، وأداه اجتهاده إلى أن القبلة في غير تلك الجهة.. فإنه يصلي الصلاة
الثانية إليها، ثم كذلك الثالثة والرابعة.
وقال سائر أصحابنا: بل المذهب
ما رواه المزني، وقد رواه حرملة أيضًا عن الشافعي؛ لأنا إذا أمرناه أن
يتوضأ بالثاني.. لم يخل: إما أن نأمره أن يغسل ما أصابه من الماء الأول، أو
لا نأمره.
فإن لم نأمره بذلك.. أمرناه أن يصلي وعليه نجاسة بيقين.
وإن
أمرناه أن يغسل ما أصابه من الماء الأول.. نقضنا الاجتهاد بالاجتهاد، وهذا
لا يجوز ويخالف القبلة، فإنا إذا أمرناه أن يصلي إلى الجهة الثانية.. لم
يتيقن الخطأ في الثانية، فلا يؤدي إلى نقض الاجتهاد في الأولى بالاجتهاد.
فإن قلنا بقول أبي العباس.. توضأ بالثاني، وصلى، ولا إعادة عليه.
قال
ابن الصباغ: وينبغي أن يغسل ما أصابه من الأول في غير مواضع الوضوء؛ لأن
مواضع الوضوء يطهرها الماء عن الحدث والنجس، ولا يكون ذلك نقض الاجتهاد
بالاجتهاد؛ لأنا لسنا نحكم ببطلان طهارته الأولى وصلاته فيها، وإنما أمرناه
بغسل ما غلب على ظنه نجاسته، كما أمرناه باجتناب بقية الأول، وحكمنا
بنجاسته، ولا يقال: هو نقض الاجتهاد بالاجتهاد.
وإن قلنا بالمنصوص.. فإنه يتيمم ويصلي، وهل يلزمه إعادة ما صلى بالتيمم؟ ينظر فيه:
فإن كان قد بقي معه من الأول بقية يلزمه استعمالها في الطهارة أن لو كان طاهرًا.. لزمته الإعادة على المنصوص.
ومن
أصحابنا من قال: لا تلزمه الإعادة؛ لأن ما معه من الماء ممنوع من استعماله
بالشرع، وهذا ليس بشيء؛ لأنه صلى بالتيمم ومعه ماء طاهر بيقين.
وإن لم يبق معه من الأول شيء، أو بقي منه بقية لا يلزمه استعمالها.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا إعادة عليه؛ لأنه ليس معه ماء طاهر بيقين، بل الشرع قد منعه من استعماله.
والثاني: يلزمه الإعادة؛ لأنه صلى بالتيمم، وعنده ماء يعتقد طهارته.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: اشتباه الإناء الطاهر بالنجس ومعه آخر بيقين]
وإن اشتبه عليه ماءان: طاهر ونجس، ومعه ماء ثالث يتيقن طهارته.. فهل يجوز له الاجتهاد في المشتبهين؟ فيه وجهان:
أحدهما:
وهو قول أبي إسحاق -: أنه لا يجوز له؛ لأنه يمكنه إسقاط الفرض بيقين، بأن
يتوضأ بما يتيقن طهارته، فلم يجز الرجوع إلى غلبة الظن، كما لا يجوز له
الاجتهاد في القبلة إذا أمكنه الرجوع إلى اليقين فيها.
والثاني - وهو قو
عامة أصحابنا، وهو الأصح -: أنه يجوز له الاجتهاد؛ لأنه ليس فيه أكثر من
العدول عن الماء المتيقن طهارته إلى الماء المحكوم بطهارته في الظاهر، وذلك
غير ممتنع في الطهارة، كما يجوز له أن يتوضأ من الماء القليل بحضرة البحر،
ويفارق القبلة، فإنه إذا تيقن كونها في جهة.. لم يجز أن تكون في جهة أخرى،
وهاهنا يجوز أن يكون الماءان طاهرين.
ولهذه المسألة نظائر:
منها: إذا اشتبه عليه ماء طاهر مطهر، وماء مستعمل.. هل يجوز له أن يتحرى فيهما، أو يلزمه أن يتوضأ بهما؟ على وجهين:
فإذا
أمرناه: أن يتوضأ بهما، أو اختار فعل ذلك، واحتاج إلى الاستنجاء.. فإنه
يستنجي بأحدهما، ثم يستنجي بالثاني، ثم يتوضأ بكل واحد منهما على الانفراد.
ومثلها:
إذا اشتبه عليه ماءان، في أحدهما نجاسة، وكان يعلم أنه إذا خلط أحدهما
بالآخر بلغ قلتين، وأمكنه خلطهما.. فهل يجوز له التحري فيهما، أو لا يجوز
بل يخلطهما؟ على وجهين:
فإن كان يعلم أنهما لا يبلغان قلتين، فخلطهما بعد دخول الوقت، وإمكان التحري، وتيمم وصلى.. قال الصيمري: لزمته الإعادة؛ لأنه فرط.
ويحتمل عندي وجه آخر: أنه لا إعادة عليه، مأخوذ من أحد الوجهين ممن أراق الماء بعد دخول الوقت، وتيمم وصلى.
ومثلها:
إذا اشتبه عليه ثوبان: طاهر ونجس ومعه من الماء ما يمكنه أن يغسل به
أحدهما.. فهل يجوز له التحري فيهما، أو لا يجوز بل يغسل أحدهما؟ فيه وجهان،
وعلة الوجهين ما تقدم في الأولى.
وإن اشتبه عليه ماء طهور، وماء ورد،
أو ماء شجر.. لم يتحر فيهما وجهًا واحدًا؛ لأن ماء الورد، وماء الشجر لا
أصل لهما في التطهير فيرد إليه بالاجتهاد، ولكن يتوضأ بكل واحد منهما،
ليسقط الفرض بيقين، هذا قول أصحابنا البغداديين.
وقال الخراسانيون: فيه وجهان، كالماء المطلق والمستعمل.
وإن
اشتبه عليه ماء، وبول انقطعت رائحته.. فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا
يجوز له التحري فيهما وجهًا واحدًا؛ لأن البول لا أصل له في التطهير فيرد
إليه بالاجتهاد.
والخراسانيون قالوا: هي على وجهين.
أحدهما: هذا.
والثاني: يتحرى فيهما، كما يتحرى في الماء الطاهر، والماء النجس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: التحري في الإناءين وقت العطش]
قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأم" [1/9] (إذا كان مع الرجل في
السفر إناءان: أحدهما طاهر، والآخر نجس، فاشتبها عليه وكان يخاف العطش فيما
بعد إن توضأ بالماء.. فإنه يتحرى فيهما، ويتوضأ بالذي يغلب على ظنه منهما،
ويمسك الآخر، حتى إن احتاج إليه؛ لعطشه.. شربه).
قال الشيخ أبو حامد:
وهذا صحيح؛ لأن ترك التوضؤ بالماء والعدول إلى التيمم؛ لخوف العطش فيما
بعد.. لا يجوز، وإنما يجوز ذلك إذا خاف العطش في الحال، وأما شربه للماء
النجس إذا خاف على نفسه.. فيجوز، كما يجوز أكل الميتة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: اشتباه الأطعمة]
وإن
اشتبه عليه طعام طاهر، وطعام نجس.. جاز له التحري فيهما؛ لأن أصلهما على
الإباحة، فإذا طرأت النجاسة على أحدهما، واشتبها عليه.. جاز له التحري
فيهما، كما لو اشتبه عليه ماء طاهر، وماء نجس.
وإن اشتبه عليه طعام طاهر، وطعام نجس، ومعه طعام ثالث من ذلك الجنس، يتيقن طهارته.. فهل يجوز له التحري في المشتبهين؟
قال الشيخ أبو حامد: فيه وجهان، كما قلنا في الماء.
وإن اشتبه عليه شاة ميتة بشاة مذبوحة.. فهو كما لو اشتبه عليه ماء وبول: فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا يتحرى فيهما وجهًا واحدًا.
والخراسانيون قالوا: فيه وجهان، وتعليلهما ما تقدم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الاشتباه على الأعمى]
وإن اشتبه الماء الطاهر بالماء النجس على أعمى.. ففيه قولان:
أحدهما: لا يتحرى كما لا يجوز له الاجتهاد في القبلة.
فعلى هذا: يقلد بصيرًا.
والثاني: يتحرى، كما يجتهد في وقت الصلاة.
فإذا قلنا بهذا، فلم يكن له دلالة على الطاهر.. فهل له أن يقلد بصيرًا؟ فيه وجهان:
أحدهما:
ليس له ذلك؛ لأنا قد قلنا: إنه من أهل الاجتهاد، ومن كان من أهل الاجتهاد
في شيء.. لم يقلد فيه غيره، كالحاكم في الأحكام، والبصير في القبلة.
والثاني:
يقلد غيره؛ لأن الأمارة على الطاهر والنجس تتعلق بالبصر وبغيره، فإذا غلب
على ظنه طهارة أحدهما.. كان كالاجتهاد في الوقت، وإذا لم يغلب على ظنه
طهارة أحدهما.. كان كالقبلة.
فإذا قلنا: ليس له أن يقلد بصيرًا، ولم تكن
له دلالة، أو قلنا: له أن يقلد البصير، ولم يكن للبصير دلالة.. فإن
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (لا يتيمم، ولكن يخمن، ويتوضأ على أكثر
ما يقدر عليه من ذلك ويصلي) ولم يذكر الإعادة، فقال القاضي أبو الطيب: عندي
أن الإعادة واجبة عليه؛ لأنه لم يثبت عنده طهارة الماء بأمارة.
وقال الشيخ أبو حامد: يتيمم ويصلي ويعيد؛ لأنه لم يثبت عنده طهارة الماء بعلم، ولا بغلبة ظن.
قال ابن الصباغ: وما قاله القاضي أشبه بأصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وما قاله الشيخ أبو حامد أقيس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الاشتباه على رجلين]
إذا
كان مع رجلين إناءان فيهما ماء: أحدهما طاهر، والآخر نجس، واشتبها عليهما،
فأدى اجتهاد كل واحد منهما إلى طهارة أحدهما.. توضأ كل واحد منهما بما
أداه إليه اجتهاده، ولم يجز لأحدهما أن يأتم بالآخر.
وقال أبو ثور:
(يجوز؛ لأن كل واحد منهما صلاته صحيحة) وهذا خطأ؛ لأن كل واحد منهما يعتقد
أن إمامه توضأ بالنجس، فصلاته باطلة، ولا يجوز له أن يعلق صلاته بصلاة
يعتقدها باطلة.
وإن كان هناك ثلاثة أوان، وثلاثة رجال، فإن كان فيها
طاهر ونجسان، فأدى اجتهاد كل واحد منهم إلى طهارة إناء، وتوضأ به.. لم يأتم
أحدهم بالآخر على المذهب، وعليه التفريع. وإن كان فيها نجس وطاهران، وأدى
اجتهاد كل واحد منهم إلى طهارة إناء وتوضأ به.. فهل يجوز لبعضهم أن يأتم
بالبعض؟ فيه وجهان:
أحدهما: حكاه المسعودي [في "الإبانة": ق \ 10] عن ابن القاص -: أنه لا يجوز؛ لأن كل واحد منهم يقول: يحتمل أن إمامي استعمل النجس.
والثاني
- وهو قول ابن الحداد وهو المشهور -: أنه يجوز؛ لأنه قد بقي هناك طاهر غير
الذي استعمله هو، فيجوز أن يكون إمامه هو الذي استعمل الطاهر، وأن النجس
استعمله غيرهما.
فعلى هذا: إذا تقدم أحدهم فصلى بهم الصبح، وتقدم آخر
وصلى بهم الظهر، وتقدم الثالث وصلى بهم العصر.. فإن صلاة الصبح صحيحة في حق
جميعهم.
وأما صلاة الظهر: فصحيحة في حق إمامها وإمام الصبح، باطلة في
حق إمام العصر؛ لأن كل إمام يقول: أنا توضأت بالطاهر، وإمام الظهر وإمام
العصر لا يخطئان إما الصبح في الاجتهاد، وكذلك إمام الصبح لا يخطئ إمام
الظهر في الاجتهاد، وأما إمام العصر فإنه يخطئ إمام الظهر في الاجتهاد؛
لأنه يقول: توضأت بطاهر، وتوضأ إمام الصبح بطاهر، فتعين النجس في حقه لإمام
الظهر.
وأما صلاة العصر: فباطلة في حق إمام الصبح وإمام الظهر؛ لما ذكرناه من التعليل، وهل تصح في حق إمامها؟ فيها وجهان:
أحدهما: وهو المشهور -: أنها صحيحة له؛ لأنه يقول: توضأت بطاهر وأحدهما بالطاهر الثاني.
والثاني
- حكاه في الفروع -: أنها باطلة في حقه؛ لأنه لما صلى خلف إمام الصبح،
وإمام الظهر.. جرى ذلك منه مجرى الشهادة لهما بالطاهرين، فتعين النجس في
حقه.
وإن كان هناك أربعة أوان، وأربعة رجال، فأدى اجتهاد كل واحد منهم
إلى طهارة إناء وتوضأ به، وتقدم كل واحد منهم، وأم الباقين في صلاة، فإن
كان فيها طاهر وثلاثة أنجاس.. لم تصح صلاة واحد منهم خلف واحد منهم على
المذهب، خلافًا لأبي ثور.
وإن كان فيها طاهران ونجسان.. لم تصح صلاة
أحدهم خلف صاحبه، على قول ابن القاص. وعلى المشهور: تصح صلاة الصبح في حق
الجميع منهم، وتصح صلاة الظهر في حق إمامها وإمام الصبح، وتبطل في حق إمام
العصر وإمام المغرب. وأما صلاة العصر والمغرب: فيبطلان في حق المؤتمين
بهما، وهل تصح صلاة كل واحدة منهما لإمامهما؟
المشهور: أنها تصح له، وعلى ما حكاه في "الفروع" لا تصح له.
وإن
كان فيها نجس وثلاثة طواهر.. لم تصح صلاة المؤتمين فيهن على قول ابن القاص
وعلى المشهور: تصح صلاة الصبح والظهر في حق جميعهم وتصح صلاة العصر في حق
إمامها وإمام الصبح وإمام الظهر، وتبطل في حق إمام المغرب، وأما صلاة
المغرب: فتبطل في حق إمام الصبح والظهر والعصر، وهل تصح في حق إمامها؟
المشهور: أنها تصح وعلى ما حكاه في "الفروع": لا تصح له.
وإن
كان هناك خمسة أوان، وخمسة رجال، فأدى اجتهاد كل واحد منهم إلى طهارة إناء
فتوضأ به، وتقدم كل واحد منهم وأم الباقين في صلاة، فإن كان فيها طاهر
واحد، وأربعة أنجاس.. لم تصح صلاة المأمومين هاهنا فيما ائتموا به على
المذهب، خلافًا لأبي ثور.
وإن كان فيها طاهران، وثلاثة أنجاس، وقلنا
بقول ابن الحداد.. صحت صلاة الصبح للجميع، وصحت الظهر لإمامها وإمام الصبح،
وتبطل في حق الباقين.
وأما صلاة العصر والمغرب والعشاء: فتبطل كل واحدة في حق المؤتمين بها، وهل تبطل كل واحدة في حق إمامها؟
المشهور: أنها تصح، وعلى ما حكاه في "الفروع": لا تصح.
وإن كان فيها ثلاثة طواهر، ونجسان.. صحت صلاة الصبح والظهر للجميع.
وتصح
صلاة العصر لإمامها وإمام الصبح وإمام الظهر، وتبطل في حق إمام المغرب
والعشاء، وأما صلاة المغرب والعشاء: فتبطل كل واحدة في حق المؤتمين بها،
وهل تبطل كل واحدة في حق إمامها؟
المشهور: أنها لا تبطل. وعلى ما حكاه في "الفروع": تبطل.
وإن
كان فيها أربعة طواهر، ونجس.. صحت صلاة الصبح والظهر والعصر في حق الجميع.
وصحت صلاة المغرب في حق الجميع إلا في حق إمام العشاء، فإنها باطلة في
حقه. وأما صلاة العشاء فإنها باطلة في حق المؤتمين بها. وهل تبطل في حق
إمامها؟
المشهور: أنها لا تبطل. وعلى ما حكاه في "الفروع": تبطل.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الاشتباه في خروج الحدث]
وإن
كان هناك خمسة رجال، فظهر من بينهم حدث لا يدرى ممن ظهر، ولا يتحقق كل
واحد منهم ذلك من نفسه، فتقدم كل واحد منهم فصلى بالباقين صلاة.. فحكى
القاضي أبو الطيب: أن ابن القاص قال: لا يجوز لأحدهم أن يأتم بواحد منهم؛
لأن المحدث منهم لا يصح الاجتهاد فيه لغيره؛ لأنه لا أمارة تدل عليه، بخلاف
الآنية والثياب، فإن عليها أمارة يعرف بها الطاهر من النجس.
وقال ابن
الحداد: يجوز لبعضهم أن يصلي خلف بعض؛ لأنه قد يغلب على ظنه من خرج منه
الحدث بأمارة عنده من حال من يخرج منه بعادة يعرفها منه، وبسبب يقتضيه يدله
عليه.
فعلى هذا: حكمهم حكم خمسة أوان، إذا كان فيها نجس وأربعة طواهر،
فتصح صلاة الصبح والظهر والعصر في حق الجميع. وتصح المغرب في حق الجميع إلا
في حق إمام العشاء. وتبطل العشاء في حق الجميع إلا في حق إمامها.
وإن
خرج الحدث من بين رجلين.. لم يصح أن يأتم أحدهما بالآخر وإن خرج الحدث من
بين ثلاثة أو أربعة.. فمقيسه على الخمسة. وبالله التوفيق

يتبــــــــــــــــــــع
.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Uo_ouo10
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 7:01 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]]باب الآنية]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ويتوضأ في جلود الميتة، إذا دبغت) وهذا كما قال.
اختلف العلماء في جلود الميتة، هل تطهر بالدباغ؟ على ستة مذاهب.
فـالأول:
ذهب الشافعي: إلى أن جلود الميتة كلها تطهر بالدباغ إلا جلد الكلب
والخنزير، وما تولد منهما، أو من أحدهما، وبه قال علي، وابن مسعود. وهل
يطهر جلد الآدمي بالدباغ؟
قال ابن الصباغ: من أصحابنا من قال: فيه وجهان، ومنهم من قال: لا يتأتى فيه الدباغ.
والثاني: قال أبو حنيفة: (تطهر جميع الجلود. وجلد الكلب، وفي جلد الخنزير ثلاث روايات:
إحداهن: يطهر، والثانية: لا يطهر، والثالثة: لا جلد له، وإنما ينبت شعره على لحمه).
و الثالث قال داود: (يطهر الجميع، وجلد الكلب والخنزير).
و الرابع قال أحمد: (لا يطهر شيء من الجلود).
و الخامس قال الأوزاعي، وأبو ثور: (يطهر جلد كل ما يؤكل لحمه، ولا يطهر جلد ما لا يؤكل لحمه).
و
السادس قال مالك: (يطهر ظاهر الجلد بالدباغ، ولا يطهر باطنه، فتجوز الصلاة
عليه، ولا تجوز الصلاة فيه، ويجوز الانتفاع به بعد الدباغ في الأشياء
اليابسة دون الرطبة).
دليلنا: ما وري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بشاة ميتة ملقاة لميمونة فقال النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم به فقالوا: يا رسول الله إنها ميتة، فقال: إنما حرم من الميتة أكلها».
وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أيما إهاب دبغ.. فقد طهر». وهذا عام في جميع الحيوان.
وأما
جلد الكلب والخنزير، وما تولد منهما، أو من أحدهما.. فمخصوص بالقياس، وهو
أن الدباغ ليس بأقوى من الحياة، ثم الحياة لا تدفع النجاسة عن الكلب
والخنزير، فالدباغ بذلك أولى.
قال صاحب "الفروع": ولا يطهر من الجلود إلا ما يندبغ ولا يتمزق عند الدباغ.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: ما يدبغ به]
قال
الشافعي في "الأم" [1/8] (والدباغ بكل ما دبغت به العرب من قرظ، وشث، وما
عمل عمله مما يمكث فيه الإهاب، حتى ينشف فضوله، ويطيبه، ويمنعه الفساد إذا
أصابه الماء). وهذا كما قال. وأما (القرظ): فمعروف.
وأما الشث -بثلاث نقط -: فشجر مر الطعم، وروي: شب، وهو يشبه الزاج.
والأصل فيه ما روي: أن رجالًا من قريش كانوا يجزون شاة ميتة، كالحمار، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم به»؟ فقالوا: إنها ميتة، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يطهره الماء، والقرظ» فنص على القرظ، وقسنا عليه ما عمل عمله مثل العفص، وقشور الرمان.
قال ابن الصباغ: وإن كان الرمان، يصلح الجلد.. جاز الدباغ به.
قال الصيمري: وإنما يحكم بطهارته إذا عمل فيه الدباغ ثلاثة أشياء: إذا نشف الفضول، وطيب الريح، وبقي على ذلك في حال ما لا يستعمل.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الدباغ بالشمس والتراب]
وإن دبغه بالتراب أو بالشمس، حتى استحجر.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول القاضي أبي الطيب وأبي حنيفة -: (أنه يحكم بطهارته؛ لأنه يجففه، ويطيب فضوله فهو كالقرظ).
والثاني
- وهو المنصوص، واختيار الشيخ أبي حامد -: (أنه لا يطهر؛ لأنه لا يصلحه،
فهو كما لو جفف في الهواء). قال الصيدلاني: قال الشيخ أبو إسحاق: ليس في
ذلك خلاف بينهم بل أراد الشيخ أبو حامد: إذا كان التراب أو الشمس لا يزيلان
فضول هذا الجلد. وأراد القاضي: إذا أزال فضوله، وعمل عمل القرظ.
قال ابن الصباغ: هذا يرفع الخلاف؛ لأنه لا يعمل عمل الدباغ.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الدباغ بالنجس]
فإن دبغ بماء نجس.. فهل يطهر الجلد؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يطهر؛ لأن الطهارة لا تحصل بالنجس، كالطهارة عن الحدث.
والثاني:
يطهر. ولم يذكر ابن الصباغ غيره؛ لأنا لو قلنا: لا يطهر، لأدى إلى ألا
يكون له سبيل إلى تطهيره؛ لأنه لا يمكن رده غير مدبوغ.
فإذا قلنا بهذا: افتقر إلى غسله بالماء بعد الدباغ وجهًا واحدًا.
وإن دبغه بشيء طاهر.. فهل يفتقر إلى غسله بالماء بعد الدباغ؟ فيه وجهان:
أحدهما:
قال أبو إسحاق: لا يطهر، حتى يغسل؛ لأن ما يدبغ به.. ينجس بملاقاة الجلد،
فإذا زالت نجاسة الجلد.. بقيت نجاسة ما دبغ به، فوجب أن يغسل ليطهر.
والثاني: لا يفتقر إلى غسله؛ لأن طهارته تتعلق بالاستحالة، وقد حصلت، فوجب أن يحكم بطهارته، كالخمر إذا استحالت خلا.
قال ابن الصباغ: والأول أقيس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الانتفاع بجلد الميتة]
ولا يجوز الانتفاع بجلد الميتة قبل الدباغ ولا بيعه.
وقال الزهري: يجوز الانتفاع به قبل الدباغ.
وقال أبو حنيفة: (يجوز بيعه قبل الدباغ).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3].
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم به» فعلق الانتفاع به بالدباغ، فدل على أنه لا يجوز قبله.
وأما إذا دبغ الجلد.. جاز الانتفاع به في الأشياء الرطبة واليابسة، خلافًا لمالك في الأشياء الرطبة.
ودليلنا عليه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» وهذا عام في البيع وغيره، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جلد الشاة الميتة: «هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم به» وهذا عام في الانتفاع بالأشياء اليابسة والرطبة.
وهل يجوز بيعه؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (لا يجوز). وبه قال مالك؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خص الانتفاع، ولم يذكر البيع.
والثاني:
قال في الجديد: (يجوز) وبه قال أبو حنيفة، وهو الصحيح؛ لأن البيع من جملة
الانتفاع، ولأنه طاهر منتفع به ليس في بيعه إبطال حق فجاز بيعه، كجلد الشاة
المذكاة.
فقولنا: (طاهر) احتراز منه قبل الدباغ.
وقولنا: (منتفع به) احتراز مما لا يؤكل من [نحو] الغراب، وما لا ينتفع به من الأعيان الطاهرة.
وقولنا: (ليس في بيعه إبطال حق) احتراز من أم الولد والوقف.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: أكل جلد الميتة بعد الدبغ]
وأما أكله بعد الدباغ، فإن كان من حيوان مأكول.. ففيه قولان:
قال في الجديد: (يجوز؛ لأنه طاهر لا يخاف من أكله، فجاز أكله، كجلد الشاة المذكاة).
وقال في القديم: (لا يجوز). قال ابن الصباغ: وهو الصحيح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في شاة ميمونة: «إنما حرام من الميتة أكلها».
مع أمره لهم بالدباغ والانتفاع، ولأن الدباغ لو أفاد الإباحة.. لم يصح
فيما لا يؤكل لحمه، كما لا تصح الذكاة فيه، ولم يطهر بها جلده.
وإن كان
من حيوان لا يؤكل لحمه، كالبغل، والحمار.. فإن الشيخ أبا حامد، والبغداديين
من أصحابنا قالوا: لا يحل أكله قولًا واحدًا؛ لأن الدباغ ليس بأقوى من
الذكاة، ثم الذكاة فيه لا تبيح أكل جلده فكذلك الدباغ.
وقال القفال،
والقاضي أبو القاسم بن كج: هو على قولين، كجلد ما يؤكل لحمه؛ لأن الدباغ قد
طهره، كما طهر جلد ما يؤكل لحمه، فكان مثله في جواز أكله بخلاف الذكاة؛
فإنها لا تؤثر في تطهيره فلم تؤثر في إباحته.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الانتفاع بأجزاء الميتة]
روى
المزني، والربيع بن سليمان المرادي، وحرملة والبويطي عن الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أن الصوف، والشعر، والقرن، والعظم، والظلف، والظفر..
فيها روح، وتلحقها نجاسة الموت).
وأما شعر الآدمي: فإن قلنا: إن ابن آدم لا ينجس بالموت.. فشعره طاهر بكل حال.
وإن قلنا: إنه ينجس بالموت.. فعلى هذه الرواية: ينجس شعر ابن آدم بموته، وكذلك ما ينفصل من شعره في حياته.
وروى إبراهيم البلدي، عن المزني: أن الشافعي رجع عن تنجيس شعور بني آدم.
واختلف أصحابنا في ذلك: فمنهم: من لم يثبت هذه الرواية، وقال: ينجس الشعر بالموت قولًا واحدًا.
ومنهم: من أثبتها، وهو الصحيح. واختلفوا فيها:
فمنهم من قال: إنما رجع الشافعي عن تنجيس شعر بني آدم؛ لأنه ثبت عنده أن الشعر والصوف والوبر لا روح فيه، فيكون في الشعور قولان:
أحدهما:
لا روح فيها، ولا تنجس بالموت، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق،
والثوري، والمزني، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ، ولا بأي بصوفها وشعرها إذا غسل بالماء»؛ ولأنه لو كان فيه روح.. لكان نجس بالقطع، كالأعضاء.
فعلى
هذا: لا يوجد شعر نجس العين إلا شعر الكلب والخنزير، وما تولد منهما، أو
من أحدهما، وقد حكى فيه بعض أصحابنا الخراسانيين وجهًا آخر: أنه كسائر
الشعور في الطهارة على هذا.
والقول الثاني: أن الشعور تحلها الروح،
وتنجس بالموت. قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح الذي به نفتي، وعليه نناظر،
وبه قال عطاء، والحسن، والأوزاعي، والليث.
ووجهه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شاة ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم به» فلو جاز الانتفاع بالشعر.. لبين، كما بين في الجلد؛ لأنه متصل بالحيوان اتصال خلقة، فينجس بالموت كالأعضاء.
فقولنا: (اتصال خلقة) احتراز من الحمل والبيض.
وأما الخبر الأول: فرواه يوسف بن السفر، وهو ضعيف.
وقولهم: إنه لا يحس.. يبطل بما غلظ من العقب؛ ولأن النعامة تبتلع الصنجة المحماة، ولا تحس بذلك. وفيها روح.
فعلى هذا: إذا دبغ جلد الميتة، وعليه شعر، ولم ينفصل الشعر عنه.. فهل يحكم بطهارته؟ فيه قولان:
أحدهما: قاله في "الأم" [1/8] (لا يطهر؛ لأن الدباغ لا يؤثر فيه، فلم يؤثر في تطهيره).
والثاني
- رواه الربيع بن سليمان الجيزي عنه -: (أنه يطهر؛ لأنه شعر نابت على جلد
طاهر، فكان طاهرًا؛ كشعر الحيوان الطاهر في حال الحياة، أو بعد الذكاة).
ومن
أصحابنا من جعل رجوع الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن تنجيس شعر بني آدم
رجوعًا عن تنجيس شعر بني آدم لا غير، فقال: ينجس شعر غير بني آدم بالموت
قولًا واحدًا، وفي شعر الآدمي، قولان:
أحدهما: ينجس بموته، كما ينجس شعر غيره بموته.
فعلى هذا: ينجس منه ما انفصل عنه في حياته أيضًا.
والثاني: لا ينجس؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [الإسراء: 70].
ومن تكريمه ألا ينجس شعره، ولهذا أحل لبن ابن آدم، وإن كان غير مأكول اللحم.
فعلى هذا: يحكم بطهارته بعد موته، وبطهارة ما انفصل من شعره في حياته.
وأما
شعر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فإن قلنا: إن شعر غيره
من بني آدم طاهر.. فشعره أولى بالطهارة، وإن قلنا: إن شعر غيره من بني آدم
نجس.. ففي شعره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجهان:
أحدهما:
وهو اختيار صاحب "الفروع" -: أنه ليس بنجس؛ (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما حلق شعره بـ: منى.. ناوله أبا طلحة، ففرقه على
الصحابة). فلو كان نجسًا.. لم يفرقه عليهم.
والثاني: أنه نجس!! وهو اختيار المحاملي؛ لأنه شعر آدمي، فكان نجسًا، كشعر غيره من الآدميين.
وأما
بول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وغائطه، ودمه:
فالبغداديون من أصحابنا قالوا: هو نجس وجهًا واحدًا، والخراسانيون قالوا:
هو على وجهين كشعره لـ: (أن أبا طيبة شرب دم النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -). و (حسا ابن الزبير دمه تبركًا به - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، ولم ينكر عليه.
و (شربت أم أيمن بوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لوجع كان في بطنها فبرئت).
فإذا
قلنا: إن شعر ابن آدم نجس.. فإنه يعفى عن قليله؛ لأنه لا يمكن الاحتراز
منه، فهو كدم البراغيث. قال ابن الصباغ: من أصحابنا من فسر ذلك بالشعرة
والشعرتين في الماء والثوب.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الشعر المنفصل]
إذا
قلنا: إن الشعر تحله الروح، وتلحقه نجاسة الموت، فإن جز الشعر من الحيوان
في حال الحياة، فإن كان من حيوان غير مأكول.. نجس الشعر بالانفصال؛ لأن
الجز للشعر كالذبح للحيوان، وما لا يؤكل لحمه ينجس بذبحه فكذلك شعره. وإن
كان الحيوان مأكولًا.. لم ينجس الشعر بالجز، كما لا ينجس الحيوان نفسه
بالذبح.
وإن نتف الشعر منه، فهل ينجس بذلك؟ فيه وجهان. حكاهما الشاشي. الصحيح: أنه لا ينجس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: القرن والعظم]
وأما العظم، والقرن، والظلف، والسن، والظفر.. فاختلف أصحابنا فيه:
فذهب أبو إسحاق: إلى أنه كالشعر والصوف والوبر، على ما ذكرناه؛ لأنه لا يحس ولا يألم، كالشعر.
وقال أكثر أصحابنا: تحلها الروح، وينجس بالموت قولًا واحدًا؛ وهو الصحيح، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 78 - 79].
و (الإحياء): لا يكون إلا لما كان فيه الروح، ثم فارقه؛ ولأن العظم يحس، وأطراف الأسنان يلحقها الضرس.
إذا ثبت هذا: فسئل فقيه العرب: أيتوضأ من إناء معوج؟
فقال: إن كان الماء يصيب تعويجه.. لم يجز، وإن كان لا يصيب تعويجه.. جاز.
و (الإناء المعوج): هو الإناء الذي جعل فيه العاج، وهو عظم الفيل.
وعظم
الفيل نجس.. لا يجوز بيعه، ولا استعماله في الأشياء الرطبة، ويكره
استعماله في الأشياء الجامدة، مثل الامتشاط بمشط العاج من غير رطوبة.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: اللبن في ضرع الميتة]
وإن ماتت شاة، وفي ضرعها لبن.. نجس اللبن بموتها، وبه قال مالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة: (لا ينجس) وبه قال داود.
دليلنا: أنه مائع غير الماء في وعاء نجس، فكان نجسًا، كما لو حلبت في وعاء نجس.
وإن
ماتت دجاجة، وفي جوفها بيضة، فإن لم يتصلب قشرها، فهي نجسة، كاللبن، وإن
كان قد تصلب قشرها، نجس ظاهر القشر، فإذا غسلت.. طهرت، وحل أكلها. وقال علي
بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (لا يحل أكلها).
دليلنا: أن البيضة مودعة في الحيوان، فلم تنجس بموت الحيوان، كالحمل إذا خرج حيًا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: حكم أجزاء الحيوان بالذكاة]
وإن
ذبح حيوان يؤكل لحمه.. لم ينجس بالذبح شيء من أعضائه، وجاز الانتفاع
بلحمه، وعظمه، وشعره، وعصبه، ما لم يكن عليه نجاسة، فإن رأى شعر حيوان
مأكول اللحم، وعظمه، ولم يعلم أنه أخذ منه في حال حياته، أو بعد ذكاته، أو
بعد موته.. قال في "الفروع": حكم بطهارته؛ لأن الأصل فيه الطهارة.
وإن ذبح حيوان لا يؤكل لحمه.. نجس بذبحه، كما ينجس بموته.
وقال أبو حنيفة: (يطهر جلده بذكاته، وأما لحمه: فلا يباح). واختلف أصحابه في طهارته.
دليلنا: أنها ذكاة لا تبيح أكل اللحم، فلا يطهر بها الجلد، كذكاة المجوسي.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: أواني الذهب والفضة]
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في [" الأم 1/8"] (ولا أكره في الأواني إلا الذهب والفضة).
وجملة ذلك: أن الأواني على ضربين: متخذة من جنس الأثمان، ومتخذة من غير جنس الأثمان.
فأما
المتخذة من جنس الأثمان: وهي آنية الذهب والفضة.. فيكره استعمالها للرجال
والنساء في الشراب والأكل والبخور والوضوء، وغير ذلك من وجوه الاستعمال وبه
قال مالك، وأبو حنيفة، وعامة أهل العلم.
وقال داود، وأهل الظاهر: (لا يكره غير الشرب وحده).
دليلنا: ما وري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن استعمال أواني الذهب والفضة». ولم يفرق بين الشرب وغيره.
إذا ثبت هذا: فهل هو كراهة تنزيه، أو تحريم؟ فيه قولان:
الأول:
قال في القديم: (يكره كراهة تنزيه لا تحريم؛ لأنه إنما نهى عن ذلك، لما
يلحق من ذلك من السرف والخيلاء وإغاظة الفقراء، وهذا لا يوجب التحريم).
والثاني: قال في الجديد: (يكره كراهة تحريم)، وهو الصحيح؛ لما روت أم سلمة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الذي يشرب في آنية الفضة.. إنما يجرجر في جوفه نار جهنم». وهذا وعيد يقتضي التحريم.
و
(الجرجرة): حكاية الصوت، يقال: جرجر فلان الماء في حلقه: إذا جرعه جرعًا
متتابعًا يسمع له صوت، وجرجر الفحل في هديره: إذا ردده في شقشقته، قال
الشاعر:
وهو إذا جرجر بعد الهب ** جرجر من حنجرة كالخب.
وهامة كالمجل المنكب.
قال أصحابنا الخراسانيون: وهل يحرم استعمال آنية الذهب والفضة للزينة والفخر، أو لعين الذهب والفضة؟ فيه قولان.
وفائدة
ذلك: لو اتخذ إناء من ذهب أو فضة، وغشاه رصاصًا، فإن قلنا: حرم لأجل
الزينة والفخر.. جاز، وإن قلنا: حرم لأجل الذهب والفضة.. لم يجز.
وإن
اتخذ إناء من رصاص أو نحاس وموهه بذهب أو فضة فإن قلنا: حرم لأجل الزينة
والفخر.. لم يجز استعماله وإن قلنا: حرم لعين الذهب والفضة جاز هاهنا.
فإن
أكل من آنية الذهب والفضة، أو شرب منها، أو توضأ.. لم يحرم المأكول
والمشروب، وصح وضوؤه؛ لأن المنع لمعنى يعود إلى الإناء لا إلى ما في
الإناء، فهو كما لو توضأ بماء مغصوب، أو صلى في دار مغصوبة، بخلاف ما لو
توضأ بماء نجس، أو صلى في ثوب نجس.. فإن ذلك لا يصح؛ لأن النهي يرجع إلى
معنى في الماء والثوب.
فإن قلنا: لا يحرم استعمال أواني الذهب والفضة.. جاز اتخاذها. وإن قلنا: يحرم استعمالها.. فهل يجوز اتخاذها؟
من أصحابنا من قال: فيه وجهان.
ومنهم من قال: فيه قولان:
أحدهما: يجوز؛ لأن فيه إحراز المال، ولأن الشرع إنما ورد بتحريم الاستعمال دون الاتخاذ.
والثاني: لا يجوز، وهو الأصح؛ لأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اتخاذه، كالملاهي.
قال
المحاملي: ولأنه لا خلاف - على مذهبنا - أن الزكاة تجب فيها، فلو كان
اتخاذها مباحًا.. لسقطت عنها في أحد القولين، كالحلي المباح.
فإذا قلنا: يجوز اتخاذها.. جاز الاستئجار على عملها. وإن كسر على غيره إناء من ذهب أو فضة.. وجب عليه ما نقصت قيمته بالكسر.
وإن قلنا: لا يجوز اتخاذها.. لم تصح الإجارة على عملها، وإن كسر على غيره إناء منها.. لم يجب عليه ضمان ما نقص بالكسر.
وأما الآنية المتخذة من غير الأثمان: فضربان: نفيس، وغير نفيس.
فأما النفيس: فما اتخذ من البلور والفيروزج، فإن قلنا: لا يحرم استعمال آنية الذهب وآنية الفضة.. فهذه أولى.
وإن قلنا: يحرم استعمال آنية الذهب والفضة.. ففي هذه قولان:
الأول روى حرملة: (أنه لا يجوز؛ لأن فيه سرفًا، فأشبه آنية الذهب والفضة).
والثاني
روى الربيع، والمزني: (أنه يجوز؛ لأن السرف فيها غير ظاهر؛ لأنه لا يعرفها
إلا خواص الناس، فلا يؤدي استعمالها إلى افتتان الناس، بخلاف آنية الذهب
والفضة).
وأما الأواني المتخذة من العود الطيب المرتفع، والكافور، والمصاعد، والعنبر.. فهل يجوز استعمالها؟
قال الشاشي: فيه قولان، كالبلور، والفيروزج.
فإذا
قلنا: يجوز استعمال هذه الآنية.. جاز اتخاذها، وإن قلنا: لا يجوز
استعمالها.. فهل يجوز اتخاذها؟ فيه وجهان، بناء على ما ذكرناه في آنية
الذهب والفضة.
أما الآنية المتخذة مما ليس بنفيس: فإن كانت صنعتها نفيسة، كالآنية المخروطة من الزجاج، وأواني الصفر المنقوش.. فهل يجوز استعمالها؟
أومأ صاحب "الفروع" فيها إلى وجهين، الصحيح: أنه يجوز.
وإن كانت صنعتها غير نفيسة، أو كان ذلك من المدر، أو ما أشبهه.. جاز استعمالها واتخاذها؛ لأنه لا سرف في ذلك.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: التضبيب بالذهب والفضة]
قال الشافعي: (وأكره المضبب بالفضة؛ لئلا يكون شاربًا على فضة).
وجملة
ذلك: أن التضبيب بالذهب والفضة يبنى على استعمال آنية الذهب والفضة، فإن
قلنا بالقول القديم: (إنه لا يحرم استعمالها).. فالتضبيب بهما أولى
بالجواز. وإن قلنا بالجديد: (وأنه يحرم استعمال آنيتهما).. فهل يجوز
التضبيب بهما؟
أما الذهب: فذكر الشيخ أبو إسحاق: أنه يحرم التضبيب به؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذهب والحرير: «هذان حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها».
وإن اضطر إلى الذهب.. جاز؛ لما روي: «أن
عرفجة بن أسعد أصيبت أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفا ً من فضة، فأنتن، فأمره
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتخذ أنفًا من ذهب».
وذكر المسعودي [في "الإبانة": ق \ 13]، والجويني: أنه كالتضبيب بالفضة.
وقد اختلف أصحابنا في التضبيب بالفضة، على ثلاثة أوجه:
فـالوجه
الأول: قال أبو إسحاق: إن كان التضبيب في غير شفة الإناء.. جاز؛ لأنه لا
يقع عليه الشرب، وإن كان في شفة الإناء.. لم يجز؛ لأنه يكون شاربًا عليه.
والوجه الثاني - وهو المشهور -: أن التضبيب على أربعة أضرب:
ضرب يسير لحاجة، كحلقة القصعة، وشعيرة السكين، وضبة القصعة، وما أشبهه.. فهذا مباح غير مكروه؛ لما روي: «أنه كان حلقة قصعة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فضة»، و «قبيعة سيفه من فضة»، وكذلك ما ذكرناه من حديث عرفجة بن أسعد: «حيث أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتخذ أنفًا من ذهب».
ومعني قولنا: (لحاجة) أي: في موضع الحاجة، وإن قام غيرها مقامها في ذلك؛ لأن الحاجة داعية إلى الفضة نفسها.
والضرب
الثاني: كثير للحاجة.. فتكره لكثرته، ولا تحرم للحاجة. وحد الكثير: أن
يكون جزءا من الإناء كاملًا من الفضة؛ كأسفله أو جميع شفته.
والضرب الثالث: قليل لغير الحاجة.. فلا يحرم لقلته، ويكره لعدم الحاجة.
والضرب الرابع: كثير لغير حاجة.. فيحرم لعدم الحاجة.
والوجه الثالث: أنه مكروه غير محرم بحال، وهو قول أبي حنيفة.
دليلنا: ما روى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من شرب من إناء الذهب والفضة، أو إناء فيه شيء من ذلك.. فإنما يجرجر في جوفه نار جهنم».
ولأن هذا فيه سرف وخيلاء، فأشبه الإناء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: فيما يتخذ من الذهب والفضة]
قال
المسعودي [في"الإبانة": ق \ 13] إذا اتخذ شيئًا من ذهب أو فضة، أو ربط
سنة بذلك، أو اتخذ أنفًا منهما.. جاز، والذهب أولى بالجواز؛ لأنه لا يصدأ
ولا يبلى.
فإن اتخذ إصبعًا منهما.. لم يجز؛ لأنها لا تعمل، فلم يكن إلا
مجرد الزينة. ولو اتخذ منهما أنملة.. جاز؛ لأنها تعمل بعمل الإصبع، فيمكن
تحريكها بالقبض والبسط.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: استعمال أمتعة المشركين]
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا بأس بالتوضؤ من ماء مشرك، وبفضل وضوئه).
وجملة ذلك: أن المشركين على ضربين:
ضرب: لا يتدينون باستعمال النجاسة. وضرب: يتدينون باستعمال النجاسة.
فأما
الذين لا يتدينون باستعمال النجاسة، كاليهود والنصارى: فما تحقق طهارته من
ثيابهم وأوانيهم.. فيجوز استعماله ولا يكره. وما تحقق نجاسته.. فلا يجوز
استعماله. وما شك فيه من أوانيهم وثيابهم.. فيكره استعماله؛ لما روى أبو
ثعلبة قال: قلت: يا رسول الله، إنا بأرض أهل الكتاب، ونأكل في آنيتهم؟ فقال
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تأكلوا في آنيتهم، إلا إن لم تجدوا عنها بدًا.. فاغسلوها بالماء ثم كلوا فيها».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أنا لسراويلاتهم، وما يلي أسافلهم أشد كراهية).
فإن توضأ بشيء من آنيتهم، أو صلى في شيء من ثيابهم، مما لم يتحقق نجاسته قبل الغسل.. صح.
وقال أحمد: لا يصح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28].
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ من مزادة مشركة».
و (المزادة): الراوية. وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أضافه وثني، فسقاه لبنًا فشربه، ولم يأمر بغسل ما سقاه فيه».
و (توضأ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من ماء في جرة نصرانية).
وأما قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]. فأراد: نجس الأديان، لا الأبدان والثياب والأواني.
وأما
الذين يتدينون باستعمال النجاسة، وهم المجوس؛ لأنهم يتطهرون بالبول،
ويتقربون بأرواث البقر.. فهل يجوز استعمال أوانيهم وثيابهم، التي لم تعلم
طهارتها، ولا نجاستها قبل غسلها؟ فيه وجهان:
أحدهما: قال أبو إسحاق: لا
يجوز قبل غسلها. وهو قول أحمد، وإسحاق؛ لأنهم يتدينون باستعمال النجاسة،
فالظاهر من أوانيهم وثيابهم النجاسة.
والثاني: قال أبو علي بن أبي هريرة: يجوز، وهو المذهب، وبه قال مالك، وأبو حنيفة؛ لأن الأصل فيها الطهارة.
قال ابن الصباغ: وهكذا الوجهان في الطين في الطرق.
وهذا
إنما هو في آنيتهم وثيابهم التي يستعملونها. فأما أوانيهم وثيابهم التي لا
يستعملونها.. فإنها كآنية اليهود والنصارى، وقد مضى ذكرها.
ويستحب تغطية الإناء؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بتغطية الوضوء، وإيكاء السقاء». ولأنه أحوط. وبالله التوفيق.
يتبــــــــــــــــــــع
.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Uo_ouo10

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 7:06 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]]باب السواك]

السواك غير واجب، وهو قول كافة العلماء. وقال داود وأهل الظاهر: (هو واجب).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولو كان واجبًا لأمرهم به، سواء شق أو لم يشق).
إذا ثبت أنه ليس بواجب.. فهو سنة، لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أوصاني جبريل بالسواك حتى خفت أن يدردني».
وروي
عن ابن عباس أنه قال: (في السواك عشر خصال: مطهرة للفم، مرضاة للرب، مفرحة
للملائكة، مسخطة للشيطان، يذهب الحفر ويجلو البصر، ويشد اللثة، ويقلل
البلغم، ويطيب الفم، وهو من السنة، ويزيد في الحسنات).
قال أبو علي في "الإفصاح" وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: السواك يزيد في الفصاحة» وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: (السواك يجلب الرزق).
وقيل: إن السواك من الكلمات التي قال الله تعالى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[البقرة: 124]. وهي عشر: (خمس في الرأس، وخمس في الجسد، فاللواتي في
الرأس: السواك، والمضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، وفرق الشعر، واللواتي في
الجسد: الختان، وحلق العانة، والاستنجاء، وتقليم الأظافر، ونتف الإبطين).
وروي: (أن السواك كان في أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
بمنزلة القلم من أذن الكاتب).
قال المسعودي: [في " الإبانة: ق \ 16"] وهل هو من سنن الوضوء؟ فيه وجهان. ويستحب عند ثلاثة أحوال:
أحدها: عند القيام إلى الصلاة، لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك». ومعناه: أن ثواب صلاة بسواك أكثر من ثواب سبعين صلاة بغير سواك.
والثاني: عند اصفرار الأسنان، لما روى العباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «استاكوا لا تدخلوا علي قلحًا»، و (القلح): جمع أقلح، والقلح: صفرة الأسنان، قال الشاعر:
قد بنى اللؤم عليهم بينه ** وفشا فيهم مع اللؤم القلح.
والثالث: عند تغير الفم، وقد يتغير بالنوم، ويتغير بأكل الثوم والبصل والكراث ويتغير بالأزم، واختلفوا في الأزم:
فقيل: هو طول السكوت، ولهذا يقال: أزم الفرس على اللجام.
وقيل: هو من الجوع؛ ولهذا يقال: (نعم الدواء الأزم) يعني: الجوع.
وذكر بعض أصحابنا: أن السواك يستحب في حالين آخرين:
أحدهما: عند القيام إلى الوضوء.
والثاني: عند قراءة القرآن.
ولا يكره إلا في موضع واحد، وهو للصائم بعد الزوال.
وقال أبو حنيفة: (لا يكره).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».
قال
ابن الصفار: ومعنى الخبر: أن ثواب خلوف فم الصائم أفضل عند الله من ريح
المسك؛ لأن الأشياء عند الله على خلاف حقائقها، والسواك يقطع ذلك فكره.
ويستحب أن يعود ذلك الصبيان، ليعتادوه عند بلوغهم. ويستحب أن يستاك بالأراك.
قال الصيمري: ولا بأس بالخلال قبل السواك وبعده.
ويستحب أن يكون عود الخلال من عود السواك، ولا يجوز السواك بما كان من المشمومات.
وبأي شيء استاك مما يزيل القلح والتغيير، كالخرقة الخشنة، أجزأه، فإن أمر أصبعه على أسنانه.. لم يجزئه.
وقال مالك: (يجزئه).
دليلنا: أن ذلك لا يسمى سواكًا، فلم يجزئه.
قال الصيمري: ويكره أن يدخل سواكه في وضوئه.
ويستحب إذا أراد السواك ثانيًا: أن يغسله. والمستحب إذا أراد السواك: أن يبدأ بالجانب الأيمن، لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحب التيامن في كل شيء»، ويستحب أن يستاك عرضًا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «استاكوا عرضًا، وادهنوا غبا، واكتحلوا وترًا».
و (الدهان الغب): أن يدهن يومًا ثم يتركه حتى يجف رأسه، ثم يدهن؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الإرفاه». قال أبو عبيد: هو كثرة التدهن.
و (اكتحال الوتر): هو أن يكتحل في كل عين ثلاثة أطراف؛ لما روي: «أنه كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكحلة يكتحل منها كل ليلة - في كل عين - ثلاثة أطراف».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: ذكر خصال الفطرة]
قال الصيمري: وإن كانت له لحية.. فينبغي له أن يسرحها، ولا يتركها مشعانة، فإذا شابت.. غيرها بالحناء والكتم.
ويستحب أن يقلم الأظفار، ويقص الشارب، ويغسل البراجم - وهي عقد اليدين - وينتف الإبط، ويحلق العانة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [البقرة: 124]، وقد تقدم تفسيرها.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الفطرة:
المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، وغسل البراجم،
ونتف الإبط، والانتضاح بالماء، والختان، والاستحداد».
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت فانتضح».
واختلف في (الانتضاح).
فقيل: هو الاستنجاء بالماء.
وقد روي: " الانتقاص بالماء " لأنه ينتقص البول، أي: يقطعه.
وقيل: هو أن ينضح فرجه بالماء بعد فراغه من الطهارة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم الختان]
ويجب الختان في حق الرجال والنساء.
وقال أبو حنيفة: (هو سنة في حق الجميع).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]، فأمر الله نبيه باتباع ملة إبراهيم.
وروي: «أن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختتن بالقدوم». وهو مقيل له، أي: كان ينزل به. وقيل: هي قرية بالشام، وقيل: هو الفأس.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأم عطية - وكانت تختن النساء -: «أشمي، ولا تنهكي»، وروي: «اخفضي ولا تنهكي.. فإنه أسرى لوجهها، وأحظى لها عند زوجها».
فقوله: " أشمي " أي: خذي قليلًا، وقوله: " لا تنهكي "، أي يعني: ولا تستقصي في القطع.
والختان في الرجل: هو أن تقطع الجلدة التي فوق الحشفة، حتى تنكشف جميعها. وفي المرأة: أن تقطع الجلدة التي فوق مدخل الذكر.
ويستحب أن يفعل ذلك يوم السابع من ولادته، لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ختن الحسن والحسين يوم السابع»، ولأنه أسهل.
وأما
وقت وجوبه: فلا يجب على الصبي حتى يبلغ؛ لأنها عبادة بدنية، فلم تجب على
الصبي، كالصلاة، فإذا بلغ.. أُمر بالختان، فإن امتنع.. أجبره السلطان.
وهل يجب ذلك على الولي، أن يفعله بالصبي قبل بلوغه؟ فيه وجهان، حكاهما القاضي أبو الفتوح:
أحدهما: قال الصيدلاني، وأبو سليمان المروزي: يجب عليه، فإذا لم يفعله الولي حتى بلغ الصبي.. عصى الولي.
والثاني: قال سائر أصحابنا: لا يجب على الولي.
فإن
كان هناك خنثى مشكل: قال القاضي أبو الفتوح: وجب عليه ختان الفرجين؛ لأن
أحدهما أصلي يجب ختانه، والآخر زائد لا يجب ختانه، فوجب ختانهما ليسقط
الفرض باليقين.
فإن قلتم: كيف أوجبتم قطعها، وإنما يجب عليه قطع أحدهما؟
قلنا:
لأنه لما لم يتمكن من الوصول إلى قطع المستحق منهما إلا بقطعها.. وجب
قطعهما، كما أن من تزوج بكرًا، لما لم يتمكن من وصوله إلى حقه إلا بإتلاف
البكارة - وهي جزء منها - كان له ذلك، ولم يلزمه لأجله ضمان، وكما أنه إذا
جبر عظمه بعظم نجس، والتحم اللحم عليه.. فإنه عليه شق الجلد واللحم؛ ليصل
إلى العظم ويخرجه.
وذكر أبو المعالي الجويني: أن رجلًا لو توسط قومًا،
ولم يجد سبيلًا إلى الخروج لكثرة الناس، فخاف أن يموت جوعًا أو عطشًا أو
ضيق نفس، ولا يجد السبيل إلى الخروج إلا بوطء بعضهم وإتلافه.. كان له ذلك!.
إذا ثبت هذا: فإن كان الخنثى صغيرًا.. ختنه الرجال والنساء إذا قلنا: يجب ختان الصغير.
وإن قلنا: لا يجب ختان الصغير.. لا يختن الخنثى الصغير؛ لأنه لا يتعين المحل فإذا بلغ.. وجب عليه الختان بلا خلاف على المذهب.
ومن الذي يتولى ذلك منه؟ ينظر فيه:
فإن كان يحسن ذلك بنفسه.. تولاه، وإن لم يقدر على ذلك لجبنه أو لقلة إحسانه.. اشترى له جارية تتولى ذلك منه.
وإن لم توجد جارية تحسن ذلك.. جاز أن يتولاه الرجال والنساء منه؛ لأن هذا موضع ضرورة، فجاز للرجال والنساء، كالطبيب.
وإن كان لرجل ذكران، فإن عرف الأصلي منهما.. وجب ختانه دون غيره.
قال صاحب "الإبانة" [ق 25 – 26] ويعرف الأصلي بالبول.
وقال
غيره من أصحابنا: يعرف بالعمل، فإن كانا عاملين، أو كان يبول منهما، وكانا
على منبت الذكر على حد السواء.. وجب ختانهما، كما قلنا في الخنثى المشكل.
وبالله التوفيق.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب نية الطهارة]
الطهارة ضربان: طهارة عن نجس، وطهارة عن حدث.
فأما الطهارة عن النجس: فلا تفتقر إلى النية في قول عامة أصحابنا.
وحكى صاحب "الإبانة" [ق \ 13] أن أبا العباس بن سريج قال: لا تصح من غير نية، كطهارة الحدث.
والأول
هو المشهور؛ لأن إزالة النجاسة من باب التروك، فلا تفتقر إلى النية، كما
لا يفتقر ترك الزنا والغصب إلى النية، ولا يلزم الصوم حيث افتقر إلى النية
وإن كان من باب التروك؛ لأنه ترك معتاد، فافتقر إلى النية ليتميز الترك
الشرعي عن غيره.
وأما الطهارة عن الحدث - وهو الوضوء، والغسل والتيمم -:
فلا يصح شيء من ذلك إلا بالنية. وبه قال ربيعة، ومالك، والليث، وأحمد،
وإسحاق، وداود. وروي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقال أبو حنيفة: (يصح الوضوء، والغسل بغير نية، ولا يصح التيمم إلا بالنية).
وقال الحسن بن صالح بن حي: يصح الوضوء، والغسل، والتيمم بغير نية.
وعن الأوزاعي روايتان: إحداهما: كقول الحسن بن صالح. والأخرى: كقول أبي حنيفة.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما
الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله
ورسوله.. فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو
امرأة يتزوجها.. فهجرته إلى ما هاجر إليه».
قلنا: من الخبر ثلاثة أدلة:
أحدها: قوله: «إنما الأعمال بالنيات» ولم يرد: أن صور الأعمال لا توجد إلا بالنية؛ لأن صورها قد توجد من غير نية، وإنما أراد: أن حكم الأعمال لا توجد إلا بالنية.
والثاني: قوله: «وإنما لكل امرئ ما نوى» دليل خطابه: أن من لم ينو.. فليس له.
والثالث:
أن هذا الخبر ورد على سبب، وذلك: أن رجلًا هاجر من مكة إلى المدينة بسبب
امرأة يقال لها: أم قيس، فبلغ ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فقال: «إنما الأعمال بالنيات»..
" الخبر إلى آخره. فأخبر: أن الأعمال لا تكون قربة وطاعة إلى بالقصد إلى
الطاعة والقربة؛ ولأنها عبادة محضة، وطريقها الأفعال، فلم تصح من غير نية
كالصلاة.
فقولنا: (محضة) احترازًا من العدة، ومن غسل الذمية.
وقولنا: (طريقها الأفعال) احترازًا من الخطبة، والقراءة في الصلاة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع:لا تصح العبادة إلا بعد الإسلام]:
إذا توضأ الكافر أو تيمم، ثم أسلم.. لم يصح وضوؤه، ولا تيممه.
وقال أبو حنيفة: (يصح وضوؤه، دون تيممه) بناءً على أصله: أن الوضوء يصح من غير نية.
دليلنا: أن الوضوء طهارة، تستباح بها الصلاة، لم تصح من غير نية تنظر من الكافر، كالتيمم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: في النية ومحلها وزمنها وكيفيتها]
إذا ثبت وجوب النية: فالكلام فيها في أربعة فصول:
في محلها، وفي وقت استحبابها، وفي وقت وجوبها، وفي صفتها.
فأما
محلها: فالواجب أن ينوي بقلبه وهو: أن يقصد فعل ذلك بقلبه؛ لأن النية هي
القصد - تقول العرب: نواك الله بخير، أي: قصدك الله بخير، وتقول: نويت بلد
كذا، أي: قصدت إليه - إلا أن المستحب أن يقصد ذلك بقلبه، ويتلفظ به بلسانه؛
ليكون اللفظ به أعون له على خلوص القصد، فإن تلفظ به بلسانه من غير قصد في
القلب.. لم يجزئه؛ لأنه قد يتلفظ بذلك عادة، وإن قصده بقلبه، ولم يتلفظ
به.. أجزأه.
وأما وقت استحبابها: فيستحب أن ينوي ذلك أول الطهارة وهي:
عند غسل كفيه، ويستصحب ذكرها إلى آخر الوضوء؛ لتشتمل نيته على الفرائض
والسنن.
وأما وقت وجوبها: فإنه ينوي مع غسل أول جزء من الوجه، ثم يستصحب
حكم النية في باقي أعضائه، وهو: ألا ينوي قطعها ولا ما ينافيها؛ لأن الوجه
أول أعضاء الطهارة الواجبة، فأجزأه ذكر النية عنده، كالصلاة.
قال الطبري: إذا غسل كفيه، وتمضمض، واستنشق من غير نية.. لم يحصل له ثواب ذلك.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: ذهاب النية]
وإن
نوى الطهارة عند المضمضة والاستنشاق، ثم عزبت نيته - أي: انقطعت - فإن كان
قد غسل شيئًا من وجهه مع المضمضة والاستنشاق، مثل: رأس أنفه، أو ظاهر
شفتيه.. نظرت:
فإن غسل ذلك بنية غسل الوجه.. لم يؤثر انقطاع النية بعد ذلك؛ لأنها قد وجدت مع غسل أول فرض من فروض الطهارة.
وإن
غسل ذلك من وجهه لا بنية غسل الوجه.. فهل يكون حكمه حكم من غسله بنية غسل
الوجه، أو حكم من لم يغسل شيئًا من وجهه؟ فيه وجهان، حكاهما في "الفروع":
أحدهما: حكمه حكم من غسله بنية غسل الوجه؛ لأنه قد وجد منه غسل جزء من الوجه بنية الطهارة.
والثاني: حكمه حكم من لم يغسل شيئًا من وجهه؛ لأنه لم يغسل ذلك بنية غسل الوجه.
وإن عزبت نيته قبل أن يغسل شيئًا من وجهه.. فهل يجزئه شيء من ذلك؟ فيه وجهان، وحكاهما في "الفروع" قولين:
أحدهما: يجزئه؛ لأنه فعل راتب في الوضوء لم يتقدمه فرض، فإذا عزبت النية عنده.. أجزأه كغسل الوجه.
وقولنا: (فعل) احتراز من التسمية، فإنها لو عزبت النية عندها.. لم يجزئه.
وقولنا:
(راتب في الوضوء) احتراز من الاستنجاء، فإنه ليس براتب في الوضوء، بل لو
استنجى بعد الوضوء.. كان كما لو استنجى قبله؛ ولأن الطهارة قد تخلو من
الاستنجاء.
وقولنا: (لم يتقدمه فرض) احتراز من غسل اليدين؛ لأنه لو لم ينو إلا عندهما.. لم يجزئه.
والوجه الثاني: لا يجزئه، وهو الصحيح؛ لأن نيته عزبت قبل الفرض، فلم يجزئه، كما لو عزبت عند غسل الكف.
وما قاله الأول ينتقض بغسل الكف، فإنه فعل راتب في الوضوء لم يتقدمه فرض، وإن عزبت النية عنده.. لم يجزئه.
وهذه طريقة أكثر البغداديين من أصحابنا: أن نيته إن انقطعت عند غسل الكف.. لم يجزئه.
وأما
المسعودي [في "الإبانة": ق \ 16]، وصاحب "الفروع" فقالا: إذا عزبت نيته
عند غسل الكف.. هل يجزئه؟ على وجهين أيضًا، كالمضمضة والاستنشاق.
قال
المسعودي [في "الإبانة" ق \ 16] وكذلك إذا عزبت نيته عند الاستنجاء، أو
عند السواك - إذا قلنا: إنهما من سنن الوضوء - فهل يجزئه ذلك؟ على وجهين،
كما لو عزبت عند المضمضة والاستنشاق.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: صفة النية]وأما صفة النية: فإن نوى رفع الحدث، أو الطهارة عن الحدث، أو الطهارة لأجل الحدث.. أجزأه؛ لأنه قد نوى المقصود.
وإن نوى الطهارة وأطلق.. فقد ذكر ابن الصباغ: أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " مختصر البويطي ": (أجزأه).
قال
أصحابنا: أراد: إذا نوى الطهارة عن الحدث، فأما مع الإطلاق: فلا تجزئه
الطهارة؛ لأن الطهارة قد تقع عن حدث، أو عن نجس، فلا بد من النية لتميز
بينهما.
وإن نوى المحدث رفع الجنابة.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان، حكاهما في "الفروع":
أصحهما: أنه لا يجزئه؛ لأنه نوى غير ما عليه.
وإن
نوى الجنب رفع الحدث عن جميع بدنه.. أجزأه، وإن نوى الحدث الأصغر.. أجزأه
عن أعضاء الطهارة. وقال في "الفروع": وقد قيل: لا معنى لهذه النية.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: النية وسبب الطهارة]
وإن
نوى الطهارة لأمر لا يصح من غير طهارة، بأن ينوي الطهارة للصلاة، أو
الطواف، أو سجود التلاوة أو الشكر، أو مس المصحف.. ارتفع حدثه؛ لأن فعل هذه
الأشياء لا يصح من غير طهارة، فإذا نوى الطهارة لها.. تضمنت نيته رفع
الحدث.
وإن نوى الطهارة لفعل يصح من غير طهارة، ولا تستحب له فيه
الطهارة، كأكل الطعام، ولبس الثوب، والدخول إلى السلطان.. لم يرتفع حدثه؛
لأنه يستبيح فعل هذه الأشياء من غير طهارة، فلم تتضمن نيته لها رفع الحدث.
وإن
نوى الطهارة لأمر يصح من غير طهارة، ولكن يستحب له فيه الطهارة كقراءة
القرآن، ورواية الحديث وتدريس الفقه والاعتكاف.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يرتفع حدثه؛ لأن فعل هذه الأشياء يصح من غير طهارة، فلم تتضمن نيته لها رفع الحدث، كما لو نوى الطهارة لأكل الطعام.
والثاني:
يرتفع حدثه؛ لأنه يستحب له ألا يفعل هذه الأشياء إلا وهو طاهر، فتضمنت
نيته لها رفع الحدث، كما لو نوى الطهارة للصلاة، بخلاف ما لو نوى الطهارة
لأكل الطعام.
وإن نوى غسل الجمعة.. قال ابن الصباغ: فينبغي أن يجزئه عن
الوضوء؛ لأنه مأمور به للصلاة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «من توضأ يوم الجمعة.. فبها ونعمت، ومن اغتسل.. فالغسل أفضل». فدل على: أن الغسل ينوب مناب الوضوء.
وإن نوى رفع الحدث، والتبرد، والتنظيف.. ففيه وجهان:
أحدهما من أصحابنا من قال: لا يصح؛ لأنه أشرك في النية بين القربة وغيرها.
والثاني
- وهو المنصوص -: (أنه يصح)؛ لأنه قد نوى رفع الحدث، وضم إليه ما لو لم
ينوه.. لحصل له، فوزانه من الصلاة: أن ينوي الصلاة، ودفع خصمه باشتغاله
بها.. فتصح، أو ينوي صلاة الظهر، وتحية المسجد.. فتصح، كما لو نوى الإحرام
بالحج عن الفرض، وعن دخول الحرم.
وإن فرق النية على أعضائه.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: لا يجزئه؛ لأنها عبادة واحدة، فلم يصح تفريق النية على أبعاضها، كالصلاة والصوم.
والثاني: يجزئه؛ لأن تعيين النية في أثنائها لا يبطله حكم ما فعله منها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: نية رفع جملة الأحداث]
وإن أحدث أحداثًا، ونوى رفع بعضها.. قال صاحب "الفروع": ارتفع الجميع.
وإن نوى رفع واحد منها، وإبقاء غيره.. فهل يصح؟ فيه أربعة أوجه:
أحدها: لا يصح وضوؤه؛ لأنه لم ينو رفع جميع الأحداث.
والثاني: أنه يصح وضوؤه، وهو الصحيح؛ لأن الأحداث تتداخل، فإذا نوى رفع واحدٍ منها.. ارتفع الجميع.
والثالث:
إن نوى رفع الحدث الأول.. ارتفع الجميع، وإن نوى غيره.. لم يصح وضوؤه؛ لأن
الذي أوجب الطهارة هو الأول فإذا نواه.. ارتفع الجميع.
والرابع - حكاه ابن الصباغ -: إن نوى رفع الحدث الأخير.. ارتفع الجميع، وإن نوى غيره.. لم يصح؛ لأنها تتداخل في الآخر منها.
وإن نوى رفع حدث بعينه ثم بان أنه غيره.. قال الصيدلاني: فالمذهب: أنه يجزئه؛ لأنه من جنسه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: نية الوضوء لصلاة بعينها]
وإن
نوى بطهارته أن يصلي بها صلاة بعينها، أو أطلق.. ارتفع حدثه، واستباح به
جميع الصلوات؛ لأن ذلك يتضمن رفع حدثه. وإن نوى أن يصلي به صلاة، وألا
يصليها.. قال في "الفروع": كان ذلك متناقضًا، ولا يرتفع حدثه.
وإن نوى أن يصلي به صلاة بعينها، ولا يصلي به غيرها.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لم يصح وضوؤه؛ لأنه لم ينو نية صحيحة.
والثاني: يرتفع حدثه للصلاة التي عينها دون غيرها، اعتبارا بنيته.
والثالث:
يرتفع حدثه في حق جميع الصلوات، وهو الصحيح؛ لأنه لما نوى ليصلي به صلاة
بعينها.. ارتفع حدثه في حق الجميع، ونيته: ألا يصلي غيرها.. لا حكم لها،
فتصير كما لو نوى قطع الصلاة بعد الفراغ منها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: نية قطع الطهارة بعد الفراغ منها]
إذا فرغ من الطهارة ثم نوى قطعها.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو المشهور -: أن طهارته لا تبطل، كما لو فرغ من الصلاة، ثم نوى قطعها.
والثاني - حكاه الصيدلاني -: أن طهارته تبطل، كما لو ارتد.
وإن
غسل بعض أعضائه، ثم نوى قطع الطهارة، فإن قلنا بما حكاه الصيدلاني: أنها
تبطل، إذا نوى قطعها بعد الفراغ.. فهاهنا أولى. وإن قلنا بالمشهور: وأنها
لا تبطل فهاهنا وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: تبطل طهارته، كما لو نوى قطع الصلاة في أثنائها.
والثاني - وهو الصحيح -: أنه لا يبطل ما مضى منها قبل نية القطع؛ لأنه قد صح، فلا يبطل إلا بالحدث، كما لو فرغ منها ثم نوى قطعها.
فعلى
هذا: إن أراد تمام الطهارة قبل تطاول الفصل.. فلا بد من تجديد النية لما
بقي من أعضائه؛ لأن حكم الأولى.. قد بطل بما بقي، وإن طال الفصل.. فعلى
القولين في تفريق الوضوء.
فإن نوى رفع الحدث، فغسل وجهه ويديه، ومسح
برأسه، ثم غسل رجليه بنية التنظيف والتبرد.. لم يصح غسله لهما، وإن نوى
بغسله لهما التبرد والتنظيف ورفع الحدث.. فعلى ما مضى من الوجهين. وبالله
التوفيق.
يتبــــــــــــــــــــع
.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Uo_ouo10

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 7:13 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب صفة الوضوء]

المستحب: ألا يستعين على الوضوء بغيره، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنا لا نستعين على الوضوء بأحد».
وإن استعان بغيره نظرت:
فإن
كان بتقريب الوضوء إليه، وما أشبه ذلك.. لم يكره، وإن استعان بغيره بصب
الماء عليه جاز..؛ لما روي أن أسامة، والمغيرة، والربيع بنت معوذ بن عفراء:
«صبوا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الماء، فتوضأ».
وإن وضأه غيره، ولم يوجد منه غير النية.. أجزأه عندنا.
وقال داود: (لا يجزئه).
دليلنا: أن فعله غير مستحق في الطهارة، ولهذا لو وقف تحت ميزاب أو مطر، ونوى الطهارة، وأمر الماء على أعضاء الطهارة أجزأه.
وأما قَوْله تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6]. فالمراد به: تحصيل الغسل.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: استحباب التسمية عند ابتداء الوضوء]
ويسمي الله تعالى عند ابتداء الطهارة؛ لأن التسمية مشروعة في جميع الأعمال، فالطهارة بذلك أولى.
إذا ثبت هذا: فإنها مستحبة وغير واجبة، وهو قول ربيعة، ومالك، وأبي حنيفة.
وقال إسحاق بن راهويه: هي واجبة في الطهارة، إن تركها عامدًا.. لم تصح طهارته، وإن تركها ناسيًا.. صحت وهي إحدى الروايتين عن أحمد.
وقال داود، وأهل الظاهر: (هي واجبة وشرط في الطهارة، فإن تركها عامدًا أو ناسيًا.. لم تصح طهارته).
دليلنا: ما روي عن ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من توضأ وذكر اسم الله تعالى عليه.. كان طهورًا لجميع بدنه، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه.. كان طهورًا لما مر عليه الماء».
فصحح
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطهارتين: وإنما جعل
الطهارة التي ذكر اسم الله عليها.. طهارة لجميع بدنه من الذنوب والتي لم
يذكر اسم الله عليها.. طهارة لما مر عليه الماء من الذنوب؛ لأن رفع الحدث
لا يتبعض.
فإن نسي التسمية في أول الطهارة.. أتى بها متى ذكرها قبل الفراغ، حتى لا يخلو الوضوء من اسم الله تعالى.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: سنية غسل الكفين]
ثم يغسل كفيه ثلاثًا؛ لأن عثمان وعليا وعبد الله بن زيد وصفوا وضوء رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكلهم قالوا: «غسل كفيه ثلاثًا».
ثم
ينظر فإن قام من النوم، أو شك في نجاسة يده.. فالمستحب: ألا يغمس يده في
الإناء حتى يغسلها ثلاثًا. وإن لم يقم من النوم، ولم يشك في نجاسة يده..
فهو بالخيار بين أن يغمس يده في الإناء، وبين أن يفرغ الماء من الإناء على
يده.
وهذا كله مستحب غير واجب عندنا.
وقال الحسن: هو واجب؛ لأجل النجاسة، فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها.. نجس الماء.
وقال داود: (هو واجب تعبدًا، فإن خالف وغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها.. صار الماء مهجورًا، وليس بنجس).
وقال أحمد: (إن قام من نوم النهار.. فهو مستحب، وإن قام من نوم الليل.. فهو واجب).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6].
فمن قال: يجب غسل اليدين قبل الوجه.. فقد خالف ظاهر القرآن.
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه.. فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا يدري أين باتت يده منه. وروي: أين طافت منه».
وإنما قال: «أين باتت يده منه»؛
لأن القوم كانوا يستنجون بالحجارة، وكانت بلادهم حارة، فإذا ناموا.. لم
يأمنوا أن تطوف أيديهم على الآثار التي لم تقلعها الحجارة، وفي هذا الخبر
فوائد:
منها: أن اليد تغسل ثلاثًا قبل الطهارة.
الثانية: أن ذلك مستحب؛ لأنه قال: «أين باتت يده منه» فتبين أنه احتياط للنجاسة.
الثالثة: أن النجاسة إذا وردت على ماء قليل نجسته.
الرابعة: أن الماء القليل، إذا ورد على النجاسة.. أزالها؛ لأنه حكم بطهارة اليد بإيراد بعض ماء الإناء عليها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: استحباب المضمضة والاستنشاق]
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ثم يغرف بيده اليمنى غرفة لفيه وأنفه).
وإنما قال: (بيمينه)؛ لأن اليمين مما يرجى أن يؤخذ بها الكتاب يوم القيامة، فقدمت في أعمال البر.
و (الغرفة) - بضم الغين - اسم للماء الذي يكون بكفه، وبفتح الغين: مصدر غرف، يغرف، غرفة.
وجملة ذلك: أن المضمضة والاستنشاق.. مشروعان في الطهارة؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما منكم من أحد يقرب وضوءه، ثم يتمضمض، ثم يستنشق، ثم يستنثر.. إلا خرجت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء».
قال
الشافعي: (والمضمضة: أن يأخذ الماء في فمه، ويديره فيه، ثم يمجه، فإن مجه
ولم يدره في الفم.. لم يعتد به)؛ لأن القصد قطع الرائحة من الفم، وإزالة
تغيره، وهذا لا يوجد من غير إدارة. هكذا ذكره الشيخ أبو حامد في "التعليق".
و
(الاستنشاق): أن يجعل الماء في أنفه، ويجذبه بنفسه إلى خياشيمه، ويستنثره.
والمستحب: أن يبالغ فيهما إلا أن يكون صائمًا.. فيرفق؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا».
وهل يسن الجمع بينهما، أو الفصل؟ فيه قولان:
أحدهما:
روى المزني: (أنه يجمع بينهما) وقد نص عليه في "الأم" [1/21]؛ لما روي:
أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وصف وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فتمضمض مع الاستنشاق بماء واحد».
والثاني: قال في " البويطي ": (يفصل بينهما) قال المحاملي: وهو الأصح؛ لما روى طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفصل بين المضمضة والاستنشاق»؛ ولأنه أبلغ في النظافة، وأشبه بأعضاء الطهارة، فكان أولى.
واختلف أصحابنا في كيفية الجمع، والفصل:
فقال الشيخ أبو حامد: (الجمع): هو أن يغرف غرفة واحدة، فيتمضمض ويستنشق منها ثلاثًا، يجمع في كل مرة بينهما.
وأما (الفصل): فيغرف غرفة، فيتمضمض منها ثلاثًا، ثم يأخذ غرفة ثانية، فيستنشق منها ثلاثًا.
قال
القاضي أبو حامد المروروذي، وأبو يعقوب الأبيوردي: (الجمع) هو: أن يأخذ
غرفة فيتمضمض منها ويستنشق، ثم يأخذ غرفة ثانية يفعل بها كذلك، ثم يأخذ
غرفة ثالثة يفعل بها كذلك.
و (الفصل): أن يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة، وثلاث غرفات للاستنشاق.
وما
قاله الشيخ أبو حامد أشبه بكلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه قال
في الجمع: (يغرف غرفة لفيه وأنفه)، وهذا لا يوجد إلا على ما قاله الشيخ أبو
حامد، إلا أن ما ذكره القاضي أبو حامد أمكن وأثبت.
إذا ثبت هذا: فإن المضمضة والاستنشاق.. سنة في الوضوء وغسل الجنابة، وهو قول مالك.
وقال ابن أبي ليلى، وإسحاق: هما واجبان في الوضوء، والغسل.
وقال أحمد، وداود: (الاستنشاق واجب فيهما دون المضمضة).
وقال الثوري، وأبو حنيفة: (هما واجبان في الغسل، سنتان في الوضوء).
دليلنا: ما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «عشر
من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق، وقص
الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء».
فجعل
المضمضة والاستنشاق مع هذه المسنونات، فدل على أن حكم الجميع واحد، وروي:
أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للأعرابي: «توضأ كما أمرك الله». وليس فيما أمره الله: المضمضة والاستنشاق.
وعلى أبي حنيفة -: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأم سلمة: «إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء». ولأنه عضو باطن دونه حائل معتاد، فلم يجب غسله كالعين.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: فرضية غسل الوجه]
ثم يغسل وجهه، وهو واجب؛ لنص الكتاب، والسنة والإجماع.
وكيف يأخذ الماء؟:
روى المزني، عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أنه يغرف الماء بيده).
وقال
الصيمري في " الإيضاح ": يأخذ الماء بكفيه؛ اتباعًا لرسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولأنه لا يتمكن من غسل وجهه إلا هكذا. قال:
ويبدأ بأعلاه؛ اتباعًا للسنة، ولأنه أشرف، فبدأ به.
إذا ثبت هذا: فإن المزني قال: حد الوجه: من منابت شعر الرأس إلى أصول أذنيه ومنتهى اللحية، إلى ما أقبل من وجهه وذقنه.
وذكر
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "الأم" [1/21] حد الوجه، فقال:
(حده: من دون منابت شعر الرأس إلى أصول الأذنين إلى الذقن. وهو مجتمع
اللحيين).
قال الشيخ أبو حامد: وهذا هو الحد الصحيح، وما ذكره المزني فاسد من وجوه:
أحدها: أنه قال: (من منابت شعر الرأس). والوجه: إنما هو ما دون منابت شعر الرأس.
والثاني:
أنه قال: (إلى منتهى اللحية)، فإن أراد منتهى النبات.. فمنتهاه تحت الحلق،
وليس ذلك من الوجه. وإن أراد منتهى النبات طولا.. فعلى أحد القولين: لا
يجب غسله، وعلى الثاني: يجب، وليس من الوجه، وإنما هو في حكمه.
والثالث أنه قال: (إلى ما أقبل من وجهه وذقنه). فحد الوجه بالوجه، وإنما يحد الشيء بغيره.
والاعتبار
بالمنابت المعتادة، لا بمن تصلع الشعر عن ناصيته، ولا بمن نزل الشعر إلى
جبهته. هذا نقل البغداديين من أصحابنا. وذكر المسعودي [في "الإبانة": ق \
17] إذا نبت الشعر على بعض جبهته كالأغم.. فمن أين يجب الغسل؟ فيه وجهان:
أحدهما: من المنبت، وهو الأصح.
والثاني: من منحدر الرأس.
وأما تفصيل الوجه: فـ (الجبهة) من الوجه، وهي: موضع السجود، قال الله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29].
و (الجبينان) من الوجه، وهما: العظمان المشرفان على الجبهة.
و
(النزعتان) من الرأس، وهما، البياض الذي انحسر عنه شعر الرأس من جانبي
مقدم الرأس، يقال: نزع الرجل، فهو أنزع، وتسمى أيضًا: الجلحة، يقال: رجل
أجلح.
و (الناصية): من الرأس.
و (الصدغان) من الرأس، وهو: الشعر الذي يتجاوز موضع الأذن، المتصل بشعر الرأس.
و (العذاران): من الوجه، وهو: الشعر الخفيف المقابل للأذن. و (البياض الذي بين العذار والأذن): من الوجه. وقال مالك: (هو من الرأس).
و (العارضان) من الوجه، وهو: الشعر الكثيف تحن العذار.
وفي موضع (التحذيف)، وهو: الشعر الذي بين ابتداء العذار والنزعة، وهو الداخل إلى الجبين من جانبي الوجه.. وجهان:
أحدهما قال أبو العباس: هو من الوجه؛ لأن العادة تحذيفه، فقد جعلوه وجهًا.
والثاني: قال أبو إسحاق: هو من الرأس وهو الصحيح؛ لأنه متصل بشعر الرأس؛ ولأن الله تعالى خلقه رأسًا، فلا يصير وجهًا بفعل الناس له.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: غسل اللحية والعارض]
إذا
كان لا شعر على لحيته أو عارضيه، بأن كان أمرد، أو (أثط): وهو الذي لم
تخلق له لحية.. فإنه يجب عليه غسل جميع الوجه الذي تقدم حده؛ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6]. وهذه المواضع تقع بها المواجهة.
وإن
كان قد نبتت على لحيته وعارضيه شعر، فإن كان الشعر خفيفًا.. وجب تخليل
الشعر، وإيصال الماء إلى البشرة؛ لأن الواجهة تقع بذلك. وإن كان شعر لحيته
وعارضيه كثيفًا.. فالمستحب له: أن يخلل الشعر، ويوصل الماء إلى البشرة؛ لما
روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخلل لحيته».
ولا يجب عليه التخليل.
وقال المزني: وأبو ثور: (يجب عليه التخليل، وإيصال الماء إلى البشرة).
دليلنا: ما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ، فغرف غرفة، فغسل به وجهه». ومعلوم أنه بغرفة واحدة لا يصل الماء إلى باطن الشعر من اللحية مع كثافته، وقد «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيف شعر اللحية»، رواه علي بن أبى طالب في وصف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وإن
كان بعض لحيته خفيفًا، وبعضها كثيفًا.. وجب عليه إيصال الماء إلى ما تحت
الخفيف، ولا يجبُ إلى ما تحت الكثيف اعتبارًا بكل واحد منهما. واختلف
أصحابنا في حد الكثيف:
فمنهم من قال (الكثيف): هو الشعر الذي لا يصل الماء إلى باطنه إلا بمشقة.
ومنهم من قال: (الكثيف): هو الشعر الذي يستر بشرة اللحية أن ترى، وهذا هو المشهور.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: غسل شعور الوجه]
قال
الشيخ أبو حامد: فإن نبت له شعر تحت محاجر عينيه.. وجب عليه: إيصال الماء
إلى بشرته؛ لأنه نادر، وكذا إن نبت للمرأة لحية.. وجب: إيصال الماء إلى
بشرتها وإن كان الشعر كثيفًا؛ لأنه نادر.
ويجب إيصال الماء إلى باطن الأهداب، والحاجبين، والعذارين، والشارب، وإن كان شعرها كثيفًا. واختلف أصحابنا في علته:
فمنهم من قال: لأن الشعر يخف في هذه الموضوع في الغالب، فإذا كثف.. كان نادرًا، فيلحق بالغالب. وهذا هو الصحيح.
ومنهم من قال: يجب؛ لإحاطة بياض الوجه بهذه الشعور.
وأما
(العنفقة): وهو الشعر الذي على الشفة السفلى إلى اللحية، فإن كانت منفرجة
عن اللحية.. وجب إيصال الماء إلى بشرتها وإن كانت كثيفة، كما قلنا في هذه
الشعور.
وإن كانت العنفقة متصلة بشعر اللحية، فإن قلنا: العلة في تلك
الشعور أنها خفيفة في الغالب.. وجب هاهنا أيضًا؛ لهذه العلة. وإن قلنا: إن
العلة هناك إحاطة بياض الوجه بهن.. لم يجب إيصال الماء إلى باطنها؛ لفقد
هذه العلة. قال الصيدلاني: ولو خرجت سباله عن حد الوجه.. فالمذهب: أنه يجب
غسلها، وكذلك لو كان بوجهه سلعة وخرجت عن حد الوجه.. وجب غسلها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: استرسال اللحية]
وإن
نبتت له لحيه واسترسلت، ونزلت عن حد الوجه.. وجب غسل ظاهر الشعر الذي لم
ينزل عن الوجه. وفيما نزل عن حد الوجه طولًا وعرضًا.. قولان:
أحدهما: لا يجب إفاضة الماء على ظاهره؛ لأنه شعر لا يلاقي محل الفرض، فلم يكن محلا للفرض، كطرف شعر الذؤابة.
والثاني: يجب؛ لأنه شعر ظاهر نابت على بشرة الوجه، فأشبه شعر الحاجب.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لا يجب غسل داخل العينين]:
وأما إدخال الماء في العينين: فلا يجب؛ لأنه لم ينقل ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولًا، ولا فعلًا.
قال
الشيخ أبو حامد: وهو هيئة في الوضوء، وليس بسنة؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - قال: (إنما ذكرت المضمضة والاستنشاق دون غسل العين؛ للسنة،
ولأنهما يتغيران، فيزيل الماء تغيرهما، والعين لا تتغير).
ومن أصحابنا من قال: يستحب ذلك؛ لما روي: أن ابن عمر كان يغسل عينيه حتى عمي. والأول أصح.
قال ابن الصباغ: إلا أنه يستحب أن يمسح (مآقي العينين)، وهو: مخصرهما؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسح المأقين»، واحدهما: مأق، ويسمى: المؤق أيضًا، ولأنه قد يجتمع فيهما كحل أو رمص، فيزيل ذلك، ويصل الماء إليه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: فرضية غسل اليدين]
ثم يغسل يديه، وهو واجب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6].
وروي: «أن النبي لما توضأ.. غسل يديه»، وقال لأعرابي: «توضأ كما أمرك الله».
وأجمعت الأمة على وجوب غسلهما.
ويستحب أن يبدأ بيده اليمنى، ثم باليسرى؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا توضأتم.. فابدؤوا بميامنكم».
فإن بدأ باليسرى قبل اليمنى.. أجزاه، وبه قال عامة أهل العلم. وقال الفقهاء السبعة: لا يجزئه.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]. ولم يفرق.
قال
الصيمري: فإن كان هو الغاسل.. أخذ الماء بكفه، ثم أحدره إلى مرفقه مجريًا
له بكفه، وكذلك يفعل باليسرى. وإن كان غيره يصب الماء عليه.. أمره بالصب من
مرفقه إلى أطراف أصابعه، ويكون مجلس الصاب عن يساره.
ويجب إدخال المرفقين في الغسل، وهو قول كافة العلماء.
وقال زفر، وأبو بكر بن داود: هما حدان، فلا يجب إدخالهما في الغسل.
دليلنا: ما روى جابر: «أن النبي كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا توضأ.. أمر الماء على مرفقيه». وهذا منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج مخرج البيان؛ لما ورد به القرآن مجملًا.
قال المسعودي [في "الإبانة": ق \ 18] وفي (المرفق) قولان:
أحدهما: أنه مجتمع العظمين: عظم الساعد، وعظم العضد.
والثاني: أنه عظم الساعد، وإنما يغسل عظم العضد تبعًا.
ومن أصحابنا من قال: المرفق: مجتمع العظمين قولًا واحدًا.
وفي المرفق لغتان: يقال: مرفق، بكسر الميم وفتح الفاء. ويقال مرفق، بفتح الميم وكسر الفاء.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: ما طال من الأظفار]
وإن كانت له أظفار قد طالت، وخرجت عن حد اليد.. فهل يجب غسل ما خرج منها من حد اليد؟
من أصحابنا من قال: فيه قولان، كاللحية المسترسلة.
ومنهم من قال: يجب غسل ذلك قولًا واحدًا؛ لأن ذلك نادر، بخلاف اللحية.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]]فرع: غسل العضو الزائد]
إذا كانت له أصبع زائدة، أو كف زائد في كفة أو ذراعه.. وجب غسلهما؛ لأنهما في محال الفرض.
وإن
كانت له يد زائدة، فإن كان أصلها في محال الفرض.. وجب غسلها مع اليد؛
لأنها في محل الفرض.. وإن كان أصلها في منكبه أو عضده، فإن كانت قصيرة لم
تحاذ شيئًا من محال الفرض.. لم يجب غسلها. وإن كان فيها شيء قد حاذى محل
الفرض.. فهل يجب غسل ما حاذى منها محل الفرض مع اليد؟ فيه وجهان، حكاهما
ابن الصباغ:
أحدهما: وهو المشهور -: أنه يجب؛ لأنه يقع عليها اسم اليد.
والثاني: لا يجب؛ لأن أصلها في غير محل الفرض، وهي تابعة له.
وما
قاله الأول من: أنه يقع عليها اسم اليد؛ يبطل بها إذا كانت قصيرة لم تحاذ
من محال الفرض، فإنه يقع عليها اسم اليد، ومع هذا فلا يجب غسلها.
وإن كان لها يدان متساويان على منكب أو مرفق.. وجب غسلهما؛ لوقوع اسم اليد عليهما.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الجلد المنكشط]
وإن
انكشطت منه جلدة، وتدلت من محل الفرض في اليد.. وجب غسلها مع اليد، سواء
انكشطت من محل الفرض وتدلت منه، أو انكشطت من العضد، وبلغت إلى المرفق أو
الساعد فتدلت منه؛ لأنها صارت تابعة لما نزلت منه.
وإن تدلت من العضد..
لم يجب غسلها، سواء انكشطت من العضد وتدلت منه، أو انكشطت من محل الفرض
وبلغت إلى العضد؛ لأنها صارت تابعة للعضد.
وهكذا إن انكشطت من الساعد أو
العضد، والتزقت بالآخر.. وجب غسل ما حاذى منها محل الفرض، ولا يجب غسل ما
علا العضد؛ لأن ما علا محل الفرض تابع له، فوجب غسله، وما علا العضد تابع
له، فلم يجب غسله.
وإن سقط طرفها من أحدهما والتحم بالأخرى، وبقي ما
تحتها متجافيا.. وجب غسل ما تحتها متجافيا من محل الفرض، ووجب غسل ما حاذى
محل الفرض من الجلدة وإن كان متجافيا؛ لأنه تابع له.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: العضو المبان بعضه]
وإن
كان أقطع اليد، فإن كان مقطوعًا من دون المرفق.. وجب غسل ما بقي من الساعد
مع المرفق. وإن كان مقطوعًا من فوق المرفق.. فلا فرض عليه، ويستحب له أن
يمس ما بقي.. من العضد ماء حتى لا يخلو العضو من الطهارة.
وإن كان
مقطوعًا من المرفقين.. فنقل المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أنه لا فرض
عليه)، ونقل الربيع: (أنه يجب عليه غسل ما بقي من المرفقين). واختلف
أصحابنا في ذلك:
فقال أكثر البغداديين من أصحابنا: غلط المزني في نقله، وأجاب في هذه المسألة بجواب المسألة قبلها.
ومنهم من قال: بل ما نقله المزني صحيح أيضًا، وأراد بقوله: (من المرفقين)، أي: مع المرفقين.
وقال الخراسانيون: في المسألة قولان، واختلفوا في أصل القولين:
فمنهم من قال: أصلهما القولان في المرفق:
أحدهما: أنه مجتمع العظمين: عظم الساعد، وعظم العضد، وهو المشهور.
فعلى هذا: يجب عليه غسل عظم العضد.
والثاني: أن المرفق عظم الساعد.
فعلى هذا: لا يجب غسل عظم العضد.
ومنهم من قال: المرفق: هو مجتمع العظمين، وإنما هل يغسل عظم العضد تبعًا، أو قصدًا؟ وفيه قولان:
فإن قلنا: يجب غسله قصدًا.. وجب غسله هاهنا.
وإن قلنا: يجب غسله تبعًا.. لم يجب غسله هاهنا. وكل موضع قلنا: لا يجب غسله.. استحب له أن يمسه ماء؛ حتى لا يخلوا العضو من الطهارة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: شرعية استعانة الأقطع]
فإن
وجد الأقطع من يوضئه بأجرة المثل، وهو قادر عليها.. لزمه ذلك، كما يلزمه
شراء الماء بثمن المثل. وإن بذل له غيره توضيئه بغير أجرة.. قال الصيدلاني:
لزمه ذلك؛ لأن عليه التسبب إلى أداء الصلاة.
وإن لم يجد من يوضئه
بأجرة، ولا بغير أجرة.. صلى على حسب حاله، وأعاد إذا قدر، كما لو لم يجد
ماء ولا ترابًا. وإن كان معسرًا بالأجرة.. صلى على حسب حاله وأعاد؛ لأنه
نادر.
وإن توضأ، ثم قطعت يده.. لم يلزمه غسل ما ظهر عن الحدث. وكذلك لو مسح رأسه، ثم حلقه.. لم يلزمه مسح ما ظهر.
وقال
محمد بن جرير الطبري: يبطل مسح الرأس، كما يبطل مسح الخف. دليلنا: أن
الطهارة لم تتعلق بموضوع القطع، وإنما كانت متعلقة بما ظهر من اليد، وقد
غسله؛ ولأن ما ظهر ليس ببدل عما تحته، فهو كما لو غسل يده، ثم كشط جلدها.
فإن أحدث بعد ذلك.. لزمه غسل ما ظهر بالقطع. وكذلك إن حصل في بعض أعضاء الطهارة ثقب.. لزمه غسل باطنه؛ لأنه صار ظاهرًا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: سنية تحريك الخاتم]
قال
ابن الصباغ: وإذا كان في إصبعه خاتم.. فيستحب أن يحركه مع علمه بوصول
الماء إلى ما تحته، إلا أن يكون الخاتم واسعًا، فلا يحتاج إلى التحريك؛ لما
روى أبو رافع: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا توضأ.. حرك خاتمه في أصبعه».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: فرضية مسح الرأس]
ثم يمسح رأسه، وهو واجب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6]. ولأن كل من وصف وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: مسح رأسه.
وأجمعت الأمة على وجوبه. ثم الكلام فيه في ثلاثة فصول: في قدر الواجب، والمستحب، والتكرار.
فأما قدر الواجب منه.. ففيه وجهان:
أحدهما: من أصحابنا من قال: الواجب مسح ثلاث شعرات، كما قلنا في الحلق في التحلل من الإحرام.
والمذهب:
أنه لا يتقدر، بل لو مسح ما يقع عليه اسم المسح ولو بعض شعره.. أجزأه؛ لأن
الله تعالى أمر بالمسح، وأقله ما يقع عليه الاسم. هذا مذهبنا.
وقال مالك، والمزني، وأحمد - في إحدى الروايتين -: (يجب مسح جميعه).
وقال محمد بن مسلمه: إن ترك الثلث.. جاز. وهي الرواية الثانية عن أحمد. وقال بعض أصحاب مالك: إن ترك اليسير منه ناسيًا.. جاز.
وعن أبى حنيفة ثلاث روايات:
إحداهن: (الواجب مسح قدر ربعه).
والثانية: (الواجب مسح قدر الناصية).
والثالثة: (الواجب مسح قدر ثلاث أصابع بثلاث أصابع).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6]. والباء: للتبعيض.
وروى المغيرة بن شعبة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح بناصيته، وعلى عمامته».
وهذا يبطل قول من أوجب مسح الكل، ويبطل التقدير الذي قدره أبو حنيفة بالربع، فإن الناصية ما بين النزعتين، وهو ما دون الربع.
أما
المستحب: فهو أن يمسح جميعه، ويجعل الماء في كفيه، ثم يرسله، ثم يضع
إبهاميه على صدغيه، وسبابتيه على مقدم رأسه، ثم يذهب بيده إلى قفاه، ثم
يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه؛ لما روي: (أن عبد الله بن زيد وصف وضوء
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوصف: أنه مسح رأسه كما
ذكرنا)؛ ولأن منابت الشعر مختلفة، ففي ذهابه يقع المسح على باطن شعر مقدم
رأسه وعلى ظاهر مؤخره، وفي رد يديه يقع على باطن مؤخره وظاهر مقدمه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: ما يقوم بدل المسح]
وإن وضع إصبعه على رأسه ولم يمرها عليه، أو قطر على رأسه ماء، أو غسل رأسه مكان المسح.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجزئه، وهو اختيار القفال؛ لأنه لم يمسح.
والثاني: يجزئه، وهو الأصح؛ لأنه قد حصل فيه المسح وزيادة في الغسل.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: مسح المحلوق والأصلع]
فإن كان محلوقا أو أصلع، فمسح على البشرة.. أجزأه؛ لأنه مسح على ما يقع عليه اسم الرأس.
وإن كان له شعر قد نزل عن حد الرأس، فمسح على ما نزل عن حد الرأس منه.. لم يجزئه؛ لأنه لا يقع عليه اسم الرأس.
وإن رد الشعر النازل عن حد الرأس إلى وسط الرأس، ومسح عليه هناك.. لم يجزئه أيضًا؛ لأنه كالعمامة.
وإن كان له شعر قد زايل منبته، إلا أنه لم ينزل عن حد الرأس، فمسح على ما زايل منبته.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجزئه؛ لأنه مسح على شعر في غير منبته، فهو كما لو مسح على الشعر النازل عن حد الرأس.
والثاني: يجزئه، وهو المذهب؛ لأنه مسح على ما يقع عليه اسم الرأس، فهو كما لو مسح على رؤوس الشعر الذي لم يزايل منبته.
فإذا قلنا بهذا، ولم يمسح على الشعر، بل مسح على البشرة التي تحت هذا الشعر.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان:
أحدهما: قال الشيخ أبو حامد: لا يجزئه؛ لأنه لم يمسح على ما برأس.
قال
ابن الصباغ: وإنما هذا يتصور أن يمسح أصول الشعر دون أعلاه، وإلا فمتى كان
تحت الشعر بشرة لا شعر عليها، وإنما عليها شعر غيرها.. جاز المسح عليها،
كما لو كانت مكشوفة.
والثاني: قال أكثر أصحابنا: يجزئه؛ لأنه محل للمسح، بدليل أنه لو لم يكن عليه شعر، فمسح عليه.. أجزأه.
وإن
كان بعض رأسه محلوقًا، أو أصلع وعلى بعضه شعر لم ينزل عن منبته، فإن مسح
على المحلوق أو الأصلع.. أجزأه، وإن مسح على الشعر الذي لم ينزل عن منبته..
أجزأه؛ لأن كل واحد منهما محل للمسح، فيخير بينهما.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: المسح على العمامة]
فإن كان على رأسه عمامة، ولم يرد نزعها.. فالمستحب: أن يمسح بناصيته، ويتم المسح على العمامة؛ لما روى المغيرة بن شعبة: أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح بناصيته، وعلى عمامته».
فإن اقتصر على مسح العمامة.. لم يجزئه، وبه قال مالك، وأبو حنيفة.
وقال الثوري، والأوزاعي، وأحمد، وداود: (يجوز)، إلا أن أحمد والأوزاعي قالا: (إنما يجوز إذا لبسها على طهارة، كالخف).
وقال بعض أصحاب أحمد: إنما يجوز إذا كانت تحت الحنك.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[المائدة: 6]. والعمامة لا يقع عليها اسم الرأس؛ ولأنه عضو لا يلحقه
المشقة في إيصال الماء إليه.. فلم يجز المسح على حائل منفصل عنه، كالوجه
واليد.
فقولنا: (لا يلحقه المشقة في إيصال الماء إليه) احتراز من الخف والجبيرة.
وقولنا: (على حائل منفصل عنه) احتراز من مسح الشعر النابت على الرأس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: استحباب تكرار مسح الرأس]
وأما تكرار مسح الرأس: فاختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب:
فـالأول: ذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إلى أن السنة: أن يمسحه ثلاثًا، كل مرة بماء جديد). وروى ذلك عن أنس، وهو قول عطاء.
والثاني:
قال الحسن، ومجاهد، ومالك، وأبو حنيفة، والثوري، وأحمد وأبو ثور: (السنة:
أن يمسحه مرة واحدة). وهو اختيار الشيخ أبي نصر البندنيجي صاحب " المعتمد
".
و الثالث قال ابن سيرين: يمسحه مرتين، مرة فرضًا، ومرة سنة.
دليلنا: ما روى أبي بن كعب: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: توضأ مرة مرة، وقال: هذا
وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، ثم توضأ مرتين مرتين، وقال: من توضأ
مرتين مرتين.. آتاه الله أجره مرتين، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: هذا
وضوئي، ووضوء الأنبياء من قبلي، ووضوء خليلي إبراهيم». ولم يفرق بين الرأس وغيره؛ ولأنه أحد أعضاء الطهارة، فسن فيه التكرار، كسائر الأعضاء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: سنية مسح الأذنين]
ثم يمسح أذنيه ظاهرهما، وباطنهما.
قال الصيمري: وظاهرهما: مما يلي الرأس، وباطنهما: مما يلي الوجه ليس الصماخين؛ لما روى المقدام بن معدي كرب: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ، فمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصبعيه في صماخي أذنيه» قال صاحب "الفروع": ويدخل أصبعيه في صماخي أذنيه، ويمر اليد مع تلك البلة على عنقه، وقد قيل: يعود إلى الصماخين بماء.
وقد اختلف الناس في الأذنين، على خمسة مذاهب:
فـالأول:
ذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى: (أنهما ليستا من الوجه فلا يغسلان
معه، ولا من الرأس فلا يمسحان معه، وإنما هما عضوان منفردان، فيأخذ لهما
ماء جديدا غير الذي مسح به الرأس). وروي ذلك عن ابن عمر، والحسن، وعطاء.
والثاني: ذهب مالك، وأحمد: (إلى أنهما من الرأس، إلا أنه يأخذ لهما ماء غير الماء الذي مسح به الرأس). فوافقانا في الحكم دون الاسم.
والثالث ذهب أبو حنيفة، وأصحابه: (إلى أنهما من الرأس... فيمسحان بالماء الذي مسح به الرأس). فخالفونا في الاسم والحكم.
والرابع
قال الزهري: هما من الوجه، فيجب غسلهما مع الوجه. وحكى الشاشي: أن أبا
العباس بن سريج كان يغسل أذنيه مع الوجه، ويمسحهما مع الرأس احتياطًا. وهذا
ليس بمشهور عنه.
والخامس قال الشعبي، والحسن بن صالح، وإسحاق: ما أقبل منهما من الوجه فيغسل مع الوجه، وما أدبر منهما مع الرأس فيمسح معه.
دليلنا: ما روى عبد الله بن زيد بن عاصم ـ وليس بصاحب الأذان ـ من " التعليقة " لعطاء: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: توضأ، فمسح أذنيه بماء غير الماء الذي مسح به رأسه»؛ ولأن كل ما لم يجز مسحه عن مسح الرأس، انفرد بحكمه، كالجبهة.
ومسحهما: سنة غير واجب؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأعرابي: «توضأ كما أمرك الله». ولم يأمر الله بمسحهما.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: فرضية غسل الرجلين]
ثم يغسل رجليه ـ وهو واجب ـ في قول أكثر العلماء.
وقالت الإمامية ـ من الرافضة ـ: يجب مسحهما، ولا يجزئ غسلهما.
وقال ابن جرير الطبري: هو مخير بين أن يغسلهما، وبين أن يمسحهما.
وقال بعض أهل الظاهر: يجب عليه أن يجمع بين غسلهما ومسحهما.
دليلنا قولة تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] بنصب قوله: (وأرجلكم)، فتكون عطفًا على الغسل.
وقراءة من قرأ بخفض (وأرجلكم)، فإنما هو جر بالجوار، لا بحكم العطف. كما قال الشاعر:
فظل طهاة اللحم من بين منضجٍ ** صفيف شواءٍ أو قديرٍ معجل.
فجر: أو (قديرٍ) بالجوار مع واو العطف. وتقول العرب: (هذا جحر ضب خربٍ).
ولأن كل من وصف وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قالوا: غسل رجليه، ولم يذكر أحد منهم: أنه مسحهما. وقال جابر: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا توضأنا أن نغسل أرجلنا».
قال
الصيمري: فإن كان هو الغاسل بنفسه، بدأ بصب الماء من أطراف أصابعه إلى
كعبيه. وإن كان غيره هو الغاسل له، صب الماء من كعبيه إلى أطراف أصابعه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الكعبان من الرجلين]
ويجب إدخال الكعبين في الغسل.
وقال زفر بن الهذيل، وأبو بكر بن داود: هما حدان، فلا يجب إدخالهما في الغسل.
دليلنا قولة تعالى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. قال أهل التفسير: مع الكعبين.
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ويل للأعقاب من النار» يعني: التي لم يصبها الماء.
و (الكعبان): هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم.
وقال محمد بن الحسن، وبعض أصحاب الحديث: الكعبان: هما العظمان الناتئان في ظهر القدم موضع الشراك.
دليلنا: قولة تعالى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، ولم يرد به حد جميعهما؛ لأنه لو أراد ذلك لقال: إلى الكعاب، كما قال تعالى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}
[المائدة: 6]. فدل على: أنه أراد حد الرجل الواحدة، وليس للرجل الواحدة
كعبان إلا على ما قلنا، وعلى قولهم لا يكون لها إلا كعب واحد.
وروى النعمان بن بشير قال: «أقبل
علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوجهه، وقال:
أقيموا صفوفكم. فلقد رأيت الرجل منا يلصق كعبه بكعب صاحبه، ومنكبه بمنكبه». وهذا لا يكون إلا على ما قلناه.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: وجوب تخليل الأصابع الملتوية]فإن
كانت أصابعه ملتفة لا يصل الماء إلى باطنها إلا بالتخليل... وجب عليه
إيصال الماء إلى باطنها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خللوا بين أصابعكم، لا يخلل الله بينها النار».
وإن كانت منفرجة يصل الماء إليها من غير تخليل.. استحب له التخليل بينها؛
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للقيط بن صبره: «وخلل بين الأصابع».
وكيفية
استحباب التخليل: أن يبدأ بخنصر رجله اليمنى، ويختمها بإبهامها، ويبدأ
بإبهام رجله اليسرى، ويختمها بخنصرها، ويكون ذلك من أسفل الرجل في باطن
القدم.
وإن خلقت أصابعه مرتتقة، فلا يجب عليه أن يفتقها.
ويستحب له أن يغسل فوق المرفقين، وفوق الكعبين؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تأتي أمتي يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل».

وأما الطهارة: فإن قلنا: يجوز تفريق الوضوء، مسح رأسه، وغسل رجليه، وإن قلنا: لا يجوز التفريق، استأنف الطهارة. وبالله التوفيق.

يتبــــــــــــــــــــع

.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Uo_ouo10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 7:19 pm


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: تكرار الغسل في الوضوء]
والواجب في الوضوء الغسل والمسح مرة مرة، والمرتان فضيلة، والثلاث سنة، والزيادة على ذلك مكروهة.
وقال بعض الناس: الثلاث واجبة.
وقال مالك: (السنة: مرة مرة).
دليلنا: ما روى أبي بن كعب: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ مرة مرة، وقال: هذا
وضوء، لا يقبل الله الصلاة إلا به ثم توضأ مرتين مرتين، وقال: من توضأ
مرتين.. آتاه الله أجره مرتين، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: هذا وضوئي،
ووضوء الأنبياء قبلي، ووضوء خليلي إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.» ففي الخبر دليل على الفريقين. وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده: أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ثلاثًا
ثلاثًا، وقال: هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم».
فمعنى قوله: (فقد أساء): لمخالفته السنة إذا نقص عن الثلاث.
ومعنى قوله: (ظلم): إذا زاد عليها، يعني جاوز الحد؛ لأن الظلم: مجاوزة الحد، وهي إساءة وظلم لا تقتضي العصيان والإثم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: وجوب الترتيب في الوضوء]
ويجب الترتيب في الوضوء مع الذكر، وهو: أن يبدأ بغسل وجهه، ثم بيديه، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه، وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
فإن نسي الترتيب فهل يجزئه؟ فيه قولان، كما لو نسي الفاتحة حتى ركع، الصحيح: لا يجزئه.
وذهبت
طائفة إلى: أن الترتيب ليس بواجب، وروي ذلك عن علي، وابن مسعود. وبه قال
سعيد بن المسيب، والحسن، وعطاء، والزهري، والنخعي، ومكحول. والأوزاعي،
ومالك، وأبو حنيفة، وداود، والمزني. وهو اختيار الشيخ أبي نصر في " المعتمد
".
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]
قلنا: من هذه الآية أدلة:
منها قَوْله تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6]، والفاء: للتعقيب، فمن قال: إنه يبدأ بغسل اليد، فقد خالف ظاهر القرآن.
والثاني:
أن الله تعالى، بدأ بالوجه، ثم باليد بعده، والرأس أقرب إلى الوجه، فلو
جازت البداية بالرأس لذكره بعد الوجه؛ لأنه أقرب إليه.
والثالث: أنه أدخل مسح الرأس بين غسل اليدين، وغسل الرجلين، وقطع النظير عن نظيره، فدل على: أنه قصد إيجاب الترتيب.
وروى أبي بن كعب: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: توضأ
مرتبًا مرة مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به.» ولأنها عبادة
تشتمل على أفعال متغايرة في أصل وضعها، يرتبط بعضها ببعض، فوجب فيها
الترتيب، كالصلاة والحج.
فقولنا: (تشتمل على أفعال) احتراز من الخطبة، فإنها تشتمل على أقوال متغايرة، ولا يجب فيها الترتيب.
وقولنا: (متغايرة) ـ يعني: نفلا وفرضًا، ومغسولا وممسوحًا ـ احتراز من غسل الجنابة والنجاسة، والعضو الواحد في الوضوء.
وقولنا:
(في أصل وضعها) احتراز ممن وضع الجبيرة على بعض العضو، فإنه لا يجب عليه
الترتيب بين المسح على الجبيرة، وغسل الصحيح من العضو؛ لأن المسح لم يجب في
أصل وضع الطهارة على جميع الناس.
وقولنا: (يرتبط بعضها ببعضٍ) احتراز من جلد البكر وتغريبه في الزنا؛ فإنه لو تقدم التغريب على الجلد أجزأه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: استحباب الولاء]
ويوالي بين أعضائه، فإن فرق تفريقًا يسيرًا لم يضر؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه.
وإن فرق تفريقًا كثيرًا فهل تصح طهارته؟ فيه قولان:
الأول:
قال في القديم: (لا تصح طهارته). وبه قال عمر؛ لما روى خالد بن معدان، عن
رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلا على قدمه لمعة قدر درهم، لم
يصبها الماء، فأمره بإعادة الوضوء، والصلاة».
ولأنها
عبادة يبطلها الحدث، فأبطلها التفريق الكثير، كالصلاة. أو عبادة يرجع إلى
شطرها مع العذر، فكانت الموالاة شرطًا فيها، كالصلاة، وفيها احتراز من
تفرقة الزكاة.
والثاني: قال في الجديد: (تصح طهارته). وبه قال ابن عمر، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وهو الصحيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6]. فأمر بغسل هذه الأعضاء، والأمر يقتضي إيجاد المأمور به، سواء أوجده متواليًا أو متفرقًا.
وروى ابن عمر: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ في السوق، فغسل وجهه
ويديه، ومسح برأسه فدعي إلى جنازة، فأتى المسجد، فدعا بماء، فمسح على خفيه
وصلى عليها».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وبين ذهابه من
السوق إلى المسجد تفريق كثير)؛ ولأنها عبادة لا يبطلها التفريق اليسير، فلم
يبطلها التفريق الكثير، كالحج، وتفرقة الزكاة. وفيه احتراز من أفعال
الصلاة.
واختلف أصحابنا في موضع القولين:
فمنهم من قال: القولان إذا
فرق لغير عذر، فأما إذا فرق لعذر، بأن ينقلب الوضوء، فيمضي في طلبه، أو ما
أشبه ذلك، فيجوز قولا واحدًا. وهو قول مالك، والليث، وأحمد، واختاره
المسعودي [" في الإبانة " ق\19].
ومنهم من قال: القولان في الجميع، وهو نقل البغداديين من أصحابنا.
واختلف أصحابنا في حد التفريق الكثير:
فذهب
أكثرهم إلى: أن حده هو: أن يجف الماء على العضو قبل أن يغسل ما بعده، في
زمان معتدل، مع استواء الحال، ولا اعتبار بشدة الحر والريح، فإن الجفاف
يسارع فيهما، ولا بشدة البرد، فإن الجفاف يبطئ فيه. ويعتبر: استواء حال
المتوضئ، فإنه إذا كان محموما، فإن الجفاف يسارع إليه لأجل الحمى.
ومنهم من قال: التفريق الكثير: هو التطاول المتفاحش.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: عدم الموالاة بين الغسل والتيمم]
وإن فرق في الغسل والتيمم تفريقًا كثيرًا، فهل يبطل؟
قال ابن الحداد، وابن القاص: لا يبطل قولا واحدًا.
وقال أكثر أصحابنا: هو على قولين: كالوضوء، وهو الأصح.
فإذا فرق تفريقًا كثيرًا، وقلنا بقوله القديم، لزمه استئناف الطهارة، ولا كلام.
وإن قلنا بقوله الجديد، لم يلزمه استئناف الطهارة، ولكن هل يلزمه استئناف النية؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه، لأن النية قد انقطعت بطول الزمان.
والثاني: لا يلزمه.
قال ابن الصباغ: وهو الأظهر، لأن التفريق إذا جاز، لم ينقطع حكم الأول.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: ما يقال عقب الوضوء]
والمستحب:
لمن فرغ من الوضوء: أن يستقبل القبلة، ويقول ما روى عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من
توضأ، فأحسن وضوءه، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له،
وأن محمدًا عبده ورسوله ـ صادقًا من قلبه ـ اللهم اجعلني من التوابين،
واجعلني من المتطهرين، فتح الله له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أي باب
شاء».
ويقول ما روى أبو سعيد الخدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من
توضأ، ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك
وأتوب إليك، كتب في رق، وطبع عليها بطابع، فلم يكسر إلى يوم القيامة» أي: ختم بخاتم.
قال أبو علي في "الإفصاح": ويستحب له ألا ينفض يده، لما روي: أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم،
فإنها مراوح الشيطان».
قال ابن الصباغ: وقد روت ميمونة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغتسل، فجعل ينفض يديه».
ولما فرغ الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من ذكر الوضوء، قال: (وذلك أكمل الوضوء إن شاء الله).
فإن
قيل: أفتراه كان شاكا فيما ذكر؟ والمشيئة تكون في المستقبل لا في الماضي،
لا يقول الرجل: قمت إن شاء الله، وإنما يقول: أقوم إن شاء الله.
فعن ذلك جوابات:
الأول: قيل: أي ذلك أكمل الوضوء بمشيئة الله تعالى، أي: إن شاء الله تعالى أن يكون هذا أكمل الوضوء.
والثاني:
قيل: هذه الجملة مشتملة على المفروضات والمسنونات، وليس يقطع على الله
بصحة جميعها، ولا أنه على يقين من سائرها، فلهذا حسُن أن يقول: إن شاء
الله.
و الثالث قيل: لأن من الناس من خالفه في أكمل الوضوء، لأن بعضهم
يرى أن يجعل شيء من الماء فيما يلي حلقه ومؤخر الرأس، وكان ابن عمر يدخل
الماء في عينيه.
و الرابع قيل: ليس يعود إلى الأكمل، لكن تقدير الكلام:
وذلك أكمل الوضوء الذي من فعله.. حاز الفضل ورجا الثواب من الله إن شاء
الله تعالى.
و الخامس قيل: معناه المستقبل لا الماضي، أي: الذي وصفته هو الكمال فتوضؤوا كذلك إن شاء الله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: القول في تنشيف الأعضاء]
وأما
تنشيف الأعضاء من بلل الوضوء والغسل: قال أصحابنا البغداديون: فلا خلاف
أنه جائز، ولا خلاف أنه ليس بمستحب، ولكن هل يكره؟ اختلف الصحابة فيه على
ثلاثة مذاهب:
فـالأول: روي عن عثمان، وأنس وبشير بن أبي مسعود، والحسن
بن علي، أنهم قالوا: (لا بأس به في الوضوء والغسل)، وهو قول مالك، والثوري،
لما روى قيس بن سعد، قال: «أتانا رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوضعنا له غسلا فاغتسل، ثم أتيناه
بملحفة ورسية، فالتحف بها، فرأيت أثر الورس على عكنه»، وروي «على كتفه».
والثاني: روي عن عمر: أنه كرهه في الوضوء والغسل، وبه قال ابن أبي ليلى، لما روت ميمونة، قالت: «دخل
علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوضعت له غسلا
فاغتسل، فلما فرغ ناولته المنديل، فلم يأخذه، وجعل ينفض يديه».
و الثالث قال ابن عباس: (لا بأس به في الغسل دون الوضوء).
قال
أصحابنا: وليس للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه نص، والذي يقتضيه المذهب:
أنه لا يحرم فعله، لحديث قيس بن سعد، والأولى أن يتركه، لحديث ميمونة،
ولأنه أثر عبادة، فاستحب تركها، كخلوف فم الصائم.
وقال المسعودي [في الإبانة: ق\19] هل يستحب المسح بالخرقة؟ فيه وجهان.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: واجبات وسنن الطهارة]
قال أصحابنا: الطهارة تشتمل على واجبات، ومسنونات، وهيئات.
فالواجبات:
ما كان شرطًا في الطهارة، وذلك ستة أشياء، لا خلاف فيها على المذهب، وهي:
النية، وغسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح بعض الرأس، وغسل الرجلين، والترتيب،
وفي السابع ـ وهو الموالاة ـ قولان.
وأما المسنونات: فكل ما كان ليس بشرط في الطهارة، ولكنه راتب فيها، وهي أشياء:
المضمضة،
والاستنشاق، وتخليل اللحية، واستيعاب مسح الرأس، ومسح الأذنين والعنق،
والدفعة الثانية والثالثة، والبداية باليمين، وفي التسمية وغسل الكفين قبل
إدخالهما في الإناء وجهان:
أحدهما: أنهما سُنَّة، والثاني: أنهما هيئة.
وأما الهيئات: فرتبتها دون رتبة المسنونات، وذلك كتخليل الأصابع، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق، وتطويل الغرة.
ويدعو عند غسل الوجه، فيقول: اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه.
وعند غسل اليد اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني.
وعند غسل اليد اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، ولا من وراء ظهري، ولا تغلل يدي إلى عنقي.
وعند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشري على النار.
وعند مسح الأذنين: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وعند غسل الرجلين: اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الشك بعد انتهاء الوضوء]
إذا فرغ من الطهارة، ثم شك: هل مسح رأسه، أو غسل عضوًا من أعضاء الطهارة؟ ففيه وجهان:
أحدهما
قال الشيخ أبو حامد: لا تأثير لهذا الشك، لأن الشك الطارئ بعد الفراغ من
العبادة لا تأثير له، كما لو فرغ من الصلاة، ثم شك: هل ترك رُكنًا منها؟
والثاني:
قال ابن الصباغ: لهذا الشك تأثير، كما لو طرأ عليه الشك في أثناء الطهارة،
ولأن الطهارة تقصد للصلاة، ولهذا: ظهور أصلها بعد الفراغ منها،
كظهوره قبل الفراغ منها، وهو الماء، ولأنا لو لم نجعل لهذا الشك تأثيرًا لأدى إلى أن يدخل في الصلاة بطهارة مشكوك فيها.
ومن قال بالأول، قال: لا يمتنع ذلك، كما لو توضأ وشك: هل أحدث أم لا؟ فإنه يجوز له الدخول في الصلاة بطهارة مشكوك فيها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الشك في الطهارتين]
وإن
توضأ عن حدث فصلى به الظهر، ثم أحدث وتوضأ، فصلى به العصر، ثم تيقن أنه
ترك مسح الرأس، في إحدى الطهارتين، ولا يعلم عينها، وجب عليه إعادة
الصلاتين، لأنه تيقن أن إحداهما لم تسقط عنه فلزمه إعادتهما، ليسقط الفرض
عنه بيقين.
وأما الطهارة: فإن قلنا: يجوز التفريق في الطهارة، مسح رأسه، وغسل رجليه، وإن قلنا: لا يجوز التفريق استأنف الطهارة.
فلو
لم يحدث بعد الظهر، ولكن جدد الطهارة للعصر، ثم تيقن أنه ترك مسح الرأس في
إحدى الطهارتين، قال الشيخ أبو حامد: لزمه إعادة الظهر، لأنه يشك: هل
صلاها بطهارة صحيحة أو فاسدة، فلا يسقط عنه بالشك.
وأما العصر: فإن
قلنا: إن من توضأ لمندوب، مثل: قراءة القرآن، والجلوس في المسجد، أو لتجديد
الطهارة، يرتفع حدثه، لم يلزمه إعادة العصر.
وإن قلنا: لا يرتفع حدثه، أعاد العصر أيضًا، وما حكم الطهارة على هذا الوجه؟
إن قلنا: يجوز تفريق الوضوء، مسح رأسه وغسل رجليه.
وإن قلنا: لا يجوز التفريق، استأنف الطهارة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: رفع الحدث بتجديد الوضوء]
وإن
توضأ للصبح عن حدث فصلاها، ثم جدد الطهارة للظهر فصلاها، ثم أحدث فتوضأ
للعصر فصلاها، ثم جدد الطهارة للمغرب فصلاها، ثم أحدث وتوضأ للعشاء فصلاها،
ثم تيقن أنه ترك مسح الرأس في إحدى الطهارات ولا يعرف عينها.
فإن قلنا: إن تجديد الطهارة يرفع الحدث، صحت له صلاة الظهر والمغرب، ووجب عليه إعادة الصبح والعصر والعشاء.
وإن قلنا: إن التجديد لا يرفع الحدث، أعاد جميع الصلوات.
وأما الطهارة: فإن قلنا: يجوز تفريق الوضوء، مسح رأسه، وغسل رجليه، وإن قلنا: لا يجوز التفريق، استأنف الطهارة. وبالله التوفيق.



يتبــــــــــــــــــــع



.



كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110



كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Uo_ouo10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 7:24 pm


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب المسح على الخفين]
يجوز المسح على الخفين في الوضوء، وروي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وقالت الشيعة، والخوارج:
لا يجوز المسح على الخفين، وهو قول أبي بكر بن داود.
وروي عن مالك في ذلك روايات:
إحداهن: (يجوز المسح عليه مؤقتًا) كقول الشافعي الجديد.
الثانية: (أنه أجاز المسح عليه أبدًا) كقول الشافعي القديم.
الثالثة: (أنه يمسح عليه في الحضر دون السفر).
الرابعة: (أنه يمسح عليه في السفر دون الحضر) وهي الصحيحة عنه.
والخامسة: (أنه كره المسح على الخفين).
السادسة: رواية رواها ابن أبي ذئب عنه: (أنه أبطل المسح في آخر أيامه). كقول الشيعة.
دليلنا: ما روى بلال: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه ومسح على خفيه».
وروى المغيرة بن شعبة: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الخفين، فقلت: يا
رسول الله، أنسيت، لم تخلع الخفين؟ فقال: بل أنت نسيت، بهذا أمرني ربي عز
وجل». وهذا أمر اختيار، لا أمر إلزام.
وروي عن الحسن البصري، أنه قال: «حدثني سبعون من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه مسح على الخفين».
ولأن الحاجة تدعو إلي لبسه، وتلحقه المشقة في نزعه، فجاز المسح عليه، كالجبائر.
إذا
ثبت هذا: فإن الشيخ أبا نصر قال في " المعتمد ": غسل الرجلين أفضل من
المسح على الخفين، على قياس قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال
الشعبي، والحكم، وحماد: المسح على الخفين أفضل من الغسل، لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه».
دليلنا: أن الغسل أصل، والمسح بدل منه، فكان أفضل منه.
وأما الخبر: فإنما هو حث على ألا يترك الرخصة رغبة عنها.
ولا يجوز مسح الخفين في الغسل الواجب، كغسل الجنابة، والحيض، لما روى صفوان بن عسال المرادي: قال: «كان
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا كنا مسافرين ـ
أو سفرًا ـ ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من
غائط أو بول، أو نوم ثم نحدث بعد ذلك وضوءًا»، ولأن الغسل يندر، فلم تدع الحاجة إلى مسح الخفين فيه.
ولا يجوز المسح على الخفين في الغسل المسنون، كغسل الجمعة والعيدين، أي: لا يحكم له بصحة الغسل، لأنه يندر، فهو كغسل الجنابة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: توقيت المسح]

روى الزعفراني: أن الشافعي قال في العراق: (يجوز المسح على الخفين من غير
توقيت)، وروي ذلك عن عمر، وابن عمر، وعائشة، وبه قال الليث.
ووجهه: ما «روي
عن أُبي بن عمارة بكسر العين، من المؤتلف والمختلف، وقال في الاستيعاب:
هو بضم العين عُمارة: أنه قال: يا رسول الله، أمسح على الخف؟ قال: نعم،
قلت: يومًا، قال: نعم، إلى أن بلغ سبعًا، قال: نعم وما بدا لك».
ولأنه مسح بالماء فلم يتوقت كمسح الرأس.
قال
الزعفراني: ورجع الشافعي عن هذا قبل رحلته من عندنا إلى مصر، وقال: (يمسح
المقيم يومًا وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن)، وبه قال علي بن أبي
طالب، وابن عباس، وابن مسعود، وهو قول عطاء، وشريح، والأوزاعي، والثوري،
وأبي حنيفة، وأصحابه، وهو الأصح، لما روى أبو بكرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص للمقيم يومًا وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن»،
ولأن المسح على الخفين إنما أجيز لتترفه رجله، ولا حاجة بالمقيم إلى ترك
رجله في الخف فيما زاد على يوم وليلة، ولا بالمسافر فيما زاد على ثلاثة
أيام ولياليهن، بل الحاجة تدعو إلى كشفها، لتسوية لفائفه وإراحة رجله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: ابتداء مدة المسح]
وابتداء المدة من حين بعد لبس الخفين، لا من حين اللبس، ولا من حين الطهارة بعد الحدث.
وقال الأوزاعي، وأحمد، وأبو ثور، وداود: (ابتداء المدة من حين المسح).
دليلنا: ما روي في حديث صفوان بن عسال المرادي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من الحدث إلى الحدث».
ولأن زمان الحدث زمان يستباح به المسح، فكان من وقته كبعد المسح.
إذا
ثبت هذا: فأكثر ما يصلي المقيم بالمسح في الوقت خمس صلوات بغير حيلة ولا
عذر، وبالحيلة ست صلوات وهو: أن يحدث بعد اللبس بعد أن توسط وقت الظهر
ويصليها، ثم يصليها في اليوم الثاني في أول وقتها، ويمكنه أن يصلي سبع
صلوات مع الحيلة والعذر، وهو: أن يصلي في اليوم الأول الظهر في آخر وقتها
حين أحدث، ويصليها في اليوم الثاني في أول وقتها، ويقدم إليها العصر في
المطر.
وأكثر ما يمكن للمسافر أن يصلي بالمسح من صلوات في وقتها: خمس
عشرة صلاة من غير حيلة، ولا عذر، ومع الحيلة ست عشرة صلاة، وبالحيلة
والعذر: سبع عشرة صلاة، كما ذكرنا في المقيم.
وإن كان السفر معصية، لم يجز له أن يمسح ما زاد على يوم وليلة، لأنه مستفاد بالسفر، والعاصي لا يجوز له الترخص برخص المسافرين.
وهل له أن يمسح يومًا وليلة؟ فيه وجهان، حكاهما في "الفروع"، المشهور: أنه يستبيح ذلك.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: شأن من مسح حضرًا ثم سافر]
وإن
لبس الخف في الحضر، ثم سافر قبل أن يحدث، ثم أحدث في السفر، فله أن يسمح
مسح مسافر، بلا خلاف، لأن ابتداء مدة المسح وابتداء فعله وجد في السفر.
وإن أحدث في الحضر، ثم سافر قبل أن يمسح، وقبل أن يخرج وقت الصلاة، ثم مسح في السفر، فإنه يمسح مسح مسافر.
وقال المزني: لا يجوز له أن يمسح مسح مسافر، بل يمسح مسح مقيم؛ لأنه قد اجتمع السفر والحضر في وقت المسح.
دليلنا: أنه سافر قبل أن يتلبس بالعبادة في وقتها، فكان الاعتبار بفعلها لا بدخول وقتها، كالصلاة.
وإن أحدث في الحضر وخرج وقت الصلاة، ثم سافر ومسح في السفر... ففيه وجهان:
أحدهما
قال أبو إسحاق: لا يستبيح مسح مسافر، بل يمسح مسح مقيم لا غير؛ لأن المقيم
لو خرج عنه وقت الصلاة في الحضر، ثم سافر، فإنه يلزمه إتمام الصلاة، كما
لو أحرم بالصلاة في الحضر، ثم سافر فإنه يلزمه أن يتم، فإذا كان خروج وقت
الصلاة عنه في الحضر بمنزلة التلبس بالصلاة في الحضر في وجوب إتمامها،
فكذلك خروج وقت الصلاة عنه في الحضر بمنزله تلبسه بالمسح في الحضر.
والثاني:
قال أبو علي بن أبي هريرة: له أن يمسح مسح مسافر. وهو الصحيح؛ لأنه سافر
قبل التلبس بالمسح، فكان له أن يمسح مسح مسافر، كما لو سافر قبل خروج وقت
الصلاة. ويخالف الصلاة، فإنه يأتي بها بعد الوقت قضاء، والمسح يأتي به أداء
في وقته.
وإن أحدث في الحضر ومسح، ثم سافر، أتم مسح مقيم لا غير، وبه قال أحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة، والثوري: (له أن يمسح مسح مسافر).
دليلنا:
أنها عبادة تتغير بالحضر والسفر، فإذا تلبس بها في الحضر، ثم سافر كان
الاعتبار بحكم الحضر، كما لو أحرم بالصلاة في الحضر، ثم سافر.
وإن أحدث
في السفر ومسح، ثم أقام، أتم مسح مقيم لا غير، فإن أقام بعد استكمال مدة
مسح المقيم، نزع الخفين. وإن أقام قبل استكماله، كان له أن يتم مسح مقيم لا
غير.
وقال المزني: يمسح ثلث ما بقي له من المدة من حين الإقامة.
دليلنا: أنها عبادة تتغير بالحضر والسفر، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر، كالصلاة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: نية الإقامة في الصلاة]
قال
في "الأم" [1/30] (ولو مسح المسافر يوما وليلة، ثم دخل في الصلاة فنوى
الإقامة في الصلاة، بطلت صلاته)؛ لأنه قد استكمل مسح المقيم، فإذا نوى
الإقامة بطل مسحه، فبطلت صلاته.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الشك في ابتداء المسح]
وإذا سافر، ثم شك: هل ابتدأ المسح في السفر، أو في الحضر؟
بنى
الأمر على أنه بدأ في الحضر؛ لتكون طهارته صحيحة بيقين، ولا يجوز له المسح
بعد ذلك؛ لأنه شك في إباحته. فإن ذكر بعد ذلك أنه كان ابتداء المسح في
السفر، أتم مسح مسافر.
فإن صلى بالمسح بعد يوم وليلة مع شكه، ثم تيقن
بعد ذلك أن ابتداء المسح كان في السفر، لزمه إعادة ما صلى بالشك؛ لأنه
صلاها وهو يعتقد أنه على غير طهارة، فلم يصح.
وإن شك: هل كان حدثه وقت الظهر أو وقت العصر؟
بنى الأمر على أنه كان حدثه وقت الظهر؛ ليرجع إلى اليقين.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لا يمسح في مدة الشك]
قال الشافعي رحمة الله: (فإن تيقن أنه صلى بالمسح ثلاث صلوات، وشك: هل صلى الرابعة أم لا؟ أعاد الرابعة، وأخذ في المسح بالأكثر).
وصورتها:
أن يتيقن لابس الخف: أنه صلى العصر والمغرب والعشاء بطهارة المسح، وشك: هل
أحدث وقت الظهر، وتوضأ للظهر ومسح وصلاها أم أغفلها ولم يصلها؟
فإن عليه إعادة الظهر؛ لأنه شك: هل صلاها أم لا؟ والأصل: أنه ما صلاها حتى يعلم أنه صلاها بيقين.
وأما
المسح: فإنه يحتسب على أنه أحدث في وقت الظهر، فيكون له المسح إلى مثله من
الغد، لأن هذا يقين، وما ذاد عليه شك: هل له فيه المسح أم لا؟ والأصل: أنه
لا مسح حتى يعلم جوازه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: وصف خف المسح]
ويجوز
المسح على كل خف صحيح، يمكن متابعة المشي عليه، وهو: التردد عليه لحوائجه،
سواء كان من جلد، أو لبد ثخين، أو خرق طبق بعضها فوق بعض، لأن الحاجة تدعو
إلى لبسه.
قال الطبري: فإن لبس خفًا من زجاج، جاز المسح عليه، وإن بدا
منه لون الرجل، وليس كمن يستر عورته بشيء من الزجاج يبدو منه لون العورة،
فإنه لا يصح؛ لأن القصد ستر العورة، وأن لا تراها أعين الناس، وذلك لا يحصل
في الزجاج. والقصد في الخف: لبس ما يمكن متابعة المشي عليه، وذلك يمكن في
الزجاج.
قال الجويني: الواجب في الخف ستر الرجل مع الكعب من الجوانب،
ومن أسفلها، ولا يجب سترها من أعلاها؛ لأن ذلك يتعذر، والواجب في العورة
سترها من أعلاها ومن الجوانب لا من أسفل؛ لأن ذلك يتعذر.
وإن لبس خفًا لا يمكنه التردد عليه في حوائجه، إما: لرقته، أو لثقله، لم يجز المسح عليه؛ لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: المسح على الخف المخرق]
وهل يجوز المسح على الخف المخرق؟ ينظر فيه:
فإن كان الخرق فوق الكعب.. جاز المسح عليه، لأن عدم ساق الخف لا يمنع من جواز المسح على الخف، فكذلك خرقه.
وإن كان الخرق في محل الفرض، فإن كان الخرق يمنع متابعة المشي عليه، لم يجز المسح عليه، لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه.
وإن كان الخرق لا يمنع متابعة المشي عليه.. ففيه قولان:
الأول: قال في القديم: (يجوز) لأنه خف يمكن متابعة المشي عليه، فأشبه الصحيح.
والثاني:
قال في الجديد: (لا يجوز)، وهو الصحيح، لأن ما بدا من الرجل فحكمه حكم
الغسل، وما استتر، حكمه حكم المسح، والجمع بينهما لا يجوز، كما لو بدت إحدى
الرجلين، واستترت الأخرى.
وقال مالك: (إن كبر الخرق وتفاحش، لم يجز المسح عليه، وإن كان دون ذلك، جاز المسح عليه).
وحكى الشيخ أبو حامد: أن هذا قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في القديم، والأول حكاه الشيخ أبو حامد وابن الصباغ.
وقال أبو حنيفة: (إن تخرق قدر ثلاثة أصابع، لم يجز المسح عليه، وإن كان دونها، جاز المسح عليه، لأن الثلاث أكثر أصابع اليد).
دليلنا: أنه خف غير ساتر لجميع قدميه، فلم يجز المسح عليه، كما لو تخرق منه قدر ثلاثة أصابع.
وإن
بقي في الخف مخارق الإشفى ومنافذ الإبر، فإن لم يبن شيء من الرجل، أو
اللفافة، جاز المسح عليه، لأن ذلك لا يمكن الاحتراز منه، وإن كان يبين شيء
من محل الفرض من الرجل، أو من اللفافة عليها، قال صاحب "الفروع": لم يجز
المسح عليه.
قلت: وهذا إنما يكون على القول الجديد، فأما على القول القديم: فيجوز إذا كان يمكن متابعة المشي عليه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: خرق الظهارة]
قال في "الأم" [1/29] (وإن تخرقت ظهارة الخف وبقيت بطانته، جاز المسح عليه).
قال
أصحابنا: أراد: إذا كانت البطانة صفيقة يمكن متابعة المشي عليها، فأما إذا
كانت رقيقة بحيث لا يمكن متابعة المشي عليها، فإن المسح عليها لا يجوز.
وقال
في "الأم" [1/31] (وإن كان في الخف شرج ـ بفتح الراء وبعده جيم ـ العرى،
فوق الكعب، لم يمنع جواز المسح عليه، وإن كان الشرج تحت الكعب،
فإن كان
محلولا، لم يجز المسح على الخف، سواء بانت منه الرجل، أو لم تبن، لأنه إذا
مشى بانت منه الرجل، وإن كان مشدودًا، فإن كان في الشد خلل، بحيث إذا مشى
بان شيء من الرجل أو اللفافة، لم يجز المسح عليه، وإن لم يكن فيه خلل، جاز
المسح عليه).
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: المسح على الجورب]
قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (لا يمسح على جوربين، إلا أن يكون الجوربان مجلدي القدمين إلى الكعبين، حتى يقوم مقام الخف).
قال أصحابنا: والجوارب على ضربين:
فـالأول: منه ما يمكن متابعة المشي عليه، بأن يكون ساترًا لمحل الفرض صفيقًا، ويكون له نعل، فيجوز المسح عليه.
قال
ابن الصباغ: فأما تجليد القدمين: فليس بشرط، إلا أن يكون الجورب رقيقًا..
فيقوم تجليده مقام صفاقته وقوته، وإنما ذكر الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - التجليد لأن الغالب من الجوارب الرقة.
والثاني: إن كان الجورب
لا يمكن متابعة المشي عليه، مثل: أن لا يكون منعل الأسفل، أو كان منعلا،
لكنه من خرق رقيقة، بحيث إذا مشى فيه تخرق، لم يجز المسح عليه.
هذا مذهبنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة.
وقال أحمد: (يجوز المسح على الجورب الصفيق، وإن لم يكن له نعل). وروي ذلك عن عمر، وعلي، وإليه ذهب أبو يوسف، ومحمد، وداود.
دليلنا: أنه لا يمكن متابعة المشي عليه، فلم يجز المسح عليه، كالرقيق.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لبس الجرموق]
وإن
لبس الجرموق فوق الخف، قال صاحب " المذهب ": وهو خف كبير فوق خف صغير ـ
فإن كان الأسفل مخرقًا والأعلى صحيحًا، جاز المسح على الأعلى، لأن الأسفل
بمنزلة اللفافة تحت الخف.
وإن كان الأعلى مخرقًا، والأسفل صحيحًا.. لم يجز المسح على الأعلى؛ لأن الأعلى بمنزله اللفافة فوق الخف.
وإن كانا صحيحين بحيث إذا انفرد كل واحد منهما، جاز المسح عليه، فهل يجوز المسح على الأعلى؟ فيه قولان:
الأول:
قال في القديم، و " الإملاء ": (يجوز المسح عليه)، وبه قال الثوري، وأبو
حنيفة، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، والمزني، لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الموق».
و (الموق): الجرموق، ولأنه خف يمكن متابعة المشي عليه، فجاز المسح عليه، كالمنفرد.
والثاني:
قال في الجديد: (لا يجوز المسح عليه) وبه قال مالك، وهو الصحيح، لأن حاجة
عامة الناس لا تدعو إلى لبسهما، وإنما تدعو إليها حاجة خواص الناس، في
مواضع مخصوصة، وهي: المواضع التي يكثر فيها المطر والوحل، والبرد الشديد،
فلم تتعلق به رخصة عامة، كما لو لبس جبيرة فوق جبيرة، فإنه لا يجوز المسح
على العليا.
وأما الخبر: فالمراد به الخف المنفرد، ولم ينقل أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبس الجرموق. فإذا قلنا: يجوز المسح
على الجرموق، فعن ماذا يكون بدلا؟
فيه ثلاثة أوجه، خرجها أبو العباس ابن سريج:
أحدها: يكون بدلا عن الخف، والخف يكون بدلا عن الرجل.
والثاني: يكون الجرموق بدلا من الخف، ويكون الخف بدلا من اللفافة.
والثالث: أن الجرموق بمنزلة طاقات الخف، وتأتي فوائد ذلك.
فإن لبس الجرموق في رجل واحدة، فهل يجوز المسح عليه؟
على القول القديم، فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\39].
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: المسح على الخف تحت الجرموق]
فإذا قلنا: لا يجوز المسح على الجرموق، فأدخل يده في ساقه، ومسح على الخف، فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما
قال الشيخ أبو حامد: لا يصح، لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (نزع
الجرموقين، ومسح على الخفين)؛ ولأن الخف بدل ضعيف، فلم يجز مسحه مع
استتاره.
والثاني: قال القاضي أبو الطيب: يصح، واختاره ابن الصباغ، كما
لو أدخل يده تحت العمامة، ومسح على الرأس، ولأنه لو غسل رجله، وهي في الخف،
صح، فكذلك إذا مسح على الخف، وهو في الجرموق، وما ذكره الشافعي، فليس ذلك
على سبيل الشرط.
وإن قلنا: يجوز المسح على الجرموقين، فهل له أن يدخل يده في ساقه ويمسح على الخف؟ قال القاضي أبو الطيب: يحتمل وجهين:
أحدهما: لا يجوز، لأنه إذا جاز المسح على الظاهر، لم يجز المسح على الباطن، كما لو أدخل يده في الخف ومسح على الجلد الذي يلي رجله.
والثاني:
يجوز المسح ـ وهو اختيار ابن الصباغ ـ لأن كل واحد منهما محل للمسح، فجاز
المسح على ما شاء منهما، كما لو مسح بشرة الرأس تحت الشعر.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الجبيرة تحت الخف]
وإن احتاج إلى وضع الجبيرة على رجليه فوضعها، ثم لبس فوقها الخف، فهل يجوز المسح عليه؟ فيه وجهان:
أظهرهما: أنه لا يجوز، لأنه ملبوس فوق ممسوح، فلم يجز المسح عليه، كالعمامة.
والثاني: يجوز. وبه قال أبو حنيفة، لأنه خف صحيح، يمكن متابعة المشي عليه، فجاز المسح عليه، كما لو لبسه على رجليه ولا جبيرة عليهما.
فإن لبس الخف في إحدى الرجلين، والأخرى مريضة لا يجب غسلها، لم يجز المسح على الخف في الرجل الصحيحة.
إن
قطعت إحدى الرجلين، جاز أن يلبس الخف في الرجل الباقية، ويمسح عليه إذا لم
يبق من محل الفرض المقطوع شيء، وإن بقى شيء من محل الفرض، لم يجز المسح
حتى يخففهما، لأن الرخصة إنما تتعلق بلبس الخفين في الرجلين مع وجودهما، لا
يلبسه في إحداهما.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: المسح على الخف المغصوب]
وإن لبس خفًا مغصوبًا، فهل يجوز المسح عليه؟ فيه وجهان:
أحدهما: قال ابن القاص: لا يجوز، لأن لبسه معصية، فلم يجز المسح عليه، كما لو لبس خفًا من جلد كلب.
والثاني: قال عامة أصحابنا: يجوز؛ لأنه خف طاهر يمكن متابعة المشي عليه، فهو كما لو كان ملكه.
وأما
المعصية: فلا تختص باللبس، فلم تمنع صحة العبادة، كالصلاة في الدار
المغصوبة، ويخالف الخف من جلد الكلب، لأن المعصية هنالك لمعنى في الخف، فهو
كالصلاة في ثوب نجس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الطهارة شرط لمسح الخف]
ولا يجوز المسح على الخف، إلا أن يلبسه على طهارة كاملة.
فإن
غسل إحدى الرجلين، وأدخلها في الخف، ثم غسل الرجل الأخرى، وأدخلها في
الخف، لم يجز المسح حتى ينزع الخف الذي لبسه قبل كمال الطهارة.
وهل يشترط نزع خف الرجل الأخرى فيه وجهان:
الصحيح: أنه لا يشترط، وبه قال مالك، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة، والثوري، والمزني، وأبو ثور، وداود: (يجوز المسح).
دليلنا: ما روى أبو بكرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص للمسافر ثلاثة أيام
ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة، إذا تطهر، فلبس خفيه أن يمسح عليهما». وهذا يقتضي تقدم الطهارة على اللبس.
وروى المغيرة بن شعبة: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح
برأسه، فأهويت لأنزع خفية، فقال: دعهما، فإني لبستهما وهما طاهرتان»، ومسح عليهما. فعلل بأنه لبس خفيه، ورجلاه طاهرتان، فعلم أن المسح يتعلق بهذا التعليل.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: يشترط لبس الجرموقين على طهارة]
وإن لبس الخفين على طهارة، ثم لبس الجرموقين عليهما من غير حدث بينهما، وقلنا: يجوز المسح عليهما، جاز المسح هاهنا عليهما.
وإن لبس الخفين على طهارة ثم أحدث، ثم لبس الجرموقين قبل المسح، لم يجز المسح عليهما قولا واحدًا؛ لأنه لبسهما على حدث.
وإن
لبس الخفين على طهارة، فأحدث، ومسح عليهما، ثم لبس الجرموقين، فهل يجوز
المسح عليهما هاهنا؟ فيه وجهان، بناء على القولين في المسح على الخف هل
يرفع الحدث؟
فإن قلنا: إنه يرفع الحدث، جاز المسح هاهنا. وإن قلنا: لا يرفع الحدث، لم يجز المسح هاهنا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: لبس المستحاضة ونحوها الخف]
إذا
دخل على المستحاضة وقت الصلاة المفروضة، فتوضأت، لبست الخفين، وصلت تلك
الفريضة، جاز لها أن تصلي بتلك الطهارة ما شاءت من النوافل. فإن أحدثت
بغائط أو بول أو نوم بعد أداء الفريضة، جاز لها أن تتوضأ، وتمسح على
الخفين، وتصلي به ما شاءت من النوافل. فإن دخل عليها وقت الفريضة الثانية،
فأرادت أن تتوضأ، وتمسح على الخفين، وتصلي به تلك الفريضة الثانية، لم يكن
لها ذلك.
والفرق بين النافلة والفريضة الثانية: أنها حين توضأت للفريضة
الأولى، استباحت بذلك الوضوء الفريضة الأولى، وما يتبعها من النوافل، فكانت
في حكم الطاهرات في حق الفريضة الأولى، وما يتبعها من النوافل، فلذلك:
استباحت النافلة بالمسح، ولا تستبيح أن تصلي بالطهارة الأولى الفريضة
الثانية، فكانت في حكمها محدثة، فكذلك لم تستبحها بطهارة المسح.
وأما
إذا توضأت للفريضة الأولى بعد دخول وقتها، ولبست الخفين، فقبل أن تصليها
طرأ عليها حدث غير حدث الاستحاضة، كالغائط والبول والنوم والمس واللمس،
فلها أن تتوضأ وتمسح على الخفين، وتصلي به تلك الفريضة، وما شاءت من
النوافل، ولا تصلي به فريضة أخرى.
وقال زفر: لها أن تصلي به يومًا وليلة.
دليلنا:
أن الطهارة التي لبست عليها الخفين لا تستبيح بها أكثر من فريضة واحدة،
فلم تستبح بالمسح عليها أكثر منها، وإنما استباحت تلك الفريضة؛ لأنها كانت
في حقها حين لبست الخف في حكم الطاهرات.
فإن انقطع دمها قبل أن تصلي تلك
الفريضة، أو بعد ما صلتها وقبل أن تصلي النوافل، بطلت طهارتها، ووجب عليها
نزع الخفين، واستئناف الطهارة؛ لأنها طهارة ضرورية، فإذا زالت الضرورة قبل
التلبس بالصلاة، بطلت. هذا نقل البغداديين من أصحابنا.
وقال المسعودي
[في "الإبانة": ق\39] إذا توضأت للفريضة، ولبست الخفين قبل أن تصليها، طرأ
عليها حدث غير حدث الاستحاضة، فهل لها أن تمسح على الخف لهذه الفريضة؟ فيه
وجهان، بناء على أن طهارة المستحاضة: هل ترفع الحدث السابق؟
فإن قلنا: ترفعه، استباحتها بطهارة المسح. وإن قلنا: لا ترفعه، لم تستبحها بطهارة المسح.
وإن تيمم للفريضة لعدم الماء، ولبس الخفين، ثم وجد الماء قبل الصلاة، ففيه وجهان:
أحدهما قال أبو العباس: يجوز له أن يتوضأ ويمسح على الخفين، ويصلي به فريضة، كما قلنا في المستحاضة.
والثاني
ـ وهو المنصوص ـ: (أنه لا يجوز المسح على الخفين)؛ لأنه لبسهما من غير غسل
الرجلين؛ ولأن برؤيته للماء، بطل التيمم، فصار كالمستحاضة إذا انقطع دمها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: هيئة مسح الخف]
وإذا
أراد أن يمسح على الخف، قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فأحب أن يغمس
يديه في الماء، ثم يضع كفه اليسرى تحت عقب الخف، وكفه اليمنى على أطراف
أصابعه، ثم يمر اليمنى إلى ساقه، واليسرى إلى أطراف أصابعه). وبه قال ابن
عمر، وسعد بن أبي وقاص، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك، وابن المبارك.
وقال الثوري، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وأحمد: (المستحب: أن يمسح أعلى الخف، دون أسفلة). وروي ذلك عن أنس، وجابر.
دليلنا: ما روى المغيرة بن شعبة: قال: «وضأت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك، فمسح أعلى الخف وأسفله»؛ ولأنه خارج من الخف يحاذي محل الفرض، فكان المسح عليه مسنونًا كأعلى الخف.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: ما يسن مسحه من الخف]
وهل يسن له أن يمسح على عقب الخف، وهو: الموضع الصقيل؟
ظاهر ما نقله المزني: أنه يسن له ذلك. وقال القاضي أبو حامد: نص الشافعي في " البويطي ": أنه يمسح على العقب.
ومن أصحابنا من قال فيه قولان:
أحدهما: لا يسن له أن يمسح عليه؛ لأنه موضع صقيل يضر به المسح.
والثاني: يمسح عليه، وهو الأصح؛ لأنه خارج من الخف يحاذي محل الفرض؛ فهو كأعلاه.
ومنهم
من قال: يمسح عليه قولا واحدًا؛ لما ذكرناه. وما نقله المزني، يحتمل أن
يريد به: أن يضع باطن أصابع يده اليسرى تحت عقب الخف، فتكون راحته على
عقبه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: ما يكفي من المسح]
وكيفما أتى بالمسح على الخف، أجزأه، سواء كان بيده، أو ببعضها، أو بخشبة، أو بخرقة. وسواء مسح قليلا أو كثيرًا فإنه يجزئه.
وقال
أبو حنيفة: (لا يجزئه، إلا أن يمسح قدر ثلاث أصابع بثلاث أصابع)، فقدر
الممسوح وعين الممسوح به، حتى إن عنده: لو مسح قدر ثلاث أصابع بأصبع واحدة
لم يجزئه.
وقال زفر: إذا مسح قدر ثلاث أصابع بأصبع واحدة أجزأه، وقال أحمد: (لا يجزئه، إلا أن يسمح أكثر القدم).
دليلنا: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن، والمقيم يومًا وليلة»، ولم يفرق.
فإن أصاب الخف بلل المطر، أو نضح عليه الماء، قال الشيخ أبو نصر: فليس للشافعي فيه نص، والذي يجيء على مذهبه: أنه لا يجزئه عن المسح.
وقال الثوري، والأوزاعي: يجزئه ذلك عن المسح.
وقال إسحاق: إن نوى به المسح، أجزأه.
وقال أهل الرأي: إذا خاض الماء، وأصاب ظاهر الخف، أجزأه.
واحتج الشيخ أبو نصر: بأن ما فرضه المسح لم يجز فيه الغسل، كمسح الرأس.
وعندي: أنها على وجهين، كما ذكر أصحابنا فيمن غسل رأسه مكان المسح.
إذا ثبت ما ذكرناه: فإن اقتصر على مسح القليل من أعلى قدم الخف، أجزأه؛ لأنه يقع عليه اسم المسح.
وإن اقتصر على مسح القليل من أسفله، ففيه وجهان:
أحدهما قال أبو إسحاق: يجزئه؛ لأنه خارج من الخف يحاذي محل الفرض، فهو كأعلى الخف.
والثاني:
قال أبو العباس: لا يجزئه، وهو المنصوص؛ لأنه موضع لا يرى من الخف غالبًا،
فلم يجز الاقتصار عليه، كمسح باطن الخف الذي يلي الرجل.
وإن اقتصر على مسح القليل من عقب الخف فهل يجزئه؟
من أصحابنا من قال: إن قلنا: إنه محل لمسنون المسح، جاز الاقتصار عليه.
وإن قلنا: ليس بمحل لمسنون المسح فهل يجوز الاقتصار عليه؟ فيه وجهان.
وقال الشاشي: بل هو بالعكس، فإن قلنا: إنه ليس بمحل لمسنون المسح، لم يجز الاقتصار عليه وجهًا واحدًا، كساق الخف.
وإن قلنا: إنه محل لمسنون المسح، فهل يجوز الاقتصار عليه؟ فيه وجهان، كأسفله.


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: انقضاء مدة المسح]
إذا انقضت مدة المسح وهو على طهارة المسح، أو خلع خفه في أثناء المدة وهو على طهارة المسح، لم يجز له أن يصلي بتلك الطهارة.
وقال الحسن البصري: لا يبطل المسح، ويجوز له أن يصلي إلى أن يحدث، فإذا أحدث، لم يمسح.
وقال داود: (يجب عليه نزع الخفين، إذا انقضت مدة المسح، ولا يصلي فيهما، فإذا نزعهما، صلى بطهارته إلى أن يحدث).
دليلنا: أنها طهارة انتهت إلى حال لا يجوز ابتداؤها فلم يجز استدامتها، كالتيمم إذا رأى الماء.
وما الذي يصنع في الطهارة؟
قال الشافعي في موضع: (يعيد الوضوء)، وقال في موضع: (يجزئه غسل رجليه).
واختلف أصحابنا: على أي أصل بناها الشافعي؟
فقال أبو إسحاق: بناها على القولين في تفريق الوضوء:
فإن قلنا: يجوز التفريق، كفاه غسل الرجلين.
وإن قلنا: لا يجوز التفريق، فعليه استئناف الوضوء.
ومنهم
من قال: بناها على هذا، لأنه ذكر في "الأم" [1/31]، وفي (كتاب ابن أبي
ليلى): (أنه يستأنف الوضوء). ومذهبه فيهما: أن تفريق الوضوء جائز، وإنما
بناها على أن مسح الخف هل يرفع الحدث عن الرجلين؟ وفيه قولان:
الأول: فإن قلنا: إنه لا يرفع الحدث كفاه غسل الرجلين.
والثاني:
إن قلنا: إنه يرفعه لزمه استئناف الطهارة، لأن نزع الخف ينقض الطهارة في
الرجلين، فإذا انتقضت الطهارة في بعض الأعضاء، انتقضت في جميعها.
ووجه قوله: (إنه لا يرفع الحدث): أنه مسح، فلم يرفع الحدث كالتيمم.
ووجه قوله: (إنه يرفع الحدث): أنه مسح بالماء، فرفع الحدث، كمسح الرأس.
ومنهم من قال: القولان أصل بأنفسهما، غير مبنيين على غيرهما، وهو اختيار ابن الصباغ:
أحدهما:
يلزمه استئناف الطهارة. وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، لأن الطهارة لما
بطلت في الرجلين، بطلت في جميع الأعضاء، لأنها لا تتبعض، كما لو أحدث.
والثاني:
يكفيه غسل الرجلين. وبه قال أبو حنيفة، والثوري، وأبو ثور، والمزني، لأن
مسح الخفين ناب عن غسل الرجلين خاصة، فظهورهما، يبطل به ما ناب عنهما دون
غيرهما، كما يبطل التيمم برؤية الماء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لا يمسح قبل استقرار القدم في الخف]
قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في "الأم" [1/28] (إذا أكمل
الوضوء، ثم أدخل إحدى الرجلين في الخف، ثم أدخل الرجل الأخرى في ساق الخف،
فقبل أن تستقر الرجل في قدم الخف أحدث، لم يكن له أن يمسح، لأنه لا يكون
متخففًا حتى تقر قدمه في قدم الخف).
وإن أخرج رجله من قدم الخف إلى ساق الخف، ولم يبن شيء من محل الفرض فنص الشافعي في "الأم" [1/31]، والقديم: (أن المسح لا يبطل).
وقال
القاضي أبو حامد: يبطل المسح. وهو اختيار القاضي أبو الطيب، وبه قال مالك،
وأبو حنيفة، وأحمد وإسحاق، لأن استقرار الرجل في الخف شرط في جواز المسح،
فإذا تغير بطل، كما لو أحدث قبل أن تستقر في الخف.
فإذا قلنا بالأول
فالفرق بين ابتداء اللبس وبين استدامته: أن في الابتداء يستبيح به المسح،
فلم يستبحه إلا بلبس تام، وليس كذلك في الاستدامة؛ فإنه مستبيح للمسح، فلا
يزول إلا بنزع تام.
فإن كان الخف طويلا خارجًا عن العادة، فأخرج رجليه إلى موضع لو كان عليه الخف المعتاد، لبان شيء من محل الفرض، بطل مسحه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم الجرموق في المدة]
وإن
مسح على الجرموقين، وقلنا: يجوز المسح عليهما، ثم نزعهما في أثناء المدة،
فإن قلنا: إن الجرموق بدل من الخف، والخف بدل من الرجل، فله أن يمسح على
الخفين. وهل يلزمه استئناف الطهارة؟ فيه قولان.
وإن قلنا: الجرموق بدل
من الخف، والخف بدل من اللفافة نزع الخف أيضًا، وهل يلزمه استئناف الطهارة،
أو يقتصر على غسل الرجلين؟ فيه قولان.
وإن قلنا: الجرموق بمنزلة طاقات الخف، لم يؤثر نزع الجرموق هاهنا.
وإن نزع الجرموق من إحدى الرجلين:
فإن قلنا: إن الجرموق بدل من الخف، والخف بدل عن الرجل، بنى على أحد الوجهين: هل له أن يمسح الجرموق في إحدى الرجلين؟
فإن قلنا: له ذلك، كان له هاهنا أن يمسح على الجرموق الآخر، وعلى الخف في الرجل الأخرى.
وإن قلنا: ليس له ذلك نزع الجرموق الآخر، ومسح على الخفين.
وهل يستأنف الطهارة، أو يقتصر على المسح؟ على قولين.
وإن
قلنا: الجرموق بدل من الخف، والخف بدل من اللفافة، نزع الخف من الرجل التي
بقي عليها، ونزع الجرموق والخف من الرجل الأخرى، وغسل الرجلين.
وهل يلزمه استئناف الطهارة؟ على قولين.
وإن قلنا: الجرموق بمنزلة طاقات الخف، لم يؤثر نزع هذه الجرموق. والله أعلم، وبالله التوفيق.




يتبــــــــــــــــــــع




.




كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110




كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Uo_ouo10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 7:31 pm


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب الأحداث التي تنقض الوضوء]
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الخارج من السبيلين]
وهي أربعة: الخارج من السبيلين، والغلبة على العقل بنوم أو جنون أو إغماء، ولمس النساء، ومس الفرج.
فأما الخارج من السبيلين: فضربان: معتاد ونادر.
فأما المعتاد فهو: الغائط، والبول، والريح، والصوت، والمذي، والودي، فجيمع ذلك ينقض الضوء.
والأصل فيه: قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6]، ولم يفرق بين أن يخرج معتادًا أو غير معتادٍ، ولأنه خارج من مخرج الحدث، فأشبه البول والغائط.
قال الصيمري: وأما دم البواسير: فإنه لا ينتقض الوضوء بخروجه، لأنه ليس من نفس الجوف، إلا أن يكون من باسور باطن، فينقض الوضوء.
قال في "الأم" [1/14] (إذا خرج ريح من فرج المرأة، أو ذكر الرجل فإنه ينقض الوضوء).
وقال أبو حنيفة: (لا ينقض الوضوء).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا وضوء إلا من صوت، أو ريح»، ولم يفرق، ولأنه أحد السبيلين، فانتقض الوضوء بالريح الخارج منه كالدبر.
وكذلك
إذا أدخل في فرجه مسبارًا ـ وهو الميل ـ أو قطنًا فخرج منه، أو صب فيه ماء
فخرج منه، انتقض الوضوء، لأنه خارج من مخرج الحدث، فهو كالغائط والبول.
قال الشاشي: وإن أطلعت دودة رأسها من أحد السبيلين، ثم رجعت فهل ينتقض الوضوء؟ فيه وجهان.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: انسداد المخرج المعتاد]
فإن انسد المخرج المعتاد، وانفتح له مخرج من بدنه، فهل ينتقض الوضوء بالخارج منه؟ ينظر فيه:
فإن
كان دون المعدة انتقض الوضوء بالخارج منه، لأن الله تعالى أجرى العادة:
أنه لا بد للإنسان من موضع يخرج منه الغائط والبول. فإذا اسند المعتاد
وانفتح له موضع آخر كان ذلك بمنزلة الأصلي.
وإن كان المنفتح فوق المعدة ففيه قولان:
أحدهما: ينتقض الوضوء بالخارج منه، للمعنى الذي ذكرناه، إذا كان دون المعدة.
والثاني: لا ينتقض الوضوء بالخارج منه؛ لأن ما فوق المعدة يكون الخارج منه قيئًا، و (الغائط): ما أحالته المعدة ونزل عنها.
وإن لم ينسد المخرج الأصلي، وانفتح له موضع آخر فهل ينتقض الوضوء بالخارج منه؟ ينظر فيه:
فإن كان دون المعدة، فهل ينتقض الوضوء بالخارج منه؟ من أصحابنا من قال: فيه وجهان، ومنهم من قال: فيه قولان:
أحدهما:
لا ينتقض. وهو اختيار ابن الصباغ؛ لأن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
شرط انسداد الموضع الأصلي؛ ولأن الأصلي إذا كان مفتوحًا كان هذا بمعنى
الجائفة، فلم ينتقض الوضوء بالخارج منه.
والثاني: ينتقض الوضوء بالخارج منه؛ لأنه مخرج يخرج منه البول والغائط، فهو كالمعتاد.
وإن كان المنفتح فوق المعدة.. فهل ينتقض الوضوء بالخارج منه؟
قال الشيخ أبو حامد، وأكثر أصحابنا: يبنى على القولين، فيما لو انفتح له مخرج فوق المعدة مع انسداد المعتاد:
فإن قلنا هناك: لا ينتقض الوضوء بالخارج منه فهاهنا أولى.
وإن قلنا هناك: ينتقض الوضوء بالخارج منه فهاهنا وجهان، كما لو انفتح له مخرج دون المعدة، مع انفتاح الأصلي.
وأما
صاحب "المهذب" فذكر: أنه إذا انفتح له مخرج فوق المعدة، مع انفتاح الأصلي
لم ينتقض الوضوء بالخارج منه، من غير تفصيل، ولعله بنى ذلك على الأصح.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الخنثى المشكل إذا بال من فرجيه]
وأما
الخنثى المشكل: إذا بال من فرجيه انتقض وضوؤه. وإن بال من أحدهما، ومن
عادته أن يبول منهما في بعض الحالات فقد قال الشيخ أبو علي السنجي: ينتقض
وضوؤه ببوله من أحدهما.
وقال القاضي أبو الفتوح: يبنى ذلك عندي على من انفتح له مخرج دون المعدة مع انفتاح الأصلي:
فإن قلنا في أحد القولين: إن وضوءه ينتقض بالخارج منه انتقض هاهنا.
وإن قلنا ثم: لا ينتقض فهاهنا مثله.
ولعل السنجي بناه على الأصح عنده.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: أحكام النوم]
وأما النوم: فعلى أربعة أضرب:
أحدها:
أن ينام زائلا عن مستوى الجلوس في غير الصلاة، بأن ينام مضطجعًا على جنبه،
أو مستلقيًا على قفاه ـ قال الشيخ أبو حامد: وهو نوم الأنبياء عَلَيْهِمُ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ـ أو مكبوبًا على وجهه ـ قال: وهو نوم الشياطين ـ
أو متكئًا على أحد جنبيه. أو مستندًا على حائط أو غيره، فينتقض وضوؤه في
هذه الحالات، سواء تحقق خروج شيء منه، أو لم يتحقق، وهو قول عامة العلماء.
وقال
أبو موسى الأشعري، وأبو مجلز، وحميد الأعرج، وعمرو بن دينار: (النوم لا
ينقض الوضوء، حتى يتحقق خروج الخارج منه). وبه قالت الشيعة الإمامية.
وقال مالك: (النوم اليسير في القعود لا ينقض، والكثير ينقض).
وقال
أبو حنيفة: (إذا نام على حالة من أحوال الصلاة في حال الاختيار: إما
قائمًا، أو راكعًا، أو ساجدًا لم ينتقض وضوؤه وإن لم يكن في الصلاة. وإن
نام مضطجعًا انتقض وضوؤه؛ لأنه لا يصلي مضطجعًا في حال الاختيار). وبه قال
داود.
قال المسعودي [في "الإبانة": ق\24 ـ 25] وقد نقل البويطي مثل
مذهب أبي حنيفة عن الشافعي، فمن أصحابنا من جعل ذلك قولا آخر له، ومنهم من
قال: غلط البويطي في النقل.
دليلنا: قَوْلُهُ تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6].
قال بعض أهل التفسير: أراد إذا قمتم من النوم، ولأن الآية وردت على سبب، وهو: «أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في غزاة، ففقدت عائشة رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا عقدها، فأقاموا يطلبونه، فناموا، فأصبحوا ولا ماء معهم،
فجاء إليها أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فقال: حبست القوم ولا ماء
معهم؟! فنزل: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6]».
والخطاب
إذا ورد على سبب فلا بد أن يكون السبب داخلا فيه، فكان النوم مضمرًا فيها.
ويدل على أن النوم ينقض: حديث صفوان بن عسال المرادي: أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أو نوم ".
وروى علي، ومعاوية: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ».
و (السه): حلقة الدبر.
قال الشاعر:
ادع فعيلا باسمها لا تنسه ** إن فعيلا هي صئبان السه.
وقال آخر:
شأتك قعين غثها وسمينها ** وأنت السه السفلى إذا دعيت نصر.
والضرب الثاني: أن ينام قاعدًا متمكنًا من القعود، متربعًا كان أو غير متربع، فهل ينتقض وضوؤه؟ فيه قولان:
أحدهما
قال في " البويطي ": (ينتقض وضوؤه). وهو قول المزني، وإسحاق، وأبي عبيد،
لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث صفوان: " أو نوم "،
ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ». ولم يفرق؛ ولأن ما نقض الوضوء في غير حال القعود، نقضه في حال القعود، كسائر الأحداث.
والثاني ـ وهو المشهور ـ: أنه لا ينتقض وضوؤه؛ لما روي: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من نام قاعدًا فلا وضوء عليه، ومن وضع جنبه فعليه الوضوء». وهذا أخص من الخبرين الأولين، فقضى به عليهما.
وروى أنس: قال: «كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينتظرون العشاء، فينامون قعودًا، حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون، ولا يتوضؤون». ومثل هذا لا يخفى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإن
نام جالسًا، ثم زال عن حالته، نظرت، فإن زالت أليتاه، أو إحداهما، قبل
الانتباه بطلت طهارته. وإن انتبه بزوالهما لم تبطل طهارته. فإن تيقن النوم،
وشك هل نام قاعدًا، أو زائلا عن مستوى الجلوس لم ينتقض وضوؤه؛ لأن الأصل
بقاؤه على الطهارة.
الضرب الثالث: إذا نام في حال الصلاة: إما قائمًا، أو راكعًا، أو ساجدًا فهل ينتقض وضوؤه؟ فيه قولان:
أحدهماروى
الزعفراني: أن الشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال في القديم: (لا
ينتقض وضوؤه). وهو قول ابن المبارك؛ لما روي: أن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا نام العبد في سجوده، باهى الله به ملائكته، يقول: عبدي روحه عندي، وجسده ساجد بين يدي». فسماه: ساجدًا، فدل على أن وضوءه لم ينتقض.
والثاني:
قال في الجديد: (ينتقض وضوؤه). وهو الصحيح؛ لما ذكرناه في حديث علي،
وصفوان بن عسال، ولأنه نام زائلا عن مستوى الجلوس، فهو كما لو نام في غير
الصلاة. وأما الخبر فالمقصود به: مدحه على الاجتهاد، ومكابرته النوم؛ لأن
النائم لا يمدح على فعله.
إذا ثبت هذا: قال الشافعي رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: (فحد النوم الذي ينقض الوضوء: هو الذي يغلب على العقل، قليلا كان
أو كثيرًا. فأما ما لا يغلب على العقل، مثل: طرق النعاس، وحديث النفس فلا
ينقض الوضوء. فإن تيقن الرؤيا، وشك في النوم، انتقض وضوؤه؛ لأن الرؤيا لا
تكون إلا في نوم. وإن خطر بباله شيء، فلم يدر أكان ذلك في حديث نفس، أو
رؤيا؟ لم يلزمه الوضوء؛ لأن الأصل الطهارة، ولا يزول ذلك الأصل بالشك).
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: زوال العقل]
وأما زوال العقل بالجنون والإغماء فينقض الوضوء على أي حال كان؛ لأن حسه أبعد من حس النائم؛ لأن النائم إذا نبه انتبه.
قال
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "الأم" [1/32 ـ 33]وقد قيل: (ما جن
إنسان إلا أنزل، فإن كان هكذا، اغتسل المجنون للإنزال، وإن شك فيه أحببت
له أن يغتسل احتياطًا).
قال الشيخ أبو حامد، وغيره من أصحابنا: إن كان
الغالب من المجنون الإنزال لزمه أن يغتسل بمجرد الجنون، كالنائم مضطجعًا.
وإن لم يكن الغالب من حاله الإنزال لم يجب عليه الاغتسال، إلا أن يتحقق
الإنزال، كما قلنا فيمن نام قاعدًا.
وأما من زال عقله بالسكر، فالبغداديون من أصحابنا قالوا: يجب عليه الوضوء؛ لما ذكرناه في المجنون والمغمى عليه.
وقال
المسعودي: [في "الإبانة": ق\24] لا يجب عليه الوضوء؛ لأنه كالصاحي في
ظاهر المذهب، إلا أن يغشى عليه، فحينئذٍ يجبُ عليه الوضوء. وقال: وعلى هذين
الوجهين: هل ينعزل وكيله؟
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: لمس الأنثى]
وأما
لمس النساء: فإذا وقعت الملامسة بين رجل وامرأة ـ يحل له الاستمتاع بها
بحال ـ بأي عضو كان من أبدانهما لا حائل بينهما، انتقض وضوء اللامس منهما،
سواء كان بشهوة أو بغير شهوة. وبه قال ابن مسعود، وابن عمر. والزهري، وربيعة، وزيد بن أسلم.
وقال
أبو حنيفة وأصحابه: (لا تنتقض الطهارة بذلك). وبه قال ابن عباس، وعطاء،
وطاووس، إلا أن أبا حنيفة، وأبا يوسف قالا: (إذا وطئها فيما دون الفرج
وانتشر، انتقضت الطهارة، وكذلك إذا وضع فرجه على فرجها، وإن لم يولج).
وقال مالك وإسحاق: (وإن لمسها بشهوة انتقض وضوؤه. وإن لمسها بغير شهوة لم ينتقض وضوؤه).
قال المسعودي في "الإبانة": ق\25وخرج الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قولا مثل هذا من لمس ذوات المحارم؛ لأنه لا شهوة فيه.
وقال داود: (إن قصد لمسها، انتقض الوضوء. وإن لم يقصد، لم ينتقض).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6]. وحقيقة اللمس: باليد، ولهذا: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الملامسة».
وقال الشاعر:
لمست بكفي كفه طلب الغنى ** ولم أدر أن الجود من كفه يعدي.
وإن لمسها من وراء حائل لم ينتقض الوضوء، سواء كان الحائل صفيقًا أو رقيقًا، بشهوة أم بغير شهوة.
وقال مالك: (إن لمسها بشهوة من وراء حائل رقيق انتقض وضوؤه، وإن كان صفيقًا لم ينتقض).
وقال ربيعة: إذا لمسها بشهوة انتقض وضوؤه وإن كان بينهما حائل، سواء كان صفيقًا أو رقيقًا.
دليلنا: أن اللمس من وراء حائل لا يقع عليه اسم اللمس، ولهذا: لو حلف لا يلمسها، فلمسها من وراء حائل لم يحنث.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: بيان طهارة الملموس]
وإذا لمس أحدهما الآخر من غير حائل فهل ينتقض طهر الملموس؟ فيه قولان:
أحدهما: لا ينتقض؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] فخصهم بذلك.
«وروت
عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: افتقدت رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة في الفراش، فظننت أنه قد ذهب إلى بعض
نسائه، فقمت أطلبه، فوقعت يدي على أخمص قدمه، وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته
قال: أتاك شيطانك». فلو انتقض طهره لقطع الصلاة.
و (الأخمص): الموضع المنخفض في باطن القدم.
والثاني: ينتقض وضوؤه؛ لأن ما نقض بالتقاء البشرتين استوى فيه اللامس والملموس، كالجماع.
وأما الخبر: فيحتمل أنها لمسته من وراء حائل.
وإن لمس شعرها أو ظفرها أو سنها فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا ينتقض الوضوء بذلك؛ لأنه لا يلتذ بمسه.
والخراسانيون قالوا: هو على وجهين:
أحدهما: هذا.
والثاني: ينتقض وضوؤه لأنه لمس جزءًا منها.
وإن لمس يدًا مقطوعة من امرأة، لم ينتقض وضوؤه عند البغداديين من أصحابنا؛ لأنها بالانفصال زال عنها اسم النساء.
وقال الخراسانيون: فيه وجهان:
أحدهما: هذا.
والثاني: ينتقض، كما لو كانت متصلة.
وإن لمس امرأة لا يحل له الاستمتاع بها، بنسب أو رضاع ففيه قولان:
أحدهما: ينتقض وضوؤه. وهو اختيار المسعودي [في "الإبانة" ق\25]؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6]. وهذه من النساء.
والثاني: لا ينتقض وضوؤه. وهو اختيار الشيخ أبي حامد؛ لأنها ليست بمحل لشهوته، فهو كما لو لمس رجلا.
وإن لمس امرأة كانت حلالا له، ثم حرمت عليه على التأبيد، كأم زوجته، وربيبته، فقد اختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: فيه قولان، كذوات المحارم.
ومنهم من قال: ينتقض وضوؤه قولا واحدًا؛ لأنها كانت تحل له، فهي كأم من وطئها بشبهة.
وإن
لمس صغيرة لا تُشتهى، أو عجوزًا لا تُشتهى، فإن كانت أجنبية منه، قال
الشيخ أبو حامد: فإن أصحابنا يحكون فيها قولين. قال: ولا أعرف للشافعي نصًا
في هذا، ولكن أظنهم بنوا ذلك على القولين في ذوات المحارم. وأما الصغائر
والعجائز من المحارم، فمبني على القولين في الكبار منهن.
فإن قلنا: لا ينتقض وضوؤه بلمس الكبار منهن، فالصغار والعجائز منهن أولى.
وإن قلنا: ينتقض وضوؤه بلمس الكبار منهن فهل ينتقض بلمس الصغائر منهن والعجائز؟ على قولين، كالصغائر والعجائز الأجنبيات.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لمس الميتة]
وإن لمس امرأة ميتة، فقد اختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: تنتقض طهارته بذلك؛ لأن اللمس إذا نقض الوضوء استوى فيه الحي والميت، كما لو مس فرج ميت.
ومنهم من قال: فيه قولان، كلمس الصغائر والعجائز الأجنبيات. وهو اختيار ابن الصباغ؛ لأن الميتة لا تشتهى في العادة.


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لمس الخنثى المشكل]
وإن لمس الخنثى المشكل رجلا أو امرأة، أو خنثى مثله لم ينتقض وضوء أحد منهما؛ لجواز أن يكون الخنثى على صفة من لامسه.
فإن
لمس الخنثى رجلا وامرأة في حالة واحدة، أو في حالتين من غير أن يحدث
بينهما وضوء، انتقض وضوؤه، ولم ينتقض وضوء واحد منهما؛ لأنا نتيقن أنه لمس
من ليس كمثله، ولم نتيقن في حق أحدهما أنه لمس من ليس كمثله.
والذي
يقتضي المذهب: أنه لا يجوز لهذه المرأة أن تأتم بهذا الرجل؛ لأن طهارة
أحدهما منتقضة بيقين، فهما كالمجتهدين في إناءين: أحدهما طاهر، والآخر نجس.
وإن لمس الخنثى رجلا وخنثى، أو امرأة وخنثى، لم ينتقض وضوء واحد منهم؛ لجواز أن يكون اللامس مثل الملموس.
وإن
لمس الخنثى رجلا، فصلى الظهر، ثم لمس امرأة، فصلى العصر، قال القاضي: وجب
عليه قضاء العصر دون الظهر؛ لأنا نتيقن أن طهره قد انتقض في العصر بيقين.
وإن لمس الخنثى رجلا، فصلى الظهر، ثم جدد الطهارة، ثم لمس امرأة، ثم صلى العصر فلا يلزمه إعادة الظهر. وأما العصر:
فإن قلنا: إن تجديد الوضوء يرفع الحدث لم يلزمه إعادتها.
وإن قلنا: لا يرفع الحدث لزمه إعادتها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: مس الفرج]
وأما مس الفرج: فقد اختلف العلماء فيه:
فذهب
الشافعي إلى: (أن الرجل إذا مس ذكره ببطن كفه، أو مست المرأة فرجها ببطن
كفها، انتقض وضوؤهما بذلك). وهو قول عمر، وابن عمر، وسعد بن أبي وقاص،
وعائشة، وأبي هريرة، وابن عباس. وبه قال عطاء، وابن المسيب، وأبان بن
عثمان، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، والزهري، ومجاهد. وأحمد، وإسحاق.
وقال مالك: (ينتقض وضوء الرجل، ولا ينتقض وضوء المرأة).
وذهبت طائفة إلى: (أنه لا ينتقض الوضوء بذلك). ذهب إليه علي، وابن مسعود،
وعمار بن ياسر، والحسن البصري، وربيعة، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال جابر بن زيد: إن تعمد مسه انتقض وضوؤه، وإن لم يتعمد مسه لم ينتقض وضوؤه.
دليلنا: ما روت بسرة بنت صفون: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ». وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ويل
للذين يمسون فروجهم، ثم يصلون، ولا يتوضؤون. قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا -: بأبي وأمي، هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال: إذا مست إحداكن
فرجها فلتتوضأ».
ورواه بضعة عشر نفسًا من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وعمل به أصحاب الحديث.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: أي مس ينقض الطهارة]
وإن مس فرجه بظهر كفه، أو ساعده لم ينتقض وضوؤه.
وقال عطاء، والأوزاعي: ينتقض.
دليلنا: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فليتوضأ».
و (الإفضاء) ـ عند أهل اللغة ـ: بباطن الكف، تقول العرب: أفضيت بيدي مبايعًا، وأفضيت بيدي ساجدًا.
وإن مسه بحرف يده، أو بما بين الأصابع، أو برؤوس الأصابع، ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو المذهب ـ: أنه لا ينتقض لأنه ليس بآلة لمسه، فهو كما لو مس بظهر الكف.
والثاني: ينتقض؛ لأن خلقته كخلقة الباطن.
وإن كان له أصبع زائدة، أو كف زائدة في محل الفرض، فمس الفرج بباطنها، ففيه وجهان:
أحدهما: لا ينتقض وضوؤه؛ لأن الخبر ورد في المس، وذلك ينصرف إلى اليد المعهودة، وهي الأصلية.
والثاني ـ وهو الصحيح ـ: أنه ينتقض؛ لأن الزائدة تدخل في اسم اليد، ولهذا يجب غسلها في الوضوء مع الأصلية.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: من له ذكران]
وإن
خلق له ذكران، فمس أحدهما قال المسعودي [في "الإبانة" ق\25 ـ 26] فإن
كانا عاملين انتقض وضوؤه؛ لأنه يقع عليه اسم الذكر. وإن كان أحدهما غير
عامل، فمس غير العامل لم ينتقض وضوؤه.
وإن مس ذكرًا مسدودًا لا يخرج منه مني، ففيه وجهان، حكاهما الصيمري:
أصحهما: أنه ينتقض وضوؤه؛ لأنه يقع عليه اسم الذكر.
والثاني: لا ينتقض وضوؤه؛ لأنه لا يخرج منه مني، فهو كسائر الأعضاء. وهذا يبطل بذكر الصبي والعنين.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: مس حلقة الدبر]
وإن مس حلقة دبره، أو دبر غيره انتقض وضوؤه.
وحكى ابن القاص: أن الشافعي قال في القديم: (لا ينتقض وضوؤه). وهو قول مالك، وداود؛ لأنه لا يقصد إلى مسه بشهوة.
قال أصحابنا: لم يوجد هذا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قديم ولا جديد.
والدليل على أنه ينقض: ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما رجل مس فرجه، فليتوضأ».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (والدبر في معنى الفرج، فوجب أن يقاس عليه).
قال ابن الصباغ: وإن مس بذكره دبر غيره انتقض وضوؤه؛ لأنه آلة مسه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: مس المخرج غير الأصلي]
وإن انفتح له مخرج غير الأصلي فهل ينتقض الوضوء بمسه؟
كل موضع قلنا: لا ينتقض الوضوء بالخارج منه، لم ينتقض الوضوء بمسه.
وكل موضع قلنا: ينتقض الوضوء بالخارج منه، فهل ينتقض الوضوء بمسه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا ينتقض الوضوء بمسه؛ لأنه لا يقع عليه اسم الفرج.
والثاني: ينتقض؛ لأنه مخرج ينتقض الوضوء بالخارج منه، فأشبه الأصلي.
وهكذا
الوجهان: في وجوب الغسل من الإيلاج فيه، وفي جواز استنجائه منه بالأحجار،
وفي وجوب ستره من الرجل إذا كان فوق السرة، وفي وجوب المهر بالإيلاج فيه،
وفي حصول الإحلال بالإيلاج فيه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: انتقاض الوضوء بمس الفرج]
وإن مس فرج غيره من كبير، أو صغير، أو حي، أو ميت، انتقض وضوء الماس.
وقال داود: (لا ينتقض وضوؤه بمس ذلك من غيره).
وقال الزهري، والأوزاعي، ومالك: (لا ينتقض الوضوء بمس ذلك من الصغير).
وقال إسحاق بن راهويه: لا ينتقض بمس ذلك من ميت.
دليلنا: ما روي في بعض ألفاظ حديث بسرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس ذكره فعليه الوضوء»،
ولأنه مس فرج آدمي متصل به، فانتقض وضوؤه، كما لو مس ذلك بنفسه، ولأنه إذا
انتقض وضوؤه بمسه ذلك من نفسه، ولم يهتك به حرمة، فلأن ينتقض بمسه لذلك من
غيره، وقد هتك به حرمة ذلك الغير أولى.
وهل ينتقض وضوء الممسوس؟
من أصحابنا الخراسانيين من قال: فيه قولان، كالملموس.
وأكثرهم
قالوا: لا ينتقض وضوؤه قولا واحدًا. وهو الأصح؛ لأنه علق الطهارة على
المماسة، ولم تحصل هاهنا إلا من واحد، بخلاف الملامسة، فإنها تحصل بين
اثنين، وإن كانت من واحد.
وإن مس ذكرًا مقطوعًا ففيه وجهان:
أحدهما: ينتقض وضوؤه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من مس الذكر فعليه الوضوء». ولأنه يقع عليه اسم الذكر، وإن كان مقطوعًا.
والثاني: لا ينتقض وضوؤه؛ لأن المقطوع لا يقصد مسه في العادة، فهو كما لو مسه بظهر كفه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: مس الخصيتين]
وإن مس أنثييه، وأليته، أو عانته لم ينتقض وضوؤه.
وحكي عن عروة بن الزبير: أنه قال: (ينتقض وضوؤه).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أفضى منكم بيده إلى ذكره فليتوضأ». فخص الذكر بذلك، ولأنه مس من بدنه غير السبيلين، فلم ينتقض وضوؤه، كما لو مس فخذه.
وإن مس فرج بهيمة لم ينتقض وضوؤه.
وحكى
ابن عبد الحكم عن الشافعي: أنه قال: (ينتقض وضوؤه). وهو قول الليث؛ لما
روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس الفرج الوضوء»
ووجه القول المشهور: أنه لما لم ينتقض الوضوء بمس الأنثى من البهائم، لم
ينتقض بمس فرج البهيمة، ولأن البهيمة لا حرمة لها، ولا تعبد عليها.
وأما الخبر: فلا يعرف هذا اللفظ فيه، وإن صح فإن إطلاق ذلك لا ينصرف إلى البهيمة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: مس الخنثى أحد فرجيه]
وأما الخنثى المشكل: إذا مس أحد فرجيه لم ينتقض وضوؤه؛ لجواز أن يكون ذلك خلقة زائدة.
فإن مس أحدهما، وصلى الظهر، ثم مس الآخر، وصلى العصر، لزمه إعادة العصر دون صلاة الظهر؛ لأن بمسه الثاني انتقضت طهارته بيقين.
وإن مس أحدهما، وصلى الظهر، ثم توضأ، ومس الثاني، وصلى العصر ففيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\26]:
أحدهما:
يلزمه إعادة الصلاتين؛ لأنه قد صلى إحداهما بغير طهارة بيقين، فإذا أشكل
عينها لزمه إعادتهما، كما لو نسي صلاة من صلاتين لا يعرف عينها.
والثاني
ـ وهو المذهب ـ: أنه لا يلزمه قضاء واحدة منها؛ لأنهما حادثتان لم يتعين
الخطأ في واحدة منهما، فهما كرجلين قال أحدهما: إن كان هذا الطائر غرابًا
فنسائي طوالق، وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا فنسائي طوالق، فطار ولم يعرف
فإنه لا يطلق نساء واحد منهما.
وإن مس الخنثى ببطن كفه ذكر رجل، أو فرج
امرأة انتقض وضوء الخنثى، سواء كان الممسوس أجنبيًا منه، أو من ذوي محارمه؛
لأنه قد وجد منه المس لا اللمس. ولا ينتقض وضوء الممسوس؛ لجواز أن يكون
الخنثى مثل من مسه.
وإن وضع الخنثى ذكره على فرج امرأة، أو دبرها، لم ينتقض وضوء واحد منهما؛ لجواز أن يكون الخنثى امرأة، وهذه خلقة زائدة فيه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: مس الخنثى]
وإن
مس رجل ذكر خنثى مشكل انتقض وضوء الرجل؛ لأنه إن كان الخنثى رجلا فقد وجد
المس، وإن كان امرأة فقد وجد اللمس. ولا ينتقض وضوء الخنثى؛ لجواز أن يكون
رجلا.
وإن مس رجل فرج خنثى لم ينتقض وضوء واحد منهما؛ لجواز أن يكون الخنثى رجلا، وهذه خلقة زائدة فيه.
وإن مست امرأة فرج خنثى انتقض وضوء المرأة؛ لأنه قد وجد: إما المس، وإما اللمس، ولا ينتقض وضوء الخنثى؛ لجواز أن تكون امرأة.
وإن مست امرأة ذكر خنثى لم ينتقض وضوء واحد منهما؛ لجواز أن يكون الخنثى امرأة، وهذه خلقة زائدة فيها.
وإن مس ماس فرجي الخنثى انتقض وضوء الماس؛ لأنه قد وجد مس الفرج الأصلي بيقين، ولا ينتقض وضوء الخنثى؛ لجواز أن يكون كمن مسه.
وإن
كان هناك خنثيان مشكلان، فمس أحدهما أحد فرجي الآخر لم ينتقض وضوء واحد
منهما؛ لجواز أن يكونا على صفة واحدة، والفرج الممسوس خلقة زائدة.
وإن
مس هذا ذكر هذا، ومس هذا فرج هذا، فإنا لا نوجب الطهارة على أحدهما؛ لأنهما
إن كانا رجلين، فقد انتقض وضوء ماس الذكر. وإن كانا امرأتين، انتقض وضوء
ماس الفرج. وإن كان أحدهما رجلا، والآخر امرأة انتقض وضوؤهما.
فإذا
احتمل هذه الاحتمالات فإنا نتيقن أن أحدهما قد انتقض طهره، ولكنا لا نعرفه
بعينه، فلم نوجب على أحدهما الطهارة، وهذا مراد صاحب "المهذب" [1/23]
بقوله: و (كذا) لو تيقنا أنه انتقض طهر أحدهما، ولم نعرفه بعينه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: السهو كالعمد في النقض]
وما
أوجب الطهارة فعمده وسهوه سواء؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أوجب الطهارة من النوم، والنائم لا يحس بما يخرج منه، ولا يقصد
إليه.
«وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
أنه قال: كنت رجلا مذاءً، وكنت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري، فاستحييت أن
أسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمكان ابنته مني، فسألت
المقداد أن يسأله، فسأله، فقال: ينضح فرجه بالماء، ويتوضأ». وقال: «كل فحل مذاء»، فأوجب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الوضوء من المذي، وإن كان يخرج بغير اختياره.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: أمور لا تنقض الوضوء]
وأما دم الفصد، والحجامة، والرعاف، والقيح، والقيء، فلا ينقض الوضوء، سواء كان قليلا أو كثيرًا.
وروي
ذلك عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وابن عباس، وابن أبي أوفى،
وأبي هريرة، وعائشة، وجابر بن زيد، وبه قال سعيد بن المسيب، ومكحول،
وربيعة، ومالك.
وقال أبو حنيفة: (كل نجس خرج من البدن فإنه ينقض الوضوء
إذا سال. وإن وقف على رأس الجرح لم ينقض). وقال في القيء: (إن ملأ الفم نقض
الوضوء، وإن كان دونه لم ينقض). وبه قال الأوزاعي، والثوري، وأحمد،
وإسحاق.
دليلنا: ما روى أنس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم وصلى، ولم يزد على غسل محاجمه».
وروى أبو الدرداء، قال: «قاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأفطر»، وقال ثوبان: «وأنا صببت له وضوءًا»، فقلت: يجب الوضوء من القيء؟ فقال: (لو كان واجبًا لوجدته في كتاب الله تعالى).
ولأنه
لو انتقض الوضوء بالكثير من ذلك لانتقض باليسير منه، كالغائط. ولما لم
ينتقض باليسير منه لم ينتقض بالكثير منه، كالبصاق والمخاط.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لا يجب الوضوء مما مست النار]
ولا يجب الوضوء بأكل ما مسته النار، وهو قول الخلفاء الأربعة، وابن عباس، وأبي أمامة، وأبي الدرداء.
وذهب
الحسن البصري، والزهري، وعمر بن عبد العزيز، وأبو مجلز، وأبو قلابة إلى:
(أنه يجب الوضوء من ذلك). وروي ذلك: عن ابن عمر، وأبي طلحة، وأنس، وأبي
موسى، وعائشة، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «توضؤوا مما مسته النار، أو مما غيرته النار».
دليلنا: ما روي عن جابر: أنه قال: «كان آخر الأمرين من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك الوضوء مما مسته النار»، وهذا يدل على أن الأول منسوخ بهذا.
ولا ينتقض الوضوء بأكل لحم الجزور.
وقال أحمد بن حنبل: (ينتقض الوضوء بذلك). وحكى ابن القاص في " التلخيص ": أن هذا قول الشافعي في القديم؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئل: أنتوضأ من لحم الغنم؟ فقال: لا، فقيل له: أنتوضأ من لحم الإبل، فقال: نعم».
والأول هو المشهور: لما روى ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الوضوء مما يخرج، لا مما يدخل».
وما رووه محمول على غسل اليد؛ لأن الوضوء إذا أضيف إلى الطعام اقتضى ذلك غسل اليد، لما روي عن بعض الصحابة: أنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا بالوضوء قبل الطعام وبعده»، وإنما فرق بين لحوم الإبل والغنم؛ لأن لحوم الغنم في الحجاز لا زهومة لها، بخلاف لحوم الإبل.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: القهقهة في الصلاة لا تنقض الوضوء]
ولا ينتقض الوضوء بقهقهة المصلي، وبه قال جابر، وأبو موسى، وعطاء، وعروة، والزهري، ومكحول، ومالك.
وقال
الشعبي، والنخعي، والثوري وأبو حنيفة: (ينتقض الوضوء به، ويبطل الصلاة)؛
لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قهقه في صلاته فليعد الوضوء والصلاة».
وروي: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بقوم من أصحابه، فأتى
ضرير فتردى في بئر، فقهقه بعض من كان خلفه، فلما فرغ أمره بإعادة الوضوء
والصلاة».
ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المقهقه في الصلاة يعيد الصلاة، ولا يعيد الوضوء». وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه قال: «الضاحك في الصلاة كالمتكلم».
ولأن كل ما لا ينقض الوضوء خارج الصلاة، لم ينقضه داخل الصلاة، كالكلام.
وأما
خبرهم الأول: فنحمله على أنه يعيد الصلاة وجوبًا، والوضوء استحبابًا،
بدليل ما رويناه. وخبرهم الثاني: مرسل على أنه لا يظن ذلك بالصحابة؛ لأنهم
كانوا خيار الأمة، ووصفهم الله بالرحمة والرأفة، فكيف يضحكون من رجل وقع في
بئر؟.
وإن صح حملناه على الاستحباب، بدليل ما ذكرناه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لا وضوء من فحش الكلام]
قال في "الأم" [1/18] (ولا وضوء من الكلام، وإن عظم، ولا في إيذاء أحدٍ، ولا في قذف).
قال
ابن الصباغ: وهذا إجماع، غير أنه قد روي عن ابن مسعود: أنه قال: (لأن
أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إلي من أن أتوضأ من الطعام الطيب).
وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: (يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب، ولا يتوضأ من الكلمة العوراء؟!).
وقال ابن عباس: (الحدث حدثان: حدث الفرج، وحدث اللسان، وأشدهما: حدث اللسان).
فقال
ابن الصباغ: الأشبه بذلك: أنهم أرادوا غسل الفم. وظاهر كلام الشيخ أبي
إسحاق في "المهذب"، والشيخ أبي نصر: أنهم أرادوا به الوضوء الكامل.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: لا يؤثر الشك في الحدث]
ومن تيقن بحدث، وشك في الطهارة بنى على تيقن الحدث، بلا خلاف؛ لأن الحدث يقين، فلا يرتفع بالشك.
وإن تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على يقين الطهارة عندنا، سواء كان في الصلاة أو خارجًا منها.
وقال مالك: (يبني على الحدث، سواء كان في الصلاة، أو خارجًا منها).
وقال الحسن: إن كان في الصلاة بنى على يقين الطهارة، وإن كان في غير الصلاة بنى على يقين الحدث، وتوضأ.
دليلنا: ما روي: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سُئل عن الرجل يخيل إليه
الشيء في الصلاة؟ فقال: لا ينفتل حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا» وروي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في الصلاة، فينفخ بين أليتيه، فيقول: أحدثت أحدثت، فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا».
وإن تيقن الطهارة والحدث، وشك في السابق منهما، ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يجب عليه الوضوء؛ لأنه قد تيقنهما، وليس لأحدهما مزية على الآخر، فلم يجز له دخول الصلاة بطهارة مشكوك فيها.
والثاني:
ذكره ابن القاص، وهو المشهور: أنه ينظر إلى الحال التي يتيقنها من نفسه
قبلهما: فإن كانت حالة حدث فهو الآن متطهر، لأنه قد تيقن أن الطهارة وردت
على الحدث السابق فأزالته، وهو يشك في ارتفاع هذه الطهارة بحدث، والأصل:
بقاؤها.
وإن كانت حالته قبلهما حالة طهر فهو الآن محدث؛ لأنه قد تيقن أن
الحدث ورد على الطهارة فأزالها، ثم صار يشك: هل ارتفع هذا الحدث بطهارة
بعده؟ والأصل: أنه لم يرتفع.
والوجه الثالث: حكاه الطبري في "العدة":
أنه ينظر إلى الحالة التي تيقنها من نفسه قبلهما فيبني الأمر عليها؛ لأنه
يتعارض اليقينان بعده بالطهارة والحدث فيسقطان، ويبقى على الحالة الأولى،
وهذا أضعف الوجوه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: طهارة المرتد]
وإن توضأ أو تيمم، ثم ارتد ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يبطلان؛ لأن ذلك أعظم من الحدث.
والثاني: لا يبطلان؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6].
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث صفوان: «إلا من غائط، أو بول، أو نوم» فاقتضى أن جميع ذلك نواقض الوضوء.
والثالث:
يبطل التيمم، ولا يبطل الوضوء؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث، فضعف أمره، فبطل
بالردة، والوضوء يرفع الحدث فقوي أمره، فلم يبطل بالردة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: لا صلاة ونحوها إلا بطهارة]
لا يجوز للمحدث فعل الصلاة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول».
ولا يصح له الطواف، خلافًا لأبي حنيفة، ويأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطواف بالبيت صلاة».
ولا يجوز للمحدث مس المصحف، ولا مس حواشيه، ولا مس جلده المتصل به.
ولا يجوز له حمله بعلاقة، ولا بغير علاقة.
وقال داود: (يجوز له مسه).
وقال بعض أصحاب أبي حنيفة الخراسانيين: يجوز له مس حواشيه التي لا كتاب فيها، ويجوز له مس جلده.
وقال أحمد: (يجوز له حمله بعلاقة، أو بغير علاقة).
وقال أبو حنيفة: (يجوز له حمله بعلاقة، ولا يجوز له حمله بغير علاقة). وبه قال حماد، وعطاء، والحسن.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79].
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في كتاب عمرو بن حزم: «لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر».
وأما الدليل على أنه لا يجوز مس حواشيه، ودفتيه؛ فلأنه جزء من المصحف فلم يجز للمحدث مسه، كموضع الكتابة.
وأما الدليل على من أجاز حمله؛ فلأن الحمل أعظم في الهتك من المس، فإذا منع المحدث من مسه، فلأن يمنع من حمله أولى.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم ما زين بآيات القرآن]
ويجوز للمحدث: أن يمس ثوبا أو بساطا نقش عليه القرآن؛ لأن القصد منه التزين، دون القرآن.
وفيه وجه آخر: أنه لا يجوز. وليس بشيءٍ.
وهل يجوز للمحدث: أن يقلب أوراق المصحف بين يديه بخشبة من غير أن يحمله، أو يكتب القرآن علي شيء غير حامل له؟ فيه وجهان:
أحدهما:
لا يجوز. وهو اختيار المسعودي في ["الإبانة" ق\20]؛ لأن ما بيده منسوب
إليه، فلم يجز له مس القرآن به، كما لا يجوز له مسه بيده.
والثاني: يجوز. وهو قول البغداديين من أصحابنا؛ لأنه غير ماس له، ولا حامل.
وهل يجوز للصبيان حمل الألواح التي فيها القرآن وهم محدثون؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز. كما لا يجوز ذلك لغيرهم.
فعلى هذا: على الولي والمعلم أن يأمرهم بالطهارة لذلك، فإن لم يفعل ـ أثم بذلك هو دون الصبي.
والثاني: يجوز؛ لأن حاجتهم إلي ذلك كثيرة، وطهارتهم لا تنحفظ، فلو اشترطنا طهارتهم، لأدى ذلك إلى تنفيرهم.
وإن حمل متاعًا وفي جملته مصحف، فهل يجوز؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\20]:
أحدهما: لا يجوز. لأنه يحمل القرآن.
والثاني:
يجوز. وهو قول أصحابنا البغداديين؛ لأن المقصود منه حمل المتاع، فعفي عما
فيه من القرآن؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كتب إلى المشركين {قُلْ يَا أَهْلَ
الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا
نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ
بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا} [آل عمران: 64].
وإن حمل كتابا من كتب الفقه، وفيه شيء من القرآن، أو حمل دنانير أو دراهم عليها نقش القرآن، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأنه يحمل القرآن.
والثاني: يجوز؛ لأن المقصود بها غير القرآن، ولأن ذلك يشق.
وهل يجوز للمحدث حمل تفسير القرآن؟
قال الشاشي: اختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: إن كان القرآن أكثر، لم يجز. وإن كان التفسير أكثر، ففيه وجهان، ككتب الفقه التي فيها آيات من القرآن.
ومنهم
من قال: إن كان القرآن متميزًا عن التفسير، بأن كتب القرآن صدرا في خط
غليظ، وتفسيره تحته بخط أدق منه، لم يجز حمله. وإن لم يتميز عنه في الخط،
كره له حمله.
قال الشاشي: وهذا لا معنى له؛ لأنه إذا لم يترك شيئا من القرآن، فهو مصحف أودع فيه، فلم يجز للمحدث حمله.
وإن كان في موضع من بدنه نجاسة، فمس المصحف بغيره من بدنه وهو متطهر، فهل يجوز؟ فيه وجهان:
أحدهما قال القاضي أبو القاسم الصيمري: لا يجوز، كما لا يجوز للمحدث مس المصحف بظهره.
والثاني: قال عامة أصحابنا: يجوز. وهو الصحيح؛ لأن النجاسة لا تتعدى محلها، بخلاف الحدث. وبالله التوفيق.





يتبــــــــــــــــــــع





.





كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110





كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Uo_ouo10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 7:35 pm


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب الاستطابة]
إذا أراد قضاء الحاجة، ومعه شيء عليه اسم الله تعالى، أو شيء من القرآن، فالمستحب له: أن ينحيه عنه؛ لما روى أنس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا دخل الخلاء، وضع خاتمه». وإنما وضعه؛ لأنه كان مكتوبا عليه: محمد رسول الله. ثلاثة أسطر.
وهل يختص ذلك بالبنيان، أو يشترك فيه البنيان والصحراء؟ اختلف أصحابنا فيه: فقال الشيخ أبو حامد: يختص ذلك بالبنيان.
وقال المحاملي، وصاحب " المذهب ": يشترك فيه البنيان والصحراء.
وقال
الشيخ أبو حامد: ومما يختص به البنيان دون الصحراء، إذا أراد دخول الخلاء:
أن يقول عند دخوله: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، لما
روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ستر ما بين عورات أمتي، وأعين الجن: بسم الله».
وروي: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول إذا أراد دخول الخلاء: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث».
وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث، الرجس النجس الشيطان الرجيم».
قال أبو عبيد: (الخبث): الشر، و (الخبائث): الشياطين، وأما (الخبيث): فهو الخبيث بنفسه، و (المخبث): هو المخبث لغيره.
ويستحب إذا خرج أن يقول: «الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني، وأمسك لي ما ينفعني». لما روي: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول ذلك). ويستحب أن يقول مع ذلك: «غفرانك، غفرانك». لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول ذلك.
ويستحب أن يقدم في الدخول رجله اليسرى، وفي الخروج رجله اليمنى؛ لأن الدخول أدنى فقدمت فيه اليسار، والخروج أعلى فقدمت فيه اليمنى.
ويستحب لمن أراد قضاء الحاجة في الصحراء أن يبعد في المذهب؛ لما روى المغيرة بن شعبة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا ذهب إلى الغائط، أبعد، بحيث لا يراه أحد».
ويستحب
أن يستتر عن العيون بشيء؛ لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أتي الغائط فليستتر».
«وروى
جابر قال: خرجت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في
سفر، فرأى شجرتين بينهما نحو أربعة أزرع، فقال: يا جابر، اذهب إلى تلك
الشجرة، فقل لها: قال لك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الحقي بصاحبتك؛ فإنه يريد أن يجلس وراءكما، فقلت لها ذلك، فلحقت بصاحبتها،
فجلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وراءهما، فلما قضى
حاجته وقام، عادت إلى مكانها».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: حكم استقبال القبلة حال قضاء الحاجة]
وأما استقبال القبلة بالغائط والبول، فاختلف العلماء في جواز ذلك.
فذهب
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلى: (أنه يجوز ذلك في البنيان،
ولا يجوز ذلك في الصحراء، فإن فعل ذلك ذاكرا عالما بتحريمه أثم). وروي ذلك
عن العباس بن عبد المطلب، وابن عمر، وبه قال مالك وإسحاق.
وذهب أبو حنيفة إلى: (أن ذلك لا يجوز في البنيان، ولا في الصحراء). وبه قال أبو أيوب الأنصاري، والنخعي.
وذهب عروة بن الزبير، وربيعة، وداود إلى: (أنه يجوز ذلك في البنيان والصحراء).
دليلنا: ما روى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما أنا لكم مثل الوالد، فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط، فلا يستقبل القبلة لغائط ولا بول، وليستنج بثلاثة أحجار».
ونهى عن الروث والرمة، وهذا دليل على منع ذلك في الصحراء.
وأما الدليل على جواز ذلك في البنيان: فما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «ذكر
لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن قوما يكرهون
استقبال القبلة بفروجهم، فقال: أوقد فعلوا ذلك؟ استقبلوا بمقعدتي إلى
القبلة». وكان ذلك في البنيان.
وروى ابن عمر، قال: «اطلعت
على إجار ببيت حفصة، فرأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يقضي حاجته قاعدا على لبنتين، مستقبل الشام، مستدبرا القبلة». فإن قيل: كيف جاز لابن عمر أن ينظر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على تلك الحال؟.
قلنا: يحتمل أنه لم يقصد النظر، ولكن فاجأته النظرة، ويحتمل أنه رأى ظهره وأعالي بدنه.
وإذا ثبت هذا: فروى معقل بن أبي معقل الأسدي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن استقبال القبلتين». فتأول أصحابنا ذلك بتأويلين:
أحدهما:
أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينهى عن استقبال بيت
المقدس، حين كان قبلة، ثم نهى عن استقبال الكعبة، حين صارت قبلة، فجمع
الراوي بينهما.
والثاني أن هذا ورد على أهل المدينة، ومن كان في سمتهم
من البلدان؛ لأن من هناك إذا استقبل الكعبة، استدبر بيت المقدس، وإذا
استدبر الكعبة، استقبل بيت المقدس. وسمي بيت المقدس قبلة؛ لأنه كان قبلة
على عادة العرب في استصحاب الاسم بعد زواله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم استقبال القبلة في الأبنية]
البنيان الذي يجوز فيه استقبال القبلة واستدبارها.
قال
المسعودي [في "الإبانة" ق\21] يجب ألا يكون البناء أقل من مؤخرة الرحل،
ويشترط أن يكون بقرب البناء، فإن كان بينه وبين البناء أكثر مما بين
الصفين، كان كالصحراء.
ولا يشترط البناء والتسقيف، بل لو كان بينه وبين القبلة دابة، أو أرسل ثوبه من خلفه، كان كالبناء؛ لأن ذلك يستره عن القبلة.
فإن كان في وهدة من الأرض، وبينه وبين القبلة شيء يستره من الأرض، أو كان بينهما شجرة، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يكون ذلك كالبنيان، لأنه يقع عليه اسم الصحراء.
والثاني ـ وهو الصحيح ـ: أنه يكون كالبنيان؛ لأن ذلك يستره عن القبلة، فهو كالبنيان.
ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض؛ لما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يرفع ثوبه، حين رآه من فوق سطح بيت حفصة حتى دنا من الأرض».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تهيئة مكان البول وما يكره فيه من أمور]
وإذا أراد أن يبول، ارتاد لبوله موضعا لينا؛ لا يترشش عليه البول: إما رملا، أو ترابا لينا، فإن كان الموضع صلبا، دقه بحجر؛ لما «روى
أبو موسى الأشعري، قال: كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- ذات يوم، فأراد أن يبول، فأتى دمثا في أصل جدار، فبال فيه، ثم قال: إذا
أراد أحدكم أن يبول، فليرتد لبوله، ولا يستقبل الريح؛ فإنها ترده عليه». و (الدمث): الموضع اللين. وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتمخر الريح إذا أراد أن يبول».
ويستحب أن يجلس إذا أراد أن يبول، ويكره أن يبول قائما من غير عذر؛ لما روي عن عمر: أنه قال: (ما بلت قائما منذ أسلمت).
وقال ابن مسعود: (من الجفاء أن تبول وأنت قائم). ولأنه لا يأمن أن يترشش عليه.
وروي عن بعض أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنها قالت: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد أن يبول تفاج؛ حتى إنا لنأوي له».
فإن كان له عذر عن الجلوس، لم يكره له البول قائما؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بال قائما لعلة بمأبضه» و (المأبض): ما تحت الركبة من كل حيوان.
ويكره أن يبول في جحر من الأرض؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن البول في الجحر، قيل لقتادة: فما بال الجحر؟ فقال: يقال: إنها مساكن الجن».
وقيل: إن سعد بن عبادة خرج إلى الشام، فسمع أهله هاتفا يهتف في داره ويقول:
نحن قتلنا سيد الخز ** رج سعد بن عباده.
قد رميناه بسهمي ** ن فلم نخط فؤاده.
ففزع أهله من ذلك، وتعارفوا خبره، فكان قد مات في تلك الليلة.
وقيل: إنه قد كان جلس يبول في جحر، فاستلقى ميتا.
ولأنه لا يؤمن أن يخرج من الجحر بالبول شيء يلسعه، أو يرد عليه بوله.
ويكره أن يبول في الماء الراكد؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن البول في الماء الراكد»؛ لأنه ربما أفسده.
ويكره أن يبول في الظل، والطريق، والموارد؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل المقصود».
قال أبو عبيد: فسميت ملاعن؛ لأن من رأى ذلك، قال: من فعل هذا، لعنه الله؟!
ويكره أن يبول في مساقط الثمار؛ لأنه يقع عليه فينجس.
ويكره أن يبول في موضع ويتوضأ فيه؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يبولن أحدكم في مستحمه، ثم يتوضأ فيه؛ فإن عامة الوسواس منه».
ولا بأس أن يبول في الإناء؛ لما روي: «أنه كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدح يبول فيه بالليل يوضع تحت سريره».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: كراهة استقبال النيرين]
قال الصيمري: ويكره له استقبال الشمس والقمر، واستدبارهما بفرجه، ولا يحرم.
ويستحب لمن كان في قضاء حاجته أن يقنع رأسه، ولا ينظر إلى فرجه، ولا إلى ما يخرج منه، ولا يرفع بصره إلى السماء، ولا يعبث بيده.
ويكره أن يتكلم على الخلاء؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان، فإن الله يمقت على ذلك».
ويكره له أن يرد السلام؛ لما روي: «أن
المهاجر بن قنفذ سلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو
يبول، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم رد عليه، وقال: كرهت أن أذكر الله تعالى
إلا على طهر».
ويكره أن يحمد الله تعالى إذا عطس، أو يجيب المؤذن؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر».
ويستحب أن يتكئ على رجله اليسرى، لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قعد أحدكم لحاجته، فليعتمد على رجله اليسرى». ولأنه أسهل في قضاء الحاجة.
ويستحب
له ألا يطيل الجلوس على قضاء الحاجة؛ لما روي عن لقمان أنه قال: (إن طول
القعود على الحاجة، تتجع منه الكبد، ويأخذ منه الباسور، فاقعد هوينا
واخرج).
وإذا بال، تنحنح ومسح ذكره من مجامع عروقه؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا بال أحدكم، فلينتر ذكره ثلاث مرات». ولأنه يخرج إن كان هناك بقية.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: حكم الاستنجاء]
الاستنجاء واجب من الغائط، فإن صلى قبل أن يستنجي لم تصح صلاته، وبه قال مالك في إحدى الروايتين، وأحمد، وإسحاق، وداود.
وقال
أبو حنيفة: (لا يجب، بل هو مستحب). وهي الرواية الثانية عن مالك، وحكي ذلك
عن المزني. وقدر أبو حنيفة النجاسة التي تصيب البدن والثوب بموضع
الاستنجاء، وقال: (لا يجب إزالتها). وقدرها أيضًا بالدرهم الأسود البغلي.
وإنما يعتبر هذا القدر في المساحة دون السمك، فلو علت أيضًا شبرًا أو أكثر، ولم تزد مساحتها على قدر الدرهم لم يجب إزالتها.
دليلنا: ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وليستنج بثلاثة أحجار». وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، ولأنها نجاسة لا تلحق المشقة في إزالتها غالبًا، فلم تصح الصلاة معها، كما لو زادت على قدر الدرهم.
ويجب الاستنجاء من البول، كما يجب من الغائط.
وقال أبو حنيفة: (لا يجب الاستنجاء منه).
دليلنا: ما روى ابن عباس رضى الله عنهما: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بقبرين، فقال: إنهما
يعذبان، وما يعذبان بكبير، أما أحدهما: فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر:
فكان لا يستنزه من البول». وروي «لا يستبرئ من البول».
وروي
أن عبد الله بن عمر خرج في سفر، قال: فدفع بي الطريق إلى مقبرة، فأويت إلى
امرأة، فلما جنني الليل سمعت صوتًا من المقبرة وهو يقول: شن وما شن، بول
وما بول، فجزعت من ذلك، فقلت للمرأة: ما هذا؟ فقالت: ولدي، قدم علينا رجل
في يوم صائف شديد الحر، فاستسقى ماء، فقال ولدي: قم إلى الشن، فاشرب منه،
ولم يكن في الشن شيء، فقام ليشرب، فلم ير فيه شيئًا، فوقع فمات، وكان لا
يستبرئ من البول، وكنت أنهاه عن ذلك، فلا ينتهي، فلما مات دفنته في هذه
المقبرة، فكلما جن الليل يصيح: شن وما شن، بول وما بول. فحدث ابن عمر النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فـ: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يسافر الرجل وحده».
قال أصحابنا: فيحتمل أن يكون نهى عن ذلك؛ لأن ابن عمر جزع مما أصابه، ويحتمل أن يكون لأجل ما أصاب الرجل من العطش.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم الخارج غير البول والغائط]
قال ابن الصباغ: ولا يجب الاستنجاء من المني، ولا من الريح؛ لأنهما طاهران، فلا يجب منهما الاستنجاء.
وإن خرج منه حصاة أو دودة، عليها رطوبة وجب منها الاستنجاء. وإن كان لا رطوبة عليها، فهل يجب منها الاستنجاء؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يجب؛ لأنه لا بلل معه، فهو كالريح.
والثاني:
يجب؛ لأنه لا يخلو من بلل. والأول أصح. قال ابن الصباغ: وإن خرجت منه
بعرة، لا بلل عليها، فهي كالدودة والحصاة التي لا رطوبة معها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: تقديم الاستنجاء على الوضوء]
والمستحب:
أن يستنجي أولا، ثم يتوضأ إن كان واجدًا للماء قادرًا على استعماله. وإن
كان عاجزًا عن الماء، أو عن استعماله، تيمم بعد الاستنجاء. فإن توضأ ثم
استنجى، أو تيمم ثم استنجى، ولم يمس شيئًا من عورته فهل يصح؟ اختلف أصحابنا
فيهما على ثلاث طرق:
فـالأول: قال أبو علي في "الإفصاح" قولان.
والثاني: قال أبو العباس ابن القاص: يصح الوضوء قولا واحدًا، وفي التيمم قولان.
والثالث
قال أكثر أصحابنا: يصح الوضوء، ولا يصح التيمم قولا واحدًا. والفرق
بينهما: أن الوضوء يرفع الحدث، وذلك يصح مع بقاء النجاسة. والتيمم لا يرفع
الحدث، وإنما يستباح به فعل الصلاة، فلم يصح مع بقاء النجاسة.
فإذا قلنا: لا يصح تيممه قبل أن يستنجي، فكان على بدنه نجاسة في غير موضع الاستنجاء، فتيمم قبل إزالتها فهل يصح تيممه؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو المنصوص في "الأم" ـ: (أنه لا يصح؛ لما ذكرناه في النجاسة في موضع الاستنجاء).
والثاني
ـ وهو قول أبي علي الطبري ـ: أنه يصح. والفرق ـ بين النجاسة على موضع
الاستنجاء، وبين غيره من البدن ـ: أن خروج النجاسة إلى موضع الاستنجاء توجب
الطهارة، فجاز أن يكون بقاؤها فيه يمنع صحة الطهارة. وليس كذلك النجاسة في
غير موضع الاستنجاء، فإن خروجها إليه لا يوجب الطهارة، فكان بقاؤها فيه لا
يمنع صحة الطهارة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: أفضلية استعمال الحجر والماء معًا]
وإذا أراد الاستنجاء، وكان الخارج غائطًا أو بولا، ولم يجاوز الموضع المعتاد، فالأفضل أن يستنجي بالأحجار أولا، ثم بالماء بعده.
وحكى ابن المنذر، عن سعد بن أبي وقاص، وابن الزبير، وحذيفة: أنهم كانوا لا يرون استعمال الماء.
وقال سعيد بن المسيب: ما يفعل ذلك إلا النساء. وقال عطاءٌ: غسل الدبر محدث.
وكان الحسن لا يغسل بالماء.
دليلنا: ما روي عن أبي هريرة: أنه قال: (إن هذه الآية نزلت في أهل قباء: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108]. قال: وكانوا يستنجون بالماء).
وقال جابر، وأنس: لما نزلت هذه الآية دعا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأنصار، فقال: «إن
الله عز وجل قد أحسن عليكم الثناء، فما تصنعون؟ فقالوا: نتوضأ للصلاة،
ونغتسل من الجنابة، فقال: هل غير هذا؟ فقالوا: لا، إلا أن أحدنا إذا خرج
من الخلاء أحب أن يستنجي بالماء، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: هو ذاك، فعليكم به».
وهذا يدل على: أنهم كانوا
يستعملون الحجارة أولا؛ لأنهم لا يخرجون إلا بعد استعمال الحجارة. وقد روي:
أنهم قالوا: (نتبع الحجارة الماء).
فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالأفضل: أن يقتصر على الماء؛ لأنه أبلغ في الإنقاء.
وإن أراد الاقتصار على الأحجار جاز، سواء كان الماء موجودًا أو معدومًا.
وقال قوم من الزيدية، والقاسمية: لا يجوز الاقتصار على الأحجار، مع وجود الماء.
دليلنا: ما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار، يستطيب بها، فإنها تجزئ عنه».
وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بال، فقام عمر خلفه بكوز من
ماء، فقال: ما هذا يا عمر؟، فقال: ماء تتوضأ به، فقال: ما أمرت كلما بلت
أن أتوضأ، ولو فعلت ذلك لكان سنة». وهذا يبطل ما قالوه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: كيفية الإنقاء]
إذا استنجى بالماء لزمه إذهاب الأجزاء، وإذهاب الرائحة، لأن بقاء الرائحة يدل على بقاء الأجزاء.
وإذا
استنجى بالأحجار لزمه أبعد الأمرين من الإنقاء، واستيفاء ثلاثة أحجار، فإن
لم ينق بالثالث لزمه أن يزيد رابعًا. فإن أنقى بالرابع أجزأه، ولا يلزمه
استيفاء ستة أحجار.
وحكى في "الفروع": أن ابن خيران قال: يلزمه ذلك. وليس بشيء؛ لأن المقصود قد حصل.
وإن أنقى بحجر أو بحجرين لزمه استيفاء الثلاثة.
وقال مالك، وداود: (لا يلزمه ذلك)، وحكي ذلك عن بعض أصحابنا، وليس بمشهور.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار». وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وقال سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن لا نجتزئ بأقل من ثلاثة أحجار».
فإن
استنجى بحجر له ثلاثة أحرف، فمسح بكل حرف مرة، وأنقى أجزأه؛ لأن المقصود
قد حصل، وهو المسح والإنقاء، فصار كما لو مسح بثلاثة أحجار وأنقى.
و
(الإنقاء) ـ في الأحجار ـ هو: أن لا يبقى إلا أثر لاصق لا يزيله إلا الماء،
فيعفى عن ذلك الأثر؛ لأنا قد بينا أن استعمال الماء غير واجب.
قال الصيدلاني: فلو عرق محل النجو وجاوزه، نجسه، ووجب عليه غسله بالماء. وإن لم يجاوزه عفي عنه، على الأصح.
قال الصيمري: وإن بقيت بعد الأحجار بقية يخرجها حجر صغير، أو ما صغرَ من الخزف ففيه وجهان:
أحدهما: يلزمه إخراجها، كما لو بقيت بقية يخرجها حجر كبير.
والثاني: لا يلزمه، كما لا يلزمه إخراج الأثر اللاصق الذي لا يزيله إلا الماء.


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: كيفية الاستجمار]
قال
أصحابنا: وأما كيفية الاستنجاء بالأحجار: فليس فيه تقدير واجب، وإنما يجب
أن يمر كل حجر من الأحجار الثلاثة على كل موضع من مواضع الاستنجاء.
وأما كيفية الاستنجاء: ففيه وجهان:
أحدهما
قال أبو إسحاق: يأخذ حجرًا فيمره على الصفحة اليمنى ويرمي به، ثم يأخذ
حجرا آخر فيمره على الصفحة اليسرى ويرمي به، ثم يأخذ حجرًا فيمره من مقدم
على المسربة ويرمي به، لما روى سهل بن سعد: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يكفي أحدكم إذا قضى حاجته أن يستنجي بثلاثة أحجار: حجرين للصفحتين، وحجر للمسربة».
والثاني:
قال أبو علي بن أبي هريرة: يأخذ حجرًا فيمره من مقدم صفحته اليمنى إلى
مؤخرها، ثم يديره إلى اليسرى من مؤخرها إلى مقدمها، ثم يأخذ حجرًا ثانيًا
فيمره من مقدم صفحته اليسرى إلى مؤخرها، ويديره من مؤخر صفحته اليمنى إلى
مقدمها، ثم يأخذ حجرًا ثالثًا فيمره على جميعهما وعلى المسربة؛ لما روي: أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يقبل بحجر، ويدبر بحجر، ويحلق بالثالث». وهذا أصح؛ لأنه يستعمل جميع الأحجار، في جميع مواضع الاستنجاء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: كيفية استنجاء غير الرجل]
واستنجاء المرأة في الدبر كاستنجاء الرجل.
وأما استنجاؤها من البول: فإن كانت بكرًا فإنها تستنجي في مواضع البول بالأحجار والماء كالرجل.
وأما
موضع البكارة: فلا تعلق للبول فيه؛ لأنه مسدود تحت ثقبة البول، ولا يصل
إليه البول، ولكن يستحب لها: أن تدخل أصبعها في الثقب الذي في الفرج، فإن
لم تفعل لم يلزمها شيء.
وأما الثيب: فإنها إذا جلست للبول انفرج ذلك
الموضع، فربما ينزل إليه البول، فإن تحققت وصول البول إلى موضع البكارة ـ
وهو مدخل الذكر، ومخرج الحيض،
والمني، والولد ـ وجب غسله بالماء. وإن لم يتحقق وصول البول إليه استحب لها: أن تغسله، ولا يجب عليها.
وحكى في "الفروع" وجهًا آخر: أن الثيب لا يجزئها الاستنجاء بالحجر. وليس بشيء.
وأما الخنثى المشكل: فحكمه في الاستنجاء في الدبر حكم غيره.
وإن
خرج البول من أحد فرجيه، ومن عادته أن يبول منهما فقد مضى ذكره في الحدث.
وإن بال منهما وجب عليه الاستنجاء فيهما؛ لأن أحدهما أصلي بيقين، ولكن لا
نعرفه بعينه، فلزمه الاستنجاء فيهما؛ ليسقط الفرض بيقين.
فإن أراد الاستنجاء بالماء فيهما جاز.
وإن أراد الاقتصار فيهما على الحجر فهل يجزئه؟ فيه وجهان ـ بناء على من انفتح له مخرج دون المعدة، مع انفتاح المعتاد ـ:
إذا قلنا: ينتقض الوضوء بمسه فهل يجزئ فيه الحجر؟ فيه وجهان، مضى ذكرهما.
فإذا قلنا: يجزئه فيه الحجر وجب لكل واحد منهما أبعد الأمرين من ثلاثة أحجار، أو الإنقاء، كما قلنا في الأصلي.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: النهي عن استعمال اليمين في الاستنجاء]
ويكره أن يستنجي بيمينه؛ لما روى أبو قتادة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا خلا فلا يستنجي بيمينه».
وروي عن عائشة: أنها قالت: «كانت يد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليمنى لطعامه وشرابه وطهوره، ويده اليسرى للاستنجاء».
ويستحب أن لا يستعين بيمينه في الاستنجاء على شيء يمكنه فعله بغيرها، فإن كان يستنجي بالحجر من الغائط أخذها بيساره ومسح بها.
وإن كان يستنجي بالحجر من البول، فإن كان يستنجي على حائط أو أرض أو حجر كبير أخذ ذكره بيساره ومسحه بها.
وإن
كان يستنجي بحجر صغير ترك الحجر بين عقبيه أو إبهامي رجليه، ومسح عليه
ذكره بيساره، وإن لم يمكنه، أمسكه بيمينه ومسحه بها. وهكذا إن كان يستنجي
بالماء فإنه يصب الماء بيمينه على موضع الاستنجاء، ويدلكه بيساره؛ لأنه لا
يمكنه غير ذلك.
وإن كان أقطع اليسار لم يكره له أن يستنجي بيمينه؛ لأنه موضع ضرورة.
فإن استنجى بيمينه مع تمكنه من فعله بيساره أجزأه؛ لأن الاستنجاء يقع بما يأخذه بها، لا بها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: ما يقوم مقام الحجر]
وإن استنجى بما يقوم مقام الحجر أجزأه.
وقال داود وأهل الظاهر، وزفر، وأحمد: (لا يجزئه).
دليلنا: ما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أحجار، أو بثلاثة أعواد، أو بثلاث حثيات من تراب». ذكره الدارقطني.
إذا ثبت هذا: فإن ما يقوم مقام الحجر ما اجتمع فيه ستة شروط:
الشرط
الأول: أن يكون جامدًا، فإن استنجى بمائع غير الماء، كالخل، واللبن وما
أشبههما لم يجز؛ لأن إزالة النجاسة لا تجوز عندنا بغير الماء، وقد مضى
ذكره.
الشرط الثاني: أن يكون الجامد طاهرًا؛ لـ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالروث، والرمة». وإنما نهى عنهما لنجاستهما؛ بدليل ما روي: «عن
ابن مسعود: أنه قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بحجرين وروثة ليستنجي به، فأخذ الحجرين، ورمى بالروثة، وقال: إنها ركس». ولأن الماء النجس لا يجوز إزالة النجاسة به، فكذلك الجامد النجس.
إذا ثبت هذا: فإن الشافعي قال في " المختصر " [1/12] (فإن استطاب بما يقوم مقام الحجر من الخزف والآجر وأنقى ما هنالك أجزأه).
وذكر أيضًا في "الأم" [1/19] (أن الاستنجاء بالآجر يجوز).
قال
الشيخ أبو حامد: فيحتمل أن يكون الآجر عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
لا يطرح فيه روث، وقد قيل: إن طرح الروث فيه لم يكن قبل، ثم حدث، ويحتمل أن
يكون علم أن فيه روثًا، ولكنه حكم بأن النار أكلته، فإذا غسل طهر ظاهره،
فيجوز الاستنجاء به. فإن كسر موضع منه فموضع الكسر نجس، لا يجوز الاستنجاء
به وإن غسله؛ لأن الأعيان قائمة فيه لم تحرقها النار.
ولا يستنجي بحجر قد استنجى به هو، أو غيره قبل أن يغسل الحجر بالماء.
فإن
غسل بشيء من المائعات، كالخل، وماء الورد فالمشهور من المذهب: أنه لا يحكم
بطهارته، ولا يجوز الاستنجاء به؛ لأن إزالة النجاسة لا تجوز بغير الماء.
وحكى الصيمري قولا آخر: أنه يحكم بطهارته، ويجوز الاستنجاء به؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأرض يطهر بعضها بعضًا». ولأن المقصود إزالة عين النجاسة، وقد زالت. وهذا قول أبي حنيفة.
فإن جفت النجاسة بالشمس، وذهبت عينها فهل يحكم بطهارته، ويجوز الاستنجاء به؟ فيه وجهان.
فإن قلنا: يحكم بطهارته بالشمس فهل يحكم بطهارته إذا ذهبت عين النجاسة بالظل والرياح؟ فيه قولان.
وإن استنجى بحجر، ثم وجده وشك: هل جرى عليه ماء طهره أم لا؟ لم يستنج به؛ لأن الأصل بقاؤه على النجاسة.
وإن رأى حجرا وشك: هل استنجى به هو، أو غيره؟
قال الشافعي: (كرهت له أن يستنجي به، فإن فعل به أجزأه؛ لأن الأصل أنه لم يستنج به).
فإن استنجى بشيء نجس، أو بمائع غير الماء فهل يجزئه الاستنجاء بالأحجار من ذلك؟ فيه وجهان.
أحدهما:
لا يجزئه إلا الماء؛ لأن هذه النجاسة من غير الخارج من السبيلين، فلم
يجزئه إلا الماء، كما لو وقعت نجاسة على موضع من بدنه غير موضع الاستنجاء.
والثاني: تجزئه الأحجار؛ لأن هذه النجاسة تابعة للنجاسة التي على المحل، فزالت بزوالها.
الشرط
الثالث: أن يكون الجامد منقيًا، فإن كان غير منقٍ، كالزجاج، والحديد
الصقيل، وما أشبه ذلك لم يجزه الاستنجاء به، لأن المقصود إزالة عين النجو،
وهي لا تزول بذلك. وكذلك اللزج الذي لا يجري على موضع الاستنجاء لا يصح الاستنجاء به، لأن عين النجاسة لا تزول به.
وأما الفحم: فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا يصح الاستنجاء به؛ لأنه لا يزيل العين، فهو كالزجاج.
وقال
المسعودي [في "الإبانة" ق\23] قد اختلف نص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
فيه، والصحيح: إن كان صلبًا صح الاستنجاء به، وإن كان رخوًا لم يصح
الاستنجاء به.
وإن استنجى بحجر فيه رطوبة فهل يصح؟ فيه وجهان.
قال الصيمري: ويمكن أن يقال: إن كانت الرطوبة يسيرة صح، وإن كانت كثيرة لم يصح.
فإن استنجى بشيء أملس، كالزجاج الأملس، والحديد الصقيل، فهل يصح الاستنجاء بعده بالحجر؟ فيه وجهان:
أحدهما قال القفال: لا يصح.
والثاني: قال غيره: يصح.
الشرط الرابع: أن لا يكون الجامد مطعومًا، فإن استنجى بمطعوم، كالخبز والعظم لم يجز.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (يجوز الاستنجاء بالعظم).
فأما مالك: فلأنه مزيل عنده للعين.
وأما أبو حنيفة: فلأن الاستنجاء عنده غير واجب.
ودليلنا: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرويفع بن ثابت الأنصاري: «يا رويفع، لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس أن من استنجى بعظم، أو رجيع فقد برئ من محمد».
وروى أبو هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالروث والرمة»: وهي العظم البالي.
وروى ابن مسعود: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالعظام، وقال: هي زاد إخوانكم من الجن».
إذا
ثبت هذا: فإن استنجى بالخبز وأنقى، أو بعظم طاهر وأنقى، فقد فعل فعلا
محرمًا، ويأثم به إذا علم تحريمه. وهل يصح استنجاؤه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه جامد طاهر مزيل للعين، فصح استنجاؤه، وإنما منع منه للحرمة، كما لو صلى في ثوب حرير.
والثاني:
لا يصح، وهو صحيح؛ لأن الاستنجاء بغير الماء رخصة، والرخص لا تتعلق
بالمعاصي. فإذا قلنا بهذا. أجزأه الاستنجاء بالأحجار وجهًا واحدًا، هكذا
ذكره في "الفروع".
الشرط الخامس: أن لا يكون للجامد حرمة. فإن كان له
حرمة، بأن استنجى بما فيه قرآن، أو حديث، أو فقه لم يجز؛ لأن فيه استخفافًا
بالشريعة. فإن استنجى بشيء من ذلك وأنقى فهل يصح؟ فيه وجهان، كما ذكرنا في
الخبز والعظم. فإذا قلنا: لا يصح، أجزأه الإعادة بالأحجار وجهًا واحدًا.
وإن استنجى بقطعة خشنة من ذهب، أو فضة، فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه جامد طاهر مزيل للعين غير مطعوم، فأجزأه كالحجر.
والثاني: لا يصح؛ لأن فيه سرفًا.
فعلى هذا: يصح إعادة الاستنجاء بالحجر وجهًا واحدًا.
وإن استنجى بقطعة ديباج أجزأه؛ لأنه جامد طاهر مزيل للعين، لا حرمة له، فأجزأه كالحجر.
قال
في " حرملة ": (وإن استنجى بخرقة من أحد جانبيها، وكانت رقيقة بحيث تصل
النجاسة إلى الجانب الآخر، لم يجز الاستنجاء في الجانب الآخر؛ لأنها تتندى
بالرطوبة النجسة، فتصير نجسة، إلا أن تلف الخرقة بعضها على بعض، بحيث لا
تتندى النجاسة إلى الجانب الآخر، أو تكون ثخينة لا تصل النجاسة إلى الجانب
الآخر منها، فيجوز حينئذ أن يستنجي بالجانب الآخر؛ لأن النجاسة من الجانب
الآخر لا تصل إليه).
الشرط السادس: أن لا يكون جزءًا من حيوان متصل به؛ لأن له حرمة.
فإن استنجى بشيء طاهر من ذلك، مثل أن يستنجي بيده، أو عقبه، أو بيد غيره، أو بذنب حمار متصل به، فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما قال الشيخ أبو حامد: يصح؛ لأنه جامد طاهر منق غير مطعوم، فأجزأه كالحجر.
والثاني: قال أكثر أصحابنا: لا يصح؛ لأن له حرمة، فلم يصح الاستنجاء به، كالعظم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الاستنجاء بالصوف]
قال في " حرملة ": (وإذا نتف الصوف من ظهر الحيوان المأكول، واستنجى به، كرهته، وأجزأه).
قال
أصحابنا: إنما كره النتف؛ لأن فيه تعذيب الحيوان. فأما الاستنجاء بالصوف
من الحيوان المأكول: فلا يكره؛ لأنه جامد طاهر منق غير مطعوم، فهو كالحجر.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الاستنجاء بالجلد]
وهل يجوز الاستنجاء بالجلد بعد الدباغ؟ فيه قولان:
أحدهما قال في " البويطي "، و" حرملة ": (لا يجوز)؛ لـ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالرمة». وهذا الجلد في معنى الرمة.
والثاني: يجوز؛ لأنه جامد طاهر مزيل للعين غير مطعوم، فأشبه الحجر.
فإن قيل: هلا قلتم: لا يجوز؛ لأنه مأكول؟
قلنا: هو في العادة لا يقصد أكله، ولهذا يجوز بيع جلدين بجلد.
وإن استنجى بجلد حيوان مأكول مذكى، غير مدبوغ، فهل يصح؟ فيه قولان:
أحدهما: يصح، كما يصح بالخرق.
والثاني: لا يصح؛ لأنه لا يقلع النجو للزوجته.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: تجاوز الخارج المخرج]
وإذا
خرج منه الغائط، فكان على المخرج وما حوله مما ينتشر إليه في العادة،
أجزأه فيه الحجر، بلا خلاف بين أصحابنا؛ لأن هذا هو المعتاد في عموم الناس،
فحمل لفظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك.
قال
أصحابنا: وقد روى المزني: (إذا عدى المخرج لم يجزئه إلا الماء). وهذا غير
صحيح، بل الصحيح: ما نقله عن القديم: (أنه يستطيب بالأحجار، إذا لم ينتشر
منه إلا ما ينتشر في العادة من العامة، في ذلك الموضع وحوله).
فإن تغوط
وقام، أو جف الغائط لم يجزئه إلا الماء؛ لأن بقيامه يزول الغائط الخارج عن
موضعه بفعله. وبجفافه لا يزول بالحجر، فانحتم الماء فيه.
وإن انتشر الغائط إلى باطن الأليتين، ولم يخرج شيء منه إلى ظاهرهما فهل يجزئه الحجر؟ فيه قولان:
أحدهما قال في القدم: (لا يجزئه إلا الماء؛ لأن ذلك يندر ويقل، فلا حاجة به إلى استعمال الأحجار فيه).
والثاني:
قال في "الأم" [1/19] يجزئه الأحجار؛ لأن المهاجرين لما قدموا المدينة
أكلوا التمر - وكانت أقواتهم الحنطة والشعير - والتمر يرق بطن من لا يعتاد
أكله.
ومعلوم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن لهم في الاستنجاء بالأحجار. ولأن ذلك يتعذر ضبطه، فجعل الباطن كله حدًا.
وإن
خرج الغائط إلى ظاهر الأليتين لم يجزئه فيما خرج عن الأليتين إلا الماء
قولا واحدًا؛ لأن ذلك نادر، فلم يجزئه إلا الماء، كالنجاسة على سائر بدنه.
فإن
قلنا بقوله في "الأم"، وأن المنتشر إلى باطن الألية يجزئ فيه الحجر. قال
الشيخ أبو حامد: وجب عليه استعمال الماء فيما ظهر على ظاهر الأليتين،
وأجزأه الحجر في المخرج وفي باطن الأليتين.
وإن قلنا بقوله القديم، وأنه
لا يجزئه الحجر في باطن الأليتين، فلا يمكن ـ هاهنا ـ أن يقال: يستعمل
الحجر في المخرج وما حوله، والماء فيما زاد على ذلك؛ لأنه لا يتأتى الفصل
بينهما، فإن أمكنه ذلك أجزأه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم انتشار البول فوق المعتاد]
وأما
البول: فإن كان على ثقب الذكر وما حوله، مما جرت العادة بانتشار البول
إليه، أجزأه الحجر قولا واحدًا؛ لأنه هو المعتاد في عموم الناس.
وإن جاوز البول موضع الطوق من باطن الذكر، أو ظاهره، لم يجزئه فيما جاوز الطوق إلا الماء؛ لأن ذلك نادر.
وإن جاوز البول الثقب وما حوله، ولم يتجاوز الطوق، فهل يجزئ فيه الحجر؟ فيه طريقان:
أحدهما من أصحابنا من قال: فيه قولان، كالقولين في الغائط إذا جاوز المخرج وما حوله إلى باطن الأليتين:
أحدهما: لا يجزئه إلا الماء؛ لأنه يندر.
والثاني: يجزئه الحجر؛ لأنه قد ينتشر إليه في العادة، فجعل الطوق كله حدًا، ووجب الماء فيما زاد.
والطريق الثاني قال الشيخ أبو إسحاق: لا يجزئه إلا الماء قولا واحدًا؛ لأن ما ينتشر من البول نادر بخلاف الغائط.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم الخارج غير المعتاد]
وإن
كان الخارج من السبيلين غير الغائط والبول، فإن كان دم حيض، أو نفاس، أو
منيًا، فإن هذا لا مدخل لاستعمال الأحجار فيه؛ لأن ذلك يوجب الطهارة
الكبرى.
وإن كان دما غير الحيض والنفاس، أو قيحًا، أو صديدًا، فإن ذلك
يوجب الاستنجاء؛ لأنه مائع نجس، فأوجب الاستنجاء كالغائط والبول. وهل يجزئ
فيه الأحجار؟ فيه قولان.
وكذلك إذا خرج منه دودة أو حصاة لا رطوبة معها، وقلنا: يجب منها الاستنجاء، ففيه قولان:
أحدهما: يجزئ فيه الحجر؛ لأنه نجس خارج من السبيلين، فأشبه البول والغائط.
والثاني:
لا يجزئ فيه الحجر؛ لأن الأحجار إنما أجزأت في الغائط والبول؛ لتكررهما
ولخوف المشقة باعتياد الماء فيهما، وهذا لا يوجد في هذه الأشياء النادرة،
فانحتم فيها الماء. وبالله التوفيق.






يتبــــــــــــــــــــع






.






كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110






كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Uo_ouo10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 7:39 pm


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب ما يوجب الغسل]
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: إيلاج الحشفة في الفرج]
والذي يوجب الغسل: إيلاج الحشفة في الفرج، وخروج المني، والحيض، والنفاس.
فأما إيلاج الحشفة في الفرج: فإنه يوجب الغسل، سواء أنزل أو لم ينزل، وهو قول كافة العلماء.
وقال
سعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل،
وأبو سعيد الخدري، وأبو أيوب الأنصاري، ورافع بن خديج: (لا غسل عليه، ما
لم ينزل). وبه قال عروة، وداود. وقيل: إن أبيًا، وزيد بن أرقم رجعا عن ذلك.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43].
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (والجنابة عند العرب: الجماع، وإن لم يكن معه إنزال).
وروي عن عائشة: أنها قالت: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا التقى الختانان وجب الغسل»، فعلته أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاغتسلنا.
وروى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قعد بين شعبها الأربع، وألصق ختانه بختانها فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل». وهذه نص.
قال الزهري: وشعبها الأربع: هي شعبتا رجليها، وشعبتا شفري فرجها.
وإلصاق
الختان بالختان لا يوجب الغسل، وإنما عبر به عن إيلاج الحشفة؛ لأن (ختان
المرأة) هو: أن يقطع منها جلدة فوق ثقبة البول في أعلى الفرج. و (مدخل
الذكر) هو ثقبة في أسفل الفرج. فإذا غيب الحشفة فيه تحاذى (ختانه) ـ وهو:
موضع القطع من ذكره المنحسر عن الحشفة ـ وختانها.
قال الشافعي: (والعرب تقول: التقى الفارسان: إذا تحاذيا، وإن لم يتضاما).
فعبر عن الإيلاج بالتقائهما لتقاربهما.
وإن أولج بعض الحشفة لم يجب الغسل؛ لأن التقاء الختانين لا يحصل بذلك.
فإن كان مقطعوع الحشفة ففيه وجهان، حكاهما الشاشي:
أحدهما: لا يجب عليهما الغسل، إلا بتغييب ما بقي من الذكر؛ لأنه لم يبق حد يعتبر، فاعتبر الجميع.
والثاني: يجب عليهما الغسل، إذا غيب من الباقي قدر الحشفة.
فإن
أولج ذكره في دبر امرأة، أو دبر رجل، أو دبر خنثى مشكل، وجب عليهما الغسل،
لأنه أحد السبيلين، فوجب الغسل بتغييب الحشفة فيه كالفرج.
وإن أولج ذكره في دبر بهيمة أو فرجها، أو فرج امرأة ميتة أو في دبرها وجب عليه الغسل.
وقال أبو حنيفة: (لا يجب).
دليلنا: أنه يقع عليه اسم الفرج، فوجب الغسل بتغييب الحشفة فيه، كفرج المرأة الحية.
وهل يجب غسل المرأة الميتة بذلك؟ فيه وجهان.
وهل يجب الحد على المولج فيها؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يجب؛ لأنه فرج محرم، فوجب بالإيلاج فيه الحد، كالمرأة الأجنبية الحية.
والثاني: لا يجب؛ لأنه فرج غير مقصود.
والثالث: إن كانت زوجته أو جاريته فلا حد عليه؛ للشبهة. وإن كانت أجنبية منه وجب عليه الحد؛ لأنه لا شبهة له فيه.




كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الإيلاج في الخنثى]
وإن أولج رجل ذكره في فرج خنثى مشكل لم يجب عليهما الغسل ولا الوضوء؛ لجواز أن يكون الخنثى رجلا، وهذه خلقة زائدة فيه.
وإن
أولج الخنثى ذكره في دبر رجل لم يجب الغسل على واحد منهما؛ لجواز أن يكون
الخنثى امرأة، وهذه خلقة زائدة، فلا يجب بإيلاجها الغسل.
قال القاضي:
وأما الوضوء: فإنه يجب على الرجل بالإخراج لا بالإيلاج، ويجب الوضوء أيضًا
على الخنثى؛ لأن الخنثى إن كان رجلا فقد وجب عليهما الغسل، وإن كان امرأة
وجب عليهما الوضوء بالملامسة، فوجوب غسل أعضاء الوضوء متيقن.
وهل يجب الترتيب في الوضوء؟
قال القاضي أبو الفتوح: أما وضوء الرجل: فيجب فيه الترتيب بلا خلاف.
وأما الخنثى: فهل يجب عليه الترتيب في الوضوء؟ فيه وجهان.
والذي
يقتضي المذهب: أن الوضوء إنما يجب عليهما بالإيلاج لا بالإخراج؛ لأن
الخنثى إن كان رجلا وجب عليه الغسل بالإيلاج، وإن كان امرأة وجب عليهما
الوضوء بالتقاء بشرة الذكر وبشرة الدبر.
ولا يجب الترتيب في وضوء الرجل؛
لأن له حالتين: حالة يجب عليه فيها الغسل دون الترتيب، وهو: إذا كان
الخنثى رجلا. وحالة يجب عليه فيها الوضوء مرتبًا، وهو: إذا كان الخنثى
امرأة، فأوجبنا المتيقن من ذلك، وهو: غسل أعضاء الطهارة، وأسقطنا المشكوك
فيه، وهو: غسل ما زاد على أعضاء الطهارة، والترتيب في أعضاء الطهارة.
وإن أولج الخنثى ذكره في فرج امرأة أو دبرها لم يجب على واحد منهما الغسل؛ لجواز أن يكون الخنثى امرأة، وهذه بضعة زائدة فيه.
وأما
الوضوء: فلا يجب على الخنثى؛ لجواز أن يكون امرأة. ويجب على المرأة؛ لأن
الخنثى إن كان رجلا وجب عليهما الغسل. وإن كان امرأة فهذا عضو زائد فيهما،
فيجب على المرأة الوضوء بإخراج ذلك منها، كما لو أدخلت في فرجها مسبارًا،
وأخرجته. وهل يجب عليها الترتيب في الوضوء؟ يحتمل أن يكون على الوجهين
اللذين حكاهما القاضي أبو الفتوح في الأولى.
وإن أولج الخنثى ذكره في قبل خنثى مثله لم يجب على واحد منهما وضوء ولا غسل؛ لجواز أن يكونا رجلين، والفرجان زائدان.
وإن أولج الخنثى ذكره في دبر خنثى مثله لم يجب على المولج غسل ولا وضوء؛ لجواز أن يكونا امرأتين.
قال
القاضي: ويجب على المولج فيه الوضوء مرتبًا؛ لأن المولج إن كان رجلا فقد
وجب عليهما الغسل. وإن كان امرأة صار ذلك خلقة زائدة فيه، فصار كما لو أدخل
في دبره مسبارًا وأخرجه فيجب الوضوء بالإخراج لا بالإيلاج.
وإن كان
هناك خنثيان، فأولج كل واحد منهما ذكره في فرج صاحبه لم يجب على واحد منهما
وضوء ولا غسل؛ لجواز أن يكونا رجلين، والفرجان عضوين زائدين، فلا يجب
بإيلاجهما شيء.
وإن أولج كل واحد منهما ذكره في دبر صاحبه، قال القاضي:
وجب على كل واحد منهما الوضوء مرتبًا؛ لأنهما إن كانا رجلين، أو أحدهما
رجلا، وجب عليهما الغسل. وإن كانا امرأتين صار الذكران كالمسبارين، فيجب
الوضوء بإخراجهما لا بإيلاجهما على المولج فيه، وكل واحد منهما مولج فيه،
فوجب عليهما الوضوء؛ لأنه متيقن.
وإن أولج أحدهما ذكره في فرج صاحبه، وأولج الآخر ذكره في دبر الذي أولج فيه، فذكر القاضي أبو الفتوح: أنه لا يجب على واحد منهما غسل.
وأما الوضوء: فإنه يجب على المولج في دبره بالإخراج لا بالإيلاج، ولا يجب الوضوء على المولج في قبله.
والذي
يقتضي المذهب: أنه يجب الوضوء أيضًا على المولج في قبله؛ لأنهما إن كانا
رجلين، أو أحدهما رجلا وجب عليهما الغسل. وإن كانا امرأتين كان الذكران
كالمسبارين يجب الوضوء بإخراجهما على المولج في دبره، وعلى المولج في قبله،
فعلى أي تنزيل نزلتهما فلا بد من غسل أعضاء الوضوء، فوجب غسلهما.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: وجوب الغسل من خروج المني]
وأما خروج المني: فإنه يوجب الغسل، سواء خرج بشهوة أو بغير شهوة.
وقال مالك، وأبو حنيفة وأحمد: (لا يوجب الغسل، إلا إذا خرج بدفق وشهوة).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الماء من الماء». ولم يفرق. ولأنه آدمي خرج المني من مخرجه المعتاد، فأوجب الغسل، كما لو خرج بدفق وشهوة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: خروج المني من فرج المرأة]
وإن خرج المني من فرج المرأة وجب عليها الغسل.
وقال النخعي: لا يجب عليها.
دليلنا: ما روت أم سلمة، «أن أم سليم، قالت: يا رسول الله: هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال: نعم، إذا رأت الماء».
قال أبو العباس بن القاص: وإن استدخلت المرأة المني، ثم خرج منها لم يجب عليها الغسل، وإنما يجب الوضوء عليها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: خروج مني المشكل]
وإن خرج المني من قبلي الخنثى المشكل وجب عليه الغسل؛ لأنه قد خرج من الفرج الأصلي بيقين.
وإن خرج من أحدهما، فقد قال أبو علي السنجي: يجب عليه الغسل.
قال
القاضي أبو الفتوح: وعندي أنها تكون على وجهين، كما لو خرج المني من دبره،
وهذا ـ من قول القاضي ـ يدل على: أن المني إذا خرج من دبر الرجل أو المرأة
هل يجب عليه الغسل منه؟ فيه وجهان.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تكرار خروج المني]
إذا خرج من الإنسان المني فاغتسل، ثم خرج منه المني ثانيًا وجب عليه الغسل، سواء خرج قبل البول، أو بعده.
وقال
أبو حنيفة، والأوزاعي: (إن خرج قبل البول وجب عليه إعادة الغسل؛ لأنه بقية
ماء خرج بدفق وشهوة. وإن خرج بعد البول لم يجب عليه؛ لأنه خرج بغير دفق
وشهوة).
وقال مالك، والزهري، والليث، وعطاء، وأحمد، وإسحاق: (لا غسل عليه، وإنما عليه الوضوء، سواء خرج قبل البول أو بعده).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الماء من الماء». ولم يفرق.
ولأنه مني آدمي خرج من محله، فأوجب الغسل، كما لو خرج ابتداءً.
وإن أحس الإنسان بانتقال المني منه، ولم يخرج فلا غسل عليه.
وقال أحمد: (يجب عليه الغسل).
دليلنا: أن ما أوجب الطهارة، كان الاعتبار فيه بالظهور لا بالانتقال كالحدث.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تيقن وجود المني]
وإن وجد المني على فخذه، أو في ثوب لا ينام فيه غيره، ولم يتيقن خروجه منه ففيه وجهان:
أحدهما قال صاحب "الفروع"، وأبو المحاسن: لا يجب عليه الغسل؛ لأنه لم يتيقن خروجه منه، فلم يجب عليه الغسل.
والثاني: قال عامة أصحابنا: يجب عليه الغسل؛ لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سئل عن الرجل يجد البلل،
ولا يذكر الاحتلام؟ فقال: يغتسل. وسئل عن الرجل يرى أنه احتلم، ولم يجد
البلل؟ فقال: لا غسل عليه».
ولأن الظاهر: أنه خرج منه.
فعلى
هذا: يجب عليه إعادة كل صلاة صلاها قبل الاغتسال بعد أقرب نومة نامها؛ لأنه
اليقين. والمستحب: أن يعيد كل صلاة صلاها من الوقت الذي تيقن أنه لم يكن
معه المني إلى أن رآه.
وإن احتلم، ولم يجد البلل، أو شك: هل خرج منه المني؟ لم يجب عليه الاغتسال؛ لما ذكرناه من الخبر.
وإن
رأى المني على فراش، أو ثوب يبتذله هو، وغيره، لم يجب عليه الغسل؛ لجواز
أن يكون من غيره، والمستحب له: أن يغتسل؛ لجواز أن يكون منه.
وإن تحقق
أن المني خرج منه في النوم، ولم يعلم متى خرج منه وجب عليه أن يغتسل، ووجب
عليه أن يعيد كل صلاة صلاها بعد أقرب نومة نامها. ويستحب له أن يعيد ما صلى
من الوقت الذي تيقن أنه حدث بعده.
قال في " المذهب ": وإن تقدمت منه رؤيا فنسيها، ثم ذكرها عند وجود المني فعليه إعادة ما صلى بعد ذلك؛ لأن معه علامة ودليلا.
و
(مني الرجل): هو الأبيض الثخين الذي تشبه رائحته رائحة طلع النخل في حال
رطوبته، وتشبه رائحته رائحة البيض في حال يبوسته، وقد يجهد الرجل نفسه في
الجماع فيخرج منيه أحمر وقد تصيب الرجل علة فيخرج منيه أصفر رقيقًا.
وأما (مني المرأة): فهو أصفر رقيق.
والمني: مشدد لا غير، قال الله تعالى {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} [القيامة: 37].
وسمي المني منيًا؛ لأنه يمنى، أي: يراق، ولهذا سميت البلد: منى بهذا الاسم؛ لما يراق فيها من الدماء، يقال: منى الرجل وأمنى.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لا غسل من المذي]

(ولا يجب الغسل من المذي) ـ وهو: ماء أصفر رقيق، يخرج بأدنى شهوة من غير
دفق، وهو مخفف، يقال: أمذى الرجل يمذي ـ ويجب منه الوضوء، وغسل الموضع الذي
يصيبه لا غير.
وقال مالك: (يجب عليه غسل جميع الذكر).
وقال أحمد ـ في إحدى الروايتين ـ: يجب عليه غسل جميع الذكر، والأنثيين مع الوضوء؛ لما روي في بعض ألفاظ حديث علي: «يغسل ذكره وأنثييه».
دليلنا: أنه قد روي في حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «ينضح الماء على فرجه ويتوضأ».
ولأن هذا خارج لا يوجب غسل جميع البدن، فلا يوجب غسل ما لم يصبه من الذكر والأنثيين، كالبول.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لا غسل من الودي]

(ولا يجب الغسل من خروج الودي) ـ وهو: ماء كدر ثخين، يخرج عقيب البول ـ
لأن الغسل إذا لم يجب لخروج المذي، وهو أقرب إلى صفة المني، فلأن لا يجب
بخروج الودي ـ وهو أقرب إلى البول ـ أولى.
والودي بالتخفيف: هو ما يخرج بعد البول، وبالتشديد: صغار النخل.
فإن خرج منه شيء يشبه المذي، أو المني، أو الودي، ولم يتميز له ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يجب منه الوضوء لا غير؛ لأن غسل أعضاء الوضوء متيقن، فوجب. وما زاد على ذلك مشكوك فيه، فلم يجب.
والثاني:
أنه مخير بين أن يجعل حكمه حكم المني، فيجب الغسل منه، ولا يجب غسل الثوب
منه. وبين أن يجعل حكمه حكم المذي، فيجب منه الوضوء مرتبًا، ويجب غسل الثوب
منه؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر.
والثالث ـ وهو قول الشيخ أبي
إسحاق ـ: أنه يجب عليه أن يجعل حكمه حكم المني وحكم المذي، فيجب عليه غسل
جميع بدنه، ويجب عليه الترتيب في الوضوء، ويجب غسل الثوب؛ لأنه ليس لأحدهما
مزية على الآخر، فوجب عليه أن يجمع بين حكميهما؛ ليسقط الفرض عنه بيقين.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: الغسل من الحيض]
وأما الحيض: فإنه يوجب الغسل؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ
وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ
مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222].
فموضع الدليل: قَوْله تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [البقرة: 222]ـ بالتشديد ـ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [البقرة: 222].
والمراد به: الاغتسال.
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت أبي حبيش: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي».
وهل وجب الغسل برؤية الدم، أو بانقطاعه؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه وجب بانقطاعه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا أدبرت فاغتسلي وصلي». فأمر بالاغتسال عند الإدبار، فدل على: أنه وجب بذلك.
والثاني:
أنه وجب برؤية الدم، لأن ما أوجب الطهارة، وجب بالخروج لا بالانقطاع،
كخروج البول والمني. وأما الخبر: فإنما أمر بالغسل في الوقت الذي يصح فيه
الغسل.
وإن خرج الدم من أحد قبلي الخنثى المشكل، أو منهما، لم يجب عليه
الغسل، سواء استمر يومًا وليلة، أو لم يستمر؛ لأنه إن خرج الدم من فرج
الرجال فهو دم خرج من غير محل الحيض. وإن خرج من فرج النساء أو منهما فيجوز
أن يكون الخنثى رجلا، وهذا عضو زائد خرج منه الدم فلم يجب عليه الغسل، كما
لو خرج الدم من جروح في بدنه.
وأما دم النفاس: فإنه يوجب الغسل؛ لأنه حيض مجتمع احتبس لأجل الولد.
وهل يجب الغسل برؤيته أو بانقطاعه؟
يحتمل أن يكون على الوجهين في دم الحيض.
وإن ولدت المرأة ولدًا، ولم تر دمًا فيه وجهان:
أحدهما: يجب عليها الغسل؛ لأن خروج المني منها يوجب الغسل، والولد من المني.
والثاني: لا يجب عليها الغسل؛ لأنه لا يقع عليه اسم المني.
فعلى هذا: يجب عليها الوضوء، كما لو خرج من فرجها قطنة أو مسبار.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: إيلاج الصغير]
وإن أولج صبي ذكره في فرج امرأة فلا أعرف فيه نصًا، والذي يقتضي المذهب: أنه يصير جنبًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43].
و
(الجنابة) ـ عند العرب ـ: الجماع، وهذا جماع؛ بدليل أنه يجب على المرأة
المولج فيها الغسل؛ ولأنه حدث، فصح من الصبي، كخروج البول، ولكن لا يجب على
الصبي الغسل إلا بعد البلوغ؛ لأنها عبادة بدنية، فلم تجب على الصبي
كالصلاة. فإن اغتسل في حال صغره، وهو مميز صح غسله، ولم يجب عليه إعادته
بعد البلوغ، كما لو توضأ وهو مميز، ثم بلغ.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: غسل الكافر للإسلام]
إذا أسلم الكافر، ولم يكن وجب عليه الغسل في حال كفره، فالمستحب له: أن يغتسل؛ لما «روي أنه أسلم قيس بن عاصم، وثمامة بن أثال، فأمرهما النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يغتسلا». ولا يجب عليه الغسل.
وقال أحمد، وأبو ثور، وابن المنذر: (يجب عليه الغسل؛ لحديث قيس بن عاصم، وثمامة بن أثال).
دليلنا:
أنه أسلم خلق كثير من الناس، ولم يأمرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بالغسل، ولو أمرهم بذلك لنقل نقلا ظاهرًا.
وأما أمره لقيس وثمامة بن أثال: محمول على الاستحباب، ويحتمل: أنه علم أن عليهما غسلا من جنابة لم يغتسلا منه.
وإن كان قد وجب على الكافر غسل في حال كفره، ثم أسلم قبل أن يغتسل وجب عليه الغسل.
وحكى الشاشي وجهًا آخر: أنه لا يجب عليه. وليس بشيء؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى
حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ
حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43].
وإن كان قد اغتسل في حال كفره فهل يجب عليه إعادته بعد الإسلام؟ فيه وجهان:
أحدهما
من أصحابنا من قال: لا يجب عليه الإعادة؛ لأن غسل الكافر غسل صحيح، بدليل:
أن المسلم إذا تزوج ذمية، فاغتسلت من الحيض حل له وطؤها، فلولا أن غسلها
صحيح لم يحل له وطؤها.
والثاني: يجب عليه الإعادة، وهو المنصوص؛ لأن
الغسل عبادة بدنية تفتقر إلى النية، فلم يصح من الكافر، كالصلاة والصوم؛
ولأن وضوء الكافر لا يصح، فكذلك غسله.
وأما غسل الذمية من الحيض: فقد اختلف أصحابنا فيه:
فقال الشيخ أبو حامد: يصح في حق الآدمي، ولا يصح في حق الله تعالى، فيجب عليها إعادته بعد الإسلام؛ لأن غسلها يتعلق به حقان:
حق الآدمي لاستباحة الوطء، فصح منها؛ لأنه لا يفتقر إلى النية.
وحق
الله تعالى، وذلك قربة يفتقر إلى النية، ولا تصح منها النية، فإذا أسلمت
لزمها إعادته لحق الله تعالى، كما تقول فيمن وجبت عليه الزكاة فامتنع من
بذلها، فإن الإمام يأخذها منه قهرًا، فإذا أخذها منه سقط بها حق الآدمي،
ولا يجب عليه الدفع إليهم ثانيًا، ولا يسقط بذلك حق الله تعالى، وهو
القربة.
وقال ابن الصباغ: لا يجب على الذمية إعادة الغسل لحق الله
تعالى؛ لأنه لا حق للآدمي في غسلها، وإنما حقه في الوطء، ومن شرط استباحة
الوطء صحة الغسل لحق الله تعالى، فلو لم يصح غسلها في حق الله تعالى لما
استباح وطأها، ولأنه لو كان للآدمي حق في غسلها لسقط عنها بترك الزوج له،
وإنما صح غسلها في حال كفرها لموضع الحاجة إليه، كما أن من شرط دفع الزكاة
النية، وإذا امتنع من عليه الزكاة أخذها منه الإمام قهرًا من غير نية لموضع
الحاجة.
قال الشافعي: (وينبغي أن يقال: إن الذمية إذا اغتسلت، ولم تنو
أنه للحيض لم يستبح الزوج وطأها، كالذمي إذا وجبت عليه الكفارة في الظاهر،
فأعتق من غير نية لم يجزئه. وإن نوى العتق عن الظهار أجزأه عنه، واستباح
وطء المظاهر منها).

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: فيما يحرم بالجنابة]
ولا يجوز للجنب: أن يصلي، ولا أن يطوف بالبيت، ولا يمس المصحف، ولا يحمله؛ لأنه إذا لم يجز ذلك للمحدث فالجنب بذلك أولى.
ولا يجوز له: أن يقرأ شيئًا من القرآن.
وقال أبو حنيفة: (يجوز له أن يقرأ صدر الآية، ولا يقرأ إتمامها، ولا يكون المقصود من ذلك القراءة، وإنما هو بمنزلة التسبيح والذكر).
وقال مالك: (يقرأ الجنب الآية والآيتين، على سبيل التعوذ).
وقال داود: (يقرأ الجنب ما شاء من القرآن).
وحكي عن ابن عباس: (أنه كان يقرأ ورده وهو جنب).
وقال ابن المسيب لابن عباس: أيقرأ الجنب القرآن؟
فقال: (نعم، أليس هو في صدره).
وقال الأوزاعي: لا يقرأ الجنب إلا آية الركوب والنزول، كقوله تعالى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [الزخرف: 13]، وكقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا} الآية [المؤمنون: 29].
دليلنا: ما «روى
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قلت: يا رسول الله، إنك تأكل وتشرب،
وأنت جنب؟! فقال: " أنا آكل وأشرب وأنام وأنا جنب، ولا أقرأ وأنا جنب».
وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: «ما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحجزه عن قراءة القرآن شيء، ليس الجنابة».
وروى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يقرأ الجنب، ولا الحائض شيئًا من القرآن».
وروى
ابن عباس قال: كان عبد الله بن رواحة نائمًا مع امرأته في الفراش، فقام
إلى جارية له في جانب البيت فأتاها، فانتبهت امرأته، فطلبته فلم تجده،
فقامت تطلبه، فوجدته مع الجارية، فرجعت وأخذت الشفرة، فتلقاها فقال: ما هذه
الشفرة؟! فقالت له: لو وجدتك في الموضع الذي رأيتك لوجأتك بها بين كتفيك،
فقال: وأين كنت؟! فقالت: مع الجارية. فقال: ما كنت معها، أليس قد نهى رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجنب عن القراءة؟ فقالت:
اقرأ، فأنشدها:
أتانا رسول الله يتلو كتابه **كما لاح مشهور من النجم طالع.
أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ** به موقنات أن ما قال واقع.
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع.
قال الشيخ أبو حامد: وهذا هو المشهور. وذكر بعضهم: أنه أنشدها:
شهدت بأن وعد الله حق ** وأن النار مثوى الكافرينا.
وأن العرش فوق الماء طاف ** وفوق العرش رب العالمينا.
وتحمله ملائكة شداد ** ملائكة الإله مسومينا.
فقالت
زوجته: صدق الله وكذب بصري. ثم غدا عبد الله بن رواحة إلى النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره بذلك، فضحك حتى بدت نواجذه. فأقره
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك.
وإن لم يجد الجنب ماء ولا ترابًا فإنه يصلى على حسب حاله، ويقرأ ما لا بدَّ له منه من القرآن؛ لموضع الحاجة والضرورة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: ما يكره في الحمَّام]
ولا تكره قراءة القرآن في الحمَّام، وبه قال محمَّد.
وقال أبو حنيفة: (تكره).
دليلنا: أنه موضعٌ نظيفٌ ' فلم تكره فيه قراءة القرآن، كغير الحمَّام.
وإن نجس فوه ولسانه بدم أو غيره كره له قراءة القرآن، وهل يحرم؟ فيه وجهان، حكاهما أبو المحاسن من أصحابنا.
وقال أبو حنيفة: (لا يكره).
دليلنا: أن فيه استهانة بالقرآن، فأشبه القراءة على الخلاء، وعلى الجنابة.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: اللبث في المسجد]
ولا يجوز للجنب اللبث في المسجد، ويجوز له العبور فيه. وبه قال ابن عباسٍ، وابن مسعودٍ.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (لا يجوز له اللبث فيه، ولا العبور، إلا أن يحتلم في المسجد فيعبر فيه ليخرج).
وقال الثوري: يتيمَّم، ثمَّ يخرج منه.
وقال أحمد، وإسحاق: (إذا توضأ الجنب جاز له اللبث في المسجد).
وقال المزني، وداود: (يجوز له اللبث فيه).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى
حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ
حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]. وأراد به: موضع الصلاة ـ فعبّر بـ (الصَّلاةِ) عن موضعها، كقوله تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ}
[الحج: 40]. والصلوات: لا تهدّم، وإنما أراد به: مواضع الصلوات، وهي
المساجد ـ لأن العبور لا يمكن في الصلاة، فثبت أنه أراد موضعها.
وقال
جابٌر: (كان أحدنا يمرُّ في المسجد، وهو جنبٌ مجتازًا). ولا يفعلون ذلك في
زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا بإذنه.
والدليل ـ على من جوز اللبث ـ: ما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا أحل المسجد لجنب، ولا لحائض».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: النوم مع الجنابة]
ويجوز للجنب: أن ينام قبل أن يغتسل؛ لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنَّها قالت: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينام وهو جنبٌ لا يمس ماء».
والمستحبُّ له: أن يتوضَّأ، ثمَّ ينام؛ لما روي «عن
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: أيرقد أحدنا وهو جنبٌ؟ فقال: نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد».
قال
أبو عليّ الطبريُّ: وكذلك يستحبُّ له: أن يتوضأ إذا أراد أن يأكل، أو
يشرب، أو يطأ ثانيًا؛ لأن هذه الأسباب في معنى النوم. ولا يستحب ذلك
للحائض؛ لأن حدثها لا يتخفَّف بالوضوء، بخلاف الجنب.
ولا يكره للجنب: أن يصافح غيره؛ لما روي «عن
أبي هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقيه وهو
جنبٌ، قال: (فانخنست) ـ يعنى: تنحَّيت ـ فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنت؟
قلت: كنت نجسًا، فقال: إن المسلم لا ينجس».
وبالله التوفيق.








يتبــــــــــــــــــــع







.







كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110







كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Uo_ouo10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 7:41 pm



كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب صفة الغُسلِ]
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: كيفية الغسل ومستحباته]
ِ
إذا أراد أن يغتسل من الجنابة فالمستحبُّ أن يقول: بسم الله، على جهة
الذكر، ولا ينوي بذلك التلاوة، وينوي الغسل من الجنابة، أو الغسل لأمر لا
يستباح إلا بالغسل، كقراءة القرآن، أو الجلوس في المسجد، ثمَّ يغسل كفَّيه
ثلاثًا قبل إدخالهما الإناء، ثم يغسل ما على فرجه من الأذى، ثمَّ يصبَّ
الماء بيمينه على شماله، فيغسل ما بها من أذى، ثمّ يتمضمض ويستنشق ثلاثًا،
ثمّ يتوضأ وضوءه للصّلاة، ثمّ يدخل أصابعه العشر في الماء، ويشرب بها أصول
شعر رأسه ولحيته؛ ليكون أسهل لدخول الماء، ثمّ يحثي على رأسه ثلاث حثياتٍ
من ماءٍ، ثمّ يفيض الماء على سائر جسده، ويدلك ما قدر عليه من بدنه بيديه.
والأصل فيه: ما روي «أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وميمونة، وصفتا غسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل ما وصفنا».
وهل يندب إلى غسل الرجلين بعد فراغه من الاغتسال؟
فيه قولان، حكاهما في "الإبانة" [ق\27].
أحدهما: يندب إليه؛ لما روي في حديث ميمونة: «ثمّ تحوَّل عن مكانه، فغسل قدميه».
والثاني: لا يندب، كسائر أعضاء الوضوء.
إذا
ثبت هذا: فالواجب منه ثلاثة أشياء: النّيّة، وإزالة النجاسة، وإيصال الماء
إلى البشرة الظاهرة وما عليها من الشّعر. وما زاد على ذلك سنّةٌ.
وقال أبو ثورٍ، وداود: (يجب الوضوء).
وقال مالكٌ، والمزنيُّ: (إمرار اليد على ما تناله من البدن واجبٌ).
وقال أبو حنيفة: (المضمضة والاستنشاق في الجنابة، واجبان).
دليلنا: ما روي: «أنّ
أمّ سلمة قالت: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن
الغسل من الجنابة؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنما
يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثياتٍ من ماءٍ، ثمّ تفيضي الماء على سائر
جسدك، فإذا أنت قد طهرت».
ولم يأمرها بالوضوء، ولا بالتدليك، ولا بالمضمضة والاستنشاق.
«وروى
جبير بن مطعم قال: تذاكرنا الغسل من الجنابة، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أما أنا: فيكفيني أن أصب الماء على رأسي ثلاثًا،
ثمّ أفيض الماء بعد ذلك على سائر جسدي».
قال في "الأم" [1/35-36] (ويغسل ظاهر أذنيه وباطنهما؛ لأنهما ظاهرتان، ويدخل الماء فيما ظهر من صماخيه، وليس عليه غسل ما بطن).
قال الصيدلاني: وإن كان داخل عينيه شعرٌ لم يلزمه غسله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: غسل المرأة]
وإن
كانت المرأة تغتسل كان غسلها كغسل الرجل. فإن كان لها ضفائر، فإن كان
الماء يصل إليها من غير نقضها لم يجب عليها نقضها. وإن كان لا يصل إليها
إلا بنقضها وجب عليها نقضها.
وقال النّخعيّ: يجب عليها نقضها بكل حالٍ.
وقال الحسن، وطاووسٌ: يجب عليها نقضها في غسل الجنابة دون الحيض.
دليلنا: ما روي «أنّ
أم سلمة، قالت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه للغسل من
الجنابة؟ فقال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثياتٍ من ماءٍ، ثمّ
تفيضي عليك الماء، فإذا أنت قد طهرت».
وإنما لم يأمرها بنقضها، لعلمه أنّ شعرها خفيف يصل الماء إليه من غير نقضٍ؛ لأنّ شعور العرب خفيفةٌ.
فإن
كان في رأسها حشوٌ، فإن كان رقيقًا لا يمنع من وصول الماء إلى باطنه لم
يلزمها إزالته، ولا اعتبار بأن يصل الماء إلى ما تحته صافيًا؛ لأن تغيّر
الماء على العضو غير مؤثرٍ. وإن كان الحشو ثخينًا يمنع من وصول الماء إلى
باطنه وجب إزالته ليصل الماء إلى باطن الشعر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحت كل شعرةٍ جنابةٌ».
وإن كان على الرجل شعرٌ فحكمه حكم شعر المرأة.
وإن
كانت المرأة تغتسل من الحيض أو النفاس فالمستحبّ: أن تأخذ قطعة من مسكٍ
فتتبع بها أثر الدّم؛ لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن
امرأة جاءت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسأله عن
الغسل من الحيض، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خذي
فرصةً من مسكٍ فتطهري بها، فقالت: كيف أتطهر بها؟ فقال: سبحان الله! تطهري
بها قالت عائشة: فاجتذبتها، وعرَّفتها الذي أراد، فقلت: تتبعي بها أثر
الدّم».
و (الفرصة): القطعة، و (الفرص): القطع.
قال المزني: فإن لم تجد مسكًا فطيبًا غيره، فإن لم تجد فالماء كافٍ.
فمن
أصحابنا من صحّف ذلك، وقال: فطينًا بالنون، والصحيح: أنه أراد الطيب، وقد
بيَّنه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأم" [1/39]، فقال: (وإن لم يكن
مسكٌ فطيب ما كان، اتباعا للسنّة).
قال ابن الصبّاغ: فإن تتبعته بالطين فلا بأس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: قدر ماء الغسل]
ويستحبّ: أن لا ينقص في الغسل عن صاع، ولا في الوضوء عن مدّ؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يَغْتَسِلُ بِصَاعٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ».
وروي: أنه «سئل
جابرٌ عن الغسل؟ فقال:كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يغتسل بالصّاع، ويتوضأ بالمدّ. فقال رجلٌ: إنه لا يكفيني، قال جابرٌ: قد
كان يكفي من هو خيرٌ منك، وأوفر منك شعرًا».
فإن أسبغ دون ذلك، وأقله: أن يجري الماء على ما أمر بغسله.. أجزأه.
وقال أبو حنيفة ومحمّدٌ: لا يجزئه. وروي ذلك عن عمر في الغسل.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6] الآية، إلى قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. ولم يفرق.
وروى عبد الله بن زيد: «أنّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ بثلثي مدّ».
ولأن ذلك يختلف باختلاف الأبدان وبالخرق والرّفق.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: وضوء الجماعة من إناء]
ويجوز أن يتوضأ الاثنان والثلاثة من إناء واحد؛ لما روى أنسٌ قال: «رأيت
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي بوضوء في إناء؛ فوضع يده
في ذلك الإناء، فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه، وأمر النّاس أن يتوضؤوا،
فتوضأ الناس من عند آخرهم، وكانوا نحوا من سبعين رجلاً».
وهذا من
معجزات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو أبلغ في الإعجاز
من انفجار الماء لموسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الصخرة؛
لأن العادة جرت أنّ الماء يخرج من الحجر، ولم تجر العادة أنّ الماء يخرج من
اليد.
ويجوز: أن يتوضأ الرجل والمرأة من إناء واحد؛ لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناء واحد».
وروى «ابن عمر: قال: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناءٍ واحدٍ».
ويجوز أن يتوضأ أحدهما، ويغتسل بفضل الآخر في الإناء.
وقال أحمد: يجوز للمرأة أن تتوضأ وتغتسل بفضل الرجل وبفضل المرأة، ولا يجوز للرجل أن يتوضأ أو يغتسل بفضل المرأة، إذا خلت به.
دليلنا: ما روي عن ميمونة: أنها قالت: «أجنبت
فاغتسلت من جفنة، ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يغتسل منها، فقلت: إني اغتسلت منه، فقال: إن الماء ليس عليه
جنابةٌ واغتسل منه».
ولأن ما جاز للمرأة أن تتوضأ به.. جاز للرجل أن يتوضأ به، كفضل الرّجل، وعكسه الماء النجس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: ليس في الغسل ترتيب الأعضاء]
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وما بدأ به الرجل والمرأة في الغسل.. أجزأهما).
وهذا
صحيح؛ لأن الترتيب في الغسل ليس بواجب؛ لأنه فعل واحد في جميع البدن فهو
كالعضو الواحد في الوضوء، إلا أنّ المستحبّ: أن يبدأ بما قدمناه.
قال في
" البويطي ": (وأكره للجنب أن يغتسل في البئر، معينة كانت أو دائمة، وفي
الماء الراكد قليلاً كان أو كثيرا، وكذلك التوضؤ فيه)؛ لما روي: أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة».
و (الدائم): هو الراكد، و (المعين): السائل.
فإن
انغمس في بئر، أو نهر، أو وقف تحت ميزاب ماءٍ أو مطرٍ، فأتى الماء على
جميع بشرته الظاهرة، وما عليها من الشعر، ونوى الغسل من الجنابة.. أجزأه،
كما لو غسل ذلك بنفسه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم وجود الحائل على الذّكر حال الجماع]
إذا لفّ على ذكره خرقةً، وأولجه في فرج امرأةٍ ولم ينزل.. ففيه ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أنه لا يجب عليهما الغسل؛ لأن ما أوجب الطهارة من الملامسة من غير حائل لم يوجب الغسل مع الحائل، كالطهارة الصّغرى.
والثاني: يجب عليهما الغسل؛ لأنه يسمّى مولجًا.
والثالث
ـ وهو اختيار الصّيمري ـ: إن كانت الخرقة رقيقة..وجب عليهما الغسل؛ لأنّ
وجودها كعدمها. وإن كانت صفيقةً.. لم يجب عليهما الغسل.
وإذا قلنا بالوجه الثاني، أو كانت الخرقة رقيقة في الثالث، ولم يباشر بدنه بدنها.. فإنه يكون جنبًا غير محدث.
وإن
نظر إلى امرأة وهو على طهارةٍ، فأنزل، أو باشرها من وراء حائل وهو على
طهارة، فأنزل، أو نام قاعدًا وهو على طهارة، فاحتلم.. فقد قال الشيخ أبو
حامدٍ: إنه يكون جنبًا غير محدثٍ؛ لأنه يقال له: جنبٌ، ولا يقال له: محدثٌ.
وقال
القاضي أبو الطيب: هو محدثٌ جنبٌ؛ لأنّ الحدث يحصل بخروج الخارج من أحد
السبيلين، والجنابة تحصل بخروج المنيّ، فاجتمع فيه العلتان.
وإن كان
الرجل جنبًا غير محدثٍ.. فإنه يجب عليه غسل جميع بدنه مرةً واحدةً من غير
ترتيب، ويستبيح به ما يستبيح بالوضوء. وإن كان الرجل جنبًا محدثًا، بأن
يولج ذكره في فرجها من غير حائل، أو ينام مضطجعًا فيحتلم، وما أشبه ذلك..
فقد وجب عليه الوضوء والغسل، وفيما يجزئه من ذلك من خمسة أوجهٍ:
أحدها ـ
وهو المنصوص عليه ـ: (أنه إذا اغتسل بنية الجنابة، وأمر الماء على أعضاء
الطهارة مرّةً واحدة من غير ترتيبٍ.. أجزأه عنهما)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]. ولم يفرّق؛ ولأنهما طهارتان فتداخلتا، كغسل الجنابة والحيض.
والوجه
الثاني: يجب عليه الوضوء مرتبًا والغسل؛ لأنهما حقان مختلفان، يجبان
بسببين مختلفين، فلم يدخل أحدهما في الآخر، كحد الزنا والسرقة.
فعلى
هذا: يجب عليه إمرار الماء على أعضاء الطهارة مرتين، ويجب عليه الترتيب في
أعضاء الطهارة، ويحتمل: أن تجب عليه نيّة الوضوء مع نيّة الجنابة. ولا فرق
بين أن يتوضأ أولا ثمّ يغتسل، أو يغتسل أولا ثمّ يتوضأ.
والثالث: يجب عليه الوضوء مرتبًا، ويجب عليه غسل سائر بدنه؛ لأنهما متفقان في الغسل مختلفان في الترتيب، فتداخلا فيما اتفقا فيه.
فعلى هذا: يجزئه إمرار الماء على أعضاء الطهارة مرّة واحدة لهما، ويحتمل: أن تجزئه نيّة الجنابة عن نيّة الوضوء، على هذا.
والرابع: أنه يقتصر على غسل واحد، ولا يجب عليه الترتيب؛ إلاّ أنه يجب عليه أن ينويهما، كما نقول فيمن جمع بين الحج والعمرة.
والخامس ـ حكاه في "الفروع" ـ: إن أحدث ثمّ أجنب، فعليه الوضوء والغسل. وإن أجنب ثمّ أحدث، كفاه الغسل.
فإذا
قلنا بالمنصوص: فغسل الجنب جميع بدنه عن الجنابة إلا أعضاء الوضوء، ثمّ
أحدث.. لم يلزمه الوضوء؛ لأن حكم الجنابة باقٍ فيها، فلا يؤثر فيها الحدث،
ويجزئه غسل أعضاء الطهارة من غير ترتيب.
وإن غسل الجنب أعضاء الوضوء دون
بقية بدنه، ثم أحدث.. لزمه أن يتوضأ مرتبًا وجهًا واحدًا؛ لأن حدثه صادف
أعضاء الوضوء، وقد زال حكم الجنابة منها، فلزمه الوضوء مرتبًا.
وإن غسل الجنب جميع بدنه إلا رجليه، ثمّ أحدث.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها
ـ وهو قول ابن الحداد، وهو المشهورـ: أنه لا يتعلق حكم الحدث في الرجلين؛
لوجود حدث الجنابة فيهما، فيغسلهما عن الجنابة، ويغسل باقي أعضاء الطهارة
مرتبًا.
قال القاضي أبو الطيب على هذا: فهذا وضوءٌ ليس فيه غسل الرجلين، وإن شئت.. قلت: هذا وضوءٌ يبدأ فيه بغسل الرجلين، ولا نظير له.
والثاني ـ حكاه في "الفروع" ـ وهو: أنه يجب عليه الترتيب في الرجلين؛ تبعًا لوجوب الترتيب في باقي الأعضاء.
والثالث ـ حكاه أيضًا ـ: أنه يسقط الترتيب في باقي الأعضاء أيضًا؛ لسقوطه في الرجلين.
قال
القاضي أبو الطيب: فإن كان محدثًا، فاعتقد أنه جنبٌ، فاغتسل من غير ترتيب،
فإن قلنا بالمنصوص ـ في الجنب إذا كان محدثًا ـ: أنه يكفيه غسلٌ واحدٌ من
غير ترتيب.. فهل يجزئه ها هنا الغسل في أعضاء الوضوء؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجزئه؛ لأن الغسل يجزئ عن الحدثين معًا وإن لم يرتب، فلأن يجزئ عن الأصغر أولى.
والثاني:
لا يجزئه ـ وهو الصحيح ـ لأنه أسقط الواجب بالتطوع، ويخالف إذا كانا
واجبين؛ لأن حكم الحدث يسقط مع الجنابة، فكان الحكم لها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الجنب إذا اغتسل للحدث]
وإن كان جنبًا، فنسي الجنابة واغتسل عن الحدث.. أجزأه ذلك في أعضاء الوضوء دون غيرها.
وكذلك
إذا توضأ عن الحدث.. أجزأه ما غسله من أعضاء الطهارة عن الجنابة. وكذلك لو
غسل الجنب جميع بدنه إلا رجليه، فنسي الجنابة وغسلهما بنيّة الوضوء..
أجزأه عن الجنابة؛ لأن فرض الطهارة في أعضاء الوضوء من الجنابة والحدث
واحدٌ، فأجزأه غسلهما، كما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـ فيمن نسي
الجنابة، فتيمّم عن الحدث ـ: (أجزأه؛ لأنه لو ذكر الجنابة.. لم يكن عليه
أكثر ممّا فعل). وكما لو توضأ ينوي: أنّ حدثه ريحٌ، فكان بولاً. أو اغتسلت
المرأة بنيّة الغسل عن الحيض، وكانت نفساء أو جنبًا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: قطع ما ترك من الشعر بلا غُسلٍ]
ٍإذا غسل الجنب جميع بدنه إلا طرف شعره، فقطع ما بقي من الشعر ممّا لم يغسله.. فقد اختلف أصحابنا المتأخرون فيها:
فمنهم من قال: يجب عليه غسل ما ظهر من الشعر بالقطع؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]. والقطع لا يسمى غسلا.
ومنهم
من قال: لا يجب عليه شيء؛ لأنه زال ما وجب غسله، فهو كما لو توضأ وترك
رجله، ثم قطعت من فوق الكعب.. فإنه لا يجب عليه غسل ما ظهر بالقطع عن
الحدث. وبالله التوفيق.








يتبــــــــــــــــــــع








.








كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110








كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Uo_ouo10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 7:53 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][باب التيمُّم]
الأصل في جواز التيمّم: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6].
والتيمّم في اللغة: هو القصد، تقول العرب: تيممت فلانًا، أي: قصدته. قال امرؤ القيس:
فلما رأت أنّ الشّريعة همها ** وأنّ البياض من فرائضها دامي.
تيممت العين التي عند ضارج ** يفيء عليها الظل عرمضها طامي.
وكذلك التيمّم في الشرع، هو القصد إلى الصعيد.
وقد اختلف في قدر الممسوح، وعدد المسح:
فذهب
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى: أنّ التيمّم هو مسح الوجه واليدين
إلى المرفقين، بضربتين أو أكثر. وروي ذلك عن ابن عمر، وجابر وإحدى
الروايتين عن عليّ، وهو قول الشعبي، والحسن، ومالكٍ، والثوري، وأبي حنيفة.
وذهب الزهري إلى: أنه يمسح وجهه بضربةٍ، ويمسح يديه بضربةٍ إلى المنكبين.
وقال ابن المسيب، وابن سيرين: ضربةٌ للوجه، وضربةٌ للكفين، وضربة للذراعين.
وقال
عطاءٌ، ومكحولٌ، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وداود، وابن جريرٍ: (ضربةٌ
واحدةٌ للوجه، واليدين إلى الكفين) وهو اختيار ابن المنذر.
وروي عن علي: أنه قال: (ضربةٌ للوجه، وضربة لليدين إلى الكفّين).
وحكى بعض أصحابنا: أن هذا قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم.
قال
الشيخ أبو حامدٍ: وليس بصحيح؛ وإنما قال في القديم: (والتيمّم: أن تضرب
ضربة فتمسح بها وجهك، ثمّ تضرب أخرى فتمسح بها يديك إلى المرفقين، وقد روي
فيه شيء لم يثبت، ولم ثبت لم أعده). فخرجوا ذلك قولاً، وليس بشيء.
ودليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تيمّم فمسح وجهه وذراعيه». وروى ابن عباس، وجابر، وابن عمر، وأبو أمامة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «التيمّم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين». ولأنه بدل يؤتى به في محلّ مبدله، فكان حده فيهما واحدًا، كالوجه.
إذا
ثبت هذا: فيجوز التيمّم عن الحدث الأصغر، وهو: حدث الغائط، والبول،
والريح، ولمس النساء، ومسّ الفرج. وعن الحدث الأكبر وهو: الجنابة، والحيض،
والنّفاس. وبه قال علي، وابن عباس، وعمار بن ياسر، وأبو موسى الأشعري. وروي
عن عمر، وابن مسعود: أنهما قالا: (لا يجوز للجنب أن يتيمّم). وبه قال
النخعي. وقيل: إنهما رجعا عن ذلك.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا
فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
قال زيد بن أسلم: وترتيبها: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6]ـ يعني: من النوم ـ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6] إلى آخر الكلام، ثمّ بيّن حكم الجنب، فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] يعني: فاغتسلوا، ثمّ بيّن حكم المحدث والجنب معًا، فقال: {وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]، فاشتملت الآية عليهما.
«وروى
عمّارٌ قال: أجنبت فتمعّكت بالتراب، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: إنما كان يكفيك هكذا: وضرب بيديه على الأرض، ومسح بها وجهه
وكفيه».
«وروى عمران بن الحصين قال: صلى
بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما انفتل من
الصلاة رأى رجلا لم يصل.. فقال له: لم لم تصل؟ فقال: كنت جنبا، ولم أجد
الماء، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:الصعيد يكفيك».
«وروى
أبو ذرّ قال: اجتويت المدينة ـ يعني: كرهت المقام فيها ـ فأمر لي رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذود وبغنم، وقال لي: ابد ابد
يعني: اخرج إلى البادية ـ فخرجت بأهلي إلى الربذة، فكنت أعدم الماء الخمسة
الأيام والستة وأنا جنب، فأصلي بغير طهور، ثم قدمت المدينة، فأتيت النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: أبو ذر؟ قلت: نعم، هلكت يا
رسول الله، قال: وما أهلكك؟، فقصصت عليه القصّة، وقلت: إني كنت أصلي بغير
طهورٍ، فأمر لي بماء، فاستترت براحلته واغتسلت، ثمّ أتيت النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا أبا ذرّ، الصعيد الطيب وضوء المسلم
ولو لم يجد الماء عشر حجج، فإذا وجد الماء.. فليمسسه بشرته».
فإن
وجد الجنب الماء بعد التيمّم.. لزمه استعمال الماء، وهو قول كافة العلماء،
إلا ما حكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: لا يلزمه استعمال الماء؛
بل له أن يصلي بتيمّمه.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا وجد الماء.. فليمسسه بشرته».
ولا يصح التيمّم عن إزالة النجاسة.
وقال أحمد: (يصح).
دليلنا:
أن التيمّم مسح الوجه واليدين، وقد تكون النجاسة في غير الوجه واليدين،
فكيف يؤمر بمسح الوجه واليدين عن نجاسة في غيرهما؟! كما لا يجوز أن يغسل
وجهه ويديه لنجاسة في غيرهما، ولأن المقصود إزالة عين النجاسة، وذلك لا
يزول بالتيمّم.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: فيما يتيمّم به]
ولا يجوز التيمّم إلا بالتراب الذي له غبارٌ يعلق في العضو، وبه قال أحمد، وداود.
وقال
أبو حنيفة: (يجوز التيمّم بالتراب، وبكل ما كان من جنس الأرض، كالكحل،
والنّورة، والزرنيخ، والجصّ). والغبار عنده ليس بشرط، بل لو ضرب يده على
صخرة ملساء، أو حائطٍ أملس.. أجزأه. وأما الشجر والذهب، والفضة والحديد،
والرصاص..فلا يجوز التيمّم به.
وقال مالكٌ: (يجوز التيمّم بالأرض، وبما كان متصلاً بالأرض، كالأشجار) ويجوز التيمّم عنده بالملح.
وقال الثوري، والأوزاعي: (يجوز التيمّم بالأرض، وبكل ما كان عليها، سواءٌ كان متصلاً بها، أو غير متَّصلٍ). وهذا أعمُّ المذاهب.
دليلنا: ما روى حذيفة بن اليمان: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فضلنا على النّاس بثلاث خصال: جعلت الأرض لنا مسجدًا، وترابها لنا طهورًا، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة».
فخصَّ ترابها بجواز التيمّم، فدلّ على: أنه لا يجوز بغيره؛ ولأنه طهارةٌ
عن حدثٍ فاختصّت بجنسٍ طاهرٍ، كالوضوء، وفيه احترازٌ من الاستنجاء
والدّباغ.
إذا ثبت هذا: فقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (يجوز التيمّم بالتراب من كلّ أرضٍ: سبخها، ومدرها، وبطحائها).
فأما (السّبخ): فهي الأرض المالحة.
وحكي عن بعضهم: أنه قال: لا يصح التيمّم به. وهذا ليس بصحيح؛ لـ: «أنّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتيمّم بتراب المدينة»، وهي أرضٌ مالحةٌ.
وأما (المدر): فهو التراب الذي أصابه الماء، فاستحجر وخفّ، فإذا سحق.. صار ترابًا.
وأمّا (البطحاء): ففيه تأويلان:
أحدهما: أنه القضّ من الأرض.
والثاني: أنه التراب المستحجر.
وهل يجوز التيمّم بالطين الأرمنيّ، والتراب المأكول؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو المشهور ـ: أنه يجوز التيمّم؛ لأنه ترابٌ.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه مأكولٌ.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: التيمّم بالرمل]
قال
في "الأم" [1/43] (ولا يجوز التيمّم بالكثيب الغليظ)، وقال في " الإملاء
": (يجوز التيمم بالتراب، والرّمل). وقال في القديم: (يجوز التيمّم
بالرّمل).
واختلف أصحابنا في التيمّم بالرمل: فقال أبو إسحاق: ليست على قولين، وإنما هي على الحالين:
والذي قاله في "الأم" في الكثيب الغليظ، أراد به: الرّمل الذي لا يخالطه التراب.
والذي قاله في " الإملاء " والقديم أراد به: الرّمل الذي يخالطه التراب.
وقال ابن القاصّ: بل في الرّمل قولان:
أحدهما: يجوز التيمّم به؛ لما روى أبو هريرة: «أن
رجلاً أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: إنا نكون
بأرض الرّمل، وتصيبنا الجنابة، والحيض، والنفاس، ولا نجد الماء أربعة أشهر،
أو خمسة أشهر؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عليكم بالأرض».
والثاني:
لا يجوز؛ لأنه لا يقع عليه اسم التراب، فأشبه الحجارة المدقوقة، وأما حديث
أبي هريرة: فمحمول على رمل يخالطه تراب؛ لأن العرب لا تغرب إلا إلى أرض
بها نبات، والرّمل لا ينبت إذا كان لا تراب فيه.
وإن أحرق الطين وتيمّم بمدقوقه.. فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه يقع عليه اسم التراب.
والثاني: لا يصح، كما لا يصح بالخزف المدقوق.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: التيمّم بالطين والتراب النجس]
قال
في "الأم" [1/43] (ولو لطخ على وجهه الطين.. لم يجزه)؛ لأنه لا يقع عليه
اسم التراب، ولما روى عكرمة: أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سئل
عن رجل في طين، لا يستطيع أن يخرج منه؟ فقال: (يأخذ من الطين، فيطلي به
بعض جسده، فإذا جفّ.. تيمّم به). ولا يعرف له مخالف. فإن خاف فوت الوقت قبل
أن يجفّ.. كان بمنزلة من لم يجد ماءً ولا ترابًا، ويأتي حكمه.
ولا يجوز التيمّم بتراب نجس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6].
و (الطيب): يقع على ما تستطيبه النفس؛ كقولهم: هذا طعام طيب.
ويقع على الحلال، كقوله تعالى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المؤمنون: 51] يعني: الحلال. ويقع على الطاهر.
ولا
يجوز أن يكون المراد بالآية ها هنا: ما تستطيبه النفس، ولا الحلال؛ لأن
التراب لا يوصف بذلك، فثبت أنه أراد به الطاهر. ولأنه طهارةٌ، فلا تصح
بنجس، كالوضوء.
ولا فرق بين أن يكون التراب الذي خالطته النجاسة قليلاً أو كثيرًا، بخلاف الماء؛ لأن للماء قوة تدفع النجاسة عن نفسه.
وإن
خالط التراب ذريرةٌ أو نورةٌ أو دقيقٌ، فإن استهلك التراب في هذه الأشياء،
وغلبت عليه.. لم يجز التيمّم به بلا خلاف على المذهب. وإن استهلكت هذه
الأشياء في التراب، وغلب عليها.. ففيه وجهان:
أحدهما قال أبو إسحاق: يجوز التيمّم به، كما تجوز الطهارة بالماء الذي خالطه مائعٌ واستهلك المائع فيه.
والثاني:
لا يجوز، وهو المذهب؛ لأن المخالط للتراب يمنع من وصول التراب إلى العضو،
والمخالط للماء لا يمنع من وصول الماء إلى العضو؛ لأن الماء يجري بطبعه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تيمّم الجماعة في مكان وصورٌ أخرى]
ويجوز أن يتيمّم الجماعة من موضعٍ واحد، كما يجوز أن يتوضأ الجماعة من ماء في إناءٍ واحدٍ.
وإن ضرب يديه على بدنه، أو ثيابه، أو آذانه، أو رأسه، أو ظهره، فعلق بهما غبارٌ، فتيمّم به.. صحّ.
وقال أبو يوسف: لا يصحّ.
دليلنا: أنه يقع عليه اسم التراب، وهو طاهرٌ غير مستعمل، فصحٌ تيمّمه به، كما لو أخذه من الأرض.
وإن
تيمّم، فبقي على أعضاء التيمّم غبارٌ من التيمّم، فتيمّم هو به، أو غيره..
لم يصح تيمّمه؛ لأنه مستعمل في التيمّم، فلم يصح التيمّم به، كما لو أخذ
الماء من وجهه أو يديه، ومسح به رأسه.
ولو علق على وجهه ترابٌ من غير التيمّم، فمسح به وجهه من غير أن ينقله عنه.. قال المسعودي [في "الإبانة" ق\35] لم يصح تيمّمه.
وإن أخذه من وجهه، ثمّ أعاده إليه.. فهل يصح تيمّمه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح، كما لو مسحه عليه من غير أن ينقله.
والثاني: أنه يصح، كما لو وقع على غير الوجه، فنقله منه إلى وجهه.
وإذا قلنا بالأول، وعلق على يديه ترابٌ من غير التيمّم، فأخذه ومسح به وجهه.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يصح؛ لأنه نقله من موضع الفرض، فهو كما لو نقل منه ما بقي عليه من التيمّم.
والثاني: يصح، وهو الأصح؛ لأنه غبار ترابٍ طاهرٍ غير مستعملٍ، فهو كما لو أخذه من بطنه أو ظهره.
وإن تيمّم بما يتناثر من أعضاء المتيمّم من الغبار من التيمّم، أو تيمّم به غيره.. فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأن المستعمل من التراب ما بقي على أعضاء التيمّم، دون ما تناثر.
والثاني:
لا يصح، كما لا يصح الوضوء بما تساقط من الماء عن أعضاء الطهارة؛ ولأنه لو
مسح يديه بالضربة التي مسح بها وجهه..لم يصح وإن كان قد بقي فيهما غبارٌ،
فلأن لا يصح فيما تناثر من الوجه أولى.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: هل يرفع التيمّم الحدث]
التيمّم لا يرفع الحدث.
وقال
داود وشيعته، وبعض أصحاب مالك: (التيمّم يرفع الحدث). وبه قال بعض أصحابنا
الخراسانيين؛ لأنها طهارةٌ عن حدث تستباح بها الصلاة، فوجب أن يرفع الحدث،
كالطهارة بالماء.
ودليلنا: ما «روى عمرو بن
العاص قال: كنت في غزوة ذات السّلاسل، فأجنبت في ليلةٍ باردةٍ، فأشفقت على
نفسي، إن اغتسلت بالماء.. هلكت، فتيمّمت وصليت بأصحابي صلاة الصبح، فذكر
ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا عمرو: صلّيت
بأصحابك وأنت جنبٌ؟ فقلت: سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]. فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يقل شيئًا».
ففي هذا الخبر فوائد.
منها: أنّ التيمّم يجوز لخوف التّلف من البرد.
ومنها: أنّ الجنب يجوز له التيمّم.
ومنها: أنّ الجنب إذا صلى بالتيمّم في السفر.. لا إعادة عليه.
ومنها: أنّ من تيمّم لأجل البرد في السفر.. لا إعادة عليه.
ومنها: أنّ التيمّم لا يرفع الحدث؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سماه جنبًا مع علمه أنه قد تيمّم.
ومنها: أنه يجوز للمتيمّم أن يؤم المتوضئين؛ لأن أصحابه كانوا متوضئين.
ومنها: أنّ هذا المتلو كلام الله؛ لأن عمرًا قال: سمعت الله تعالى يقول، ولم يسمع إلا المتلوّ.
ومنها: أنّ الجنب إذا تيمّم.. يجوز له أن يقرأ في غير الصلاة؛ لأن عمرًا قال: سمعت الله تعالى يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]. ولم ينكر عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ومن الدليل على أن التيمّم لا يرفع الحدث: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي ذرّ: «الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج، وإذا وجد الماء.. فليمسسه بشرته». فلو ارتفع حدثه..لم يجب عليه استعمال الماء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: نية التيمّم]
ولا يصح التيمّم إلا بالنية.
وقال الأوزاعي، والحسن بن صالح: يصح من غير نية.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. والتيمّم في اللغة: القصد. والنية: هي القصد أيضًا.
إذا ثبت هذا: فإن نوى بتيمّمه: رفع الحدث، وقلنا: إن التيمّم لا يرفع الحدث.. ففيه وجهان:
أحدهما: ـ وهو المشهور ـ: أنه لا يصح تيمّمه؛ لأن التيمّم لا يرفع الحدث، فقد نوى ما لا يفيده.
والثاني ـ حكاه في "المهذب" ـ: أنه يصح؛ لأنه يتضمن استباحة الصلاة.
وإن نوى بتيمّمه استباحة الصلاة المفروضة، أو نوت الحائض إذا انقطع دمها: استباحة الوطء.. صح التيمّم؛ لأن التيمّم يراد لذلك.
وإن
نوى بتيمّمه استباحة صلاةٍ نافلة.. صح تيمّمه على المذهب؛ لأن كلّ طهارة
صحت بنية استباحة الفرض.. صحت بنية استباحة النفل، كالطهارة بالماء.
وحكى الطبري: أن ابن القاص قال: لا يصح تيمّمه؛ لأن التيمّم طهارة ضرورة، ولا ضرورة به إلى النفل.
فإذا
قلنا بالأول، ونوى بتيمّمه استباحة الصلاة، ولم ينو الفريضة، أو نوى صلاة
نفلٍ..استباح به النّفل. وهل يستبيح بذلك التيمّم صلاة الفرض؟ فيه طريقان:
الأول: قال عامة أصحابنا: لا يستبيح به الفريضة قولاً واحدًا.
والثاني: قال المسعودي [في "الإبانة" ق\15]، وأبو حاتم القزويني: هي على قولين:
أحدهما: يستبيح به الفرض، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن كل طهارة استباح بها النّفل.. استباح بها الفرض، كالطهارة بالماء.
والثاني:
لا يستبيح به الفرض، وبه قال مالك؛ لأن التيمّم لا يرفع الحدث، وإن استباح
به الصلاة.. فلم يستبح به ما لم ينوه، بخلاف الطهارة بالماء.
فإذا قلنا بهذا: أنه لا يصح تيمّمه للفرض حتى ينويه.. فهل يفتقر إلى تعيين الفريضة بنية التيمّم؟ فيه وجهان:
أحدهما: يفتقر إلى ذلك، لأن كل موضع افتقر إلى نية الفرض.. افتقر إلى تعيين الفرض، كالإحرام في الصلاة، ونّية الصّوم.
والثاني:
لا يفتقر إلى ذلك، وهو ظاهر النّصّ؛ لأن الشافعي قال: (وينوي بتيممه
الفريضة). وأطلق، ولم يشترط التعيين. وقال في " البويطي ": (فلو تيمّم ونوى
المكتوبتين.. لم تجزه إلا لصلاةٍ واحدةٍ). ولو كان التعيين شرطًا.. لم
تجزئه لواحدةٍ منهما، ولأن الأحداث الموجبة للطهارة لا يحتاج إلى تعيينها،
فلم يفتقر إلى تعيين المستباح.
وإذا نوى بتيمّمه استباحة فريضةٍ
ونافلةٍ.. جاز له أن يصلي به الفريضة التي نواها، ويصلي به ما شاء من
النوافل قبل الفريضة وبعدها، في وقتها وفي غير وقتها؛ لأنه قد نوى استباحة
النّفل بتيمّمه، والنفل لا ينحصر.
وإن نوى بتيمّمه استباحة فريضةٍ، ولم ينو النفل..فهل يستبيح به النفل؟
قال المسعودي [في "الإبانة" ق\15] فيه قولان.
وقال البغداديون من أصحابنا: يستبيح به النفل قولاً واحدًا؛ لأن الفرض أعلى من النفل، فإذا استباح الفرض بتيمّمه.. استباح به النفل.
فعلى
هذا: له أن يصلي به النفل بعد الفريضة، ما دام وقتها فيها باقيًا على سبيل
التبع لها. وإن خرج وقت الفريضة..فهل له أن يصلي النّفل بذلك التيمّم؟
فيه وجهان؛ حكاهما المحاملي:
أحدهما: لا يجوز؛ لأن النافلة من أتباع الفريضة، فلم تصح له النافلة بذلك التيمّم بعد ذهاب وقت المتبوع.
والثاني: يجوز؛ لأنها طهارة استباح بها النفل في وقت الفريضة، فاستباح بها النفل بعد خروج وقت الفرض، كالوضوء.
وهل له أن يتنفل بذلك التيمّم قبل صلاة الفريضة؟ فيه قولان:
أحدهما: يجوز؛ لأن كل طهارة جاز له أن يتنفل بها بعد الفريضة.. جاز له قبلها، كالوضوء.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه إنما استباح النافلة بهذا التيمّم تبعًا للفرض، فلا يجوز أن يتقدم التابع على المتبوع.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: ما يفعل بنّية النفل]
وإن
نوى بتيمّمه استباحة صلاة النفل.. جاز له أن يصلي به على الجنازة إذا لم
تتعيّن عليه؛ لأنها كالنافلة. ويستبيح به مسّ المصحف وحمله.
وإن كان
جنبًا، أو حائضًا، ونوى التيمّم للنافلة.. استباح به قراءة القرآن، واللبث
في المسجد، والوطء؛ لأن النافلة أكد من هذه الأشياء، لأن الطهارة شرط فيها
بالإجماع، والطهارة مختلف فيها لهذه الأشياء، فإذا استباح النافلة.. استباح
ما دونها.
وإن نوى بتيمّمه استباحة هذه الأشياء.. فهل له أن يصلي به النفل؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: يستبيح به النفل؛ لأن هذه الأشياء نوافل، فاستباح صلاة النفل بالتيمّم لهذه الأشياء.
والثاني: لا يستبيح به صلاة النفل؛ لأنها آكد في باب الطهارة، على ما تقدم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: كمال كيفية التيمم]
وإذا أراد التيمّم.. فإنه يسمي الله تعالى، كما قلنا في الوضوء، وينوي على ما مضى، ثمّ يتيمّم.
والكلام فيه في فصلين: في الاستحباب، وفي المجزئ منه.
فأما
الاستحباب: فإن المزني روى: أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المختصر
" (1/28) قال: (يضرب على التراب ضربةً، ويفرق بين أصابعه). وقال في موضعٍ
آخر: (يضع يديه على التراب).
قال أصحابنا البغداديون: ليست على قولين، وإنما أراد بقوله (يضع يديه): إذا كان التراب ناعمًا دقيقًا؛ لأنه يعلق غباره من غير ضربٍ.
وأما إذا كان التراب غير ناعمٍ.. فإنه يضرب ويفرق بين أصابعه؛ لأنه لا يعلق الغبار بكفيه إلا بالضرب.
وقال
المسعودي [في "الإبانة" ق\35] لا يفرق بين أصابعه في الضربة الأولى؛ لئلا
يحصل التراب بين أصابعه في الأولى، فيكون ماسحًا لجزء من يديه قبل وجهه.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فإن حصل على كفّيه تراب كثير.. نفخ التراب؛ ليخففه من على يديه، ويبقي عليهما أثره)؛ لما «روى
أسلع، قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا
جنب، فنزلت آية التيمّم، فقال: يكفيك هكذا:فضرب بكفيه الأرض، ثمّ نفضهما،
ثمّ مسح بهما وجهه، ثمّ أمرهما على اللحية، ثمّ أعادهما إلى الأرض، فمسح
بهما الأرض، ثمّ دلك إحداهما بالأخرى، ثمّ مسح ذراعيه: ظاهرهما وباطنهما».
وإنما
نفضهما؛ لأنه علق بهما غبار أكثر مما يحتاج إليه فخففهما، ثمّ يمسح بيديه
على وجهه الذي وصفناه في الوضوء، ويمرهما، على ظاهر شعر الوجه.
وهل يجب عليه إيصال التراب إلى باطن الشعر في الوجه الذي يجب إيصال الماء إليه في الوضوء؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجب عليه ذلك، كما قلنا في الوضوء.
والثاني:
لا يجب عليه، وهو المذهب؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وصف التيمّم، ومسح وجهه بضربة، وبذلك لا يصل التراب إلى باطن شعر الشارب،
والعذار، والعنفقة وإن كان خفيفا. ويخالف الوضوء؛ لأنه لا مشقة عليه في
إيصال الماء إلى باطن هذه الشعور، فوجب، وعليه مشقة في إيصال التراب إلى
باطنها، فلم يجب.
ثم يضرب ضربة ثانية، ويفرق بين أصابعه. وإن كان عليه
خاتم.. نزعه قبل الضربة الثانية؛ لئلا يمنع من وصول التراب إلى ما تحتها،
فإذا فعل ذلك.. فقد سقط الفرض عن الراحتين، وعما بين الأصابع بما وصل إليها
من التراب.
فإن قيل: إذا سقط الفرض به.. فقد صار مستعملا، فكيف يجوز مسح الذراعين به، وعندكم: لا يجوز نقل الماء من إحدى اليدين إلى الأخرى؟
فالجواب: أنه لو انفصل الماء من إحدى اليدين إلى الأخرى، لكان في صحة ذلك وجهان:
أحدهما: يجزئه؛ لأنهما كالعضو الواحد، ولهذا يجوز البداية بما شاء منهما.
والثاني: لا يجوز، وهو الأصح، كما لو انفصل الماء من وجهه إلى يديه.
فعلى
هذا: الفرق بين الماء والتراب: أن الماء ينفصل من إحدى اليدين إلى الأخرى،
والتراب لا ينفصل من إحداهما إلى الأخرى، ولأن هاهنا به حاجة إلى ذلك؛
لأنه لا يمكنه أن ييمم ذراعا من يد بكفها، بل لا بد من كف أخرى، فصار ذلك
بمنزلة نقل الماء في العضو الواحد من بعضه إلى بعض.
وأما مسح إحدى
اليدين بالأخرى.. فذكر المزني [في " المختصر " 1/28-29] فيها ترتيبا،
فقال: يضع كفه اليسرى على ظهر كفه اليمنى وأصابعهما، ثم يمرها على ظهر
الذراع إلى مرفقه، ثم يدير بطن كفه إلى بطن كف الذراع، ثم يقبل بها إلى
كوعه فيمرها على ظهر إبهامه، ويكون باطن كفه اليمنى لم يمسها شيء من يده،
فيمسح بها اليسرى كما وصفت في اليمنى، ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى، وخلل
بين أصابعهما.
وإنما قال: يضع ذراعه اليمنى في بطن كفه اليسرى؛ لأنها هي الماسحة، فاستحب له أن يضع الماسح على الممسوح.
وذكر
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأم" [1/42] ترتيبا آخر، فقال: يضع
ذراعه اليمنى في باطن كفه اليسرى على ظاهر أصابعه اليمنى، ويضم إبهامه إلى
أصابعه، ثم يمر بطن يده، فإذا بلغ الكوع أدار إبهامه على ذراعه، وقبض
بإبهامه وأصابعه على باطن ذراعه، ثم يمر ذلك إلى المرفق، فإن بقي شيء من
ذراعه لم يمر التراب عليه.. أدار يده عليه حتى يصل التراب إلى جميعه.
قال أصحابنا: وما ذكره المزني أحسن.
و (الكوع): هو العظم الناتئ الذي في معصم اليد تحت الإبهام.
و (الكرسوع): هو العظم المقابل له تحت الخنصر.
قال الجويني: ويستحب أن لا يفصل يديه، بل تكونان متصلتين حين يمسحهما إلى أن يفرغ. والأصل في ذلك: ما ذكرناه من حديث الأسلع.
وأما
المجزئ من ذلك: فأن ينوي، ويوصل التراب إلى وجهه ويديه إلى المرفقين
بضربتين أو أكثر - وسواء أوصل ذلك بيديه أو بخشبة أو بغير ذلك ـ وتقديم
الوجه على اليدين. وما زاد على ذلك سنة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: فيمن ييممه آخر]
وإن أمر غيره فيممه، ونوى هو.. فالمنصوص: (أنه يجزئه، كما يجزئه في الوضوء).
وقال ابن القاص: لا يجزئه، قلته: تخريجا.
هذا نقل البغداديين من أصحابنا.
وقال المسعودي [في "الإبانة" ق\35] إذا يممه غيره، فإن كان لعجز.. صح، وإن كان لغير عجز.. فهل يصح؟ فيه وجهان.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: الوقوف في مهب الريح]
قال
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "الأم" [1/42] (وإن سفت الريح عليه
ترابا ناعما، فأمر يده على وجهه.. لم يجزئه؛ لأنه لم يأخذه لوجهه، ولو أخذ
ما على رأسه لوجهه، فأمره عليه..أجزأه). واختلف أصحابنا في ذلك:
فقال
القاضي أبو حامد: هذا إذا لم يعمد الريح وينو التيمّم، فأما إذا عمد الريح،
ونوى التيمم..أجزأه، كما يجزئ في الوضوء إذا جلس تحت ميزاب ماء، فنوى
الوضوء، وجرى الماء على أعضاء الطهارة.
وقال القاضي أبو الطيب: يجب أن
يحمل هذا على: أنه لم يتيقن وصول التراب إلى جميع أعضاء التيمم، فأما إذا
تيقن ذلك.. أجزأه، ولم يحتج إلى إمرار اليد.
وقال أكثر أصحابنا: لا يجوز؛ لأن الشافعي لم يفصل.
قال
ابن الصباغ: ولأنه يتعذر وصول التراب إلى الوجه من غير مسح، ولأن الله
تعالى أمر بالمسح، وهذا لم يمسح، ولا يدخل عليه: إذا غسل رأسه مكان المسح..
فإنه يجزئه وإن لم يمر يده عليه لقيام الدليل على ذلك؛ لأنه إذا أجزأه ذلك
عن الجنابة.. فلأن يجزئ ذلك عن الوضوء أولى، بخلاف التيمم.
قال
المسعودي [في "الإبانة": ق\35] وإن أدنى وجهه من الأرض، أو تمعك في
التراب، فحصل الغبار على أعضاء التيمم، فإن كان لعجز.. صح. وإن كان لا
لعجز.. فهل يصح؟ فيه وجهان.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: استيعاب المسح لأعضاء التيمم]
إذا بقي لمعة من الوجه لم يمر عليها التراب..لم يجزئه.
وحكى الحسن بن زياد الوضاحي عن أبي حنيفة: (أنه إذا مسح أكثر وجهه..أجزأه).
دليلنا: أن أكثر العضو لا يقوم مقام جميعه في الوضوء في الماء القليل، فكذلك في التيمم.
فعلى
هذا: إن كان قد مسح يديه..لم يجزئه مسحهما، فيعيد اللمعة وحدها، ثم اليدين
إن لم يتطاول الفصل. وإن تطاول الفصل.. فهل الفصل يبطل ما مسحه من وجهه؟
فيه طريقان، مضى ذكرهما في الوضوء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: للمسافر والراعي أن يتيمما]
قال في "الأم" [1/39] (وللمسافر الذي لا ماء معه، وللمعزب في إبله أن يجامع أهله، وإن لم يكن معه ماء). وروي ذلك عن ابن عباس.
وروي عن علي، وابن عمر، وابن مسعود: أنهم قالوا: (ليس له أن يصيب أهله).
وقال مالك: (أحب أن لا يصيب أهله إلا ومعه الماء).
وقال الزهري: المسافر لا يصيب أهله، والمعزب يصيب أهله.
دليلنا: أنا قد دللنا على: أنه يجوز للجنب التيمم، فلم يمنع من أهله، كما لو وجد الماء.
قال
الشافعي: (ويجزئه التيمم إذا غسل ما أصاب ذكره، وغسلت المرأة ما أصاب
فرجها). وهذا نص الشافعي [في "الأم" 1/39] على أن رطوبة فرج المرأة نجسة.
ومن أصحابنا من قال: إنها طاهرة، ويأتي ذكر ذلك.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تيمم عن حدث فبان جنبا]
فإن تيمم للفريضة، معتقدا: أنه محدث، ثم ذكر: أنه كان جنبا.. أجزأه.
وقال مالك وأحمد: (لا يجزئه).
دليلنا:
أنه لو ذكر الجنابة.. لم يكن عليه أكثر مما فعل، وهو: نية استباحة الصلاة،
فأجزأه، كما لو اغتسلت المرأة عن الحيض، ثم بان: أنها كانت جنبا، أو توضأ
عن حدث البول، فبان: أنه كان ريحا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: التيمم في السفر والحضر]
يجوز التيمم في السفر الطويل، بلا خلاف على المذهب.
وأما في الحضر والسفر القصير: فأكثر أصحابنا قالوا: يجوز قولا واحدا.
وحكى ابن الصباغ، والشيخ أبو نصر: أن فيه قولين:
أحدهما: لا يجوز؛ لأن استباحة الصلاة بالتيمم رخصة، فاختص بالسفر الطويل، كالقصر، والفطر.
والثاني: يجوز، وهو الصحيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43].
ولم يفرق بين الحضر والسفر، ولا بين السفر القصير والسفر الطويل، وإنما يختلف الحكم في الإعادة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: يتيمم بعد دخول الوقت]:
ولا يصح التيمم للصلاة إلا بعد دخول الوقت. وبه قال مالك، وأحمد، وداود.
وقال أبو حنيفة: (يصح التيمم لها قبل دخول وقتها).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6] إلى قوله: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6].
فأجاز التيمم للقائم إلى الصلاة، وإنما يصح القيام إليها بعد دخول وقتها.
وأما
الطهارة بالماء: فظاهر الآية يدل على: أنه لا يجوز قبل دخول الوقت، إلا
أنا تركناه بالسنة والإجماع، وبقي التيمم على ظاهر الآية. ولأن التيمم
طهارة ضرورة، فلم يصح للصلاة قبل دخول وقتها، كطهارة المستحاضة.
إذا ثبت
هذا: فقال المسعودي [في "الإبانة": ق\29] وقت التيمم لصلاة الخسوف: عند
الخسوف. ولصلاة الاستسقاء: عند خروج الناس إلى الصحراء. وللصلاة على الميت:
إذا غسل. ولتحية المسجد: بعد الدخول. وللفوائت: عند تذكرها.
وإن تيمم
لنافلة لا سبب لها في الوقت المنهي عن الصلاة فيه.. لم يصح تيممه، ولم
يستبح به النافلة بعد دخول وقتها، كما لو تيمم لفريضة قبل دخول وقتها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تيمم لفائتة وصلى حاضرة]
وإن تيمم لفائتة عليه قبل دخول وقت الفريضة، فلم يصل الفائتة حتى وقت الفريضة.. فهل له أن يصلي بذلك التيمم فريضة الوقت؟ ينظر فيه:
فإن
كانت الصلاتان مختلفتين، بأن كانت الفائتة عليه الصبح، والتي دخل وقتها
الظهر، أو العصر، فإن قلنا: إن تعيين الصلاة التي تيمم لها شرط في صحة
التيمم لها.. لم يصح له أن يصلي بتيممه الصلاة التي دخل وقتها؛ لأنه لم
يعينها في التيمم.
وإن قلنا: إن تعيين الصلاة لا يشترط في نية التيمم
لها، أو كانت الفائتة عليه موافقة للداخل وقتها، بأن كانت الفائتة ظهر
أمسه، والتي دخل وقتها ظهر يومه.. فهل له أن يصلي بتيممه الصلاة التي دخل
وقتها؟ فيه وجهان:
أحدهما قال ابن الحداد: يجوز. وهو اختيار القاضي أبي
الطيب، وابن الصباغ؛ لأنه يجوز له أن يصلي به الفائتة بعد دخول وقت
الحاضرة، فجاز له أن يصلي به الحاضرة بعد دخول وقتها، كما لو تيمم للحاضرة
بعد دخول وقتها، فأراد أن يصلي به مكانها فائتة عليه، ولأنه تيمم وهو غير
مستغن عن التيمم، فأشبه إذا تيمم للحاضرة بعد دخول وقتها.
والثاني: من أصحابنا من قال: لا يجوز؛ لأنها فريضة تقدم التيمم على وقتها، فهو كما لو تيمم للحاضرة قبل دخول وقتها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: من يحق له التيمم]
ولا يصح التيمم للصلاة بعد دخول وقتها إلا لعادم للماء، أو لخائف من استعماله.
فأما الواجد للماء، القادر على استعماله.. فلا يصح تيممه، سواء خاف فوت وقت الصلاة، أو لم يخف.
وقال أبو حنيفة: (إذا خاف فوت وقت صلاة العيد أو الجنازة.. جاز له أن يتيمم لهما، وإن كان واجدا للماء).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6].
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، ما لم يجد الماء». وهذا واجد للماء.
وإن
وجد ماء يحتاج إليه للشرب، ويخاف إن استعمله في الطهارة التلف من العطش؛
لأنه يقطع مفازة لا يكون فيها ماء.. جاز له أن يتيمم؛ لأن المريض الذي يخاف
من استعمال الماء يجوز له تركه وإن كان لا يتلف في الحال، فكذلك هذا مثله.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: حكم طلب الماء]
ولا يصح التيمم للعادم للماء إلا بعد الطلب وإعواز الماء.
وقال أبو حنيفة: (لا يحتاج إلى الطلب، بل إذا كان مسافرا لا يعلم وجود الماء.. جاز له أن يتيمم).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. ولا يثبت له أنه غير واجد إلا بعد الطلب.
ولا يجزئه الطلب إلا بعد دخول الوقت؛ لأنه وقت جواز التيمم. فإن طلب قبل دخول الوقت..أعاد الطلب بعد دخول الوقت.
قال ابن الصباغ: فإن قيل: فإذا كان قد طلب قبل دخول الوقت، ثم دخل الوقت ولم يتجدد حدوث ماء.. كان طلبه عبثا؟
فالجواب:
أنه إنما يتحقق أنه لم يحدث ماء إذا كان ناظرا إلى مواضع الطلب ولم يتجدد
فيها شيء.. فهذا يجزئه بعد دخول الوقت؛ لأن هذا هو الطلب. وأما إذا غابت
عنه.. جاز له أن يتجدد فيها حدوث ماء، فيحتاج إلى الطلب.
فأما إذا طلب
بعد دخول الوقت، ولم يتيمم عقبه..جاز له أن يتيمم بعد ذلك، ولا يلزمه إعادة
الطلب، إلا أن يتجدد أمر؛ لأنه لما طلبه في وقته.. لم يكلف تجديد الطلب؛
لما فيه من المشقة. وإذا طلب قبل الوقت.. كلف إعادته؛ لتفريطه.
وإن كان في مفازة لا يوجد في مثلها الماء غالبا.. فهل يلزمه الطلب؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\30]:
أحدهما: لا يلزمه؛ لأنه غير مفيد.
والثاني: يلزمه تعبدا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]]فرع: من تيمم وأخر الصلاة]
قال في" البويطي ": (فإن تيمم بعد الطلب في أول الوقت، وأخر الصلاة إلى آخر الوقت..أجزأه؛ لأنه تيمم في وقت يمكنه فعل الصلاة فيه).
قال ابن الصباغ: فإن سار بعد تيممه إلى موضع آخر، وطلع عليه ركب يجوز أن يكون معهم ماء بتفتيش ما.. احتاج إلى تجديد الطلب.
وأما
كيفية الطلب: فهو أن يبدأ بتفتيش رحله؛ لأنه أقرب الأشياء إليه، ثم ينظر
في الناحية التي هو فيها يمينا وشمالا، وأماما وخلفا، وهذا إذا كان في سهل
من الأرض لا يحول دون نظره شيء. فإن كان دونه حائل صعد إليه ونظر حواليه.
قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في " البويطي ": (وليس عليه أن
يدور في طلب الماء؛ لأن ذلك أكثر ضررا عليه من إتيان الماء في الموضع
البعيد).
فإذا نظر ولم ير الماء..قال ابن الصباغ: سأل واستخبر من يظن أن عنده علما من الماء، فإن دل على ماء.. لزمه أن يأتيه بثلاث شرائط:
إحداهن: أن لا ينقطع عن رفقته.
الثانية: أن لا يخاف على نفسه، أو ثيابه، أو رحله.
الثالثة: أن لا يخاف فوت وقت الصلاة.
وإن
وجد بئرا ولا حبل معه، فإن كان يقدر أن يوصل إليها ثيابا حتى يصل إلى أن
يأخذ الماء بإناء أو دلو به، أو قدر على ثوب يبله بالماء ثم يعصره ويتوضأ
به..لم يكن له أن يتيمم، وسواء قدر على ذلك بنفسه أو بغيره.
وإن قدر على نزول البئر بأمر ليس عليه خوف.. نزلها، وإن كان عليه ضرر.. تيمم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لا يتيمم لخوف فوات الوقت وبقربه ماء]
قال
في "الإبانة" [ق\30] وإن كان بقربه ماء، وهو يخاف فوت وقت الصلاة لو
اشتغل به.. فنص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أنه لا يجوز له التيمم)،
وقال في العراة ـ إذا كان بينهم ثوب يتداولونه، فخاف بعضهم فوت وقت لو صبر
حتى تنتهي النوبة إليه ـ: (إنه يصبر حتى تنتهي النوبة إليه).
وقال ـ في جماعة معهم دلو ينزحون به الماء، وخاف فوت وقت لو صبر حتى تنتهي النوبة إليه ـ: (يصبر ولا يتيمم). وهذه نصوص متفقة.
وقال
ـ في جماعة في سفينة، فيها موضع واحد يمكن أن يصلي فيه واحد قائما، وخاف
أن يفوته الوقت لو صبر حتى تنتهي النوبة إليه-: (إنه يصلي قاعدا، ولا يلزمه
الصبر).
وهذا نص مخالف للنصوص الأولى.
فمن أصحابنا من عسر عليه الفرق، وجعل الجميع على قولين.
ومنهم
من حمل الجميع على ما نص عليه، وفرق بينهما: بأن القيام أخف؛ لأنه يسقط في
النافلة مع القدرة، بخلاف الطهارة بالماء، والسترة، فإنه لا يجوز تركها
بحال.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم قبول الماء أو ثمنه]
وإن بذل له غيره الماء، فإن كان بغير عوض.. فهل يلزمه قبوله؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ حكاه في "الفروع" ـ: أنه لا يلزمه قبوله، كما لا يلزمه قبول الرقبة في الكفارة.
والثاني: يلزمه قبوله، وهو المشهور؛ لأنه لا منة عليه في قبوله؛ لأن العادة جرت أن الفقير يبذله للغني، بخلاف الرقبة.
وإن بذل له ثمن الماء.. لم يلزمه قبوله؛ لأن عليه منة في قبول الماء.
وإن
بذل له الماء بثمن مثله، وهو واجد للثمن غير محتاج إليه في سفره.. لزمه
شراؤه، ولا يجوز له التيمم. وإن كان غير واجد لثمن مثله، أو كان واجدا له
إلا أنه محتاج إليه لسفره..جاز له أن يتيمم؛ لأن المال الذي معه هو محتاج
إليه لإحياء نفسه، فهو كما لو كان معه ماء يحتاج إليه للعطش.
فإن بيع
الماء منه بثمن المثل، وأنظره البائع إلى بلده، وكان له في بلده مال.. وجب
عليه شراؤه ولم يجز له التيمم؛ لأنه لا ضرر عليه في ذلك.
وإن كان مع غيره ماء، وهو غير محتاج إليه، ولم يبذله له..لم يجز له أن يكابده على أخذه منه؛ لأن له بدلا، وهو التيمم.
وفى كيفية اعتبار ثمن مثل الماء، ثلاثة أوجه، حكاها في "الإبانة" [ق\32]:
أحدها ـ ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره ـ: أنه يعتبر ثمنه في موضعه الذي هو فيه، مع وجود العذر.
والثاني: يعتبر ثمنه عند السلامة، ووجود الماء غالبا.
والثالث: لا ثمن له، ولكن يراعي أجرة مثل من يأتي به إلى ذلك الموضع.
وإن
وهب له الماء هبة فاسدة، فقبضه.. لم يملكه بذلك. فإن توضأ به.. صح وضوؤه،
ولا يجب عليه ضمانه؛ لأن الهبة الفاسدة تجري مجرى الصحيحة في باب الضمان،
كما في البيع.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: إعادة طلب الماء]
فإن
طلب الماء للصلاة الحاضرة، فلم يجده، فتيمم وصلى، ثم دخل عليه وقت صلاة
أخرى.. قال الشيخ أبو حامد: فعليه أن يعيد الطلب، ولا يلزمه الطلب في رحله؛
لأنه قد علم بالطلب الأول أنه لا ماء فيه، ولا يجوز حدوثه بعد ذلك فيه،
ويفارق خارج الرحل؛ لأنه قد يجوز حدوث الماء فيه بعد الطلب.
وعلى قياس ما حكيناه عن ابن الصباغ -قبل هذا-: لا يلزمه الطلب فيما لم يغب عن عينه من الموضع الذي طلب فيه للصلاة الأولى.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: هبة فضل الماء]
قال الصيدلاني: ولا يلزمه أن يهب فضل مائه لمن لا يجده ـ خلافا لأبي عبيد بن حربويه ـ لأنه ماء يحتاج إليه لإحياء نفسه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تعجيل الصلاة بتيمم]
وإذا طلب الماء بعد دخول الوقت فلم يجده.. جاز له أن يتيمم ويصلي، سواء علم أنه يجد الماء من آخر الوقت، أو لا يجده.
وقال الزهري: لا يجوز له التيمم، إلا إذا خاف فوت الوقت قبل وجود الماء.
دليلنا: أن الله تعالى أجاز التيمم لمن قام إلى الصلاة عند عدم الماء، وهذا موجود فيمن قام إليها في أول وقتها.
وهل الأفضل أن يقدم الصلاة بالتيمم، أو يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت؟
فيه ثلاث مسائل:
إحداهن:
أن يتيقن أنه يجد الماء في آخر الوقت.. فالأفضل أن يؤخر الصلاة ليصليها
بالوضوء في آخر الوقت؛ لأن الصلاة في أول الوقت فضيلة، والطهارة بالماء
فريضة، فكان مراعاة الفريضة أولى.
الثانية: إذا كان على إياس من وجود الماء.. فتقديم الصلاة في أول وقتها بالتيمم أفضل؛ لأن الظاهر أنه لا يجد الماء.
الثالثة: إذا كان يرجو وجود الماء.. ففيه قولان:
أحدهما: التأخير أفضل؛ لأن مراعاة الفريضة ـ وهي الطهارة بالماء ـ أولى من مراعاة الفضيلة، وهي الصلاة في أول الوقت.
والثاني: أن تقديم الصلاة في أول الوقت بالتيمم أفضل، وهو الأصح؛ لأنه فضيلة متيقنة، فلا يجوز تركها لأمر مشكوك فيه.
قال
أصحابنا: وهكذا المريض العاجز عن القيام، إذا رجا القيام في آخر الوقت. أو
رجا العريان وجود السترة في آخر الوقت. أو رجا المنفرد وجود الجماعة في
آخر الوقت.. هل الأفضل لهم تقديم الصلاة في أول وقتها، على حالتهم التي هم
عليها، أو تأخيرها لما يرجونه؟ فيه وجهان مبنيان على هذين القولين.
ولا يترك الترخص بالقصر في السفر وإن علم إقامته في آخر الوقت، وجها واحدا؛ لأن ترك الرخصة غير مستحب.
قال صاحب "الفروع": فإن خاف فوات الجماعة لو أسبغ الوضوء.. فإدراك الجماعة أولى من الاحتباس على إسباغ الوضوء وإكماله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: التيمم حالة نسيان الماء]
إذا نسي الماء في رحله، فتيمم وصلى، ثم علم به فيه.. فالمنصوص ـ في عامة كتبه ـ: (أن عليه الإعادة).
وقال أبو ثور: سألت أبا عبد الله عمن نسي الماء في رحله، فتيمم، وصلى؟ فقال: (لا يعيد).
واختلف أصحابنا في ذلك:
فقال أبو إسحاق: هي على قولين، كما قال فيمن ترك فاتحة الكتاب ناسيا.
ومنهم: من لم يثبت رواية أبي ثور عن الشافعي في هذا، وقال: يحتمل أنه أراد بذلك مالكا أو أحمد.
ومنهم: من تأول رواية أبي ثور على: أنه قد فتش رحله فلم يجد، وكان قد خبأه غيره.
والطريقة الأولى أصح؛ فإن أبا ثور لم يلق مالكا، وهو يروي عن أحمد، فيكون على قولين:
أحدهما: لا يجب عليه الإعادة. وبه قال أبو حنيفة، ومحمد؛ لأن النسيان عذر حال بينه وبين الماء، فصار كما لو حال بينه وبين الماء سبع.
والثاني: يجب عليه الإعادة. وبه قال أحمد، وأبو يوسف، وهو الأصح؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
[المائدة: 6]. وهذا لا يقال له: غير واجد، وإنما يقال له: غير ذاكر.
ولأنها طهارة تجب مع الذكر، فلم تسقط مع النسيان، كما لو نسي بعض أعضائه
فلم يغسلها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: إذا كان حائل عن الماء أو أخطأ رحله]
قال
في "الأم" [1/40] (فإن كان في رحله ماء، فحال العدو بينه وبين رحله، أو
حال بينهما سبع، أو حريق؛ حتى لا يصل إليه.. تيمم وصلى، وهذا غير واجد
للماء).
قال أصحابنا: معناه: أنه لا قضاء عليه؛ لأنه فيه في حكم العادم.
وإن
كان في رحله ماء، فأخطأ رحله وضل عنه، فحضرت الصلاة، فطلبه فلم يجده.. قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (تيمم وصلى). ولم يذكر الإعادة.
فاختلف أصحابنا فيها:
فمنهم من قال: تجب عليه الإعادة؛ لأنه غير عادم، وإنما هو ناس.
ومنهم من قال: لا تجب عليه الإعادة؛ لأنه غير منسوب إلى التفريط في طلب الماء، بخلاف الناسي، فإنه مفرط.
فأما إن ضل هو عن القافلة، أو عن الماء.. تيمم وصلى، ولا إعادة عليه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: علم بوجود الماء بعد الصلاة]
قال
في " البويطي ": (وكذلك يكون إلى جنب المسافر بئر أو بركة في الموضع الذي
عليه أن يطلب الماء فيه، فتيمم، ثم علم.. فعليه الإعادة).
وقال في "الأم" [1/40] (لا إعادة عليه؛ لأنه كلف ـ فيما ليس معه ـ الطلب المؤدي على الظاهر، وغلبة الظن دون الإحاطة به).
قال ابن الصباغ: وظاهر هذا: قولان.
قال: ومن أصحابنا من قال: ليست على قولين؛ وإنما هي على اختلاف حالين:
فالموضع الذي قال: (لا إعادة عليه)؛ إذا كانت البئر خفية، مثل أن كانت في بسيط من الأرض لا علامة عليها.
والموضع الذي قال: (عليه الإعادة)؛ إذا كانت علامتها ظاهرة، فيكون قد فرط في طلبها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: وجد ماء لا يكفيه]
إذا
وجد من الماء ما لا يكفيه: بأن كان محدثا، فوجد ماء لا يكفيه لأعضاء
الوضوء، أو كان جنبا، فوجد ماء لا يكفيه لغسل جميع بدنه.. جاز له استعمال
ما وجد من الماء، بلا خلاف.
وهل يلزمه استعماله، أو يجوز له الاقتصار على التيمم؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يلزمه استعماله، ولكن يستحب له. وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وداود، والمزني؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
[النساء: 43]. وأراد به: الماء الذي تغسل به الأعضاء، وهذا غير واجد له.
ولأن هذا ماء لا يطهره، فلم يلزمه استعماله، كالماء المستعمل. ولأنه لو وجد
بعض الرقبة في الكفارة.. جعل كالعاجز في جواز الاقتصار على البدل، فكذلك
هذا مثله.
والثاني: يلزمه استعماله. وبه قال معمر بن راشد، وعطاء، والحسن بن صالح، وهو الصحيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. فمنها دليلان:
أحدهما: أنه أمر بغسل هذه الأعضاء، فإذا قدر على غسل بعضها..لزمه ذلك بظاهر الآية.
والثاني: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}
[النساء: 43]. فذكر الماء منكرا، فاقتضى: أنه إذا وجد ماء ما..لم يجز له
التيمم؛ لأنه لو أراد ما يغسل به جميع الأعضاء.. لقال: (فلم تجدوا الماء).
فاختلف أصحابنا في مأخذ هذين القولين.
فمنهم من قال: هما مأخوذان من القولين في جواز تفريق الوضوء:
فإن قلنا: لا يجوز التفريق.. لم يلزمه استعمال ما معه من الماء.
وإن قلنا: يجوز التفريق.. لزمه استعماله.

يتبــــــــــ


عدل سابقا من قبل mr.alaa في الأحد 25 سبتمبر 2011, 7:59 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
lisanarabs
الإدارة
الإدارة
lisanarabs


تاريخ التسجيل : 02/11/2009
عدد المساهمات : 583
الجنس : ذكر
دعاء دعاء

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي   كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Emptyالأحد 25 سبتمبر 2011, 7:57 pm



كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: تيمم المريض]

قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا يتيمم مريض في شتاء ولا صيف، إلا من
به قرح له غور، أو به ضنى من مرض، يخاف إن مس الماء أن يكون منه التلف).
وجملته: أن المرض على ثلاثة أضرب.
ضرب: لا يخاف من استعمال الماء فيه
تلف نفس، ولا عضو، ولا حدوث مرض مخوف، ولا إبطاء البرء، مثل: الصداع، ووجع
الضرس، والحمى... فهذا لا يجوز التيمم لأجله، وهو قول كافة العلماء.
وقال داود، وبعض أصحاب مالك: (يجوز).
واستدلوا: بعموم قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43] الآية.
ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه».
وهذا عموم يعارض عمومهم. وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها بالماء»، وروي: «فأبردوها بالماء».
فندب إلى إطفاء حرها بالماء، فلا يجوز أن يكون ذلك سببًا لترك استعمال
الماء؛ لأن هذا واجد للماء لا يخاف التلف من استعماله، فأشبه الصحيح. وأما
الآية: فالمراد بها: إذا خاف التلف من استعمال الماء.
الضرب الثاني ـ من
الأمراض ـ: هو أن يخاف من استعمال الماء تلف النفس، أو تلف عضو، أو حدوث
مرض يخاف منه تلف النفس، أو تلف عضو.. فهذا يجوز له التيمم مع وجود الماء.
وبه قال كافة أهل العلم، إلا ما حكي عن الحسن، وعطاء، أنهما قالا: لا يجوز له التيمم مع وجود الماء، واحتجا بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6] إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]، فأباح للمريض التيمم عند عدم الماء.
ودليلنا:
ما ذكرناه من حديث عمرو بن العاص: (أنه تيمم لخوف التلف من البرد، مع وجود
الماء، فعلم به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك، فلم
ينكر عليه).
وروي: أن رجلاً أصابته شجة في رأسه في بعض الغزوات، ثم
أجنب، فسأل الناس، فقالوا: لا بد لك من الغسل، فاغتسل، فمات، فبلغ ذلك
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: «قتلوه،
قتلهم الله، هلا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان
يكفيه أن يتيمم، ويعصب على رأسه خرقة، ويمسح عليها ويغسل سائر بدنه». وهذا نص.
وأما الآية: ففيها إضمار، وتقديرها: وإن كنتم مرضى فلم تقدروا على استعمال الماء، أو كنتم على سفر فلم تجدوا ماء.. فتيمموا.
وإن سلمنا: أنه لا إضمار فيها.. فالمراد بها: المرض الذي يخاف من استعمال الماء فيه التلف، بدليل ما رويناه.
والضرب
الثالث: ـ من الأمراض ـ: أن لا يخاف من استعمال الماء فيه تلف النفس، ولا
تلف عضو، ولكن يخاف منه إبطاء البرء، أو زيادة الألم.. فالمنصوص للشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأم" [1/38]، و" المختصر " [1/34] (أنه لا يجوز
له التيمم).
وقال في القديم، في " الإملاء "، و" البويطي ": (يجوز له التيمم).
واختلف أصحابنا على ثلاث طرق:
فـالأول: قال أكثرهم: هي على قولين:
أحدهما: لا يجوز له التيمم، وبه قال أحمد، وعطاء، والحسن.
ووجهه: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. [النساء: 43]
قال ابن عباس، في قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43]. فعم ولم يخص. ولأنه يستضر باستعمال الماء، فأشبه إذا خاف منه التلف.
وما روي عن ابن عباس.. فليس بتفسير، بدليل: أن من كانت به جراحة في غير سبيل الله يخاف منها التلف.. جاز له أن يتيمم، بلا خلاف.
و
الطريق الثاني قال أبو العباس، وأبو سعيد الإصطخري: يجوز له التيمم، قولاً
واحدًا؛ لما ذكرناه على ما قاله في القديم، و"البويطي"، و"الإملاء"، وما
قاله في "الأم"، و" المختصر" محمول عليه: إذا كان لا يخاف التلف، ولا
الزيادة في العلة.
و الطريق الثالث منهم من قال: لا يجوز التيمم، قولاً
واحدًا، وما قاله في القديم، و"البويطي"، و"الإملاء" محمول عليه: إذا خاف
زيادة يكون منها التلف.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: حصول عيب على عضو ظاهر]

وإن كان يخاف من استعمال الماء لحوق الشين لا غير.. فاختلف أصحابنا فيه:
فقال
أبو إسحاق المروزي: لا يجوز له أن يتيمم لأجل ذلك بحال؛ لأنه لا يخاف
التلف، ولا الألم، ولا إبطاء البرء، فهو كما لو خاف وجود البرد.
وقال
أكثر أصحابنا: إن كان شينًا يسيرًا لا يشوه خلقة الإنسان، ولا يقبحها، مثل
آثار الجدري، أو قليل حمرة، أو خُضرة.. لم يجز له: أن يتيمم قولاً واحدًا؛
لأنه لا يستضر بذلك. وإن كان يحصل به شينٌ كبيراٌ، مثل: أن يسود بعض وجهه،
أو
يخضر، أو يحصل به آثار يقبح منظرها.. فهو كما لو خاف الزيادة في المرض،
على ما مضى من الخلاف؛ لأنه يألم قلبه بذلك، كما يألم بزيادة المرض.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: يغسل الصحيح ويتيمم عن الجريح]

لو كان بعض بدنه صحيحًا، وبعضه جريحًا.. غسل الصحيح، وتيمم عن الجريح.
وقال أبو إسحاق، والقاضي أبو حامد: يحتمل أن يكون فيه قول آخر: أنه يقتصر على التيمم، كما لو وجد من الماء ما لا يكفيه للطهارة.
وقال
عامة أصحابنا: بل هي على قول واحدٍ، وهذا التخريج لا يصح؛ لأن عدم بعض
الأصل يجري مجرى عدم جميعه، كما تقول فيمن وجد بعض الرقبة، بخلاف عجزه في
نفسه، فإنه لو كان بعضه حرًا، وبعضه عبدًا، ووجبت عليه الكفارة في اليمين..
فإنه يكفر بالمال هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة: (عن كان أكثر بدنه
صحيحًا.. اقتصر على غسل الصحيح، ولا يلزمه التيمم. وإن كان أكثر بدنه
جريحًا.. اقتصر على التيمم، ولا يلزمه غسل الصحيح).
ودليلنا: ما روى
جابر، في الرجل الذي أصابته الشجة في رأسه فاحتلم، فاغتسل فمات، فقال النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما كان يكفيه أن يعصب على رأسه خرقة، ويمسح عليها، ويتيمم، ويغسل سائر بدنه».
إذا
ثبت هذا: فإن كان جنبًا.. فهو بالخيار؛ إن شاء تيمم عن الجريح، ثم غسل
الصحيح، وإن شاء غسل الصحيح، ثم تيمم عن الجريح؛ لأن الترتيب لا يجب في
الغسل.
فإن كانت الجراحة في وجهه وقال: إن غسلت رأسي فاض الماء على
وجهي.. لم يكن له ترك غسل الرأس، بل يجب عليه أن يستلقي، أو يقنع رأسه،
فيمر عليه الماء.
فإن خاف إذا صب عليه الماء أن ينتشر الماء إلى القرح..
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أمسه الماء إمساسًا، وناب التيمم عما
تركه).
وإن كان الجرح في ظهره، ومعه من يضبطه منه. فعليه أن يأمره بذلك، ويغسل الصحيح. وكذلك إن كان أعمى.. أمر بصيرا بذلك.
فإن
كان في موضع لا يجد فيه من يضبطه منه.. غسل ما يقدر عليه من بدنه، وتيمم،
وأعاد إذا قدر؛ لأن ذلك نادر، كما نقول في الأقطع إذا لم يجد من يوضئه. ولا
يلزمه أن يعصب على الجراحة، ويمسح على العصابة، إلا إن كان محتاجًا إلى
العصابة؛ لشد الدواء على الجراحة، أو يخشى انبعاث الدم.. فإنه يعصب على
الجراحة، وعلى ما لا يمكن عصبها إلا بعصبة من الصحيح.
فإن خاف من حل
العصابة.. لم يلزمه حلها، ويلزمه المسح على العصابة؛ لأجل ما تحتها من
الصحيح الذي لا بد أن يكون عليه، لا لأجل موضع الجراحة، كما قلنا في
الجبيرة.
وإن كان القرح على موضع التيمم.. أمر التراب على موضع القرح؛ لأنه لا ضرر عليه في ذلك.
وإن كان للقرح هناك أفواه منفتحة.. لزمه أن يمر التراب على ما انفتح منها؛ لأنه صار ظاهرًا، ثم يغسل الصحيح.
وبدأ
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هاهنا بالتيمم؛ ليكون الغسل بعده،
فيزيل التراب عن صحيح الوجه واليدين. وإن بدأ بالغسل قبل التيمم.. جاز.
وإن كان محدثًا الحدث الأصغر.. فهل يلزمه الترتيب بين الطهارة بالماء، والتيمم؟ فيه ثلاثة أوجه، حكاها صاحب "الإبانة" [ق\34]:
أحدها: يجب الترتيب. فعلى هذا: يغسل، ثم يتيمم.
والثاني: لا يجب الترتيب. فعلى هذا: لا يجوز له التيمم أولاً، ثم الغسل.
والثالث: ـ وهو الأصح ـ ولم يذكر المحاملي، وابن الصباغ غيره: أنه لا ينتقل من عضو حتى يكمل طهارته.
فعلى
هذا: إن كانت الجراحة في بعض وجهه، فإن شاء.. غسل صحيح وجهه، ثم تيمم عن
جريحه، ثم غسل يديه، ومسح برأسه، وغسل رجليه. وإن شاء.. تيمم عن جريح وجهه
أولاً، ثم غسل صحيحه، ثم غسل يديه، ومسح برأسه، وغسل رجليه.
وإن كانت
الجراحة في إحدى يديه.. فعليه أن يغسل وجهه أولاً، ثم هو بالخيار: إن شاء
تيمم عن جريح يده، ثم غسل صحيحها والأخرى، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه. وإن
شاء غسل صحيح يده بعد غسل وجهه، ثم تيمم عن جريحها.
وإن كانت الجراحة
في يديه.. فالمستحب: أن يجعل كل يد بمنزلة عضو منفرد، فيغسل وجهه، ثم يغسل
صحيح يده اليمنى، ثم يتيمم عن جريحها، ثم يغسل صحيح يده اليسرى، ثم يتيمم
عن جريحها. وإن شاء قدم التيمم لكل يد على غسل صحيحها. وإن شاء جعل اليدين
كالعضو الواحد، فيتيمم لجريحيهما تيممًا واحدًا، ثم يغسل صحيحيهما. أو يغسل
صحيحيهما ثم يتيمم عن جريحيهما تيممًا واحدًا، وعلى هذا التنزيل في رجليه.
فإن
كان في بعض وجهه جراحة، وفي يده جراحة، وفي رجله جراحة.. فهو بالخيار: إن
شاء غسل صحيح وجهه، ثم يتيمم عن جريحه. وإن شاء تيمم عن جريحه، ثم غسل
صحيحه، ثم ينتقل إلى اليدين، كما ذكرنا في الوجه، ثم يمسح برأسه ثم ينتقل
إلى الرجلين، كما ذكرنا في الوجه واليدين. فيلزمه هاهنا ثلاثة تيممات.
قال
ابن الصباغ: فإن قيل: فهلا قلتم: إذا غسل صحيح وجهه أولاً، ثم تيمم عن
جريحه.. أجزأه هذا التيمم عن جريح وجهه، وعن جريح يديه، بدليل: أنه لو أراد
أن يوالي بين التيممين ـ على ما قلتم ـ لصح؟!
فالجواب: أنَّا لا نقول ذلك؛ لأن هذا يؤدي إلى سقوط الفرض عن جزءٍ من الوجه، وجزءٍ من اليد في حالة واحدة، وذلك يبطل الترتيب.
فإن قيل: أليس التيمم يقع عن جميع الأعضاء، فيسقط به الفرض مرة واحدة، ولا يحصل الترتيب؟!
فالجواب: أنه إذا وقع عن جملة الطهارة.. كان الحكم له دونها، وهاهنا وقع عن بعضها، فاعتبر ـ فيما يفعله من ذلك ـ الترتيب.
فإذا دخل عليه وقت فريضة أخرى، فإن كان جنبًا.. أعاد التيمم دون الغسل.
وإن كان محدثًا الحدث الأصغر.. فقد قال ابن الحداد: أعاد التيمم.
قال ابن الصباغ: وهذا يحتاج إلى تفصيل:
فإن كانت الجراحة في رجله.. أعاد التيمم وأجزأه.
وإن كانت في وجهه أو يديه.. فينبغي على الأصل الذي قدمناه أن يعيد التيمم، وما بعد موضع الجراحة من الغسل؛ ليحصل الترتيب.
فإن قيل: فبحضور الفريضة الثانية، لم يعد حدث إلى موضع الجرح، وحكم التيمم باقٍ فيه، ولهذا يصلي به النافلة؟
فالجواب:
أن حكم الحدث عاد إليه في حق الفريضة الثانية، ولهذا منعناه من أن يصليها،
فإذا أراد استباحتها. تيمم لها، فينوب هذا التيمم عن غسل العضو المجروح في
حق الفريضة، فيحتاج إلى إعادة ما بعده ليحصل الترتيب.
فإذا برئ موضع الجراحة.. بطل حكم التيمم فيه، ووجب غسله.
وهل يحتاج إلى إعادة ما غسله من الصحيح؟ نظرت:
فإن كان في الوضوء.. غسل ما بعد ذلك العضو.
فأما
ما قبله من أعضاء الطهارة.. ففيه، وفي غسل بقية بدنه إن كان جنبًا قولان،
كما قلنا في ماسح الخفين: إذا نزعهما، أو انقضت مدة المسح، وهو على طهارة..
فإنه يبطل مسحه، وهل يحتاج إلى استئناف الطهارة؟. فيه قولان.


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: من لا يستطيع الطهارة بنفسه لا يتيمم]

إذا لم يجد المريض من يناوله الماء.. صلى على حسب حاله، وأعاد ولا يتيمم!
فإذا لم يستطع أن يتوضأ بنفسه.. وضأه غيره. فإن لم يجد من يوضئه.. صلى وأعاد، ولا يتيمم.
وقال مالك: (إذا لم يجد من يناوله الماء.. تيمم).
وقال الحسن: إذا لم يجد من يوضئه، وخاف خروج الوقت.. تيمم.
وقال إسحاق: إذا لم يستطع المريض الوضوء بنفسه.. تيمم.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وهذا واجد للماء لا يخاف الضرر من استعماله، فأشبه إذا كان قادرًا على استعماله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]]مسألة: جمع فرضين بتيمم]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا يجمع بين صلاتي فرض).
وجملة
ذلك: أنه لا يجوز للمتيمم أن يصلي بتيمم واحد فريضتين من فرائض الأعيان،
سواء كان ذلك في وقت أو وقتين. وقد روي ذلك عن علي، وابن عباس وابن عمر،
وعبد الله بن عمرو، والنخعي، وقتادة، وربيعة، ومالك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه، والمزني: (يجوز له أن يصلي بالتيمم ما شاء من الفرائض إلى أن يحدث، كالطهارة بالماء).
وقال أبو ثور: (له أن يجمع بين فوائت في وقتٍ، ولا يجمع بين فرائض في أوقات).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [المائدة: 6] الآية.
قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فكان الظاهر من هذا يقتضي: أن كل من قام
إلى الصلاة، فعليه الغسل إن كان واجدًا للماء، أو التيمم إن كان عادمًا
للماء أو خائفًا من استعماله كلما قام إليه، وإنما تركنا هذا الظاهر
بالوضوء؛ بما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بين صلوات عام الفتح بطهارة». فخرج هذا من مقتضى دليل الآية، وبقي التيمم على ما اقتضته الآية.
وروي «عن ابن عباس: أنه قال:من السُنَّة أن لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة، ثم يتيمم للأخرى» وهذا يقتضي سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ولأن التيمم طهارة ضرورية، فلا يجمع فيها بين فريضتين من فرائض الأعيان، كطهارة المستحاضة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لا يجمع بين واجبين بتيمم]

ولا يجوز أن يجمع فيها بين صلاة فريضة وطواف واجب بتيمم، ولا بين طوافين واجبين.
وهل يجوز أن يجمع بين صلاة فريضة وبين صلاة منذورة، أو بين صلاتين منذورتين بتيمم واحدٍ؟
فيه قولان، حكاهما المسعودي [في "الإبانة" ق\36]، بناءً على أنه: هل يسلك بالمنذور مسلك المفروض، أو مسلك المندوب؟ فيه قولان.
فإن
أراد أن يجمع بين صلاة مفروضة وبين ركعتي الطواف، أو بين طوافٍ واجبٍ وبين
ركعتي الطواف بتيمم.. فيه قولان: أحدهماإن قلنا: إن ركعتي الطواف
واجبتان.. لم يكن له ذلك.
والثاني: إن قلنا: إنهما سُنَّة.. كان له ذلك.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: التيمم للفوائت]

وإن
كان عليه صلوات فوائت، وأراد أن يقضيها في وقت واحد، وهو عادم للماء.. قال
الشيخ أبو حامد: فإنه يطلب الماء للأولى، ويتيمم، ويصليها، فإذا أراد أن
يصلي الثانية.. أعاد الطلب لها، ثم يتيمم وكذلك الثالثة والرابعة وإن كان
في موضع واحدٍ، لأن ذلك شرط في التيمم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: حكم نسيان صلاة من يوم]

وإن نسي صلاة من صلوات اليوم والليلة، ولا يعرف عنها.. لزمه أن يصلي صلوات اليوم والليلة ليسقط الفرض عنه بيقين.
فإن كان عادما للماء، فأراد فرض القضاء بالتيمم.. فكم يلزمه أن يتيمم؟
فيه وجهان:
أحدهما: قال الخضري ـ من أصحابنا ـ يلزمه أن يتيمم لكل صلاة تيممًا؛ لأن كل صلاة قد صارت فرضًا.
والثاني:
قال عامة أصحابنا: لا يلزمه إلا تيمم واحد، وهو الأصح؛ لأن وجوب ما زاد
على المنسية؛ ليتوصل به إلى تأدية المنسية، فهي كالتابعة للمنسية، فلم
تفتقر إلى تيمم تنفرد به.
وأما إذا نسي صلاتين من صلوات اليوم والليلة، ولا يعرف عينها.. فإنه يلزمه أن يصلي خمس صلوات أيضًا.
فإن كان عادمًا للماء، وأراد أن يصليهما بالتيمم، فإن قلنا بقول الخضري في الأولى.. لزمه هاهنا أن يتيمم لكل صلاة، على ما مضى.
وإن
قلنا بقول الأكثرين في الأولى.. فإن ابن القاص قال: يتيمم لكل صلاة من
الخمس؛ لأنه ما من صلاة من الخمس يصليها بالتيمم الأول، إلا ويجوز أن تكون
هي المنسية، ويجوز أن تكون المنسية الثانية هي التي تليها، وقد زال حكم
التيمم الأول بفعل الأولى، فلا يجوز أداء الثانية بتيمم مشكوك في صحته.
وقال
ابن الحداد: يكفيه أن يصلي ثماني صلوات بتيممين: فيتيمم، ويصلي الصبح
والظهر والعصر والمغرب، ثم يتيمم، ويصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء،
فعلى أي تنزيل نزلت المنسيتين.. فإنه قد أدى إحداهما بالتيمم الأول،
والثانية بالتيمم الثاني.
قال أصحابنا: وما قاله ابن القاص وابن الحداد صحيح كله على قول الأكثرين من أصحابنا في المسألة الأولى.
وأما
على قول الخضري: فلا يصح هاهنا إلا قول ابن القاص، غير أن ابن القاص اجتهد
في تقليل الصلوات وتكثير التيممات، وابن الحداد اجتهد في تكثير الصلوات
وتقليل التيممات.
فإن غير هذا الترتيب الذي ذكره ابن الحداد، فصلى
بالتيمم الأول الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم تيمم وصلى الصبح والظهر
والعصر والمغرب.. لم يجزئ؛ لاحتمال: أن عليه العشاء مع الظهر، أو مع العصر،
أو مع المغرب، فزال حكم التيمم الأول بفعل الأولى، فلم تصح له العشاء. فإن
أراد أن يجزئه. صلى العشاء بالتيمم الثاني.
وإن بدأ فصلى بالتيمم الأول: العشاء والمغرب والعصر والظهر، ثم تيمم، فصلى المغرب والعصر والظهر والصبح.. أجزأه.
وإن
بدأ فصلى بالتيمم الأول: المغرب والعصر والظهر والصبح، ثم تيمم، وصلى:
العشاء والمغرب والعصر والظهر.. لم يجز له إلا أن يعيد الصبح بهذا التيمم
الثاني.
وإن بدأ فصلى بالتيمم الأول من الصبح إلى المغرب، ثم صلى بالثاني من العشاء إلى الظهر.. فذلك جائز.
وقد
ذكر بعض أصحابنا لما قال ابن الحداد أصلاً في الحساب، وهو: أنك تضرب
المنسي في عدد المنسي منه، ثم تزيد المنسي على ما صح لك من الضرب، فتحفظ
مبلغ ذلك كله، ثم تضرب المنسي في نفسه، فما بلغ من ضربه.. نزعته من الجملة
التي حفظتها، فما بقي بعد ذلك.. فهو عدد الصلوات التي يصليها، وعدد التيمم
بقدر عدد المنسي.
مثال ذلك في مسألتنا: أنك تضرب اثنين في خمسة، فذلك
عشرة، ثم تزيد عدد المنسيتين على ذلك، فتجتمع لك اثنا عشر، ثم تضرب اثنين
في اثنين، فذلك أربعة، فإذا نزعت ذلك من اثني عشر.. بقي لك ثمانية، وهو عدد
ما تصلي به، بتيممين عدد المنسيتين.
وإن نسي ثلاث صلوات من خمس صلوات،
ولم يعرف عينها.. فالعمل فيه على ذلك: أن تضرب ثلاثة في خمسة، فذلك خمسة
عشر، ثم تزيد عليها ثلاثة، فذلك ثمانية عشر، ثم تضرب ثلاثة في ثلاثة، فذلك
تسعة، فتنزعه من ثمانية عشر.. فيبقى لك تسعة، وهو عدد ما يصلي بثلاث
تيممات.
فعلى هذا: يتيمم ويصلي الصبح والظهر والعصر، ثم يتيمم ويصلي الظهر والعصر والمغرب، ثم يتيمم ويصلي العصر والمغرب والعشاء.
وإن
نسي أربع صلوات من خمس.. فالعمل فيه: أنك تضرب أربعة في خمسة، فذلك عشرون،
ثم تزيد عليها أربعة، فتجتمع لك أربعة وعشرون، ثم تضرب أربعة في أربعة،
فذلك ستة عشر، فتنزع ذلك من أربعة وعشرين.. ويبقى لك ثمانية، وهي عدد ما
تصلي من الصلوات بأربع تيممات، فيتيمم ويصلي الصبح والظهر، ثم يتيمم ويصلي
الظهر والعصر، ثم يتيمم ويصلي العصر والمغرب، ثم يتيمم ويصلي المغرب
والعشاء، وعلى هذا: التنزيل.
فإن نسي صلاتين من صلوات يومين وليلتين،
فإن كانتا مختلفتين، بأن قال: هما صبح وظهر، أو ظهر وعصر، أو صبح ومغرب، أو
ما أشبه ذلك.. فهو كما لو نسي صلاتين من صلوات يوم وليلة على ما مضى.
وإن كانتا متفقتين، بأن قال: هما صبحان، أو ظهران، أو عصران، أو مغربان، أو عشاءان.. لزمه أن يصلي عشر صلوات. وفي التيمم وجهان:
أحدهماـ على قول الخضري ـ: يتيمم لكل صلاة من العشر.
والثاني: ـ على قول الأكثرين من أصحابنا ـ: يصلي صلوات يوم وليلة بتيمم، وصلوات يوم وليلة بتيمم.
فإن شك: هل هما متفقان، أو مختلفان.. لزمه أن يأخذ بالأشد، وهو: أنهما متفقان؛ لأنه أغلظ.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: صلوات الجنائز والنوافل بتيمم]

وإن أراد أن يصلي على جنائز صلوات بتيمم واحدٍ، فإن لم يتعين عليه.. جاز؛ لأنها كالنافلة في حقه، بدليل: أنه يجوز له تركها.
وإن تعينت عليه.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأنها إذا تعينت عليه.. صارت كفرائض الأعيان.
والثاني:
يجوز، وهو المنصوص؛ لأنها لو كانت كفرائض الأعيان.. لم يكن له أن يصلي
بتيمم على جنائز وإن لم تتعين عليه؛ لأنها بالفعل تتعين وتقع فريضة. هكذا
ذكر ابن الصباغ.
ويجوز له أن يصلي بتيمم ما شاء من النوافل؛ لأن أمرها
أخف؛ بدليل: أنه يجوز له تركها، ويجوز ترك القيام فيها مع القدرة عليه،
بخلاف الفرائض.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: تيمم ثم أحدث]

إذا تيمم عن الحدث الأصغر.. استباح به ما كان يستبيحه بالوضوء. فإن أحدث.. مُنع مما كان يمنع منه قبل التيمم، كالمتوضئ إذا أحدث.
وإن تيمم الجنب.. استباح الصلاة وقراءة القرآن، وجميع ما يستبيحه بالغسل.
فإن أحدث الحدث الأصغر.. لم يجز له أن يصلي، ولا يمس المصحف، وجاز له قراءة القرآن، واللبث في المسجد، كما لو اغتسل ثم أحدث.
فإن قيل: هلا قلتم لا يجوز له قراءة القرآن، واللبث في المسجد؛ لأن الحدث أبطل التيمم، فإذا بطل التيمم، عاد حكم الجنابة؟.
قلنا: التيمم هاهنا نائب عن الغسل، والحدث لا يبطل الغسل، فلا يبطل ما ناب عنه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: رأى الماء بعد تيمم وقبل الصلاة]

إذا تيمم لعدم الماء، ثم وجد الماء قبل الدخول في الصلاة.. بطل تيممه، خلافًا لأبي سلمة بن عبد الرحمن.
ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، ما لم يجد الماء، ولو عشر حجج، فإذا وجد الماء.. فليمسسه بشرته».
ولأن التيمم لا يراد لنفسه، وإنما يراد لاستباحة الصلاة. فإذا قدر على
الأصل قبل الشروع في المقصود منه.. لزمه العود إليه، كالحاكم إذا اجتهد،
فتغير اجتهاده قبل تنفيذ الحكم.
وإن عدم الماء في الحضر.. تيمم وصلى، وبه قال أبو يوسف، وحكاه الطحاوي عن أبي حنيفة.
وقال زفر: لا يصلي. وروي ذلك عن أبي حنيفة، وهو قول مخرج لنا، قد مضى.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، ما لم يجد الماء». ولم يفرق بين السفر والحضر.
فإذا وجد الماء بعد ذلك.. لزمه أن يعيد الصلاة.
وقال مالك:لا إعادة عليه. وبه قال الثوري، والأوزاعي، والمزني، وحكى المسعودي [في "الإبانة" ق\33] أنه أحد قولي الشافعي.
والأول أصح؛ لأن عدم الماء في الحضر عذر نادر غير متصل، فلم يسقط عنه فرض الإعادة، كما لو صلى بنجاسة نسيها.
فقولنا: (نادر) احتراز من عدم الماء في السفر.
وقولنا: (غير متصل) احتراز من الاستحاضة، ومن سلس البول؛ لأن الأعذار على ثلاثة أضرب:
الأول: عذر معتاد: وهو السفر، والمرض.
والثاني: عذر نادر متصل: وهو الاستحاضة، وسلس البول.. فهذان العذران يسقط معهما فرض الإعادة.
و
الثالث: عذر نادر منقطع: وهو عدم الماء في الحضر، وخوف البرد في الحضر،
ومثل أن يحبس في موضع لا يمكنه فيه القيام.. فيصلي قاعدًا. أو يجبر على
الصلاة قاعدًا، وما أشبه ذلك.. فهذا لا يسقط معه فرض إعادة الصلاة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: وجد المسافر الماء بعد صلاته بتيمم]

وإن تيمم في السفر لعدم الماء وصلى، ثم وجد الماء، فإن كان السفر طويلاً.. لم يجب عليه إعادة الصلاة.
وبه قال عامة العلماء، إلا ما حكي عن طاووس، فإنه قال: عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة.
دليلنا: ما روي: «أن
رجلين كانا في سفر، فعدما الماء، فتيمما وصليا، ثم وجدا الماء، فأعاد
أحدهما، ولم يعد الآخر، فأتيا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فأخبراه بذلك، فقال للذي لم يعد: أصبت السُنَّة، وقال للذي أعاد: لك
أجران».
ولأن عدم الماء في السفر عذر عام، فهو كما لو صلى مع سلس البول.
وإن كان السفر قصيرًا.. فهل يلزمه الإعادة؟ فيه قولان:
أحدهما: يلزمه الإعادة؛ لأنه سفر لا يجوز له فيه القصر والفطر، فهو كالحضر.
والثاني: ـ وهو الصحيح ـ: أنه لا إعادة عليه؛ لأنه موضع يعدم فيه الماء غالبًا، فهو كالسفر الطويل.
وقال
الشيخ أبو حامد: وإذا خرج الرجل إلى ضيعته وبستانه، فعدم الماء.. كان له
أن يتيمم، وينتفل على الراحلة، ويأكل الميتة إذا اضطر إليها.
فعلى مقتضى ما قاله: يكون سفرًا قصيرًا، وفي إعادة ما صلى فيه بالتيمم القولان.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: التيمم في سفر المعصية]

وإن كان في سفر معصية فعدم الماء.. فهل يستبيح الصلاة بالتيمم؟ فيه وجهان:
أحدهما
ـ حكاه في "الفروع" ـ: أنه لا يستبيحها، ولكن يقال له: تب واستبح الصلاة
بالتيمم، كما يقال له: تب وكل الميتة، إن كنت مضطرًا إليها.
والثاني: يستبيحها، وهو المشهور؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] ولم يفرق.
فعلى هذا: هل يلزمه إعادة ما صلى بالتيمم؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه؛ لأن سقوط الفرض بالتيمم رخصة تختص بالسفر، فلم يستبح ذلك في سفر المعصية، كالفطر والقصر.
والثاني: لا يلزمه الإعادة، لأنه صلى صلاة صحيحة بتيمم في سفر، فلم يلزمه الإعادة، كما لو كان السفر مباحًا.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تيمم لفقد الماء فجاء ركبٌ]

قال
في "الأم" [1/41] (فإن تيمم، فلم يدخل في الصلاة، حتى طلع عليه ركبٌ..
لزمه أن يسألهم عن الماء، سواء علم أن معهم ماء أو لم يعلم، فإن كان معهم
ماء، فلم يبذلوه له، أو وجد ماء فحيل بينه وبين الماء.. بطل تيممه الأول).
قال
في "الأم" [1/41] (ولو ركب البحر، ولم يكن معه ماء في مركبه، ولم يقدر
على استعمال ماء البحر لشدة.. تيمم وصلى، ولا إعادة عليه؛ لأنه غير قادر
على الماء).
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: إعادة طلب الماء إذا تيمم وثم حائل]

ذكر
في "العدة": ولو تيمم لعدم الماء، ثم رأى الماء ودونه سبع، فإن رآهما
معًا، أو عرف مكان السبع أولاً، ثم رأى الماء.. فتيممه باقٍ.
وإن رأى الماء، ثم عرف أنه محول دونه.. أعاد الطلب والتيمم؛ لأن الطلب والمصير إليه قد لزمه.
وكذلك لو رأى ماء في قعر بئر، وليس معه رشاء ولا دلو، فإن علم مكان الماء، وهو عالم بأنه لا آلة معه ذاكرٌ لذلك.. لم يبطل تيممه.
وإن رأى الماء وعنده أن معه آلة النزح، فلا طلب، أو تأمل ولم يجد.. أعاد التيمم.
قال
في " المذهب ": وإن تيمم، ثم وجد الماء وهو محتاج إليه لعطشه، أو
لبهائمه.. لم يبطل تيممه؛ لأنه لو كان موجودًا معه.. لم يلزمه استعماله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: إراقة ما معه من الماء]

وإن
كان معه ماء فأراقه، وتيمم وصلى، فإن أراقه قبل دخول الوقت.. لم يلزمه
إعادة ما صلى بالتيمم؛ لأنه أراقه قبل توجه فرض الطهارة عليه.
وإن أراقه بعد دخول الوقت.. فهل تلزمه الإعادة؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجب عليه الإعادة؛ لأنه فرط في إتلاف الماء، وترك الطهارة به مع القدرة عليها.
والثاني:
لا يجب عليه الإعادة، وهو اختيار القاضي أبي الطيب؛ لأنه بعد الإراقة عادم
للماء إن كان قد عصى بالإراقة.. فهو كمن قطع رجله، فإنه يعصي بذلك، وإذا
صلى جالسًا... أجزأه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: رأى الماء أثناء الصلاة]

وإن
تيمم لعدم الماء، ودخل في الصلاة، ثم وجد الماء في أثناء الصلاة، فإن كان
ذلك في الحضر، أو في سفر قصير وقلنا: يلزمه الإعادة.. بطلت صلاته؛ لأنه
تلزمه الإعادة، وقد وجد الماء، فوجب أن يشتغل بالإعادة.
وإن كان سفرٍ طويلٍ، أو في سفر قصير وقلنا: لا تلزمه الإعادة.. لم تبطل صلاته. وبه قال مالك، وداود.
وقال
أبو حنيفة، والثوري، والمزني، وأبو العباس ابن سريج: (تبطل صلاته)، إلا أن
أبا حنيفة يقول: (لا تبطل صلاة الجنازة والعيدين، ولا تبطل أيضًا الصلاة
برؤية سؤر البغل والحمار).
وقال الأوزاعي: (تصير نفلاً).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته، فينفخ بين أليتيه، ويقول: أحدثت، أحدثت.. فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا».
فمن قال: ينصرف إذا رأى الماء.. خالف ظاهر الخبر. ولأنه دخل في صلاة معتد بها، فلم تبطل برؤية الماء، كصلاة الجنازة والعيد.
فقولنا: (معتد بها) احترازًا منه إذا رأى الماء في صلاة الحضر.
إذا ثبت هذا: فهل له الخروج منها؟
من
أصحابنا من قال: الأفضل له أن يخرج منها؛ لأن الشافعي قال في (الكفارات):
(إذا وجد الرقبة في أثناء الصوم.. الأفضل أن يرجع إلى العتق). ولأنه يخرج
بذلك من الخلاف.
ومنهم من قال: لا يجوز له الخروج منها؛ لأنها صلاة فريضة صحيحة، فلا ينصرف عنها.
والأول
أصح؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - استحب لمن دخل في الصلاة منفردًا،
ثم رأى الجماعة يصلون... أن يخرج منها؛ ليصلي مع الجماعة. والخروج إلى
الطهارة أولى.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: تيمم ورعف في الفرض]

قال
في "الأم" [1/41] (وإن تيمم، فدخل في المكتوبة، ثم رعف.. انصرف، فإن وجد
الماء.. لزمه أن يغسل الدم ويتوضأ. وإن لم يجد من الماء إلا ما يغسل به
الدم عنه.. غسله واستأنف تيممًا؛ لأنه لما لزمه طلب الماء.. بطل تيممه).
وإن
صلى متيمم بمتوضئين، ومتيممين، فرأى المتوضئ الماء في أثناء الصلاة.. لم
تبطل صلاته؛ لأن رؤية المأموم المتوضئ للماء ليست برؤية للإمام المتيمم،
فلم تبطل به صلاة المتوضئ، كما لو كان منفردًا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: صلى بتيمم فرأى الماء ونوى الإقامة]

وإن دخل المسافر في الصلاة المفروضة بالتيمم، ثم رأى الماء في أثنائها، ثم نوى الإقامة بعد ذلك.. ففيه وجهان:
أحدهما
ـ وهو قول ابن القاص ـ: أن تيممه يبطل، وتبطل صلاته؛ لأنه صحيح مقيمٌ واجد
للماء، فبطلت صلاته، كما لو عدم الماء في الحضر، فتيمم وصلى، ثم رأى الماء
في أثناء الصلاة.
والثاني ـ حكاه في "العدة" ـ: لا تبطل صلاته؛ لأنه
افتتحها مع عدم الماء، فكان مأذونًا فيه، فوجود الماء لا يؤثر في إبطال
الصلاة، وجواز التيمم يفترق في الحضر والسفر، وإنما يختلفان في الإعادة.
وأما إذا نوى الإقامة دون رؤية الماء.. لم تبطل صلاته.
وقال القفال: إن كان في موضع لا يوجد فيه الماء غالبًا.. لم تبطل صلاته، وإن كان في بلد أو قرية.. بطلت صلاته.
فإذا قلنا: لا تبطل صلاته.. فهل يلزمه الإعادة؟ فيه وجهان:
أحدهما: تلزمه؛ لأنه يصير في حكم المتيمم للصلاة حال الإقامة لعدم الماء، فلزمته الإعادة.
والثاني:
لا تلزمه الإعادة، وهو قول ابن الصباغ؛ لأن الاعتبار في التيمم بالموضع
الذي يوجد فيه الماء نادرًا أو معتادًا، وهذا لا يقف على النية.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: رأى الماء حال صلاته بتيمم]

وإن
دخل في الفريضة بالتيمم، ثم رأى الماء في أثناء الصلاة، فلم يفرغ من
الصلاة حتى فني الماء.. فهل يجوز له أن يتنفل بذلك التيمم؟ فيه طرق:
أحدها ـ وهو المشهور ـ: أنه لا يجوز له؛ لأنه إذا رأى الماء، لم يكن له استفتاح الصلاة، كما لو رآه قبل الدخول.
والثاني:
ـ وإليه أشار ابن الصباغ ـ: أنه يجوز له التنفل؛ لأن هذا الماء لم يلزمه
استعماله لهذه الصلاة، ولا قدر على استعماله، فلم يبطل تيممه.
قال:
ويلزم من قال: لا يصلي النافلة بالتيمم، أن يقول: إذا مر عليه ركب، وهو في
الصلاة، ففرغ منها، وقد ذهب الركب.. لا يجوز له أن يصلي النافلة.
والثالث ـ حكاه أبو علي السنجي ـ: إن لم يعلم بتلفه قبل الفراغ.. لم يتنفل به، وإن علم بتلفه قبل الفراغ فوجهان.


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: رؤية الماء أثناء النافلة]

وإن دخل في صلاة نافلة بالتيمم، ثم رأى الماء في أثنائها.. ففيه خمسة أوجهٍ:
أحدها
ـ وهو المشهور ـ: إن كان قد نوى عددًا.. أتمه كالفريضة، وإن لم ينو
عددًا.. سلم من ركعتين، ولم يزد عليهما؛ لأن هذا هو الشرع في النافلة.
والثاني: ـ وهو قول أبي علي السنجي، وأبي زيد المروزي ـ: أنه لا يزيد على ركعتين، وإن نوى أكثر منهما.
والثالث ـ وهو قول أبي العباس ـ: أنه يقتصر على ما صلى منها؛ لأن ما مضى من النافلة يثاب عليه، والفريضة لا يثاب عليها إلا بإكمالها.
والرابع ـ وهو قول القفال ـ: أنه يزيد ما يشاء من عدد الركعات بعد رؤية الماء؛ لأنه قد صح دخوله فيها.
والخامس
ـ وهو قول صاحب "الفروع" و" المذهب " ـ: إن نوى عددًا.. أتمه، وإن لم
ينو.. بنى على القولين فيمن نذر صلاة: فإن قلنا: يلزمه ركعتان.. صلى
ركعتين، وإن قلنا: يلزمه ركعة.. لم يزد عليها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][فرع: لا يلزم المتيمم المريض إعادة صلاته]

وإن تيمم للمرض، وصلى.. لم تلزمه الإعادة؛ لأنا قد قلنا: إنه من الأعذار العامة، فهو كمن يصلي مع سلس البول.
وإن
خاف من استعمال الماء في البرد تلف النفس، أو تلف عضو، أو حدوث مرض يكون
منه ذلك، فإن كان في موضع يمكنه تسخين الماء، وأمكنه أن يغسل من بدنه عضوًا
ويدثره حتى يأتي على الكل.. لم يجز له التيمم؛ لأنه قادر على استعمال
الماء.
وإن لم يمكنه ذلك، بأن لم يجد ما يسخنه به، أو كانت الرفقة
سائرة، أو كان الماء في موضع لا يمكنه الانغماس فيه.. جاز له التيمم؛ لحديث
عمرو بن العاص.
وهل يلزمه الإعادة؟
إن كان ذلك في الحضر.. لزمته الإعادة قولاً واحدًا؛ لأنه عذر نادر غير متصل، فهو كما لو صلى بنجاسة نسيها.
وإن كان ذلك في السفر.. ففيه قولان:
أحدهما: لا تلزمه الإعادة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأمر عمرو بن العاص بالإعادة.
والثاني:
تلزمه الإعادة؛ لأنه عذر نادر غير متصل، فهو كعدم الماء في الحضر، وأما
الخبر: فيجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، ويجوز أنه لم يأمره بذلك؛ لعلمه
أن عمرًا يعلم ذلك.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: حكم الجبيرة على عضو التيمم]

قال الشافعي: (ولو ألصق على موضع التيمم لصوقًا.. نزع اللصوق وأعاد).
واختلف أصحابنا في مراد الشافعي بذلك:
فمنهم
من قال: أراد إذا كان على موضع التيمم قرح أو جرح، فألصق عليه الدواء بخرق
أو غيرها، ولا يخاف الضرر من نزعها.. فإنه يلزمه نزع اللصوق، وغسل الصحيح
الذي تحتها، والتيمم في موضع القرح، فيصلي ولا يعيد الصلاة.
ومعنى قول الشافعي: (وأعاد) يرجع إلى اللصوق، أي: إذا نزع اللصوق، وغسل الصحيح.. تيمم، وأعاد اللصوق على موضعها.
ومنهم
من قال: بل يراد أن يكون القرح على موضع التيمم، وعليه اللصوق، ويخاف من
نزعه الضرر.. فإنه يمسح عليه. فإذا نزع اللصوق.. تيمم على القرح، وأعاد
الصلاة؛ لأن التيمم لا يجزئ على حائل دون العضو.
وقوله: (أعاد) يرجع إلى الصلاة.
قال الشيخ أبو حامد: والتأويل الأول أصح.
وقال ابن الصباغ: أي المسألتين أراد.. فالحكم على ما ذكرناه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Arrow_top[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][مسألة: حكم الجبيرة]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا يعدو بالجبائر موضع الكسر، ولا يضعها إلا على وضوء).
وجملة ذلك: أن (الجبائر) هي الخشب التي توضع على الكسر.
وقوله:
(لا يعدو موضع الكسر) يريد: لا يتجاوز. وليس هذا على ظاهره؛ لأن الكسر لا
توضع عليه الجبائر خاصة، بل لا بد أن يضعها على شيء من الصحيح معه للحاجة
إليه. أراد: أي: أن لا يضع على شيء من الصحيح لا حاجة به إليه.
فإذا وضع
الجبيرة، ثم أراد الغسل أو الوضوء، فإن كان لا يخاف من نزعها ضررًا..
نزعها وغسل ما يقدر عليه من ذلك، وتيمم عما لا يقدر عليه.
وإن خاف من
نزعها تلف النفس، أو تلف عضو، أو إبطاء البرء أو الزيادة في الألم إذا
قلنا: إنه كخوف التلف.. لم يلزمه حلها، ولزمه غسل ما جاوز موضع الشد،
والمسح على الجبيرة.
والأصل فيه: ما روي «عن علي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أنه قال:انكسر زندي، فسألت النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرني أن أمسح على الجبائر».
وهل يلزمه أن يمسح جميعها؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه مسح الجميع؛ لأنه لا ضرر عليه في استيعاب مسحها، فلزمه كالتيمم.
والثاني: يجزئه ما يقع عليه اسم المسح؛ لأنه مسح على حائل منفصل عنه، فهو كالخف.
وهل يتقدر المسح؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\35]:
أحدهما: أنه يتقدر؛ لأنه مسح على حائل منفصل عنه، فهو كالخف.
والثاني:
لا يتقدر، بل يمسح عليه إلى أن يبرأ، وهو طريقة البغداديين من أصحابنا،
وهو الصحيح؛ لأن الحاجة تدعو إلى استدامة اللبس والمسح إلى البرء، بخلاف
الخفين، فإنه إذا استدام لبسهما.. تشوشت لفائفه وحميت رجلاه، فكان به حاجة
إلى نزعهما.
وواضع الجبيرة ما لم ينجبر.. حاجته باقية إلى اللبس، ويجوز
لواضع الجبيرة المسح عليها مع الجنابة، بخلاف لابس الخف؛ لما ذكرناه من
الفرق.
وهل يجب عليه أن يتيمم مع المسح؟ ذكر أصحابنا البغداديون فيها قولين:
الأول قال في القديم: لا يتيمم؛ لأنه لا يجب عليه بدلان من مبدل، كما لا يلزم ماسح الخف.
والثاني قال في الجديد: يتيمم؛ «لحديث
جابر في الرجل الذي أصابته الشجة في رأسه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصب على رأسه خرقة،
ويمسح عليها، ويغسل سائر بدنه».
ولأن واضع الجبيرة أخذ شبهًا من
الجريح؛ لأنه يخاف الضرر من غسل العضو، كما يخافه الجريح، وأخذ شبهًا من
لابس الخف؛ لأن المشقة تلحقة في نزع الجبيرة، كلابس الخف، فلما أشبههما..
وجب عليه أن يجمع بين حكميهما، وهما المسح والتيمم.
وأما صاحب "الإبانة" فقال [في ق\35] هل يلزمه التيمم؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يلزمه.
والثاني: لا يلزمه.
والثالث: إن كان تحت الجبيرة جراحة. لزمه، وإن لم يكن تحتها جراحه.. لم يلزمه.
فإن برئ الموضع.. لزمه حل الجبيرة، وغسل الموضع.
وإن سقطت عنه الجبيرة في الصلاة.. بطلت الصلاة في مدة المسح، كالخف إذا سقط عنه في الصلاة في مدة المسح.
وهل يلزمه إعادة ما صلى بالمسح؟ ينظر فيه:
فإن كان قد وضع الجبيرة على طهر.. ففيه قولان:
أحدهما ـ وهو الأشبه بالسنة ـ: أنه لا إعادة عليه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأمر علينا بالإعادة.
والثاني: عليه الإعادة. قال أصحابنا: وهو الأحوط؛ لأن هذا عذر نادر غير متصل، فهو كعدم الماء الحضر.
وأما حديث علي: فلا يصححه أهل النقل.
وإن كان قد وضعها على غير طهر.. مسح عليها، وصلى، وأعاد قولاً واحدًا، كما لو لبس الخف على غير طهارة.
قال الشيخ أبو حامد: ومن أصحابنا من قال: في الإعادة قولان، وليس بشيء.
قال ابن الصباغ: وهكذا الحكم فيه إذا كان على جرحه عصابة يخاف من نزعها.
وإن
كانت الجبيرة على موضع التيمم.. قال ابن الصباغ: فإن قلنا: يكفيه المسح
بالماء.. أجزأه. وإن قلنا: يحتاج إلى التيمم.. فإنه يمسح بالماء ويتيمم،
ويمسح بالتراب على الجبيرة وتلزمه الإعادة قولاً واحدًا؛ لأن الجبائر لا
يجزئ مسحها في التيمم؛ لأن البدل لا يكون على بدل.
وأما تجديد الطهارة
لكل صلاة: فإن قلنا: لا يتيمم.. كفته طهارة من الحدث إلى الحدث. وإن قلنا:
يتيمم.. احتاج إلى الطهارة عند كل صلاة مفروضة، ولا يجوز أن يجمع بين فرضين
بتيمم. وبالله التوفيق.


يتبــــــــــــــــــــع


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي 89ag110


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي Uo_ouo10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lisanarabs.yoo7.com
 
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب: اللباب في الفقه الشافعي*للمحاملي
» كتاب: بداية المجتهد وكفاية المقتصد * فى الفقة المالكى لاابن رشد «الحفيد»
» كتاب: الأم * للأمام الشافعى
» كتاب: الإجماع * فقه مقارن * لابن المنذر *
» كتاب: المغني * فقه حنبلي * لأبو محمد بن قدامة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى مجمع لسان العرب :: قِسْمُ العُلُومِ الشرعية :: مُنْتَدى العُلُومِ الشرعية :: مُنْتَدى أصول الفقه-
انتقل الى: